اثبات النسب فى الشريعة الاسلامية ………
هناك ثلاث قواعد تحكم ثبوت النسب فى الشريعة الاسلامية :
1 اقل مدة للحمل هى ستة اشهر :
فقد روى انه رفع الى عمر بن الخطاب رضى الله عنه ان امراة ولدت لستة
اشهر ، من وقت زواجها ، فهم عمر باقامة الحد عليها ، فقال له على
بن ابى طالب رضى الله عنه ، ليس لك ذلك ، قال الله تعالى :
( والوالدات يرضعن اولادهن حولين كاملين لمن اراد ان يتم الرضاعة ) وقوله تعالي (
وحمله وفصاله ثلاثون شهرا ) فحولان وستة اشهر ، فخلى عمر سبيلها ، ويروى ان
الذى قال له ذلك هو ابن عباس ، وهذا راى الائمة الاربعة وغيرهم من الفقهاء
(4)0
واما اقصى مدة للحمل فقد اختلف فيها الفقهاء :
ذهب الامام مالك الى انها خمس سنين ، وقال الشافعى اربع ، وهو راى عند
المالكية ، وراى الحنابلة ، وعن احمد ان اقصى مدة للحمل سنتان وهو راى الحنفية
، لما روى عن عائشة رضى الله عنها قالت: لا تزيد المراة عن السنتين فى
الحمل ، وقال محمد بن الحكم: ان اقصى مدة الحمل سنة قمرية ، وقال الظاهرية
اقصى مدة الحمل تسعة اشهر ، ولا يزيد على ذلك 0 وقال بن رشد :
هذه المسالة الرجوع فيها الى العادة والتجربة ، وقول بن الحكم والظاهرية هو الاقرب الى
المعتاد 0
وقد اخذ المشرع المصرى خروجا على المذهب الحنفى فى القانون رقم 25 لسنة 1929 براى
قريب من مذهب بن الحكم لان السنة عنده هلالية ، ذلك ان العمل بمقتضى مذهب
الامام / ابى حنيفة كان يقتضى اعتبار اقصى مدة للحمل سنتين ، ولكن القانون رقم
25 لسنة 1929 عد اقصى مدة الحمل سنة شمسية ( 365 ) يوما بالنسبة لسماع
دعوى نفقة العدة ، ودعوى النسب حسبما يفهم من نص المادة / 23 من القانون
سالف الذكر المعدل بالقانون رقم 100 لسنة 1985 0
2 السبب فى ثبوت النسب :
اتفق الفقهاء على ان العقد الصحيح هو السبب فى ثبوت نسب الولد الذى يولد فى
اثناء قيام العلاقة الزوجية ، الا انهم اختلفوا فى اشتراط الدخول او امكان الدخول :
فقال ابو حنيفة : ان العقد الصحيح وحده سبب فى ثبوت نسب الولد ولو لم
يلتق الرجل بالمراة قط 0
وقال احمد : فى قول ، والشافعى ، ومالك : ان العقد الصحيح سبب لثبوت
نسب ما تاتى به المراة فى اثناء قيام الزوجية او العدة اذا كان الدخول ممكنا
، فاذا ثبت انه غير ممكن فان النسب لا يثبت ، وكذلك اذا ثبت انهما
لم يتلاقيا قط ولم يكن فى الامكان تلاقيهما 0
اما شيخ الاسلام ابن تيميه : فقد اختار ان النكاح الصحيح يعد سببا لثبوت النسب
بشرط الدخول الحقيقى ، وقال ان احمد اشار فى رواية حرب بمثل ذلك 0
وهذا ما رجحه وبحق ابن القيم (1) حيث قال : وهذا هو الصحيح المجزوم به
فكيف تصير المراة فراشا ولم يدخل بها الزوج ولم يبن بها لمجرد امكان بعيد ؟
وهل يعد اهل العرف واللغة المراة فراشا قبل البناء بها ؟ وكيف تاتى الشريعة بالحاق
نسب من لم يبن بامراة ولا دخل بها ولا اجتمع بها بمجرد امكان ذلك ؟
وهذا الامكان قد يقطع بانتفائه عادة فلا تصير المراة فراشا الا بدخول محقق0
اما السبب فى ثبوت النسب الفاسد ومثال الزوجية الفاسدة زواج الرجل من اخته فى الرضاعة
او من تزوجت بغير شهود فهو الدخول الحقيقى وبدونه لا يثبت النسب ، ومثل ذلك
الوطء بشبهة من كل الوجوه 0
وقد اخذ المشرع المصرى خروجا على المذهب الحنفى فى القانون رقم 25 لسنة 1929 براى
وسط حيث منع عند الانكار سماع دعوى النسب لولد زوجة ثبت عدم التلاقى بينها وبين
زوجها من حين العقد ، ولا لولد زوجة اتت به بعد سنة من وقت غيبة
الزوج عنها0
3 الزنا لا يثبت نسبا :
لقوله r فى الحديث الصحيح: ” الولد للفراش وللعاهر الحجر”(2) ، ولان ثبوت النسب نعمة
والجريمة لا تثبت النعمة بل يستحق صاحبها النقمة 0
فاذا كان فعل الزنا خالى من اى شبهة مسقطة للحد فان النسب لا يثبت بالاجماع
، اما اذا كانت ثمة شبهة تمحو وصف الجريمة فان النسب يثبت على الراجح 0
ثانيا : اثبات النسب فى القانون المصرى :
نص المادة / 15 من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 الخاص ببعض احكام الاحوال
الشخصية جرى على انه : ” لا تسمع عند الانكار دعوى النسب لولد زوجة ثبت
عدم التلاقى بينها وبين زوجها من حين العقد ولا لولد زوجة اتت به بعد سنة
من غيبة الزوج عنها ولا لولد المطلقة المتوفى عنها زوجها اتت به لاكثر من سنة
من وقت الطلاق او الوفاة ” 0
يستند هذا النص من الشرع على :
1 قوله تعالى : ادعوهم لابائهم هو اقسط عند الله
2 قوله صلي الله عليه وسلم : ” الولد للفراش وللعاهر الحجر “، وقوله صلي
الله عليه وسلم :” ومن ادعى الى غير ابيه وهو يعلم انه غير ابيه فالجنة
عليه حرام ” (1)0
القاعدة الاصولية عند ابى حنيفة وصاحبيه ان : ” النسب يخاطر فى اثباته او يحتال
لاثباته ما امكن ” ، وذلك طبقا للقاعدة الشرعية القائلة ” بحمل المراة على الصلاح
واحياء للولد وحفظ له من الضياع ” 0وفى هذا ما يدل على مدى حرص الامام
وصاحبيه على ثبوت النسب صيانة للمولود من الضياع (2) 0
لا يعنى ذلك ان للمشرع الاسلامى فى اثبات النسب حرص خاص فكل ما يعنيه هو
اقرار الحق فيه شانه فى ذلك شان سائر الحقوق ، والفقهاء لهم فى ذلك مسائل
متفرقة منها ما روعى فيه الاحتياط ومنها ما لم يراع ذلك وهم جميعا يتكلمون عن
النسب حيث يكون الفراش ثابتا لا نزاع فيه.
ولثبوت النسب سبب ووسائل :
اولا : سبب اثبات النسب :
اما السبب فهو الزواج او ما يطلق عليه الفقهاء الشرعيون “الفراش” والمقصود بعلاقة الزوجية تلك
الزوجية الصحيحة ، او الزوجية الفاسدة ، وسواء كان الزواج مكتوبا او شفويا 0 اما
اذا كانت العلاقة بين الرجل والمراة ليست علاقة زوجية اى علاقة زنا فالمقرر شرعا ان
الزنا لا يثبت نسبا 0 والزوجية اما ان تكون صحيحة ، او فاسدة ، وفيما
يلى نوضح حكم كلا منهما :
1 الزوجية الصحيحة ( اى مجرد امكان الوطء بغض النظر عن تحقق وقوعه طالما انعقد
العقد ) شروط اثبات النسب بناء عليها ثلاثة(3) :
ا ان ياتى الولد بعد مضى ستة اشهر على الاقل من وقت الزواج او اقل
من سنة ، والعبرة بالاشهر الميلادية ، فاذا جاء الولد لاقل من ذلك فلا يثبت
نسبه الا اذا اعترف به الزوج 0ويفترض ذلك ايضا ان الام قد ولدته وكانت من
الناحية الطبية لا يوجد لديها ما يمنع الانجاب والا لم يثبت النسب لعدم قدرتها مثلا
لكونها عاقرا ، ويكفى لاثبات النسب فى هذه الحالة شهادة امراة واحدة مسلمة او رجل
كالطبيب 0
ب ان يكون الزوج ممن يتصور ان يكون الحمل منه عادة بان يكون قد بلغ
الاثنتى عشر سنة اى سن البلوغ ، ولم يكن عقيما لا يتصور الانجاب منه0
ج ان يكون من المتصور التلاقى بين الزوجين فعلا دون اشتراط الدخول او الخلوة 0
والمشرع المصرى لم يشترط لاثبات النسب فى الزوجية الصحيحة وجود وثيقة زواج رسمية، كما لا
يشترط فى اثبات عقد الزواج العرفى تقديم هذا العقد بل يكفى ان يثبت بالبينة (
شهادة الشهود) حصوله بشرط توافر الشروط والاركان الشرعية فيه 0
وتقدير انكار الخصم للزوجية المدعاة من عدمه يعد من مسائل الواقع التى يستقل بتقديرها قاضى
الموضوع، وبالتالى فهو مما لا يجوز اثارته امام محكمة النقض(4) 0كان هذا قبل الغاء الطعن
بالنقض كطريق من طرق الطعن فى احكام الاحوال الشخصية الاستئنافية بموجب القانون رقم 10 لسنة
2004 بشان اصدار قانون انشاء محاكم الاسرة (5) 0
فاذا ثبت نسب الولد بالزواج الصحيح لاستيفاء شروطه الثلاثة السابقة انغلقت امام الزوج وسائل نفيه
الا باتخاذه طرق الملاعنة استنادا لقوله تعالى : ( والذين يرمون ازواجهم ولم يكن لهم
شهداء الا انفسهم فشهادة احدهم اربع شهادات بالله انه لمن الصادقين ، والخامسة ان لعنة
الله عليه ان كان من الكاذبين ، ويدراو عنها العذاب ان تشهد اربع شهادات بالله
انه لمن الكاذبين ) فاللعان عند الحنفية اذا اتهم الزوج زوجته بالزنا او نفى نسب
ولدها اليه ، بشرط توافر شروطه 0
2 الزوجية الفاسدة كسبب لثبوت النسب :
ومثال الزوجية الفاسدة زواج الرجل من اخته فى الرضاعة او من تزوجت بغير شهود 0
ويجب لثبوت النسب فى الزوجية الفاسدة ان يكون الزواج ثابتا لا نزاع فيه رغم فساده
سواء كان الاثبات بالفراش او الاقرار او البينة 0
وكما يثبت النسب فى الزواج الفاسد فيثبت ايضا فى الوطء بشبهة ومثاله حالة المطلقة ثلاثا
ويصلها المطلق خلال العدة معتقدا انها تحل له على الرغم من بينونتها منه بينونة كبرى
0
وفى الحالتين الزواج الفاسد والوطء بشبهة لا يثبت فيهما النسب الا باحد طرق اربعة هى
قيام الفراش او الاقرار او البينة او حكم القافة 0
ثانيا : وسائل اثبات النسب :
اما وسائل اثبات النسب اى طرق اثبات علاقة الزوجية التى يترتب عليها اثبات النسب او
نفيه بعدم اثباتها فهى اربعة:
1 ثبوت الزوجية ( الفراش ) بكافة طرق الاثبات 0 2 الاقرار بالنسب او الاستلحاق
( دعوة النسب ) 0 3 البينة الشرعية 0 4 حكم القافة (2) ( يثبت
به النسب عند الجمهور ) 0
1 ثبوت الزوجية ( الفراش ) بكافة طرق الاثبات :
يثبت النسب بالزواج كما ذكرنا سواء كان صحيحا او فاسدا او تم الوطء بشبهة اذا
توافرت شروط كل منها ، وسواء كان الزواج رسميا او عرفيا صحيحا شرعا ، مكتوبا
او غير مكتوب 0
وفى حكم حديث قضت محكمة استئناف القاهرة للاحوال الشخصية بانه :
” وحيث انه لا يشترط فى اثبات عقد الزواج تقديم هذا العقد بل يكفى ان
يثبت بالبينة وقرائن الاحوال حصوله وحصول المعاشرة الزوجية تنفيذا له ، كما انه ليس باللازم
ان يشهد الشهود مجلس ذلك العقد بل يكفى ان يشهدوا بعلمهم بحصوله لان الشهادة بالتسامع
جائزة 0 كما ان المقرر شرعا ان النسب هو حق الله تعالى وهو من النظام
العام وقد جرى الشارع على اثباته حتى اذا دار الامر بين ثبوته ونفيه وترجح جانب
الاثبات وتقبل فيه الشهادة حسبة ويغتفر فيه التناقض لما قد يصاحبه من لبس او اخفاء
وتجوز فيه الشهادة بالشائع ويترتب النسب فى نكاح فاسد اذ الاصل ان النسب يحتال فى
اثباته بما هو جائز عقلا وقبوله شرعا لحمل المراة على الصلاح صيانة لشرفها وشرف عشيرتها
وللتستر على الاعراض واحياء للولد مراعاة لمصلحته “(3) 0
وعلى ذلك يمكن للزوجة اثبات العلاقة الزوجية الفراش بمعاينة الزوج المنكر لنسب ولده منها لواقعة
الولادة ، او حضوره مجلس العقد (4)، وتقبل قضاء شهادة الطبيب المولد فى اثبات واقعة
الولادة ، وكذلك شهادة امراة واحدة كما سبق القول 0
2 الاقرار بالنسب او الاستلحاق ( دعوة النسب ):
يعد الاقرار بالنسب سببا منشئا له اذا صدر من الاب مجردا دون التصريح انه من
زنا 0 ولا يشترط فى هذه الحالة المدة المشار اليها الا تقل مدة الحمل عن
ستة اشهر ، ولا تزيد عن سنة 0
ولقد اتى المشرع بقيود بموجب نص المادة / 7 من القانون رقم 1 لسنة 2000
فى حالة اذا كان المقر بالنسب قد توفى منكرا له فلا تقبل دعوى اثبات النسب
او الاقرار به او الشهادة على الاقرار به بعد الوفاة الا اذا وجدت اوراق رسمية
او مكتوبة جميعها بخط المتوفى وعليها امضاؤه او ادلة قطعية جازمة على صحة هذا الادعاء
0
والاقرار بالنسب نوعان : اقرار اصلى ، واقرار فرعى بالنسب :
الاول: الاقرار الاصلى : اى هو الاقرار بالبنوة او الابوة ، ولا يكون فيه حملا
للنسب على الغير0
ويشترط لثبوت النسب الاصلى بالاقرار اربعة شروط :
ا ان يكون المقر ببنوته ممن يولد مثله لمثل المقر 0
ب ان يصدق المقر له المقر اذا كان مميزا ، وان لم يكن كذلك ثبت
النسب دون حاجة لتصديقه 0
ج ان يكون المقر بنسبه مجهول النسب اى لا يعلم له اب فى البلد الذى
يوجد فيه 0
د الا يصرح المقر بالنسب ان المقر له ابنه من علاقة زنا 0
وتلك الشروط السابقة كما تسرى على المقر بالابوة ، تسرى ايضا على الام اذا اقرت
بالامومة، الا ان وجه الاختلاف بينهما ان الام ان اقرت بامومتها للطفل من زواج غير
شرعى اى علاقة زنا يثبت النسب للام الزانية بشرط اثبات المراة المقرة ولادتها للمقر له
بالامومة 0
الثانى : الاقرار الفرعى بالنسب :
وهو الاقرار الذى يكون فيه حملا للنسب على غير المقر 0 كما اذا قال الرجل
بان فلانا اخوه فان معنى ذلك جعله ابنا لابيه واخا له نفسه ولاخيه ان كان
موجودا 0
وهذا الاقرار لا يصلح بمفرده لاثبات النسب حال كون الاقرار يعد حجة قاصرة على المقر
فقط لا يتعداه الى الغير 0 ويشترط لصحة هذا الاقرار ان يصدقه من حمل الاقرار
بالنسب عليه او ان يثبت المقر صحة ما جاء باقراره بالبينة (1) 0
3 البينة الشرعية :
تعد البينة وهى شهادة الشهود احدى طرق اثبات النسب ، واذا ثبت النسب بموجبها فلا
حاجة لبحث ما اذا كان المطلوب اثبات نسبه من زواج صحيح اذ يكفى ثبوت النسب
باحد الطرق المقررة شرعا خاصة البينة ذلك ان لها حجة متعدية وليست قاصرة فى الاثبات
كما هو حال الاقرار(2) 0
الا انه يشترط لقبولها فى اثبات النسب معاينة واقعة الولادة او حضور مجلس العقد(3) 0
اما عن نصابها المقرر شرعا فهو رجلين او رجل وامراتين 0 ويكفى فيها التسامع استثناء
0
وفى احكام محكمة النقض المصرية اقرت بصحة الشهادة على وجود عقد الزواج وقيام العلاقة الزوجية
حتى ولو لم يعاين الشاهد العقد متى اشتهر عند الشاهد ذلك طبقا لمذهب الاحناف المعمول
به فى مصر فى دعاوى الاحوال الشخصية عند عدم وجود نص فقد جاء فى احد
احكامها : ” العشرة او المساكنة لا تعتبر وحدها دليلا شرعيا على قيام الزوجية والفراش
وانما نص فقهاء الحنفية على انه يحل للشاهد ان يشهد بالنكاح ولو لم يعاينه متى
اشتهر عنده باحد نوعى الشهادة الشرعية الحقيقية او الحكمية فمتى شهد ان رجلا وامراة يسكنان
فى موضع او بينهما انبساط الازواج وشهد لديه رجلان عدلان بلفظ الشهادة انها زوجته حل
له ان يشهد بالنكاح وان لم يحضر وقت العقد ، وهذا عند الصاحبين اما عند
ابى حنيفة فلا يجوز للشاهد ان يشهد على النكاح بالتسامع الا اذا اشتهر شهرة حقيقية
وهى ما تكون بالتواتر ” (1) 0
ويثبت النسب بشهادة رجلين او رجل وامراتين 0 ويعتد فى اثبات النسب بشهادة التسامع استثناء
0
4 حكم القافة ( يثبت به النسب عند الجمهور ) :
وكما سلف الذكر ان القافة لغة جمع قائف وهو الذى يعرف النسب بفراسته ونظره الى
اعضاء المولود ، وتعد القافة احد وسائل اثبات النسب شرعا وقانونا 0
فهى من الناحية الشرعية :
حكم رسول الله صلي الله عليه وسلم وقضاؤه باعتبار القافة والحاق النسب بها 0 حيث
ثبت فى الصحيحين من حديث عائشة رضى الله عنها قالت دخل على رسول الله صلي
الله عليه وسلم ذات يوم مسرورا تبرق اسارير وجهه فقال الم تر ان “مجززا المدلجى”
نظر انفا الى زيد بن حارثة واسامة بن زيد وعليهما قطيفة قد غطت رؤسهما وبدت
اقدامهما فقال ان هذه الاقدام بعضها من بعض فسر النبى rبقول القائف ولو كانت كما
يقول المنازعون من امر الجاهلية كالكهانة ونحوها لما سر بها ولا اعجب بها 00 ،
قال الشافعى والنبى صلي الله عليه وسلم اثبته علما ولم ينكره ولو كان خطا لانكره
لان فى ذلك قذف المحصنات ونفى الانساب (2) 0
وحكم القافة من الناحية القانونية وان كان معترف به شرعا فى اثبات ونفى النسب الا
انه من الناحية الواقعية نادرا ما يتم اللجؤ اليه كوسيلة من وسائل الاثبات وذلك بسبب
قلة عدد القافة فى العصر الحالى بل وندرتهم فى ظل ما طرا على العالم من
تقدم علمى وتكنولوجى فى عصر تحكمه الادلة المادية فى مجال الاثبات 0كما هو الحال فى
ظهور تحليل الانسجة او الحمض النووى وهو ما يعرف بتحليل ال D.N.A 0
المحكمة المختصة نوعيا ومحليا بنظر دعاوى اثبات ونفى النسب :
بموجب القانون رقم 1 لسنة 2000 بتنظيم اجراءات التقاضى فى مسائل الاحوال الشخصية وما نصت
عليه المادة/ 10 منه ، وكذلك ما نصت عليه المادة / 3 من القانون رقم
10 لسنة 2004 بانشاء محاكم الاسرة ، فان المحكمة المختصة بنظر دعاوى النسب هى محكمة
الاسرة الابتدائية 0
ويتعين قبل رفع الدعوى اللجؤ الى مكتب تسوية المنازعات الاسرية المختص بطلب تسوية النزاع حول
النسب ، عملا بنصوص المواد / 5 ، 6 ، 8 من القانون رقم 10
لسنة 2004 سالف الذكر ، والا قضى فى الدعوى بعدم قبولها عملا بنص المادة /
9 من ذات القانون 0
اما المحكمة المختصة محليا بنظر الدعوى فهى المحكمة التى يقع فى دائرتها موطن المدعى عليه
عملا بنص المادة / 15من القانون رقم 1 لسنة 2000 سالف الاشارة اليه 0 وذلك
اذا كان موطنه معلوما فاذا كان غير ذلك اى انه لم يكن للمدعى عليه موطن
معلوم فى مصر فان المحكمة المختصة محليا هى التى يقع فى دائرتها موطن المدعى 0
خاتمة :
والجدير بالذكر انه بلغت اعداد دعاوى اثبات وانكار النسب المنظورة امام المحاكم المصرية فى الاونة
الاخيرة ما يقرب من 12 الف قضية وهو عدد جد خطير ترجع اسباب هذا الكم
الهائل من الدعاوى فى الغالب الاعم منها الى تزايد عدد حالات الزواج العرفى وتنكر الازواج
لما يسفر عنه هذا الزواج من اطفال يحاولون التنصل من اثبات انسابهم اليهم ، مع
ضعف الوازع الدينى عند هؤلاء ، وعند البعض ممن يحاولن الصاق نسب اطفالهن الى من
ليسوا بابائهم بغرض الابتزاز او التشهير 0
فضلا عن ظهور انواع جديدة من الزواج بمسميات منها المالوف ومنها غير ذلك كالزواج السياحى
، والمؤقت ، او محدد المدة مسبقا ، او زواج المتعة ،وزواج المسيار ، وزواج
الطوابع؟؟ ، وزواج الدم ؟؟0
ولا ينبغى لنا الحكم على جميع تلك الدعاوى بانها لا تستند الى احقية رافعيها فى
اقامتها وانما نقول بان الغالب الاعم منها ما لا يستند الى حق ثابت وقائم يتفق
وصحيح الواقع والشرع والقانون.
ونود الاشارة الى انه اواخر القرن الماضى لم يكن هناك وسيلة علمية مؤكدة يمكن بواسطتها
التاكد من اثبات او نفى النسب حيث كان الاعتماد فى ذلك على تحليل عينة من
دم الطفل لمعرفة فصيلة دمه لمقارنتها بفصيلة دم الابوين ، ولم تكن تلك النتيجة مؤكدة
لنسب الطفل اذ انه على فرض تطابق فصيلة الدم بينهما فهناك ملايين من البشر يحملون
ذات الفصيلة وقد يكون هناك مصادفة تطابق بين فصيلة دم الاب الحقيقى للطفل ، والاب
المراد الصاق نسب الطفل اليه 0
ومع التقدم العلمى فقد ظهر ما يعرف بتحليل ال D.N.A الذى لا يعتمد فى اثبات
او نفى النسب على فصيلة الدم بل على تحليل الجينات الوراثية حيث يتم الحصول على
عينة من الدم من 2 الى 5 سم او مسحة من الغشاء المخاطى المبطن لتجويف
الفم لفحص من 7 الى 14 موقعا بهذا الحامض نصف تلك المواقع يكون مطابقا تماما
للاب والنصف الاخر يطابق تماما الام 0 ذلك ان كل خلية بجسم الانسان يوجد بها
46 كروموسوم ما عدا الحيوان المنوى والبويضة يوجد فى كل منهما 23 كروموسوم ، وتحمل
كل خلية حوالى 30 الى 35 الف جين نصفها ياتى من صفات الاب والنصف الثانى
من الام ، ويمكن الاعتماد على نتيجة ذلك التحليل فى نفى النسب بنسبة 100 %
، وفى اثبات النسب بنسبة 99.99 % وتظهر نتيجة التحليل خلال اسبوعين 0
وعلى الرغم من ذلك ارى انه على الرغم من دقة هذا التحليل على النحو السالف
ذكره كما اكد ذلك اطباء الطب الشرعى الا انه ونحن بصدد عمل بشرى قابل للخطا
، ولا يمكن التاكد من صحته بنسبة 100% فى جميع الاحوال فانه فى مقام اثبات
النسب وهو امر جد خطير يجب تحرى الدقة فلا يكتفى فى ذلك بالتحليل فقط بل
يتعين توافر دليل اخر مكمل له كالبينة 0 وحجتنا فى ذلك انه بالنظر فى كافة
الاكتشافات العلمية وقت ظهورها كانت غاية ما وصل اليه العلم وقتها ، وبعد فترة من
الزمن طالت او قصرت يظهر اكتشاف اخر جديد يدل على قصور الاكتشاف السابق عليه كما
كان هو الحال قبل ظهور تحليل ال D.N.A ، وما كان عليه العمل من استخدام
فصيلة الدم كمؤشر لنفى النسب اكثر منه دليلا على اثباته 0
هذا من ناحية ومن ناحية اخرى فان تحليل ال D.N.A ليس دليلا كافيا بذاته لاثبات
النسب اذ ان نتيجته قد يترتب عليها اثبات النسب ليس للاب الحقيقى بل يتعداه الى
شخص اخر هو والد هذا الشخص ، او اخيه لاتحاد الجينات الوراثية بينه وبينهما وبين
الطفل المراد اثبات نسبه ، وهنا يتضح ما سبق قوله من عدم وجود وسيلة بشرية
مؤكدة النتائج 100 % 0
ويثور التساؤل فى ظل عدم وجود نص يطبق حد الزنا على مرتكبيه هل يصبح الادعاء
بان الولد وليد او نتاج علاقة اثمة مخرجا للرجل او المراة من اثبات النسب ؟
ونجيب على هذا التساؤل بان الشريعة الاسلامية لا تعترف باثبات النسب طالما كان الولد نتيجة
علاقة محرمة شرعا علاقة الزنا سواء اعترف بها طرفا هذه العلاقة او اعترف بها احدهما0
ففى حالة اعتراف الرجل بالزنا هروبا من اثبات الولد له فان الشريعة الاسلامية تطبق عليه
الحد المعروف على مرتكب هذه الكبيرة ، اما وقد خلا القانون المصرى من نص يطبق
حد الزنا على امثال هؤلاء فقد بات ذلك الادعاء بالزنا مخرجا لهم لانكار نسب الولد
لهم خاصة وان المشرع المصرى يطبق فى هذه الحالة مذهب الامام ابى حنيفة الذى لا
يقر باثبات النسب لمدعى انه وليد علاقة زنا 0
لذلك فقد تقدم احد اعضاء مجلس الشعب بمشروع قانون لم يناقش بعد يتضمن النص على
جعل تحليل ال D. N. A وجوبيا فى امثال تلك الدعاوى ، وجعل جزاء الادعاء
الكاذب باثبات النسب عقوبته الغرامة المالية الكبيرة 00 ولكن يثور التساؤل اذا كان هذا المشروع
بقانون يضيف وسيلة جديدة من وسائل اثبات النسب ، فما هو الحل اذا جاء التحليل
مؤكدا نسبته اليه وسبق لنا القول ان هذا التاكيد محل نظر اذ قد ياتى التحليل
بتلك النتيجة مع والد هذا الشخص ، او اخيه لاتفاق انسجة كل منهم ثم ادعى
المراد نسب الولد له انه ثمرة علاقة زنا ؟ خاصة وان الشريعة الاسلامية كما ذكرنا
انها باتفاق الفقهاء لا تعترف بالنسب المترتب على علاقة الزنا ؟0
فاذا صدر هذا المشروع بقانون على النحو المذكور وترتب عليه اثبات النسب مع وجود الادعاء
بانه وليد علاقة اثمة شرعا ، يكون فى هذا الاثبات للنسب مخالفة صريحة لاحكام الشريعة
الغراء فضلا عن مخالفته بالتبعية للمادة الثانية من الدستور المصرى0 اذن ما هو الحل ؟؟؟
الحل فى اعتقادى ان يتضمن هذا المشروع بقانون تعديلا بالاضافة باضافة نص جديد لقانون العقوبات
،او يضع نصا خاصا فى هذا القانون المزمع اصداره يجرم ارتكاب كبيرة الزنا قانونا ،
ويضع لها عقوبة مشددة كما وردت بالشريعة الاسلامية ، وبذلك يقع الشخص الراغب فى الفرار
من اثبات النسب بين نارين اما الاعتراف بالنسب ، او الادعاء بان الولد نتيجة علاقة
زنا وهنا يكون عليه تنفيذ العقوبة المغلظة المقررة لمرتكب تلك الجريمة 0
وفى اعتقادى ايضا ان مثل ذلك النص المشدد المقرر لعقوبة الزنا يحقق عدة اهداف فى
ان واحد :
الاول : انه يعد تطبيقا لشرع الله عز وجل ابتغاء مرضاته 0
والثانى : انه يقلل بل وقد يحد من تفكير اصحاب الضمائر المريضة من ارتكاب مثل
تلك الكبائر 0
والثالث : انه يحد من عدد دعاوى اثبات وانكار النسب الغير قائمة على اسا س
من الواقع او الحقيقة ، حيث من يقع فى ارتكاب الفاحشة الزنا ويتولد عن هذه
الجريمة ولد ، سيكون اهون عليه الاعتراف به من الادعاء كذبا بالزنا هروبا من اثبات
نسب الولد له ، ومن ثم توقيع عقوبة الزانى المقترحة عليه 0 ومن ثم الحفاظ
على حق هؤلاء الصغار الذين لم يرتكبوا خطا ويدفعون ثمن اخطاء ابائهم طيلة حياتهم معيرين
بين اقرانهم باسوا الصفات 0
لذلك نهيب بالمشرع التدخل بوضع نص تشريعى يجرم الزنا ، ويضع له اشد العقوبات حتى
تكون محققة للغرض والهدف من العقوبة من تحقيق الردع الخاص ردعا لمرتكبى تلك الجريمة ،
والردع العام لكل من تسول له نفسه مجرد التفكير فى ارتكابها ، حماية للاعراض والانساب
، وحفظا لحقوق العباد ، ودرءا للشبهات