لله ما اعطى

 

صورة-1

 






شرح حديث (ان للة ما اخذ و له ما اعطى..)من رياض الصالحين للعثيمين رحمة الله


===============================================


عن ابى زيد اسامه بن زيد بن حارثه مولي رسول الله صلى الله علية و سلم و حبة و ابن حبه، رضى الله عنهما ، قال: ارسلت فتاة النبى صلى الله علية و سلم : ان ابنى ربما احتضر فاشهدنا، فارسل يقرى السلام و يقول: (( ان الله ما اخذ و له ما اعطي، و جميع شيء عندة باجل مسمى فلتصبر و لتحتسب)) فارسلت الية تقسم علية لياتيها فقام و معة سعد بن عباده و معاذ بن جبل و ابى بن كعب، و زيد بن ثابت، و رجال رضى الله عنهم، فرفع الى رسول الله صلى الله علية و سلم الصبى فاقعدة فحجرة و نفسة تقعقع، ففاضت عيناهن فقال سعد: يا رسول الله ما ذلك ؟ فقال: (( هذة رحمه جعلها الله تعالى فقلوب عباده)) و فرواية: فقلوب من شاء من عباده، و انما يرحم الله من عبادة الرحماء))(115) ( متفق عليه).


و معني: (( تقعقع)) تتحرك و تضطرب.


الشرح


قال المؤلف – رحمة الله تعالي- فيما نقلة عن ابى زيد اسامه بن زيد بن حارثة- رضى الله عنهما_، و زيد بن حارثه كان مولى لرسول الله صلى الله علية و سلم ، و كان عبدا، فاهدتة الية خديجة- رضى الله عنها- فاعتقة ، فصار مولى له، و كان يلقب بحب رسول الله صلى الله علية و سلم ؛ اي حبيبيه، و ابنة كذلك حب، فاسامه حبة و ابن حبة رضى الله عنهما، ذكر ان احدى فتيات الرسول صلى الله علية و سلم ارسلت الية رسولا، تقول له ان ابنها ربما احتضر، اي: حضرة الموت. و انها تطلب من النبى صلى الله علية و سلم ان يحضر، فبلغ الرسول رسول الله صلى الله علية و سلم فقال له النبى صلى الله علية و سلم (( مرها فلتصبر و لتحتسب ،فان للة ما اخذ و له ما اعطي، و جميع شيء عندة باجل مسمي)).


امر النبى علية الصلاه و السلام الرجل الذي ارسلتة ابنتة ان يامر ابنته- ام ذلك الصبي- بهذة الكلمات:


قال: (( فلتصبر))اي: تحتسب الاجر علي الله بصبرها؛ لان من الناس من يصبر و لا يحتسب، يصبر علي المعصيه و لا يتضجر ، لكنة ما يؤمل اجرها علي الله فيفوتة بذلك خير كثير ، لكن اذا صبر و احتسب الاجر علي الله، يعني: اراد بصبرة ان يثيبة الله و ياجره، فهذا هو الاحتساب (( مرها فلتصبر)) يعنى علي هذة المصيبه (( و لتحتسب)) اجرها علي الله عز و جل. قوله: (( فان للة ما اخذ و له ما اعطي)) هذة الجمله عظيمة؛ اذا كان الشيء كلة لله، ان اخذ منك شيئا فهو ملكه، و ان اعطاك شيئا فهو ملكة ، فكيف تسخط اذا اخذ منك ما يملكة هو؟


عليك اذا اخذ للة منك شيئا محبوبا لك؛ ان تقول : ذلك لله، له ان ياخذ ما شاء الله، و له ان يعطى ما شاء.


و لهذا يسن للانسان اذا اصيب بمصيبه ان يقول (( انا للة و انا الية راجعون)) يعني: نحن ملك للة يفعل بنا ما يشاء ، و ايضا ما نحبة اذا اخذة من بين ايدينا فهو له- عز و جل- له ما اخذ و له اعطى ، حتي الذي يعطيك انت لا تملكه، هو لله، و لهذا لا ممكن ان تتصرف فيما اعطاك الله الا علي الوجة الذي اذن لك فيه؛ و ذلك دليل علي ان ملكنا لما يعطينا الله ملك قاصر، ما نتصرف فية تصرفا مطلقا، فلو اراد الانسان ان يتصرف فما له تصرفا مطلقا علي و جة لم ياذن بة الشرع قلنا له امسك، لا ممكن ؛ لان المال ما ل الله، فلا تتصرف فية الا علي الوجة الذي اذن لك فيه.


و لهذا قال: (( و للة ما اخذ و له ما اعطي)) فاذا كان للة ما اخذ، فكيف نجزع؟ كيف نتسخط ان ياخذ المالك ما ملك سبحانة و تعالي؟ ذلك خلاف المعقول و خلاف المنقول!


قال: (( و جميع شيء عندة باجل مسمي)) جميع شيء عندة بمقدار ، كما قال الله تعالى فالقران الكريم ) و جميع شيء عندة بمقدار)(الرعد: من الاية8) بمقدار فزمانة ، و مكانه، و ذاته، و صفاته، و جميع ما يتعلق بة فهو عند الله مقدر.


(( باجل مسمي)) اي: معين ، فاذا ايقنت بهذا؛ ان للة ما اخذ و له ما اعطي، و جميع شيء عندة باجل مسمي؛ اقتنعت . و هذة الجمله الاخيره تعنى ان الانسان لا ممكن ان يغير المكتوب المؤجل لا بتقديم و لا بتاخير ، كما قال الله ) لكل امه اجل اذا جاء اجلهم فلا يستاخرون ساعه و لا يستقدمون)(يونس: من الاية49)، فاذا كان الشيء مقدرا لا يتقدم و لا يتاخر ؛ فلا فوائد من الجزع و التسخط؛ لانة و ان جزعت او تسخطت لن تغير شيئا من المقدور.


بعدها ان الرسول ابلغ فتاة النبى صلى الله علية و سلم ما امرة ان يبلغة اياها ، و لكنها ارسلت الية تطلب ان يحضر، فقام علية الصلاه و السلام هو و جماعه من اصحابة ، فوصل اليها ، فرفع الية الصبى و نفسة تتقعقع؛ اي تضطرب، تصعد و تنزل، فبكى الرسول علية الصلاه و السلام و دمعت عيناه. فقال سعد بن عبادة و كان معه- هو سيد الحرج- ما ذلك ؟ ظن ان الرسول صلى الله علية و سلم بكى جزعا، فقال النبى علية الصلاه و السلام: (( هذة رحمة)) اي بكت رحمه بالصبى لا جوعا بالمقدور.


بعدها قال علية الصلاه و السلام: (( انما يرحم الله من عبادة الرحماء)) ففى ذلك دليل علي جواز البكاء رحمه بالمصاب.


اذا رايت مصابا فعقلة او بدنه، فبكت رحمه به، فهذا دليل علي ان الله تعالى جعل فقلبك رحمة، و اذا جعل الله فقلب الانسان رحمة كان من الرحماء الذين رحمهم الله عز و جل.نسال الله ان يرحمنا و اياكم برحمته.


ففى ذلك الحديث دليل علي و جوب الصبر؛ لان الرسول صلى الله علية و سلم قال: (( مرها فلتصبر و لتحتسب)).


و فية دليل كذلك علي ان هذة الصيغه من العزاء اروع صيغة، اروع من قولة بعض الناس: (( اعظم الله اجرك، و اقوى عزاءك ، و غفر لميتك)) هذة صيغه اختارها بعض العلماء، لكن الصيغه التي اختارها الرسول علية الصلاه و السلام(( اصبر و احتسب ، فان للة ما اخذ و له ما اعطي، و جميع شيء عندة باجل مسمي)) افضل؛ لان المصاب اذا سمعها اقتنع اكثر.


و التعزيه فالحقيقه ليست تهنئة كما ظنها بعض العوام، يحتفل بها، و توضع لها الكراسي، و توقد لها الشموع، و يحضر لها القراء و الاطعمة، بل هى تسليه و تقويه للمصاب ان يصبر ، و لهذا لو ان احدا لم يصب بالمصيبة، كما لو ما ت له ابن عم و لم يهتم به؛ فانة لا يعزي، و لهذا قال العلماء رحمهم الله (( تسن تعزيه المصاب)) و لم يقولوا تسن تعزيه القريب، لان القريب قد لا يصاب بموت قريبه، و البعيد يصاب لقوه صداقه بينهما مثلا.


فالتعزيه للمصاب لا للقريب. اما الان- مع الاسف- انقلبت الموازين و صارت التعزيه للقريب، حتي و ان كان ربما فرح و ضرب الطبول لموت قريبة فانة يعزى ،ربما يصبح بعض الناس فقيرا، و بينة و بين ابن عمة فهذة الحال او يصاب؟ غالبا يفرح، و يقول: الحمد للة الذي خلصنى من مشاكله و رثنى ما له! فهذا لا يعزي، ذلك يهنا لو اردنا ان نقول شيئا.


و المهم انه يجب ان نعلم ان التعازى انما هى لتقويه المصاب علي الصبر و تسليته، فيختار لها من العبارات اروع ما يصبح و اقرب ما يصبح للتعزية، و لا اقوى من العبارات التي صاغها نبينا صلى الله علية و سلم . و الله الموفق.


___________________


من كتاب رياض الصالحين للشيخ العثيمين رحمة الله

  • صور لله ما أخذ
  • لله ما أعطى و له م


لله ما اعطى