تفسير سورة الانسان عدد اياتها 31 ( اية 1-31 )
وهي مكية
{ 1 – 3 } { بسم الله الرحمن الرحيم هل اتى على الانسان حين
من الدهر لم يكن شيئا مذكورا * انا خلقنا الانسان من نطفة امشاج نبتليه فجعلناه
سميعا بصيرا * انا هديناه السبيل اما شاكرا واما كفورا }
ذكر الله في هذه السورة الكريمة اول حالة الانسان ومبتداها ومتوسطها ومنتهاها.
فذكر انه مر عليه دهر طويل وهو الذي قبل وجوده، وهو معدوم بل ليس مذكورا.
ثم لما اراد الله تعالى خلقه، خلق [اباه] ادم من طين، ثم جعل نسله متسلسلا
{ من نطفة امشاج } اي: ماء مهين مستقذر { نبتليه } بذلك لنعلم هل
يرى حاله الاولى ويتفطن لها ام ينساها وتغره نفسه؟
فانشاه الله، وخلق له القوى الباطنة والظاهرة، كالسمع والبصر، وسائر الاعضاء، فاتمها له وجعلها سالمة
يتمكن بها من تحصيل مقاصده.
ثم ارسل اليه الرسل، وانزل عليه الكتب، وهداه الطريق الموصلة الى الله ، ورغبه فيها،
واخبره بما له عند الوصول الى الله.
ثم اخبره بالطريق الموصلة الى الهلاك، ورهبه منها، واخبره بما له اذا سلكها، وابتلاه بذلك،
فانقسم الناس الى شاكر لنعمة الله عليه، قائم بما حمله الله من حقوقه، والى كفور
لنعمة الله عليه، انعم الله عليه بالنعم الدينية والدنيوية، فردها، وكفر بربه، وسلك الطريق الموصلة
الى الهلاك.
ثم ذكر تعالى حال الفريقين عند الجزاء فقال:
{ 4 – 22 } { انا اعتدنا للكافرين سلاسلا واغلالا وسعيرا * ان الابرار
يشربون من كاس كان مزاجها كافورا }
الى اخر الثواب اي: انا هيانا وارصدنا لمن كفر بالله، وكذب رسله، وتجرا على المعاصي
{ سلاسل } في نار جهنم، كما قال تعالى: { ثم في سلسلة ذرعها سبعون
ذراعا فاسلكوه }.
{ واغلالا } تغل بها ايديهم الى اعناقهم ويوثقون بها.
{ وسعيرا } اي: نارا تستعر بها اجسامهم وتحرق بها ابدانهم، { كلما نضجت جلودهم
بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب } وهذا العذاب دائم لهم ابدا، مخلدون فيه سرمدا.
واما { الابرار } وهم الذين برت قلوبهم بما فيها من محبة الله ومعرفته، والاخلاق
الجميلة، فبرت جوارحهم ، واستعملوها باعمال البر اخبر انهم { يشربون من كاس } اي:
شراب لذيذ من خمر قد مزج بكافور اي: خلط به ليبرده ويكسر حدته، وهذا الكافور
[في غاية اللذة] قد سلم من كل مكدر ومنغص، موجود في كافور الدنيا، فان الافة
الموجودة في الاسماء التي ذكر الله انها في الجنة وهي في الدنيا تعدم في الاخرة
.
كما قال تعالى: { في سدر مخضود وطلح منضود } { وازواج مطهرة } {
لهم دار السلام عند ربهم } { وفيها ما تشتهيه الانفس وتلذ الاعين }.
{ عينا يشرب بها عباد الله } اي: ذلك الكاس اللذيذ الذي يشربون به، لا
يخافون نفاده، بل له مادة لا تنقطع، وهي عين دائمة الفيضان والجريان، يفجرها عباد الله
تفجيرا، انى شاءوا، وكيف ارادوا، فان شاءوا صرفوها الى البساتين الزاهرات، او الى الرياض الناضرات،
او بين جوانب القصور والمساكن المزخرفات، او الى اي: جهة يرونها من الجهات المونقات.
وقد ذكر جملة من اعمالهم في اول هذه السورة، فقال: { يوفون بالنذر } اي:
بما الزموا به انفسهم لله من النذور والمعاهدات، واذا كانوا يوفون بالنذر، وهو لم يجب
عليهم، الا بايجابهم على انفسهم، كان فعلهم وقيامهم بالفروض الاصلية، من باب اولى واحرى، {
ويخافون يوما كان شره مستطيرا } اي: منتشرا فاشيا، فخافوا ان ينالهم شره، فتركوا كل
سبب موجب لذلك، { ويطعمون الطعام على حبه } اي: وهم في حال يحبون فيها
المال والطعام، لكنهم قدموا محبة الله على محبة نفوسهم، ويتحرون في اطعامهم اولى الناس واحوجهم
{ مسكينا ويتيما واسيرا } .
ويقصدون بانفاقهم واطعامهم وجه الله تعالى، ويقولون بلسان الحال: { انما نطعمكم لوجه الله لا
نريد منكم جزاء ولا شكورا } اي: لا جزاء ماليا ولا ثناء قوليا.
{ انا نخاف من ربنا يوما عبوسا } اي: شديد الجهمة والشر { قمطريرا }
اي: ضنكا ضيقا، { فوقاهم الله شر ذلك اليوم } فلا يحزنهم الفزع الاكبر، وتتلقاهم
الملائكة [هذا يومكم الذي كنتم توعدون].
{ ولقاهم } اي: اكرمهم واعطاهم { نضرة } في وجوههم { وسرورا } في
قلوبهم، فجمع لهم بين نعيم الظاهر والباطن { وجزاهم بما صبروا } على طاعة الله،
فعملوا ما امكنهم منها، وعن معاصي الله، فتركوها، وعلى اقدار الله المؤلمة، فلم يتسخطوها، {
جنة } جامعة لكل نعيم، سالمة من كل مكدر ومنغص، { وحريرا } كما قال
[تعالى:] { ولباسهم فيها حرير } ولعل الله انما خص الحرير، لانه لباسهم الظاهر، الدال
على حال صاحبه.
{ متكئين فيها على الارائك } الاتكاء: التمكن من الجلوس، في حال الرفاهية والطمانينة [الراحة]،
والارائك هي السرر التي عليها اللباس المزين، { لا يرون فيها } اي: في الجنة
{ شمسا } يضرهم حرها { ولا زمهريرا } اي: بردا شديدا، بل جميع اوقاتهم
في ظل ظليل، لا حر ولا برد، بحيث تلتذ به الاجساد، ولا تتالم من حر
ولا برد.
{ ودانية عليهم ظلالها وذللت قطوفها تذليلا } اي: قربت ثمراتها من مريدها تقريبا ينالها،
وهو قائم، او قاعد، او مضطجع.
ويطاف على اهل الجنة اي: يدور [عليهم] الخدم والولدان { بانية من فضة واكواب كانت
قواريرا } { قوارير من فضة } اي: مادتها من فضة، [وهي] على صفاء القوارير،
وهذا من اعجب الاشياء، ان تكون الفضة الكثيفة من صفاء جوهرها وطيب معدنها على صفاء
القوارير.
{ قدروها تقديرا } اي: قدروا الاواني المذكورة على قدر ريهم، لا تزيد ولا تنقص،
لانها لو زادت نقصت لذتها، ولو نقصت لم تف بريهم . ويحتمل ان المراد: قدرها
اهل الجنة بنفوسهم بمقدار يوافق لذاتهم، فاتتهم على ما قدروا في خواطرهم.
{ ويسقون فيها } اي: في الجنة من كاس، وهو الاناء المملوء من خمر ورحيق،
{ كان مزاجها } اي: خلطها { زنجبيلا } ليطيب طعمه وريحه.
{ عينا فيها } اي: في الجنة، { تسمى سلسبيلا } سميت بذلك لسلاستها ولذتها
وحسنها.
{ ويطوف } على اهل الجنة، في طعامهم وشرابهم وخدمتهم.
{ ولدان مخلدون } اي: خلقوا من الجنة للبقاء، لا يتغيرون ولا يكبرون، وهم في
غاية الحسن، { اذا رايتهم } منتشرين في خدمتهم { حسبتهم } من حسنهم {
لؤلؤا منثورا } وهذا من تمام لذة اهل الجنة، ان يكون خدامهم الولدان المخلدون، الذين
تسر رؤيتهم، ويدخلون على مساكنهم، امنين من تبعتهم، وياتونهم بما يدعون وتطلبه نفوسهم، { واذا
رايت ثم } اي: هناك في الجنة، ورمقت ما هم فيه من النعيم { رايت
نعيما وملكا كبيرا } فتجد الواحد منهم، عنده من القصور والمساكن والغرف المزينة المزخرفة، ما
لا يدركه الوصف، ولديه من البساتين الزاهرة، والثمار الدانية، والفواكه اللذيذة، والانهار الجارية، والرياض المعجبة،
والطيور المطربة [المشجية] ما ياخذ بالقلوب، ويفرح النفوس.
وعنده من الزوجات. اللاتي هن في غاية الحسن والاحسان، الجامعات لجمال الظاهر والباطن، الخيرات الحسان،
ما يملا القلب سرورا، ولذة وحبورا، وحوله من الولدان المخلدين، والخدم المؤبدين، ما به تحصل
الراحة والطمانينة، وتتم لذة العيش، وتكمل الغبطة.
ثم علاوة ذلك واعظمه الفوز برؤية الرب الرحيم، وسماع خطابه، ولذة قربه، والابتهاج برضاه، والخلود
الدائم، وتزايد ما هم فيه من النعيم كل وقت وحين، فسبحان الملك المالك، الحق المبين،
الذي لا تنفد خزائنه، ولا يقل خيره، فكما لا نهاية لاوصافه فلا نهاية لبره واحسانه.
{ عاليهم ثياب سندس خضر } اي: قد جللتهم ثياب السندس والاستبرق الاخضران، اللذان هما
اجل انواع الحرير، فالسندس: ما غلظ من الديباج والاستبرق: ما رق منه. { وحلوا اساور
من فضة } اي: حلوا في ايديهم اساور الفضة، ذكورهم واناثهم، وهذا وعد وعدهم الله،
وكان وعده مفعولا، لانه لا اصدق منه قيلا ولا حديثا.
وقوله: { وسقاهم ربهم شرابا طهورا } اي: لا كدر فيه بوجه من الوجوه، مطهرا
لما في بطونهم من كل اذى وقذى.
{ ان هذا } الجزاء الجزيل والعطاء الجميل { كان لكم جزاء } على ما
اسلفتموه من الاعمال، { وكان سعيكم مشكورا } اي: القليل منه، يجعل الله لكم به
من النعيم المقيم ما لا يمكن حصره.
وقوله تعالى لما ذكر نعيم الجنة { انا نحن نزلنا عليك القران تنزيلا } فيه
الوعد والوعيد وبيان كل ما يحتاجه العباد، وفيه الامر بالقيام باوامره وشرائعه اتم القيام، والسعي
في تنفيذها، والصبر على ذلك. ولهذا قال: { فاصبر لحكم ربك ولا تطع منهم اثما
او كفورا } اي: اصبر لحكمه القدري، فلا تسخطه، ولحكمه الديني، فامض عليه، ولا يعوقك
عنه عائق. { ولا تطع } من المعاندين، الذين يريدون ان يصدوك { اثما }
اي: فاعلا اثما ومعصية ولا { كفورا } فان طاعة الكفار والفجار والفساق، لا بد
ان تكون في المعاصي، فلا يامرون الا بما تهواه انفسهم. ولما كان الصبر يساعده القيام
بعبادة الله ، والاكثار من ذكره امره الله بذلك فقال: { واذكر اسم ربك بكرة
واصيلا } اي: اول النهار واخره، فدخل في ذلك، الصلوات المكتوبات وما يتبعها من النوافل،
والذكر، والتسبيح، والتهليل، والتكبير في هذه الاوقات.
{ ومن الليل فاسجد له } اي: اكثر [له] من السجود، ولا يكون ذلك الا
بالاكثار من الصلاة . { وسبحه ليلا طويلا } وقد تقدم تقييد هذا المطلق بقوله:
{ يا ايها المزمل قم الليل الا قليلا } الاية [وقوله] { ان هؤلاء }
اي: المكذبين لك ايها الرسول بعد ما بينت لهم الايات، ورغبوا ورهبوا، ومع ذلك، لم
يفد فيهم ذلك شيئا، بل لا يزالون يؤثرون، { العاجلة } ويطمئنون اليها، { ويذرون
} اي: يتركون العمل ويهملون { وراءهم } اي: امامهم { يوما ثقيلا } وهو
يوم القيامة، الذي مقداره خمسون الف سنة مما تعدون، وقال تعالى: { يقول الكافرون هذا
يوم عسر } فكانهم ما خلقوا الا للدنيا والاقامة فيها.
{ 28 } ثم استدل عليهم وعلى بعثهم بدليل عقلي، وهو دليل الابتداء، فقال: {
نحن خلقناهم } اي: اوجدناهم من العدم، { وشددنا اسرهم } اي: احكمنا خلقتهم بالاعصاب،
والعروق، والاوتار، والقوى الظاهرة والباطنة، حتى تم الجسم واستكمل، وتمكن من كل ما يريده، فالذي
اوجدهم على هذه الحالة، قادر على ان يعيدهم بعد موتهم لجزائهم، والذي نقلهم في هذه
الدار الى هذه الاطوار، لا يليق به ان يتركهم سدى، لا يؤمرون، ولا ينهون، ولا
يثابون، ولا يعاقبون، ولهذا قال: { بدلنا امثالهم تبديلا } اي: انشاناكم للبعث نشاة اخرى،
واعدناكم باعيانكم، وهم بانفسهم امثالهم. { ان هذه تذكرة } اي: يتذكر بها المؤمن، فينتفع
بما فيها من التخويف والترغيب. { فمن شاء اتخذ الى ربه سبيلا } اي: طريقا
موصلا اليه، فالله يبين الحق والهدى، ثم يخير الناس بين الاهتداء بها او النفور عنها،
مع قيام الحجة عليهم ، { وما تشاءون الا ان يشاء الله } فان مشيئة
الله نافذة، { ان الله كان عليما حكيما } فله الحكمة في هداية المهتدي، واضلال
الضال. { يدخل من يشاء في رحمته } فيختصه بعنايته، ويوفقه لاسباب السعادة ويهديه لطرقها.
{ والظالمين } الذين اختاروا الشقاء على الهدى { اعد لهم عذابا اليما } [بظلمهم
وعدوانهم]. تم تفسير سورة الانسان – ولله الحمد والمنة
- تفسير سورة الانسان للاطفال
- سورة الانسان للاطفال
- سورة الانسان بالصوت
- شرح سورة الانسان للاطفال
- سوره الانسان للاطفال
- مضمون سورة الإنسان للأطفال
- شرح كلمات من سورة الانسان بكرة اصيلا نبتليه فوقاهم الله العاجلة
- شرح صورة الانسان للاطفال
- سورة الانسان للاطفال بالصور
- تفسير سوره الانسان للاطفال