السعي في قضاء حوائج الناس من الأخلاق الإسلامية العالية الرفيعة التي ندب إليها الإسلام وحث
المسلمين عليها , وجعلها من باب التعاون على البر والتقوى الذي أمرنا الله تعالى به
فقال في محكم تنزيله : ” وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان
واتقوا الله إن الله شديد العقاب (2)
سورة المائدة .
وإن قضاء الحوائج واصطناع المعروف باب واسع يشمل كل الأمور المعنوية والحسية التي حثنا الإسلام
عليها , قال العلامة السعدي رحمه الله : أي ليعن بعضكم بعضا على البر وهو
اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأعمال الظاهرة والباطنة من حقوق الله وحقوق
الآدميين. تفسير السعدي : 218.
وهو نوع من الإيثار الذي مدح الله تعالى به المؤمنين فقال : ” للفقراء المهاجرين
الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم
الصادقون (8) والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في
صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه
فأولئك هم المفلحون (9) سورة الحشر .
ولا يقتصر على السعي في قضاء حوائج الناس على النفع المادي فقط، ولكنه يمتد ليشمل
النفع بالعلم، والنفع بالرأي ،والنفع بالنصيحة ، والنفع بالمشورة ،والنفع بالجاه ، والنفع بالسلطان .
ومن نعم الله تعالى على العبد أن يجعله مفاتحا للخير والإحسان , عن سهل بن
سعد، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:”عند الله خزائن الخير والشر، مفاتيحها الرجال، فطوبى
لمن جعله مفتاحا للخير، ومغلاقا للشر، وويل لمن جعله مفتاحا للشر، ومغلاقا للخير” .أخرجه ابن
ماجة (238) والطبرانى (6/150 ، رقم 5812) الألباني ( حسن ) انظر حديث رقم :
4108 في صحيح الجامع .
وأن يسخره لقضاء حوائج الناس , عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: ” إن لله أقواما اختصهم بالنعم لمنافع العباد، ويقرها فيهم ما بذلوها، فإذا
منعوها نزعها عنهم وحولها إلى غيرهم ”أخرجه الطبراني (12/358 ، رقم 13334) ، وابن عساكر
(54/5) . قال الهيثمى (8/192) : رواه الطبراني وضعفه ، وحسن حديثه ابن عدى. قال
الألباني 🙁 حسن لغيره ) صحيح الترغيب والترهيب 2/358.
قال أبو العتاهية:
اقض الحوائج ما استطعت*** وكن لهم أخيك فارج
فلخير أيام الفتى *** يوم قضى فيه الحوائج
ولقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم المثل والنموذج الأعلى في الحرص على الخير والبر
والإحسان , وفي سعيه لقضاء حوائج الناس وبخاصة للضعفاء والأيتام ,والأرامل , فلقد أمره الله
تعالى بذلك في كتابه الكريم فقال : ” عن ثابت ، عن أنس رضي الله
عنه أن امرأة كان في عقلها شيء ، فقالت : يا رسول الله ، إن
لي إليك حاجة ، فقال : يا أم فلان ، انظري أي السكك شئت ،
حتى أقضي لك حاجتك ، فخلا معها في بعض الطرق ، حتى فرغت من حاجتها.أخرجه
أحمد 3/285(14092) و”مسلم” 7/79(6114) و”أبو داود” 4819.
وعن أبي وائل ، عن الحارث بن يزيد البكري ، قال: خرجت أشكو العلاء بن
الحضرمي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فمررت بالربذة ، فإذا عجوز من
بني تميم ، منقطع بها ، فقالت لي : يا عبد الله ، إن لي
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجة ، فهل أنت مبلغي إليه ، قال
: فحملتها ، فأتيت المدينة ، فإذا المسجد غاص بأهله ، وإذا راية سوداء تخفق
، وبلال متقلد السيف بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت :
ما شأن الناس ؟ قالوا : يريد أن يبعث عمرو بن العاص وجها . قال
: فجلست ، قال : فدخل منزله ، أو قال : رحله ، فاستأذنت عليه
، فأذن لي ، فدخلت ، فسلمت ، فقال : هل كان بينكم وبين بني
تميم شيء ؟ قال : فقلت : نعم ، قال : وكانت لنا الدبرة عليهم
، ومررت بعجوز من بني تميم ، منقطع بها ، فسألتني أن أحملها إليك ،
وها هي بالباب ، فأذن لها ، فدخلت ، فقلت : يا رسول الله ،
إن رأيت أن تجعل بيننا وبين بني تميم حاجزا فاجعل الدهناء ، فحميت العجوز واستوفزت
، قالت : يا رسول الله ، فإلى أين تضطر مضرك ؟ قال : قلت
: إنما مثلي ما قال الأول : معزاء حملت حتفها ؛ حملت هذه ولا أشعر
أنها كانت لي خصما ، أعوذ بالله ورسوله أن أكون كوافد عاد . قال :
هيه ، وما وافد عاد ؟ (وهو أعلم بالحديث منه ، ولكن يستطعمه) قلت :
إن عادا قحطوا ، فبعثوا وافدا لهم ، يقال له : قيل ، فمر بمعاوية
بن بكر ، فأقام عنده شهرا يسقيه الخمر ، وتغنيه جاريتان ، يقال لهما :
الجرادتان ، فلما مضى الشهر ، خرج جبال تهامة ، فنادى : اللهم إن ك
تعلم أني لم أجئ إلى مريض فأداويه ، ولا إلى أسير فأفاديه ، اللهم اسق
عادا ما كنت تسقيه ، فمرت به سحابات سود ، فنودي منها : اختر ،
فأومأ إلى سحابة منها سوداء ، فنودي منها : خذها رمادا رمددا ، لا تبقي
من عاد أحدا.قال : فما بلغني أنه بعث عليهم من الريح إلا قدر ما يجري
في خاتمي هذا ، حتى هلكوا .قال أبو وائل : وصدق . قال : فكانت
المرأة والرجل إذا بعثوا وافدا لهم قالوا : لا تكن كوافد عاد .أخرجه أحمد 3/481(16049)
والترمذي” 3274 و”النسائي” ، في ”الكبرى” 8553.
وعن أنس بن مالك ، قال:كانت الصلاة تقام ، فيكلم النبي صلى الله عليه وسلم
الرجل في حاجة تكون له ، فيقوم بينه وبين القبلة ، فما يزال قائما يكلمه
، فربما رأيت بعض القوم لينعس من طول قيام النبي صلى الله عليه وسلم له.أخرجه
أحمد 3/161(12670) . وعبد بن حميد (1249) . والترمذي (518).
والسعي في قضاء حوائج الناس من الشفاعة الحسنة التي أمرنا الله تعالى بها فقال :
” من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له
كفل منها وكان الله على كل شيء مقيتا (85) سورة النساء .
عن أبي بردةبن أبي موسى ، عن أبيه ، قال:كان رسول الله صلى الله عليه
وسلم إذا جاءه السائل ، أو طلبت إليه حاجة . قال : اشفعوا تؤجروا ،
ويقضي الله على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم ماشاء.
أخرجه أحمد 4/ 40، والبخاري 2/ 14ومسلم 8/37 وأبو داود 5131.
وعن عكرمة عن ابن عباس قال ؛كان زوج بريرة عبدا يقال له مغيث كأنى أنظر
إليه يطوف خلفها ويبكى ودموعه تسيل على خده فقال النبى صلى الله عليه وسلم للعباس
يا عباس ألا تعجب من حب مغيث بريرة ومن بغض بريرة مغيثا فقال لها النبى
صلى الله عليه وسلم لو راجعتيه فإنه أبو ولدك قالت يا رسول الله تأمرنى قال
إنما أشفع قالت لا حاجة لى فيه.أخرجه أحمد 1/215(1844) و”الدارمي” 2292 و”البخاري” 7/62(5283) و”أبو داود”
2231 و”النسائي” 8/245 .
كما أنها لون من ألوان الصدقة ,عن أبي سلام ، قال أبو ذر:على كل نفس
في كل يوم طلعت فيه الشمس صدقة منه على نفسه ، قلت : يا رسول
الله ، من أين أتصدق ، وليس لنا أموال ؟ قال : لأن من أبواب
الصدقة : التكبير ، وسبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ،
وأستغفر الله ، وتأمر بالمعروف ، وتنهى عن المنكر ، وتعزل الشوكة عن طريق الناس
، والعظم ، والحجر ، وتهدي الأعمى ، وتسمع الأصم والأبكم حتى يفقه ، وتدل
المستدل على حاجة له قد علمت مكانها ، وتسعى بشدة ساقيك إلى اللهفان المستغيث ،
وترفع بشدة ذراعيك مع الضعيف ، كل ذلك من أبواب الصدقة منك على نفسك ،
ولك في جماعك زوجتك أجر ، قال أبو ذر : كيف يكون لي أجر في
شهوتي ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرأيت لو كان لك ولد فأدرك
، ورجوت خيره ، فمات ، أكنت تحتسب به ؟ قلت : نعم ، قال
: فأنت خلقته ؟ قال : بل الله خلقه ، قال : فأنت هديته ؟
قال : بل الله هداه ، قال : فأنت ترزقه ؟ قال : بل الله
كان يرزقه ، قال : كذلك فضعه في حلاله ، وجنبه حرامه ، فإن شاء
الله أحياه ، وإن شاء أماته ، ولك أجر. أخرجه أحمد 5/168(21816) . والنسائي في
”الكبرى” 8978.
بل أنها من أحب الأعمال وأعلاها وأزكاها عند الله تعالى , فعن ابن عمر رضي
الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” أحب الناس إلى
الله أنفعهم للناس وأحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على مسلم أو تكشف عنه كربة
أو تقضى عنه دينا أو تطرد عنه جوعا ولأن أمشى مع أخي المسلم في حاجة
أحب إلى من أن أعتكف في هذا المسجد شهرا ومن كف غضبه ستر الله عورته
ومن كظم غيظه ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملا الله قلبه رضا يوم القيامة ومن
مشى مع أخيه المسلم في حاجة حتى تتهيأ له أثبت الله قدمه يوم تزل الأقدام
وإن سوء الخلق ليفسد العمل كما يفسد الخل العسل ” أخرجه الطبراني في الأوسط (6/139
، رقم 6026) وفى الكبير (12/453 ، رقم 13646) ، وفى الصغير (2/106 ، رقم
861) ابن أبى الدنيا في كتاب قضاء الحوائج (ص 47 ، رقم 36) قال الألباني(
حسن ) انظر حديث رقم : 176 في صحيح الجامع .
وسبب للمغفرة وتثبيت أقدام العبد على الصراط يوم القيامة , قال الحسين : سألت أبي
عن دخول النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال:كان دخوله لنفسه مأذونا له في ذلك
، فكان إذا أوى إلى منزله جزأ دخوله ثلاثة أجزاء ، جزءا لله ، وجزءا
لأهله ، وجزءا لنفسه ، ثم جزأ جزأه بينه وبين الناس ، فيرد ذلك على
العامة بالخاصة ، ولا يدخر عنهم شيئا ، وكان من سيرته في جزء الأمة إيثار
أهل الفضل ناديه ، وقسمه على قدر فضلهم في الدين ، فمنهم ذو الحاجة ،
ومنهم ذو الحاجتين ، ومنهم ذو الحوائج ، فيتشاغل بهم ، ويشغلهم فيما أصلحهم والأمة
من مساءلتهم عنه ، وإخبارهم بالذي ينبغي لهم ، ويقول : ليبلغ الشاهد الغائب ،
وأبلغوني حاجة من لا يستطيع إبلاغي حاجته ، فإنه من أبلغ سلطا نا حاجة من
لا يستطيع إبلاغها إياه ، ثبت الله قدميه يوم القيامة .. من جالسه ، أو
قاومه في حاجة صابره ، حتى يكون هو المنصرف ، ومن سأله حاجة لم يرده
إلا بها ، أو بميسور من القول ، قد وسع الناس منه بسطه وخلقه ،
فصار لهم أبا ، وصاروا في الحق عنده سواء ..أخرجه ابن سعد1/422 و”الترمذي” ، في
) الشمائل( 8 و225 و336 و351 .
وسبب لأن يكون الله تعالى في عون العبد وحاجته كما كان في عون أخيه وحاجته
, عن سالم , عن أبيه , أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:المسلم
أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه من كان في حاجة أخيه كان الله عز وجل
في حاجته ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عز وجل عنه بها كربة من
كرب يوم القيامة ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة.أخرجه أحمد 2/91(5646) و”البخاري” 3/168(2442) و9و”مسلم”
8/18(6670) و”أبو داود” 4893 والترمذي” 1426 .
وسبب لدفع السوء عن العبد , فإن صنائع المعروف تقي مصارع السوء .
فلا ينبغي على المسلم أن تطرده الطيرة عن طلب حاجته أو السعي في قضاء حاجة
غيره , فعن عبد الله بن عمرو . قال : قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم:من ردته الطيرة من حاجة ، فقد أشرك . قالوا : يا رسول الله
، ما كفارة ذلك ؟ قال : أن يقول أحدهم : اللهم لا خير إلا
خيرك ، ولا طير إلا طيرك ، ولا إله غيرك.أخرجه أحمد 2/220(7045).
بل شرعت في الإسلام صلاة تسمى صلاة الحاجة , عن عبد الله بن أبى أوفى
الأسلمى قال:خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال من كانت له حاجة إلى
الله أو إلى أحد من خلقه فليتوضأ وليصل ركعتين ثم ليقل لا إله إلا الله
الحليم الكريم سبحان الله رب العرش العظيم الحمد لله رب العالمين اللهم إنى أسألك موجبات
رحمتك وعزائم مغفرتك والغنيمة من كل بر والسلامة من كل إثم أسألك ألا تدع لي
ذنبا إلا غفرته ولا هما إلا فرجته ولا حاجة هي لك رضا إلا قضيتها لي
ثم يسأل الله من أمر الدنيا والآخرة ما شاء فإنه يقدر. أخرجه ابن ماجة (1384)
والترمذي” 479 .
ولقد اقتدى الصحابة الكرام رضوان الله عليهم بالنبي صلى الله عليه وسلم في الحرص على
السعي لقضاء حوائج الناس , وكانوا يكتبون إلى ولاتهم بذلك , فقد كتب عمر بن
الخطاب رضي الله عنه إلى أبي موسى الأشعري : إنه لم يزل للناس وجوه يرفعون
حوائج الناس إليهم ؛ فأكرم وجوه الناس ، فبحسب المسلم الضعيف من العدل أن ينصف
في الحكم والقسمة . ابن عبد البر : المجالسة وجواهر العلم 2/282.
عن معمر عن عاصم بن أبي النجود أن عمر بن الخطاب كان إذا بعث عماله
شرط عليهم ألا تركبوا برذونا ولا تأكلوا نقيا ولا تلبسوا رقيقا ولا تغلقوا أبوابكم دون
حوائج الناس فإن فعلتم شيئا من ذلك فقد حلت بكم العقوبة قال ثم شيعهم فإذا
أراد أن يرجع قال إني لم أسلطكم على دماء المسلمين ولا على أعراضهم ولا على
أموالهم ولكني بعثتكم لتقيموا بهم الصلاة وتقسموا فيئهم وتحكموا بينهم بالعدل فإن أشكل عليكم شيء
فارفعوه إلي ألا فلا تضربوا العرب فتذلوها ولا تجمروها فتفتنوها ولا تعتلوا عليها فتحرموها. المصنف
, لعبد الرزاق الصنعاني 11/ 324.
وعن عبد الملك بن ميسرة عن النزال بن سبرة ، يحدث عن علي ، رضي
الله عنه ، أنه صلى الظهر ، ثم قعد في حوائج الناس ، في رحبة
الكوفة ، حتى حضرت صلاة العصر ، ثم أتي بماء ، فشرب ، وغسل وجهه
ويديه ، وذكر رأسه ورجليه ، ثم قام فشرب فضله وهو قائم ، ثم قال
: إن ناسا يكرهون الشرب قائما ، وإن النبي صلى الله عليه وسلم صنع مثل
ما صنعت.أخرجه أحمد 1/78 (583) و”البخاري” 7/143(5615) و”أبو داود” 3718 و”الترمذي” في (الشمائل) 209.
عن أبي الحسن ، قال : قال عمرو بن مرة لمعاوية : إني سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول:ما من إمام يغلق بابه دون ذوي الحاجة ، والخلة
، والمسكنة ، إلا أغلق الله أبواب السماء دون خلته ، وحاجته ، ومسكنته. فجعل
معاوية رجلا على حوائج الناس . أخرجه أحمد 4/231(18196) و”عبد بن حميد” 286 و”الترمذي”1332.
كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه يحلب للحي أغنامهم ، فلما استخلف قالت جارية
منهم : الآن لا يحلبها ، فقال أبو بكر : بلى وإني لأرجو أن لا
يغيرني ما دخلت فيه عن شيء كنت أفعله .
ولقد كان عمر يتعاهد الأرامل يستقي لهن الماء بالليل، ورآه طلحة بالليل يدخل بيت امرأة،
فدخل إليها طلحة نهارا، فإذا هي عجوز عمياء مقعدة فسألها: ما يصنع هذا الرجل عندك؟
قالت: هذا مذ كذا وكذا يتعاهدني يأتيني بما يصلحني ويخرج عني الأذى، فقال طلحة: ثكلتك
أمك يا طلحة، أعورات عمر تتبع؟.
وكان أبو وائل يطوف على نساء الحي وعجائزهن كل يوم فيشتري لهن حوائجهن وما يصلحهن.
وقال مجاهد: صحبت ابن عمر في السفر لأخدمه فكان يخدمني.
قال الشاعر :
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم * * * فطالما استعبد الإنسان إحسان
وكن على الدهر معوانا لذي أمل * * * يرجو نداك فإن الحر معوان
واشدد يديك بحبل الله معتصما * * * فأنه الركن إن خانتك أركان
من كان للخير مناعا فليس له * * * على الحقيقة إخوان وأخدان
من جاد بالمال مال الناس قاطبة * * * إليه والمال للإنسان فتان
قيل لابن المنكدر أي الأعمال أفضل ؟ قال : إدخال السرور على المؤمن . قيل
أي الدنيا أحب إليك ؟ قال الإفضال على الإخوان . أي التفضل عليهم والقيام بخدمتهم
.
وقال وهب بن منبه : إن أحسن الناس عيشا من حسن عيش الناس في عيشه
وإن من ألذ اللذة الإفضال على الإخوان , وكان خال القسري يقول : على المنبر
أيها الناس عليكم بالمعروف فإن فاعل المعروف لا يعدم جوازيه وما ضعف عن أدائه الناس
قوي الله على جوازيه .
قال ابن القيم – رحمه الله – في وصف شيخ الإسلام ابن تيميه : كان
شيخ الإسلام يسعى سعيا شديدا لقضاء حوائج الناس .
كان علي بن الحسين – رحمه الله – يحمل الخبز إلى بيوت المساكين في الظلام
فلما مات فقدوا ذلك ، كان ناس من أهل المدينة يعيشون ولا يدرون من أين
معاشهم فلما مات علي بن الحسين فقدوا ذلك الذي كان يأتيهم بالليل .قال الحطيئة :
من يفعل الخير لا يعدم جوازيه * * * لا يذهب العرف بين الله والناس
قال أحدهم معاتبا من تباطا في قضاء حاجة له :
حوائج الناس كلها قضيت * * * وحاجتي ما أراك تقضيها
أناقة الله حاجتي عقرت * * * أم أنبت الحرف في حواشيها
والحاجات لا تطلب إلا من أهل الإخلاص الذين يسعون لقضاء حوائج الناس طلبا لمرضاة الله
تعالى وليس من أجل مصلحة أو وجاهة أو شهرة , عن طاوس، عن ابن عباس،
قال: قال رجل يا رسول الله، إني أقف الموقف أريد وجه الله، وأريد أن يرى
موطني، فلم يرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلت: { فمن كان
يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا، ولا يشرك بعبادة ربه أحدا } [الكهف: 110] ”
الحاكم في المستدرك 2/112 وقال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين و لم يخرجاه.
كما تطلب الحوائج من الكرام وليس من اللئام , أنشد أبو الأسود الدؤلي:
وإذا طلبت إلى كريم حاجة * * * فلقاؤه يكفيك والتسليم
وإذا طلبت إلى لئيم حاجة* * * فألح في رفق وأنت مديم
فكن – أيها الحبيب – في قضاء حوائج الناس يكن الله تعالى في قضاء حاجتك
, واسع لتفريج كرباتهم يفرج الله عنك كربات الدنيا والآخرة .
اللهم إنا نسألك بنور وجهك الكريم الذي أشرقت له السموات والأرض وباسمك العظيم أن تقبلنا
وترضى عنا رضا لا سخط بعده أبدا , اللهم يا عظيم العفو ، يا واسع
المغفرة يا قريب الرحمة ، يا ذا الجلال والإكرام ، هب لنا العافية في الدنيا
والآخرة .
- بالصور ناس تقضي حوايج