الحمد لله الذي جعل لبني ادم السمع والبصر والفؤاد ووعد من شكر على هذه الملكات
باعمالها في طاعته بالحسنى وزيادة ،في دار السعادة … وتوعد من صرفها في معصيته بالعذاب،
في دار الندامة والملامة يوم الحساب ….
الحمد لله ، والصلاة والسلام على نبي الرحمة الذي فتح الله به – باذنه –
اعينا عميا ،واذانا صما ، وقلوبا غلفا.. محمد عبده ورسوله ، وعلى اله الاطهار ،
وصحابته الابرار ، وكل من اهتدى بهديه الى يوم الوقوف بين يدي الواحد القهار ،
العزيز الغفار …
اما بعد ؛ فللاجابة عن هذا السؤال : ما هي صفات من قال فيهم الله
عز وجل انهم شر الدواب عنده ؟ -وهم الذين ذكرهم جل وعلا في ايتين من
سورة الانفال ، وهما :
– قوله تعالى : ان شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون …
( 22 )
– وقوله تعالى : ان شر الدواب عند الله الذين كفروا فهم لا يؤمنون …
( 55 )
* اقول : من خلال تفسير الايتين يتبين الجواب.. ان شاء الله ، فلنقرا ما
كتب الامام السعدي جعله الله من ورثة الفردوس…
1 * قال تعالى : ﴿ يا ايها الذين امنوا اطيعوا الله ورسوله ولا تولوا
عنه وانتم تسمعون * ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون * ان شر
الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون * ولو علم الله فيهم خيرا لاسمعهم
ولو اسمعهم لتولوا وهم معرضون * يا ايها الذين امنوا استجيبوا لله وللرسول اذا دعاكم
لما يحييكم واعلموا ان الله يحول بين المرء وقلبه وانه اليه تحشرون * واتقوا فتنة
لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا ان الله شديد العقاب * ﴾… (الانفال :
20 – 25 )
*** قال الامام السعدي رحمه الله :
– قوله تعالى : ( يا ايها الذين امنوا اطيعوا الله ورسوله ولا تولوا عنه
وانتم تسمعون * ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون ) …لما اخبر تعالى
انه مع المؤمنين ، امرهم ان يقوموا بمقتضى الايمان الذي يدركون به معيته ، فقال
: ” يا ايها الذين امنوا اطيعوا الله ورسوله ” بامتثال امرهما واجتناب نهيهما .
” ولا تولوا عنه ” اي : عن هذا الامر الذي هو طاعة الله ،
وطاعة رسوله ، ” وانتم تسمعون ” ما يتلى عليكم من كتاب الله ، واوامره
، ووصاياه ، ونصائحه ، فتوليكم في هذه الحال من اقبح الاحوال . ” ولا
تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون ” اي : لا تكتفوا بمجرد الدعوى الخالية
، التي لا حقيقة لها ، فانها حالة لا يرضاها الله ولا رسوله . فليس
الايمان بالتمني والتحلي ، ولكنه ما وقر في القلوب ، وصدقته الاعمال .
– وقوله تعالى : (ان شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون *
ولو علم الله فيهم خيرا لاسمعهم ولو اسمعهم لتولوا وهم معرضون) … يقول تعالى :
” ان شر الدواب عند الله ” من لم تفد فيهم الايات والنذر ، وهم
” الصم ” عن استماع الحق ” البكم ” عن النطق به ، ” الذين
لا يعقلون ” ما ينفعهم ، ويؤثرونه على ما يضرهم . فهؤلاء شر عند الله
، من شرار الدواب ، لان الله اعطاهم اسماعا وابصارا وافئدة ، ليستعملوها في طاعة
الله ، فاستعملوها في معاصيه وعدموا بذلك الخير الكثير . فانهم كانوا بصدد ان يكونوا
من خيار البرية ، فابوا هذا الطريق ، واختاروا لانفسهم ان يكونوا من شر البرية
. والسمع الذي نفاه الله عنهم ، سمع المعنى المؤثر في القلب ، واما سمع
الحجة ، فقد قامت حجة الله تعالى عليهم ، بما سمعوه من اياته ، وانما
لم يسمعهم السماع النافع ، لانه لم يعلم فيهم خيرا يصلحون به لسماع اياته .
” ولو علم الله فيهم خيرا لاسمعهم ولو اسمعهم ” على الفرض والتقدير ” لتولوا
” عن الطاعة ” وهم معرضون ” لا التفات لهم الى الحق ، بوجه من
الوجوه . وهذا دليل على ان الله تعالى لا يمنع الايمان والخير ، الا عمن
لا خير فيه ، والذي لا يزكو لديه ، ولا يثمر عنده . وله الحمد
تعالى والحكمة في هذا .
– وقوله تعالى 🙁 يا ايها الذين امنوا استجيبوا لله وللرسول اذا دعاكم لما يحييكم
واعلموا ان الله يحول بين المرء وقلبه وانه اليه تحشرون ) … يامر تعالى عباده
المؤمنين بما يقتضيه الايمان منهم وهو : الاستجابة لله وللرسول ، اي : الانقياد لما
امرا به والمبادرة الى ذلك ، والدعوة اليه ، والاجتناب لما نهيا عنه ، والانكفاف
عنه ، والنهي عنه . وقوله ” اذا دعاكم لما يحييكم ” وصف ملازم ،
لكل ما دعا الله ورسوله اليه ، وبيان لفائدته وحكمته ، فان حياة القلب والروح
بعبودية الله تعالى ، ولزوم طاعته ، وطاعة رسوله ، على الدوام . ثم حذر
عن عدم الاستجابة لله وللرسول فقال : ” واعلموا ان الله يحول بين المرء وقلبه
” فاياكم ان تردوا امر الله ، اول ما ياتيكم ، فيحال بينكم وبينه اذا
اردتموه بعد ذلك ، وتختلف قلوبكم فان الله يحول بين المرء وقلبه ، يقلب القلوب
حيث شاء ، ويصرفها انى شاء . فليكثر العبد من قول : « يا مقلب
القلوب ثبت قلبي على دينك ، يا مصرف القلوب ، اصرف قلبي الى طاعتك »
. ” وانه اليه تحشرون ” اي : تجمعون ليوم لا ريب فيه ، فيجازى
المحسن باحسانه ، والمسيء بعصيانه ….
– وقوله تعالى 🙁 واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا ان الله
شديد العقاب )…”واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة ” بل تصيب فاعل الظلم
وغيره ، وذلك اذا ظهر الظلم فلم يغير ، فان عقوبته ، تعم الفاعل وغيره
. وتتقى هذه الفتنة ، بالنهي عن المنكر ، وقمع اهل الشر والفساد ، وان
لا يمكنوا من المعاصي والظلم مهما امكن ….” واعلموا ان الله شديد العقاب ” لمن
تعرض لمساخطه ، وجانب رضاه .
2 *قال تعالى : ﴿ ان شر الدواب عند الله الذين كفروا فهم لا يؤمنون
* الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة وهم لا يتقون *فاما تثقفنهم
في الحرب فشرد بهم من خلفهم لعلهم يذكرون * واما تخافن من قوم خيانة فانبذ
اليهم على سواء ان الله لا يحب الخائنين ﴾ (الانفال : 55 – 58 )
٭ ٭ ٭ قال الامام السعدي رحمه الله
– قوله تعالى:” ان شر الدواب عند الله الذين كفروا فهم لا يؤمنون * الذين
عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة وهم لا يتقون *فاما تثقفنهم في الحرب
فشرد بهم من خلفهم لعلهم يذكرون ” ” ان ” هؤلاء الذين جمعوا هذه الخصال
الثلاث الكفر ، وعدم الايمان ، والخيانة بحيث لا يثبتون على عهد عاهدوه ، ولا
قول قالوه ، هم ” شر الدواب عند الله ” فهم شر من الحمير والكلاب
وغيرها ، لان الخير معدوم منهم ، والشر متوقع فيهم . فاذهاب هؤلاء ومحقهم ،
هو المتعين ، لئلا يسري داؤهم لغيرهم ولهذا قال : ” فاما تثقفنهم في الحرب
” اي : تجدنهم في حال المحاربة ، بحيث لا يكون لهم عهد وميثاق .
” فشرد بهم من خلفهم ” اي : نكل بهم غيرهم ، واوقع بهم من
العقوبة ما يصيرون به عبرة لمن بعدهم ” لعلهم ” اي : من خلفهم ”
يذكرون ” صنيعهم ، لئلا يصيبهم ما اصابهم . وهذه من فوائد العقوبات والحدود ،
المرتبة على المعاصي ، انها سبب لازدجار من لم يعمل المعاصي ، بل وزجرا لمن
عملها ، ان لا يعاودها . ودل تقييد هذه العقوبة في الحرب ، ان الكافر
ولو كان كثير الخيانة سريع الغدر انه اذا اعطي عهدا ، لا يجوز خيانته وعقوبته
.
– وقوله تعالى 🙁 واما تخافن من قوم خيانة فانبذ اليهم على سواء ان الله
لا يحب الخائنين )… اي : واذا كان بينك وبين قوم ، عهد وميثاق على
ترك القتال فخفت منهم خيانة بان ظهر من قرائن احوالهم ما يدل على خيانتهم من
غير تصريح منهم بالخيانة . ” فانبذ اليهم ” عهدهم ، اي : ارمه عليهم
، واخبرهم انه لا عهد بينك وبينهم .” على سواء ” اي : حتى يستوي
علمك وعلمهم بذلك ، ولا يحل لك ان تغدرهم ، او تسعى في شيء مما
منعه ، موجب العهد ، حتى تخبرهم بذلك . ” ان الله لا يحب الخائنين
” بل يبغضهم اشد البغض ، فلا بد من امر بين ، يبرئكم من الخيانة
. ودلت الاية على انه اذا وجدت الخيانة المحققة منهم لم يحتج ان ينبذ اليهم
عهدهم ، لانه لم يخف منهم ، بل علم ذلك ، ولعدم الفائدة ولقوله :
” على سواء ” ، وهنا قد كان معلوما عند الجميع غدرهم . ودل مفهومها
ايضا ، انه اذا لم يخف منهم خيانة ، بان لم يوجد منهم ما يدل
على ذلك ، انه لا يجوز نبذ العهد اليهم ، بل يجب الوفاء الى ان
تتم مدته …
٭ (بعد قراءة الايات وتفسيرها ، جالت في خاطري هذه العبارات فكتبتها )… قلت: صفات
شر الدواب عند الله ، بعد هذا البيان ، ظاهرة للعيان في مجتمعاتنا التي ابتعدت
عن القران وعن هدي خير العباد- الا من رحم الله – نعم ، ظاهرة…لكونها فشت
وانتشرت…غطت الارض بسرعة مدهشة … – نسال الله العافية –
– انها صفات من المقت ان توجد في ” مسلم “…لكن …موجودة ويستحيل تجاهلها اذ
لا يخلو مجتمع من صم بكم لا يعقلون ومن كفرة منضوين تحت راية الالحاد وخونة
ينكرون يوم الميعاد … وكل غيور على دينه ياسف لغرق بعض بني طينته في اوحال
هذه الصفات الذميمة الموبقة ، او بعضها …
– صم = يمتنعون عن استماع الحق ، تراهم الى الباطل يميلون والى اللغو يركنون
… لا يلقون السمع اذا تلي القران ، وينصتون بانتباه لا يفتر متي رنت مزامير
الشيطان… تنكمش اذانهم ويكثر وقرها ويزداد تجمدا كلما ذكروا بايات الله ، ويطربون للهو الحديث
، وقصائد المجون ، وما تفوح منه ريح البدع والشرك والخرافات …
– بكم = يابون النطق بالحق ، تجدهم يلوون السنتهم بالقيل والقال ، وهات يا
غيبة ، وخذي يا نميمة ،واقتربي يا سخرية، وابتسم يا تنابز… واذا قيل لهم اذكروا
الله تلعثموا ، وثقلت شفاههم ، وجف ريقهم ، وتخشبت افاعيهم في افواههم …
– لايعقلون = يؤثرون ما يضرهم على ما ينفعهم ، يشترون الضلالة بالهدى ، وهذا
عين السفه …تلفيهم يفكرون ويخمنون ويحللون ويخططون الساعات الطوال فيما لا طائل من ورائه ،
يضنيهم في دنياهم ويرديهم في اخراهم ، ومتى ذكرت الدين والضروري من علومه اصاب ”
عقولهم ” الشلل … فكبر عنها اربعا…
– الكفر = يكفرون بالله ويبدلون نعمته كفرا … تلقاهم يتخبطون في ظلمات الغي ،
لا يحسون بمعيشة الضنك التي هم فيها لانهم عدموا الشعور ، ولا يمر بخواطرهم الملوثة
، ولو عابرا ، اي تساؤل حول المصير..يوم تبعثر القبور… وعظ الواعظين لايفيد.. وتذكير المذكرين
اياهم بالوعيد لا تهتز اليه سوي اكتافهم…حركة لو نطق بها لسان احدهم لقال :” لا
ابالي”…
– الخيانة = ينبذون العهود ، وينقضون المواثيق ، شيمتهم الغدر …سجيتهم المكر…اتخذت الخيانة في
صدورهم المتعفنة عشا لها … لا يصبحون كما يمسون ولا يظلون كما يبيتون …فاقوا المكعب
بوجه …واكثر .
*** ما اكثر شر الدواب !!!! … يدبون على ارض ذللها لهم ربها الذي دحاها
، تحت سماء هو بناها … ويعصونه بالسمع والبصر والفؤاد سرا وعلانية … ليلا ونهارا
… ما من جارحة من جوارحهم الا وفيما يغضب الله تجدهم يعملونها … اهواؤهم الهتهم
… وفي بطونهم همتهم…….( يتمتعون وياكلون كما تاكل الانعام )… (محمد : 12 )…(ذرهم ياكلوا
ويتمتعوا ويلههم الامل فسوف يعلمون) (الحجر : 3 )… رضوا بالمتاع القليل …عما قريب يسمعون
: ( اذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم
تستكبرون في الارض بغير الحق وبما كنتم تفسقون ) (الاحقاف : 20 ) …
دفنوا الوفاء في قفار بوارهم … الى جنب اخته الامانة … كلما عاهدوا غدروا ،
ومتى اؤتمنوا خانوا …ولا غرابة ، انهم اكلة السحت … مردوا على النفاق … واشربوا
في قلوبهم الشقاق … الاغرب هو انك تجد من يطمئن اليهم … قبلات وعناق …
ثم … موائد تئن تحت ما لذ وطاب … اكل وشراب …على نغمات سمفونية تعزفها
شرذمة من الهلكى