قصص كاملة قصيرة

قصة بقرة بني اسرائيل

قصة بقرة بني اسرائيل 20160820 504 1

 

 

قصة بقرة بني اسرائيل 20160820 504

سميت اطول سورة في القران الكريم سورة البقرة؛ وذلك ان الله سبحانه ذكر في هذه
السورة احداث تلك القصة، التي بدات بالقتل وانتهت بالاحياء، وتخلل ذلك احداث مثيرة، ووقائع خارقة
للعادة.

حاصل القصة

حاصل هذه القصة تبينه الايات التالية: {واذ قال موسى لقومه ان الله يامركم ان تذبحوا
بقرة قالوا اتتخذنا هزوا قال اعوذ بالله ان اكون من الجاهلين * قالوا ادع لنا
ربك يبين لنا ما هي قال انه يقول انها بقرة لا فارض ولا بكر عوان
بين ذلك فافعلوا ما تؤمرون * قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها قال
انه يقول انها بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين * قالوا ادع لنا ربك يبين
لنا ما هي ان البقر تشابه علينا وانا ان شاء الله لمهتدون * قال انه
يقول انها بقرة لا ذلول تثير الارض ولا تسقي الحرث مسلمة لا شية فيها قالوا
الان جئت بالحق فذبحوها وما كادوا يفعلون * واذ قتلتم نفسا فاداراتم فيها والله مخرج
ما كنتم تكتمون * فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيي الله الموتى ويريكم اياته لعلكم تعقلون
} (البقرة:67-73). هذه احداث القصة كما يذكرها القران على وجه الاجمال.

روايات القصة التفصيلية

اما احداث القصة على وجه التفصيل، فنقف عليها من خلال ذكر بعض الروايات التي ذكرتها
كتب التفسير، حول مجريات هذه القصة المثيرة والمعبرة.

الرواية الاولى رواها ابن ابي حاتم والطبري عن عبيدة السلماني، قال: كان في بني اسرائيل
رجل عقيم، قال: فقتله وليه، ثم احتمله فالقاه في سبط غير سبطه. قال: فوقع بينهم
فيه الشر حتى اخذوا السلاح. قال: فقال اولو النهى: اتقتتلون وفيكم رسول الله؟ قال: فاتوا
نبي الله، فقال: اذبحوا بقرة! فقالوا: اتتخذنا هزوا، قال: {اعوذ بالله ان اكون من الجاهلين
* قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي قال انه يقول انها بقرة}، الى
قوله: {فذبحوها وما كادوا يفعلون}، قال: فضرب، فاخبرهم بقاتله. قال: ولم تؤخذ البقرة الا بوزنها
ذهبا، قال: ولو انهم اخذوا ادنى بقرة لاجزات عنهم. فلم يورث قاتل بعد ذلك.

الرواية الثانية ذكرها الطبري عن ابي العالية ، قال: كان رجل من بني اسرائيل، وكان
غنيا، ولم يكن له ولد، وكان له قريب وارثه، فقتله ليرثه، ثم القاه على مفترق
الطريق، واتى موسى فقال له: ان قريبي قتل، واتي الي امر عظيم، واني لا اجد
احدا يبين لي من قتله غيرك يا نبي الله. قال: فنادى موسى في الناس: انشد
الله من كان عنده من هذا علم الا بينه لنا. فلم يكن عندهم علمه. فاقبل
القاتل على موسى، فقال: انت نبي الله، فاسال لنا ربك ان يبين لنا. فسال ربه،
فاوحى الله اليه: {ان الله يامركم ان تذبحوا بقرة}. فعجبوا، وقالوا: {اتتخذنا هزوا قال اعوذ
بالله ان اكون من الجاهلين * قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي قال
انه يقول انها بقرة لا فارض}، يعني: لا هرمة، ولا بكر، يعني: ولا صغيرة، {عوان
بين ذلك}، اي: نصف، بين البكر والهرمة. {قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها
قال انه يقول انها بقرة صفراء فاقع لونها}، اي: صاف لونها، {تسر الناظرين}، اي: تعجب
الناظرين. {قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي ان البقر تشابه علينا وانا ان
شاء الله لمهتدون * قال انه يقول انها بقرة لا ذلول} اي: لم يذللها العمل،
{تثير الارض}، يعني ليست بذلول فتثير الارض. { ولا تسقي الحرث }، اي: ولا تعمل
في الحرث. {مسلمة}، يعني مسلمة من العيوب، {لا شية فيها}، اي: لا بياض فيها. {قالوا
الان جئت بالحق فذبحوها وما كادوا يفعلون}. قال: ولو ان القوم حين امروا ان يذبحوا
بقرة، استعرضوا بقرة من البقر فذبحوها، لكانت اياها، ولكنهم شددوا على انفسهم، فشدد الله عليهم.
ولولا ان القوم استثنوا، فقالوا: {وانا ان شاء الله لمهتدون}، لما هدوا اليها ابدا.

ثم انهم لم يجدوا البقرة التي نعتت لهم، الا عند عجوز عندها يتامى، وهي القيمة
عليهم. فلما علمت انهم لا يصلح لهم غيرها، ضاعفت عليهم الثمن. فاتوا موسى عليه السلام
فاخبروه انهم لم يجدوا هذا النعت الا عند فلانة، وانها سالتهم اضعاف ثمنها. فقال لهم
موسى عليه السلام: ان الله قد كان خفف عليكم، فشددتم على انفسكم، فاعطوها رضاها وحكمها.
ففعلوا، واشتروها فذبحوها. فامرهم موسى عليه السلام ان ياخذوا عظما منها، فيضربوا به القتيل. ففعلوا،
فرجعت اليه روحه، فسمى لهم قاتله، ثم عاد ميتا كما كان. فاخذوا قاتله -وهو الذي
كان اتى موسى فشكى اليه- فقتله الله على سوء عمله.

الرواية الثالثة ذكرها الطبري عن السدي، قال: كان رجل من بني اسرائيل مكثرا من المال،
وكانت له ابنة، وكان له ابن اخ محتاج. فخطب اليه ابن اخيه ابنته، فابي ان
يزوجه اياها، فغضب الفتى، وقال: والله لاقتلن عمي، ولاخذن ماله، ولانكحن ابنته، ولاكلن ديته! فاتاه
الفتى، وقد قدم تجار في قبائل بني اسرائيل، فقال: يا عم! انطلق معي فخذ لي
من تجارة هؤلاء القوم، لعلي اصيب منها، فانهم اذا راوك معي اعطوني. فخرج العم مع
الفتى ليلا، فلما بلغ الشيخ تلك القبائل، قتله الفتى، ثم رجع الى اهله.

فلما اصبح، جاء كانه يطلب عمه، كانه لا يدري اين هو، فلم يجده. فانطلق نحوه،
فاذا هو في تلك القبائل مجتمعين عليه، فاخذهم، وقال: قتلتم عمي، فادوا الي ديته. وجعل
يبكي ويحثو التراب على راسه وينادى: واعماه! فرفعهم الى موسى عليه السلام، فقضى عليهم بالدية،
فقالوا له: يا رسول الله، ادع لنا ربك حتى يبين له من صاحبه، فيؤخذ صاحب
الجريمة، فوالله ان ديته علينا لهينة، ولكنا نستحي ان نعير به. فقال لهم موسى عليه
السلام: اذبحوا بقرة. قالوا: نسالك عن القتيل وعمن قتله، وتقول: اذبحوا بقرة! اتهزا بنا؟ فقال
لهم موسى: {فافعلوا ما تؤمرون}، فطلبوها فلم يقدروا عليها.

وكان رجل من بني اسرائيل من ابر الناس بابيه، وان رجلا مر به معه لؤلؤ
يبيعه، فكان ابوه نائما تحت راسه المفتاح، فقال له الرجل: تشتري مني هذا اللؤلؤ بسبعين
الفا؟ فقال له الفتى: كما انت حتى يستيقظ ابي، فاخذه بثمانين الفا. فقال له الاخر:
ايقظ اباك، وهو لك بستين الفا. فجعل التاجر يحط له حتى بلغ ثلاثين الفا، وزاد
الاخر على ان ينتظر حتى يستيقظ ابوه، حتى بلغ مائة الف. فلما اكثر عليه، قال:
لا والله، لا اشتريه منك بشيء ابدا، وابى ان يوقظ اباه. فعوضه الله من ذلك
اللؤلؤ، ان جعل له تلك البقرة. فمرت به بنو اسرائيل يطلبون البقرة، فابصروا البقرة عنده،
فسالوه ان يبيعهم اياها بقرة ببقرة، فابى، فاعطوه ثنتين فابى، فزادوه حتى بلغوا عشرا، فابى،
فقالوا: والله لا نتركك حتى ناخذها منك. فانطلقوا به الى موسى، فقالوا: يا نبي الله،
انا وجدنا البقرة عند هذا، فابى ان يعطيناها، وقد اعطيناه ثمنا. فقال له موسى عليه
السلام: اعطهم بقرتك. فقال: يا رسول الله، انا احق بمالي. فقال: صدقت. وقال للقوم: ارضوا
صاحبكم. فاعطوه وزنها ذهبا فابى، فاضعفوا له مثل ما اعطوه وزنها، حتى اعطوه وزنها عشر
مرات، فباعهم اياها واخذ ثمنها. فقال: اذبحوها. فذبحوها فقال: اضربوه ببعضها. فضربوه بالبضعة التي بين
الكتفين، فعاش، فسالوه: من قتلك؟ فقال لهم: ابن اخي، قال: اقتله، واخذ ماله، وانكح ابنته.
فاخذوا الغلام فقتلوه.

وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما وقتادة ومجاهد نحو ما جاء في هذه
الروايات الثلاث. غير ان بعضهم ذكر ان الذي قتل القتيل الذي اختصم في امره الى
موسى، كان اخا المقتول، وذكر بعضهم انه كان ابن اخيه، وقال بعضهم: بل كانوا جماعة
ورثة، استبطؤوا حياته. الا ان جميع الرواة مجمعون على ان موسى انما امرهم بذبح البقرة
من اجل القتيل، حين احتكموا اليه.

وبعد ان ساق ابن كثير عددا من الروايات الواردة بشان هذه القصة، قال: “والظاهر انها
ماخوذة من كتب بني اسرائيل، وهي مما يجوز نقلها، ولكن لا نصدق ولا نكذب؛ فلهذا
لا نعتمد عليها الا ما وافق الحق عندنا”. وكلام ابن كثير هذا، يفيد ان هذه
الروايات مقبولة من حيث الجملة؛ لانها تتفق والخبر القراني، اما الخوض في تفاصيلها، فلا ينبغي
الالتفات اليه، ولا التعويل عليه.

ما يستفاد من القصة

تضمنت هذه القصة العديد من الفوائد الايمانية والتوجيهات التربوية، نجملها فيما ياتي:

– بيان قدرة الله سبحانه التي لا تحدها قدرة، فهو سبحانه لا يعجزه شيء في
الارض ولا في السماء، وهو على كل شيء قدير، وهذا واضح في هذه القصة غاية
الوضوح؛ وذلك انه سبحانه احيا القتيل بعد موته، وانطقه بالحق المبين.

– ان الانبياء عليهم السلام معصومون من الخطا والزلل، ومنزهون عن الصفات الذميمة.

– ان السؤال فيما لا يفيد في قليل ولا كثير، ولا يغني من الحق شيئا
لا خير فيه، بل قد يترتب عليه من النتائج ما لا يحمد عقباه.

– ان الحق مهما طال طمسه لا بد ان يظهر ويعلو في النهاية، وان الباطل
مهما طال انتفاشه لا بد ان يدحر ويهزم في النهاية.

غرائب مما ذكرته التفاسير حول هذه القصة

وقد خاض بعض اهل التفسير في هذه القصة في تحديد (البعض) الذي امر بنو اسرائيل
بضرب الميت به، وذكروا في ذلك اقوالا لا دليل يسعف بالقول بها، ومن ثم ذكر
الطبري في هذا الصدد ان الصواب ان يقال: “امرهم الله جل ثناؤه ان يضربوا القتيل
ببعض البقرة؛ ليحيا المضروب. ولا دلالة في الاية، ولا في خبر تقوم به حجة، على
اي ابعاضها التي امر القوم ان يضربوا القتيل به. وجائز ان يكون الذي امروا ان
يضربوه به هو الفخذ، وجائز ان يكون ذلك الذنب وغضروف الكتف، وغير ذلك من ابعاضها.
ولا يضر الجهل باي ذلك ضربوا القتيل، ولا ينفع العلم به، مع الاقرار بان القوم
قد ضربوا القتيل ببعض البقرة بعد ذبحها فاحياه الله”.

واكد ابن كثير -في هذا الصدد- ما قرره الطبري، فقال: “فلو كان في تعيينه لنا
فائدة تعود علينا في امر الدين او الدنيا لبينه الله تعالى لنا، ولكن ابهمه، ولم
يجئ من طريق صحيح عن معصوم بيانه، فنحن نبهمه كما ابهمه الله”.

وما قرره الطبري واكده ابن كثير في هذا الشان، هو الذي ينبغي المصير اليه، والتعويل
عليه؛ اذ لا دليل يدل على هذا التحديد، ولا فائدة ثمة من تعيينه ومعرفته.

والذي يهمنا في نهاية المطاف، ان نعتقد اعتقادا راسخا، ان هذه القصص ليست قصصا رمزية
او قصصا خيالية، بل هي حوادث واقعية، قصها القران علينا؛ لنتعظ بها، ونستفيد منها، ولا
يسعنا الا ان نسلم بخبر القران، سواء ادركته عقولنا، ام لم تدركه.

السابق
صور كومنتات جديده
التالي
نيكول سابا ويوسف الخال وابنتهما