الحمد لله الذي انزل على عبده الكتاب
هدى وذكرى لاولي الالباب
واودعه من البدائع العجب العجاب
وجعله حاملا للاحرف السبعة وكمال الشرعة وفصل الخطاب
وصانه من شين اللحن وطروء المحو ومن كل ما يستراب
وجعله ايته على امتداد الاحقاب
مصداقا لقوله المجيد
:” سنريهم اياتنا في الافاق
وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق
اولم يكف بربك انه على كل شيء شهيد ”
وصلاة ربي وسلامه على من تلقى الوحي من ربه قرانا ..
وتنزل اليه في مدى عمره نجوما فرقانا
وسطر باذنه كتابا وديوانا ..
واقام صرحه بين يديه فجاء سامقا بنيانه ..
حتى استوى على سوقه ..
وسعدت الدنيا بانوار شروقه ..
اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وعلى اله ..
وشرف وعظم ..
وبعد :
قال تعالى : ” ان هذا القران يهدي للتي هي اقوم ”
ولم يقل ” ذلك ” اشارة قوية فيها الى قرب هذه الهداية ويسرها ..
على خلاف ما جاء في سورة البقرة :” ذلك الكتاب لا ريب ..”
فلهذا مقام ولتلك مقام ..
وقال اهل العلم بالبلاغة ” مراعاة المقام شرط في بلاغة الكلام ”
قال عليه الصلاة والسلام :” ان الله ليرفع بهذا القران اقواما ويضع به اخرين ”
االله يدعونا الى مادبته ..
يقدم لنا شيئا اسمه روحا من امره
على طبق من مادة نور من سر هدايته ..
يشير الى ذلك قوله تعالى : ” كذلك اوحينا اليك روحا من امرنا
ماكنت تدري ما الكتاب ولا الايمان
ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا ..”
قال تعالى :” الحمد لله الذي انزل على عبده الكتاب
ولم يجعل له عوجا ..”
تول عنا الحمد اذ علم عجزنا عن حمده ..
وعلمنا صيغة تفضح عن هذا العجز ” الحمد لله ”
ويواسينا البلاغيون حين يقولون ” خبر يراد به الانشاء ”
اي نحمد الله على ذلك بالصيغة التي علمتنا ..
كما في قولنا ” اللهم صل على سيدنا محمد ..”
اي اللهم تول هذه الصلاة عنا ..
عجز في مقام الثناء على نبيه و عجز عن حمده ..
والاعتراف بهذا العجز مقدمة الولوج اليه ..
لا بل ومقدمة العروج ..
يلفت نظر المتدبر في الكتاب الكريم استهلالان :
1- استهلال بما افتتح به الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم
” وحي الفرقان ”
ومن اول ما افتتح به الوحي الفرقان قوله تعالى
” اقرا باسم ربك الذي خلق ”
يجتمع به خطاب التكوين وخطاب الشرع ..
” اقرا” اي استعد للوحي .. استعد للقراءة ..
وقد جئنا بهذا الفهم من قول اهل اللغة :
” ويطلق الفعل على المباشر كذا على مقارب وناشر ”
والقارئ في لغة العرب والقران كثيرا ما يراد به ” الحافظ ”
كما ورد في الحديث :” يؤمكم اقرؤكم ”
اي احفظكم ..
بل كان يطلق القارئ على ” العارف بالكتاب حفظا وتاويلا ”
حتى قال الامام مالك رحمه الله وقد سئل عن ” يؤمكم اقرؤكم ”
فقال : افقهكم ..!
والقراءة لا تورث الفقه
” ومنهم اميون لا يعلمون الكتاب الا اماني ”
اي مجرد قراءة امنية ..
قال الشاعر :
” تمنى كتاب الله اول الليل واخره لاقى حمام المقادير ”
تمنى = قرا
وقال تعالى :” وما ارسلنا من قبلك من رسول ولا نبي
الا اذا تمنى القى الشيطان في امنيته ..”
تمنى = قرا
تسمى جملة القران بناء على فاتحة الوحي الفرقاني ” قرانا ”
على وزن ” فعلان ” “غفران ” من مصدر القراءة ..
اي هو الوحيد الجدير بالقراءة .
قال تعالى :” فاعلم انه لا اله الا الله ..”
بدا بالعلم من اجل قضية عظيمة وهي قضية التوحيد
فما بالك بما دونها ..!!
كما قال ” وليعلم الذين اوتوا العلم انه الحق من ربك فيؤمنوا به فتخبت له
قلوبهم ..”
فرتب المدارج على ماينبغي ان يكون عليه التلقي ..
” العلم فالايمان فالاخبات ..”
“اقرا باسم ربك الذي خلق ”
يشير اهل العلم الى تعلق القراءة باسم الرب
يفيد ان تربيتك لاتتيسر من غير مدخل العلم والمعرفة
” اقرا لتتربى ”
لابد ان يكون للعلم غاية عالية وشريفة تناسبه ..
فابراز عنوان الربوبية في تعلق مطلب القراءة
في هذا المعنى
” اقرا باسم ربك الذي رباك فخلقك واقرا لتتربي بهذه القراءة ”
ويؤيد هذا مابعد هذه الاية
” الذي خلق .. خلق الانسان من علق ..”
ووصف االله بالخالق والتنصيص على منشا الخلق ” من علق ”
اي منه كان هذا الخلق السوي
بتربية الله في اطوار اشارة الى مسالتين :
* ان في هذا العلم تكتمل في سرك
كما اكتملت بخلق الله في صورتك ..
فالذي كرمك وسواك صورة ..
هو الذي كملك بانزال الكتاب سيرة ..
*وفيها اشارة اخرى ان الانسان بالعلم يولد ميلادا اخر ..!
ومما ميز الله الانسان في صورته
ليدل على مايراد له من سيرته انه خلق منتصبا وحده ..
” افمن يمشي مكبا على وجهه امن يمشي سويا على صراط مستقيم ..”.
الاستهلال الثاني : كل فصل مستهل بمعنى الاستهلال الفرقاني
” ”
في معنى” اقرا باسم ربك”
” ” في العنونة بهذا الاسم
ينتبه الى مسالتين :
1- تقدير متعلق الجار والمجرور وهو متاخر لافادة الحصر .
2- تقدير ب ” اقرا ” لان المقام هنا مقام تلاوة ..
” اقرا , تدبر ” تدبر: تكلف تتبع الشيء الى ادباره ” اخره ”
قال اهل العلم : ” لمن يتدبر القران عليه ان لايغفل شيئا من اياته ..
والايات يمكن ردها الى جوانب اربعة
:” ملامح ايات النظم , الحكم , الرسم , العلم ”
وله بكل من هذه الاقسام علم ..
فهو القران ” كتاب , فرقان , هدى , نور , روح …”
فيجب على الناظر فيه ان ينظر الى هذه النواحي جميعها .
وجوانب التفسير في القران تقسم الى ثلاثة اقسام :
1- تفسير القران بالبيان : ويتفرع الى :
تفسير القران نفسه بنفسه …
بيان رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
بيان جيل الصحابة الكرام …
بيان الائمة المفسرين من جيل التابعين .
2- التفسير بعلوم البرهان : والاخذ بهذه العلوم فيما صح منها
وتجاوز مستوى النظرية والاحتمال
حتى لانعرض ايات االكتاب الى نوع من
انواع التكذيب او الرفض او الشك ..
وهو العلم الذي يسمى حاليا
” الاعجاز العلمي ”
3- اللطائف : وهي التي تشم ولاتفرك كما الزهرة ..
مثاله ماقاله الامام البخاري
في تفسير اية” لايمسه الا المطهرون ”
قال فيها اي لايتذوق طعمه الا من امن به ..
من غير النظر الى الحكم الفقهي او التفسير بانهم ” الملائكة “…!
هذا المعنى في حد ذاته صحيح ..
لكن دلالة الاية عليه من اللطائف ..
يكتفى بالقرب منها شما لا فركا ..
كما جاء في تفسير اية :” ولذكر الله اكبر ..”
اي اكبر من ذكركم له …
نحن غاية ذكرنا لله
ان نستحضره بعظمته وجلاله
اما ذكر الله لنا فهو المخلص من كل شفاء وعناء ..
~
عدة امور انفردت بها سورة الحجرات :
اولها من حيث موضوعها في وحي الكتاب .
2- من حيث موضوعها في التنبيه على معالم الاداب .
3- موقعها ضمن مطالع النداء الخاص والعام .
4- توسطها بين ثلاث سور هن نظيرات لها .
5- موقعها في ترتيب التلاوة
فهي فاتحة المفصل عند متاخري المالكية
والراجح عند الاحناف
والذي صححه الامام النووي من الشافعية
وجزم بان خلافه لا يصح ..
وقد خالف ابن كثير فقال
بانها ” ق ”
ومنهم من ذهب الى انها من عند ” محمد ” سورة القتال
وهو ماقال به الامام القادري :
” وصح في المفصل من القتال منجلي “
- احكام سوره الحجرات
- احكام التجويد في سوره الحجرات
- وصح في المفصل من القتال منجلي
- يقول الامام القادري وصح في المفصل من القتال منجلي