حي السبيل يمثل جزءا من هوية جدة … هذا الحي الذي قدمه الملك عبدالعزيز –
يرحمه الله – قبل اكثر من ستين عاما سبيلا لساكنيه ليحمل اسمه المعني ..يرسم ماتبقى
من رائحة ماء الكنداسة.. عندما تسير في ممراته يجرك الماضي معه بقوة يضعك في قلب
الزمن يريك وجوه الساقيين.. وتكات العمد ..ونغمات الطرب القديم .. ومنازل الاثرياء كلها تسير امامك
وكان حكاوتي يهمس في اذنك كل دقيقة ليقول لك انظر هذا وذاك ..
ساكنو هذا الحي يرون احلامهم جزءا من اطراف الطريق الذي يقبعون عليه ساعات طوال يشرحون
الماضي بعصيهم على اسفلت جامد يصعب اختراقه، ولهذا يرون ان احلامهم يصعب التعبير عن مفرداتها
لان الكثير منها قد يصيب بغصة وحزن واندراج خارج اروقة مدار الحقيقة ولهذا هم يطوون
كل يوم احلامهم لانها تحتاج الى واقع محمل يعود بهم الى هدوء الماضي والسلوك القديم
الذي غاب عن اعينهم اليوم.
التاريخ يضيق امام تسارع الزمن
في البداية تحدث العم عبدالله عبيد احد معمري الحي ان هناك اناسا يسكنون، ولا يسكنون
هم لايرون النور كثيرا وهذه الازقة هي التي تريهم الضوء لايعرفون عن التطور كثيرا، فقد
امضيت اكثر من ستين عاما في هذا الحي وعاصرت الكثير .. ان هذا الحي تاريخ
بل يشكل كل تاريخ جدة فالكثير من الكبار الذين تسمع عنهم خرجوا من هنا من
هم يعاود الزيارة واخر تنكر وان اشهر المطاعم التي تراها بزينتها في الشمال كما تقولون..
اصولها دكايين صغيرة هنا. خلافا عن المساكن القديمة التي بها، والتي تقف شاهدا على هذه
المدينة الكبيرة فانا ارى جدة من هذا الحي مازالت صغيرة بسيطة وفي هذه الازقة الموحشة
كانت يوما ما الاكثر حركة ولكن الايام تتغير.
قد تستغرب ان منظر تلك الدهاليز المظلمة الموحشة السريعة الحركة لساكنيها قد لا يصلها النور
بسبب التشابك وضيق تلك الازقة التي اجزم ان شخصين لا يستطيعان المرور فيها سويا.
ان كل مايدور في السبيل يمنحك احساسا انك تعود للماضي مرة في وجوه الشيوخ الذين
يستقبلونك بفرحة المنتظرين لاقبال ضيف بابتسامات صادقة والدبابات القديمة التي قد تكون الو سيلة الافضل
للوصول الى المنازل بسبب ضيق الطرق فالكثير منها غير صالحة للمشي بسبب القاذورات والروائح الكريهة
واختلاط الصرف الصحي مع المياه العادية وايضا انغلاق هذه الاماكن التي لا توجد بها تهوئه
فالكثير من منازل السبيل هي غير مناسبة تمام حتى وان وجدت اماكن للتهوئه فان التصاق
المنازل وبعدها عن الشوارع يمنع وصول الضوء اليها.
الا ان ما يحز في النفس صورة المنازل العتيقة التي تهد فيسقط معها التاريخ القديم
لهذا الحي الذي يمثل جزءا شاهدا على عمارة ورجالات مدينة جدة..
المشاهير ترعرعوا
في هذا الحي
عبد الله النهاري رجل في الخمسين من عمره هو عاشق لحي السبيل ورغم حالته المادية
العالية الى انه يرفض الخروج من هذا الحي بل انه يبحث دائما عن تاريخ السبيل
عند كل من يعلم ان لديه شيئا يخفيه عنه.
يقول النهاري لقد اخرج هذا الحي كبار الفنانين وكذلك رجال الاعمال والرياضيين فقد لاتصدقني ان
بدايات الفنانين والمغنيين كانت هنا بالاضافة الى عوائل كبيرة.
مدبغة السبيل تورد الجلد الى لبنان وتركيا
العم يوسف عبدالله صاحب اول مدبغة في جدة.. قال لقد سمي الحي بهذا الاسم لان
المغفور له الملك عبدالعزيز تركه سبيلا لمن اراد ان يسكن اويبني فيه فاطلق عليه حي
السبيل وعمره يتجاوز الستين عاما، تخيل انني اول من عمل مدبغة بجدة في هذا الحي
كنا نجمع الجلود ونقوم بتصديرها الى لبنان وسوريا وتركيا من هذا الحوش هو اليوم مقفل،
لقد عشنا اياما جميلة في هذا الحي الهادىء والذي تبدل اليوم واصبح حي المتخلفين والعصابات.
وهناك بعض الشواهد التي تقف في وجه التغير.. فهذا المبنى هو قصر العمدة النحاس وهو
اشهر اهالي السبيل رحمه الله لقد كان من تجار الحي الكبار وصاحب نفوذ وقصره شاهد
على عراقة الحي..لقد كان نشطا بفنه وطربه وتجارته بل هو الحي الراقي في زمانه ومن
كان يعيش فيه هو من الصفوة لا اقول اليوم الا رحم الله السبيل الذي كان
رمزا لمدينة جدة.
وهنا بقايا بازان والذي تحول اليوم الى ملعب وجلسات للشباب والبازان منطلق السقيا، حيث نصطف
الحمير هنا بتنكها لتملئ ماء من البازان.
حارة المليون طفل..
اما مركاز عيسى الموسى فهو اكبرساحة داخل الحي
فقال العم عيسى عملت وكنت اتقاضى في اليوم الواحد ثماني قروش ومع هذا كنا اكثر
سعادة، واليوم الوضع اكثر حزنا انظر الى هذا الحي الذي كان رمزا من رموز جدة
هل ترى فيه من يمثله كلهم من الاجانب والمتخلفين حولوه الى اوكار للعبث هذا المكان
الذي نحن فيه يطلقون عليه حي المليون طفل وهو ملىء بكل شيء ورغم كل الجهود
التي تبذلها الدولة لمنع انتشار المخدرات به الى الوضع لم ينته لان المشكلة ان من
يسكن هنا ويخاف على هذا البلد ولايحترم هذا الحي وتاريخه وهمه الكسب باي طريق..
هكذا يبدو السبيل مزيج من الروائح منها العطرة بعبق التاريخ واخرى كريهة بخليط من الحزن
وخروج اهله وبؤر الفساد فيه فقد خرج من هذا الحي مليون طفل ونحن نستعد للخروج
من السبيل قبل الغربة خوفا من حدوث اي مكروه لان الوضع غير امن خاصة في
بعض اطراف الحي.. لكن الحقيقة ان حي السبيل هو ثقافة المنتصف في جدة وقنطرة الماضي
الى الحاضر واسماء ماتزال محفورة في ذاكرة الجميع بل خرجت الى خارج الوطن واصوات كانت
بالامس تغرد بداخله واليوم في انحاء الوطن العربي.
- حي السبيل معناه
- صور السبيل
- صورت وداع حي السبيل