محمد حسان المولد النبوي الشريف

الحمد للة رب العالمين، و الصلاه و السلام علي نبينا محمد و الة و صحبة اجمعين، و بعد :


فلا يخفي ما و رد فالكتاب و السنه من الامر باتباع ما شرعة الله و رسوله، و النهى عن الابتداع فالدين، قال – تعالي – ( قل ان كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله و يغفر لكم ذنوبكم)) [ال عمران : 31]، و قال – تعالي – : ((اتبعوا ما انزل اليكم من ربكم و لا تتبعوا من دونة اولياء قليلا ما تذكرون)) [الاعراف : 3]،، و قال – تعالي – ( و ان ذلك صراطى مستقيما فاتبعوة و لا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله)) [ الانعام : 153]، و قال -صلي الله علية و سلم- : ان اصدق الحديث كتاب الله، و خير الهدى هدى محمد، و شر الامور محدثاتها، و قال -صلي الله علية و سلم- : من اخر فامرنا ذلك ما ليس منة فهو رد(1)، و فروايه لمسلم : من عمل عملا ليس علية امرنا فهو رد..


و ان من جمله ما احدثة الناس من البدع المنكره الاحتفال بذكري المولد النبوى فشهر ربيع الاول؛ و هم فهذا الاحتفال علي نوعيات :


فمنهم من يجعلة مجرد اجتماع تقرا فية قصه المولد، او تقدم فية خطب و قصائد فهذة المناسبة.


و منهم من يصنع الاكل و الحلوي و غير هذا و يقدمة لمن حضر.


و منهم من يقيمة فالمساجد، و منهم من يقيمة فالبيوت.


و منهم من لا يقتصر علي ما ذكر، فيجعل ذلك الاجتماع مشتملا علي محرمات و منكرات من اختلاط الرجال بالنساء و الرقص و الغناء، او اعمال شركيه كالاستغاثه بالرسول -صلي الله علية و سلم- و ندائة و الاستنصار بة علي الاعداء و غير ذلك، و هو بجميع نوعياتة و اختلاف اشكالة و اختلاف مقاصد فاعلية لا شك و لا ريب انه بدعه محرمه محدثه بعد القرون المفضله بازمان طويلة؛ فاول من احدثة الملك المظفر ابو سعيد كوكبورى ملك اربل فاخر القرن السادس او اول القرن السابع الهجري، كما ذكرة المؤرخون كابن كثير و ابن خلكان و غيرهما.


و قال ابو شامه : و كان اول من فعل هذا بالموصل الشيخ عمر بن محمد الملا احد الصالحين المشهورين، و بة اقتدي فذلك صاحب اربل و غيره.


قال الحافظ ابن كثير فالبدايه (2) فترجمه ابى سعيد كوكبورى : و كان يعمل المولد الشريف فربيع الاول و يحتفل بة احتفالا هائلا… الي ان قال : قال السبط : حكي بعض من حضر سماط المظفر فبعض الموالد انه كان يمد فذلك السماط خمسه الاف راس مشوي، و عشره الاف دجاجة، و ما ئه الف زبدية، و ثلاثين الف صحن حلوى… الي ان قال : و يعمل للصوفيه سماعا من الظهر الي الفجر و يرقص بنفسة معهم ا. ه.


و قال ابن خلكان فو فيات الاعيان (3) : فاذا كان اول صفر زينوا تلك القباب بانواع الزينه الفاخره المتجملة، و قعد فكل قبه جوق من الاغاني، و جوق من ارباب الخيال و من اصحاب الملاهي، و لم يتركوا طبقه من تلك الطبقات (طبقات القباب) حتي رتبوا بها جوقا.


و تبطل معايش الناس فتلك المدة، و ما يبقي لهم شغل الا التفرج و الدوران عليهم… الي ان قال : فاذا كان قبل يوم المولد بيومين اخرج من الابل و البقر و الغنم شيئا كثيرا زائدا عن الوصف و زفها بجميع ما عندة من الطبول و الاغانى و الملاهي، حتي ياتى فيها الي الميدان… الي ان قال : فاذا كانت ليله المولد عمل السماعات بعد ان يصلى المغرب فالقلعة. ا. ه.


فهذا مبدا حدوث الاحتفال بمناسبه ذكري المولد، حدث متاخرا و مقترنا باللهو و السرف و اضاعه الاموال و الاوقات، و راء بدعه ما انزل الله فيها من سلطان.


و الذي يليق بالمسلم انما هو احياء السنن و اماته البدع، و ان لا يقدم علي عمل حتي يعلم حكم الله فيه.


ذلك ؛ و ربما يتعلق من يري احياء هذة البدعه بشبة اوهي من بيت =العنكبوت، و ممكن حصر هذة الشبة فيما يلى :


1- دعواهم ان فذلك تعظيما للنبى -صلي الله علية و سلم- .


و الجواب عن ذ لك ان نقول : انما تعظيمة -صلي الله علية و سلم- بطاعتة و امتثال امرة و تجنب نهية و محبتة -صلي الله علية و سلم-، و ليس تعظيمة بالبدع و الخرافات و المعاصي، و الاحتفال بذكري المولد من ذلك القبيل المذموم، لانة معصية. و اشد الناس تعظيما للنبى -صلي الله علية و سلم- هم الصحابه – رضى الله عنهم -، كما قال عروه بن مسعود لقريش : يا قوم! و الله لقد و فدت علي كسري و قيصر و الملوك، فما رايت ملكا يعظمة اصحابة ما يعظم اصحاب محمد محمدا -صلي الله علية و سلم-، و الله ما يمدون النظر الية تعظيما له، و مع ذلك التعظيم ما جعلوا يوم مولدة عيدا و احتفالا، و لو كان هذا مشروعا ما تركوه.


2- الاحتجاج بان ذلك عمل كثير من الناس فعديد من البلدان.


و الجواب عن هذا ان نقول : الحجه بما ثبت عن الرسول -صلي الله علية و سلم- . و الثابت عن الرسول -صلي الله علية و سلم- النهى عن البدع عموما، و ذلك منها. و عمل الناس اذا خالف الدليل فليس بحجة، و ان كثروا ( و ان تطع اكثر من فالارض يضلوك عن سبيل الله)) [الانعام : 116]، مع انه لا يزال – بحمد الله – فكل عصر من ينكر هذة البدعه و يبين بطلانها، فلا حجه بعمل من استمر علي احيائها بعد ما تبين له الحق. فممن انكر الاحتفال بهذة المناسبه شيخ الاسلام ابن تيميه ف” اقتضاء الصراط المستقيم “، و الامام الشاطبى ف“الاعتصام”، و ابن الحاج ف“المدخل”، و الشيخ تاج الدين على بن عمر اللخمى الف فانكارة كتابا مستقلا، و الشيخ محمد بشير السهسوانى الهندى فكتابة “صيانه الانسان”، و السيد محمد رشيد رضا الف فية رساله مستقلة، و الشيخ محمد بن ابراهيم ال الشيخ الف فية رساله مستقلة، و سماحه الشيخ عبدالعزيز بن باز، و غير هؤلاء ممن لا يزالون يكتبون فانكار هذة البدعه جميع سنه فصفحات الجرائد و المجلات، فالوقت الذي تقام فية هذة البدعة.


3- يقولون : ان فاقامه المولد احياء لذكر النبى -صلي الله علية و سلم- .


و الجواب عن هذا ان نقول : احياء ذكر النبى -صلي الله علية و سلم- يصبح بما شرعة الله من ذكرة فالاذان و الاقامه و الخطب و الصلوات و فالتشهد و الصلاه علية و قراءه سنتة و اتباع ما جاء به، و ذلك شيء مستمر يتكرر فاليوم و الليله دائما، لا فالسنه مرة.


4- ربما يقولون : الاحتفال بذكري المولد النبوى احدثة ملك عادل عالم، قصد بة التقرب الي الله!


و الجواب عن هذا ان نقول : البدعه لا تقبل من اي احد كان، و حسن القصد لا يسوغ العمل السيء، و كونة عالما و عادلا لا يقتضى عصمته.


5- قولهم : ان اقامه المولد من قبيل البدعه الحسنة؛ لانة ينبئ عن الشكر للة علي و جود النبى الكريم!


و يجاب عن هذا بان يقال : ليس فالبدع شيء حسن، فقد قال -صلي الله علية و سلم-: من اخر فامرنا ذلك ما ليس منة فهو رد، و يقال كذلك : لماذا تاخر القيام بهذا الشكر – علي زعمكم – الي احدث القرن السادس، فلم يقم بة اروع القرون من الصحابه و التابعين و اتباع التابعين، و هم اشد محبه للنبى -صلي الله علية و سلم- و احرص علي فعل الخير و القيام بالشكر، فهل كان من اخر بدعه المولد اهدي منهم و اعظم شكرا للة – عز و جل- ؟ حاشا و كلا.


6- ربما يقولون : ان الاحتفال بذكري مولدة -صلي الله علية و سلم- ينبئ عن محبتة -صلي الله علية و سلم- فهو مظهر من مظاهرها و اظهار محبتة -صلي الله علية و سلم- مشروع


و الجواب ان نقول : لا شك ان محبتة -صلي الله علية و سلم- و اجبه علي جميع مسلم اعظم من محبه النفس و الولد و الوالد و الناس اجمعين – بابى هو و امى صلوات الله و سلامة علية -، و لكن ليس معني هذا ان نبتدع فذلك شيئا لم يشرعة لنا، بل محبتة تقتضى طاعتة و اتباعه، فان هذا من اعظم مظاهر محبته، كما قيل :


لو كان حبك صادقا لاطعتة ان المحب لمن يحب مطيع


فمحبتة -صلي الله علية و سلم- تقتضى احياء سنتة و العض عليها بالنواجذ و مجانبه ما خالفها من الاقوال و الافعال، و لا شك ان جميع ما خالف سنتة فهو بدعه مذمومه و معصيه ظاهرة، و من هذا الاحتفال بذكري مولدة و غيرة من البدع. و حسن النيه لا يبيح الابتداع فالدين؛ فان الدين مبنى علي اصلين : الاخلاص، و المتابعة، قال – تعالي – ( بلي من اسلم و جهة للة و هو محسن فلة اجرة عند ربة و لا خوف عليهم و لا هم يحزنون)) [البقره : 112]، فاسلام الوجة هو الاخلاص لله، و الاحسان هو المتابعه للرسول و اصابه السنة.


و خلاصه القول : ان الاحتفال بذكري المولد النبوى بانواعة و اختلاف اشكالة بدعه منكره يجب علي المسلمين منعها و منع غيرها من البدع، و الاشتغال باحياء السنن و التمسك بها، و لا يغتر بمن يروج هذة البدعه و يدافع عنها، فان ذلك الصنف يصبح اهتمامهم باحياء البدع اكثر من اهتمامهم باحياء السنن، بل قد لا يهتمون بالسنن اصلا، و من كان ذلك شانة فلا يجوز تقليدة و الاقتداء به، و ان كان ذلك الصنف هم اكثر الناس، و انما يقتدى بمن سار علي نهج السنه من السلف الصالح و اتباعهم و ان كانوا قليلا، فالحق لا يعرف بالرجال، و انما يعرف الرجال بالحق.


قال -صلي الله علية و سلم- : فانة من يعش منكم فسيري اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتى و سنه الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ، و اياكم و محدثات الامور، فان جميع بدعه ضلالة(4)، فبين لنا -صلي الله علية و سلم- فهذا الحديث الشريف بمن نقتدى عند الاختلاف، كما بين ان جميع ما خالف السنه من الاقوال و الافعال فهو بدعه و جميع بدعه ضلالة.


و اذا عرضنا الاحتفال بالمولد النبوى لم نجد له اصلا فسنه رسول الله -صلي الله علية و سلم-، و لا فسنه خلفائة الراشدين، اذا فهو من محدثات الامور و من البدع المضلة، و ذلك الاصل الذي تضمنة ذلك الحديث ربما دل علية قولة تعالى: ((فان تنازعتم فشيء فردوة الي الله و الرسول ان كنتم تؤمنون بالله و اليوم الاخر هذا خير و اقوى تاويلا)) [النساء:59].


و الرد الي الله هو الرجوع الي كتابة الكريم، و الرد الي الرسول -صلي الله علية و سلم- هو الرجوع الي سنتة بعد و فاته، فالكتاب و السنه هما المرجع عند التنازع، فاين فالكتاب و السنه ما يدل علي مشروعيه الاحتفال بالمولد النبوي؟ فالواجب علي من يفعل هذا او يستحسنة ان يتوب الي الله – تعالي – منة و من غيرة من البدع؛ فهذا هو شان المؤمن الذي ينشد الحق، و اما من عاند و كابر بعد قيام الحجه فانما حسابة عند ربه.


هذا؛ و نسال الله – سبحانة و تعالي – ان يرزقنا التمسك بكتابة و سنه رسولة الي يوم نلقاه، و صلي الله و سلم و بارك علي نبينا محمد و الة و صحبه.

• خطب عن المولد النبوي