من نعم الله تعالى على الانسان ان خلق له ما يصنع من ثيابه فيستر عورته
ويجمل مظهره، ويتقي به الحر والبرد، ويخفف عن وطاة الرياح والغبار.
قال تعالى بني ادم قد انزلنا عليكم لباسا يواري سوءاتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير
ذلك من ايات الله لعلهم يذكرون {26} ) [سورة الاعراف ].
ولا يكمل جمال الظاهر بغير النظافة، ولا يكمل صفاء الباطن وحسن المعاملة بغير تقوى ولطافة
.
ان النظافة تزيد من حسن الثوب ورونقه، ولو كان متخذا من نسيج رخيص. ولا حسن
ولا بهجة لثوب فذر ولو كان من افخر المنسوجات. فعلى المسلم ان يعتني بنظافة ثوبه
وحسن هندامه، كما يعتني بنظافة جسمه وحسن خلقه. فعن جابر بن عبد الله رضي الله
عنها قال : ” اتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فراى رجلا شعثا قد
تفرق شعره فقال : اما كان هذا يجد ما يسكن به شعره ؟ ” وراى
رجلا اخر وعليه ثياب وسخة فقال : ” اما كان هذا يجد ما يغسل به
ثوبه “[1].
يلبس المسلم الثوب النظيف ويتخذه من نوع يتلاءم مع امكانياته وسعته، ولا يجوز له ان
يتخذ من ثيابه مجالا للخيلاء والكبر. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” لا
يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من كبر، فقال رجل : ان الرجل
يحب ان يكون ثوبه حسنا، فقال : ان الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق
وغمط الناس “[2].
وتكلم المناوي في فيض القدير عن اهمال نظافة الثياب من قبل بعض العامة بحجة الزهد
والسلوك والاشتغال بنظافة الباطن فقال : وقد تهاون بذلك جمع من الفقراء حتى بلغ ثوب
احدهم الى حد يذم عقلا وعرفا، ويكاد يذم شرعا.
سول الشيطان لاحدهم فاقعده عن التنظيف بنحو نظف قلبك قبل ثوبك لا لنصحه بل لتخذيله
عن امتثال اوامر الله ورسوله واقعاده عن القيام بحق جليسه ومجامع الجماعة المطلوب فيها النظافة،
ولو حقق لوجد نظافة الظاهر تعين على نظافة الباطن . ومن ثم ورد ان المصطفى
صلى الله عليه وسلم لم يتسخ له ثوب قط كما في المواهب وغيرها ا ه[3].
وليعلم ان النجاسة تؤلف قسما كبيرا من الاوساخ، وانها من اسباب عدوى الامراض السارية، لانها
مفعمة بالجراثيم او وسط صالح لتكاثرها، فاذا اهمل تطهير ما اصابته من ثوب او بدن
تعرض الجسم للعدوى، واذا كثر عدد الجراثيم الداخلة الى الجسم تغلبت على مقاومته ووسائل دفاعه
وتكاثرت فيه وادت الى امراضه . ولذا حكم الاسلام بان طهارة ثياب المصلي كطهارة بدنه
شرط في صحة صلاته قال تعالى : ” وثيابك فطهر “[4].
قال الامام فخر الدين الرازي : اذا ترك لفظ الثياب والتطهر على ظاهره وحقيقته، فيكون
المراد منه انه عليه الصلاة والسلام امر بتطهير ثيابه من الانجاس والاقذار.
قال الشافعي : المقصود منه الاعلام بان الصلاة لا تجوز في ثياب طاهرة من الانجاس[5].
ولقد رغب الاسلام من المسلم ان يكون ثوب صلاته مع الجماعة غير ثوب عمله، حرصا
على تمام النظافة وحسن المظهر واللقاء، وسن للمقتدر ان يكون له ثوبا عمل وثوب صلاة
ليوم الجمعة يلبس النظيف منهما، عن محمد بن يحيى ابن حبان ان رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال : ” ما على احدكم ان وجد او ما على احدكم
ان وجدتم ان يتخذ ثوبين ليوم الجمعة سوى ثوبي مهنته ” وفي رواية عنه عن
ابن سلام : انه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر ”
ما على .. الخ ” [6] .
هذا وقد اوصى عليه الصلاة والسلام صحابته وهم في بيئة حارة بالثياب البيض، لان اللون
الابيض اقل الالوان اكتنازا للحرارة، ولان الوسخ والنجاسة يظهران عليها بجلاء، وذلك مدعاة في تنظيفها
وتطهيرها وعدم اهمالها . قال عليه الصلاة والسلام : ” عليكم بثياب البياض فالبسوها فانها
اطهر واطيب وكفنوا موتاكم “[7].
صحة المسكن
نظافة المسكن :
ان النفس لتنشرح للمكان التنظيف وتنقبض لمنظر القذارة وان قذارة المكان قد تصيب ثياب الانسان
المجاور او بدنه فتحلق به وساخة او جراثيم تكون سببا في عدواه بالامراض السارية.
وليتذكر المسلم ان طهارة مكان الصلاة شرط في صحة صلاته كما اسلفت لقوله تعالى :
(وعهدنا الى ابراهيم واسماعيل ان طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود) وهذا التطهير يشمل التطهير
من الانجاس والاقذار ومن مظاهر الشرك والاثام. وان بيت المسلم الملتزم لا يخلو من الصلاة
فيه اداء لفريضة او تنقلا او تهجدا .
وسنرى ان الاسلام اهتم بنظافة الطريق فكيف بنظافة المسكن . يروى عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم انه قال : ” ان الله طيب يحب الطيب، نظيف يحب النظافة،
كريم يحب الكرم، جواد يحب الجود، فنظفوا افنيتكم “[8].
وبما ان المساجد هي البيوت المعدة لاداء الصلاة ولاجتماع المسلمين لطلب العلم والتفقه في الدين،
فان الاعتناء بنظافتها اكد قال الرسول عليه الصلاة والسلام : ” البصاق في المسجد خطيئة
وكفارتها دفنها”[9].
ومن تمام نظافة المسكن ومكان العمل، العناية بنظافة دورات المياه وتغطية علب الاوساخ منعا لانتشار
الروائح المستكرهة، ولئلا يقف عليها ذباب او بعوضة او صراصير، فتكون هذه واسطة لنقل الجراثيم
الى الاغذية وغيرها فتلوثها وتكون سببا في عدوى الامراض من ديدان وزحار وتيفوئيد وهيضة (كوليرا)
وانتانات معوية اخرى .
وبهذه المناسبة اذكر اخوننا اهل الريف ان يكون تخليهم في اماكن خاصة،لا في الفلاة ليقل
انتشار الامراض السارية والاوبئة وان تكون دورات المياه بعيدة عن الابار وعن موارد المياه لئلا
تتلوث هذه واذا لم يكون للمرحاض (سيفون ) فيجب تغطيته لان الجرذان سبب في انتشار
الطاعون، لانها تمرض به وتنقله براغيثها الى الانسان، كما تنقل الجرذان جراثيم الاقذار.
ولقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يبول الانسان في مكان الاستحمام صونا
له من النجاسة وبعدا عن تردد الوسواس ببقاء النجاسة والاصابة ثانية برشاش الماء المنصب، فقال
عليه الصلاة والسلام : ” لا يبولن احدكم في مستحمه فان عامة الوسواس منه ”
[10] .
ويلزم ان تجمع اقذار المسكن في مكان منزو منه في سطل او صندوق محكم الاغلاق
يحوي كيسا من النايلون .
وينبغي الا تترك الاقذار في البيت طويلا، اي اكثر من اربع وعشرين ساعة، لما يخشى
من ضررها بعد ذلك. وعلى الفرع المختص في دائرة البلدية تعهد نقلها بالطرق الصحية بما
يمكن من السرعة. ويستحسن ان يضاف الى هذه الاقذار شيء من الكلس المطفا ان عرف
انها لن تنقل من المسكن بسرعة درءا لضررها واذاه[11].
وصايا صحية اخرى :
لقد امر رسول الله صلى الله عليه وسلم بامور تنفذ قبل النوم لوقاية البيت وساكنيه
قال عليه الصلاة والسلام : ” لا تتركوا النار في بيوتكم حين تنامون ” [12]
فقد يتطاير شرر في النار يؤدي الى حريق البيت واذية من فيهن وقد ينتشر من
النار غاز اوكسيد الفحم بكمية تؤدي الى تسمم من في البيت . وتبقى هذه الوصية
نافذة بالنسبة للمدافئ المنزلية التي تعمل بالمازوت اوالغاز او الكهرباء، بسبب المخاطر التي قد يؤدي
الهيا العوارض التي يمكن ان تطرا على تلك الالات وسير العمل فيها.
ولئلا يدخل البيت لص او حيوان مفترس او حيوان مؤذ او كلب او مصاب بدون
(الشريطية المكورة المشوكة) فيلح الضرر المباشر او غير المباشر على ساكني المنزل او محتوياته، امر
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ” خمروا الانية واوكئوا الاسقية واجيفوا الابواب
واطفئوا المصابيح فان الفويسقة ربما جرت الفتيلة فاحرقت اهل البيت “[13].
اي ربما جرت الفارة فتيل السراج الزيتي المستعمل في الازمنة السابقة فيحرق الطرف المشتعل من
الفتيل البيت .
وفي اقامة المخيمات والنوم في طريق السفر اوصى الرسول عليه الصلاة والسلام الا يكون ذلك
جوار الطريق مباشرة، لان الطريق ممر الدواب وماوى الهوام بالليل،اذ تاتي حيث ترمى الفضلات من
غذاء المسافرين . عن ابي هريرة رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال : ” اذا سافرتم في الخصب فاعطوا الابل حظها من الارض، واذا سافرتم
في الجدب فاسرعوا عليها السير وبادروا بها نقيها واذا عرستم فاجتنبوا الطريق فانها طرق الدواب
وماوى الهوام بالليل “[14].
نظافة الطريق :
ان نظافة الطريق ابهج لنفوس السالكين وانقى للنسيم وابعد عن اذى العاثرين ووسيلة هامة للحد
من تكاثر الذباب ونقله لجراثيم الامراض. وما اقبح عادة من يرمي الاقذار الى الشارع من
شرف الطوابق فتنتشر فيه وتسيء الى منظره وهوائه والى الصحة العامة، فمن فعل ذلك فقد
اذى مجتمعه ولوث سمعة بلده وفعل مستهجنا ووقع في الاثم .
ان اماطة الاذى عن الطريق شعبة من شعب الايمان، وان لفاعلها ثوابا عند الله تعالى
.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” الايمان بضع وسبعون شعبة او بعض
وستون شعبة، فافضلها قول لا اله الا الله وادناها اماطة الاذى عن الطريق، والحياء شبعة
من الايمان “[15]. وقال : ” بينما رجل يمشي بطريق وجد غصن شوك على الطريق
فاخره، فشكر الله له فغفر له ” [16] ، وقال عليه الصلاة والسلام : ”
عرضت علي اعمال امتي حسنها وسيئها، فوجدت في محاسن اعمالها الاذى يماط عن الطريق، ووجدت
في مساوئ اعمالها النخامة تكون في المسجد لا تدفن”[17].
فالتسبب في اتساخ الطريق واذى المارة سيئة تنقص من درجة الايمان الكامل وخاصة التخلي في
طريق المارة او ظلهم. قال عليه الصلاة والسلام : ” اتقو اللاعنين ، قيل :
وما اللاعنان؟ قال : الذذي يتخلى في طريق الناس او ظلهم “[18].
فعلى المواطنين كافة ان يساهموا في نظافة بلدهم، فلا يلقوا الاوساخ من النوافذ والشرف، بل
يضعوها في اماكنها من الطريق ليلا قبل جولة عمال التنظيفات، وهي في اكياس النايلون بعد
احكام ربطها وبعد اضافة شيء من المطهرات اذا امكن .
ونامل من رجال التنظيفات جزاهم الله خيرا وضاعف حسناتهم، ان ينشطوا في اماطة الاوساخ والاذى
عن الطريق. ومن الواجب نقل الاقذار في صناديق محكمة الاغلاق، حتى لا تتناثر في الطريق
او تفسد الهواء برائحتها المستكرهة، وان يكون النقل في الاوقات التي تكون الطرق والشوارع فيهاخالية
من المارة كما في اخر الليل .
ان الاسلام طهارة ونظافة وعبادة ولطافة، والنظافة جمال وكمال، والطهارة ركن وقائي من الامراض السارية،
فتحلوا بهما وربوا اولادكم عليها وساهموا في نشرهما في المجتمع وربوع الوطن ترضوا ربكم وتبلغوا
المظهر اللائق بكم وتساعدوا في تخفيف وطاة الامراض وانتشارها بينكم
- عن النظافة الشخصية