الحقد داء دفين ليس يحمله.. ..الا جهول مليء النفس بالعلل
مالي وللحقد يشقيني واحمله.. ..اني اذن لغبي فاقد الحيل؟!
سلامة الصدر اهنا لي وارحب لي.. ..ومركب المجد احلى لي من الزلل
ان نمت نمت قرير العين ناعمها.. .. وان صحوت فوجه السعد يبسم لي
وامتطي لمراقي المجد مركبتي.. ..لا حقد يوهن من سعيي ومن عملي
مبرا القلب من حقد يبطئني.. .. .اما الحقود ففي بؤس وفي خطل
ان الحقد حمل ثقيل يتعب حامله؛ اذ تشقى به نفسه، ويفسد به فكره، وينشغل به
باله، ويكثر به همه وغمه. ومن عجب ان الجاهل الاحمق يظل يحمل هذا الحمل الخبيث
حتى يشفي حقده بالانتقام ممن حقد عليه.
ان الحقد في نفوس الحاقدين ياكل كثيرا من فضائل هذه النفوس فيربو على حسابها.
معنى الحقد:
اذا نظرنا الى الحقد وجدناه يتالف من: بغض شديد، ورغبة في الانتقام مضمرة في نفس
الحاقد حتى يحين وقت النيل ممن حقد عليه.فالحقد اذا هو اضمار العداوة في القلب والتربص
لفرصة الانتفام ممن حقد عليه.
لقد امتدح الله المؤمنين الذين صفت نفوسهم وطهرت قلوبهم فلم تحمل حقدا على احد من
المؤمنين: (للفقراء المهاجرين الذين اخرجوا من ديارهم واموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله
ورسوله اولئك هم الصادقون * والذين تبواوا الدار والايمان من قبلهم يحبون من هاجر اليهم
ولا يجدون في صدورهم حاجة مما اوتوا ويؤثرون على انفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن
يوق شح نفسه فاولئك هم المفلحون * والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا
ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين امنوا ربنا انك رؤوف رحيم)
[الحشر:8- 11].
وقد تضعف النفس احيانا فتبغض او تكره لكن لا تستقر هذه البغضاء في نفوس المؤمنين
حتى تصير حقدا، بل انها تكون عابرة سبيل سرعان ما تزول؛ اذ ان المؤمن يرتبط
مع المؤمنين برباط الاخوة الايمانية الوثيق ؛فتتدفق عاطفته نحو اخوانه المؤمنين بالمحبة والرحمة، فهل يتصور
بعد هذا ان يجد الغل والحقد الى قلبه سبيلا؟
حكم الحقد:
لقد عد بعض العلماء الحقد من كبائر الباطن التي ينبغي على المؤمن ان يتنزه عنها،
وان يتوب الى الله منها.
علاج الحقد:
اما علاج الحقد فيكمن اولا في القضاء على سببه الاصلي وهو الغضب، فاذا حدث ذلك
الغضب ولم تتمكن من قمعه بالحلم وتذكر فضيلة كظم الغيظ ونحوهما، فان الشعور بالحقد يحتاج
الى مجاهدة النفس والزهد في الدنيا، وعليه ان يحذر نفسه عاقبة الانتقام، وان يعلم ان
قدرة الله عليه اعظم من قدرته، وانه سبحانه بيده الامر والنهي لا راد لقضائه ولا
معقب لحكمه، هذا من ناحية العلم، اما من حيث العمل فان من اصابه داء الحقد
فان عليه ان يكلف نفسه ان يصنع بالمحقود عليه ضد ما اقتضاه حقده فيبدل الذم
مدحا، والتكبر تواضعا، وعليه ان يضع نفسه في مكانه ويتذكر انه يحب ان يعامل بالرفق
والود فيعامله كذلك.
ان العلاج الانجع لهذا الداء يستلزم ايضا من المحقود عليه ان كان عاديا على غيره
ان يقلع عن غيه ويصلح سيرته، وان يعلم انه لن يستل الحقد من قلب خصمه
الا اذا عاد عليه بما يطمئنه ويرضيه، وعليه ان يصلح من شانه ويطيب خاطره، وعلى
الطرف الاخر ان يلين ويسمح ويتقبل العذر، وبهذا تموت الاحقاد وتحل المحبة والالفة.
من مضار الحقد:
قال بعض العلماء:[.. ان فساد القلب بالضغائن داء عضال، وما اسرع ان يتسرب الايمان من
القلب المغشوش، كما يتسرب السائل من الاناء المثلوم.
ان الشيطان ربما عجز ان يجعل من الرجل العاقل عابد صنم، ولكنه -وهو الحريص على
اغواء الانسان وايراده المهالك- لن يعجز عن المباعدة بينه وبين ربه، حتى يجهل حقوقه اشد
مما يجهلها الوثني المخرف، وهو يحتال لذلك بايقاد نار العداوة في القلوب، فاذا اشتعلت استمتع
الشيطان برؤيتها وهي تحرق حاضر الناس ومستقبلهم، وتلتهم علائقهم وفضائلهم، ذلك ان الشر اذا تمكن
من الافئدة (الحاقدة) تنافر ودها وارتد الناس الى حال من القسوة والعناد، يقطعون فيها ما
امر الله به ان يوصل ويفسدون في الارض.
ان الحقد المصدر الدفين لكثير من الرذائل التي رهب منها الاسلام، فالافتراء على الابرياء جريمة
يدفع اليها الكره الشديد (الحقد) وقد عدها الاسلام من اقبح الزور، اما الغيبة فهي متنفس
حقد مكظوم، وصدر فقير الى الرحمة والصفاء، ومن لوازم الحقد سوء الظن وتتبع العوارت، واللمز،
وتعيير الناس بعاهاتهم، او خصائصهم البدنية او النفسية، وقد كره الاسلام ذلك كله كراهية شديدة.
ان جمهور الحاقدين تغلي مراجل الحقد في انفسهم، لانهم ينظرون الى الدنيا فيجدون ما تمنوه
لانفسهم قد فاتهم، وامتلات به اكف اخرى، وهذه هي الطامة التي لا تدع لهم قرارا،
وهم بذلك يكونون خلفاء ابليس – الذي راى ان الحظوة التي كان يتشهاها قد ذهبت
الى ادم – فالى الا يترك احدا يستمتع بها بعدما حرمها، وهذا الغليان الشيطاني هو
الذي يضطرم في نفوس الحاقدين ويفسد قلوبهم، فيصبحون واهني العزم، كليلي اليد، وكان الاجدر بهم
ان يتحولوا الى ربهم يسالونه من فضله، وان يجتهدوا حتى ينالوا ما ناله غيرهم، اذ
خزائنه سبحانه ليست حكرا على احد، والتطلع الى فضل الله عز وجل مع الاخذ بالاسباب
هي العمل الوحيد المشروع عندما يرى احد فضل الله ينزل بشخص معين، وشتان ما بين
الحسد والغبطة او بين الطموح والحقد.
سلامة الصدر..طريق الى الجنة:
لقد وصف الله اهل الجنة واصحاب النعيم المقيم في الاخرة بانهم مبرئون من كل حقد
وغل، واذا حدث واصابهم شيء منها في الدنيا فانهم يطهرون منها عند دخولهم الجنة: (ونزعنا
ما في صدورهم من غل) [الاعراف:43]. ولهذا راينا من يبشر بالجنة من بين اصحاب النبي
صلى الله عليه وسلم لسلامة صدره، ففي الحديث عن انس بن مالك رضي الله عنه
قال: “كنا جلوسا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يطلع الان عليكم رجل
من اهل الجنة، فطلع رجل من الانصار تنطف لحيته من وضوئه قد علق نعليه بيده
الشمال، فلما كان الغد قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك، فطلع ذلك الرجل
مثل المرة الاولى، فلما كان اليوم الثالث قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل مقالته
ايضا، فطلع ذلك الرجل على مثل حاله الاول، فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم
تبعه عبد الله بن عمرو، فقال: اني لاحيت ابي فاقسمت اني لا ادخل عليه ثلاثا،
فان رايت ان تؤويني اليك حتى تمضي فعلت، قال: نعم، قال انس: فكان عبد الله
يحدث انه بات معه تلك الثلاث الليالي فلم يره يقوم من الليل شيئا غير انه
اذا تعار تقلب على فراشه ذكر الله عز وجل، وكبر حتى لصلاة الفجر. قال عبد
الله: غير اني لم اسمعه يقول الا خيرا، فلما مضت الثلاث الليالي وكدت ان احتقر
علمه قلت: يا عبد الله لم يكن بيني وبين ابي غضب ولا هجرة، ولكن سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لك ثلاث مرات: يطلع عليكم الان رجل من
اهل الجنة، فطلعت انت الثلاث المرات، فاردت ان اوي اليك، فانظر ما عملك، فاقتدي بك،
فلم ارك عملت كبير عمل، فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم؟ قال: ما هو الا ما رايت، فلما وليت دعاني فقال: ما هو الا
ما رايت غير اني لا اجد في نفسي لاحد من المسلمين غشا ولا احسد احدا
على خير اعطاه الله اياه، فقال عبد الله: هذه التي بلغت بك”.
فيا اخي الحبيب طالع هذه الكلمات المباركات التي سطرها بعض العلماء:
ليس اروح للمرء ولا اطرد لهمومه، ولا اقر لعينه من ان يعيش سليم القلب، مبرا
من وساوس الضغينة، وثوران الاحقاد، اذا راى نعمة تنساق لاحد رضي بها، واحس فضل الله
فيها، وفقر عباده اليها، واذا راى اذى يلحق احدا من خلق الله رثى له، ورجا
الله ان يفرج ويغفر ذنبه، وبذلك يحيا المسلم ناصع الصفحة، راضيا عن الله وعن الحياة،
مستريح النفس من نزعات الحقد الاعمى.
- الحقد
- www صور حقد