همسة وفاء
رسالة الى روح ابي ( رحمه الله وغفر له )
= الى من كان له الفضل بعد الله تعالى في وجودي .
= الى من رباني صغيرا ، ورعاني شابا ، وصاحبني كبيرا .
= الى من امرني الله تعالى ان اخفض له جناح الذل من الرحمة .
= الى من فقدت بفقده ابا كريما ، واخا ناصحا ، ومستشارا مؤتمنا .
= الى من سالت الله ان يرزقني بره في حياته ، وانا الان اساله تعالى
ان يرزقني بره بعد وفاته .
عليك سلام الله ورحمته وبركاته ، وبعد ؛
فاكتب لك هذه الرسالة المهداة الى روحك الطاهرة – باذن الله تعالى – لتهدئ لوعة
الفؤاد بعد ان حال بيننا وبينك عالم البرزخ ؛ ولتكون ضربا من ضروب التواصل الحميمي
بين العطاء و الوفاء ، ولتكون نوعا من رد الجميل والاعتراف بالفضل بين الابناء والاباء
. وفيها اقول مستعينا بالله وحده :
= غفر الله لك يا والدي وتجاوز عنك ، وتغمدك بواسع رحمته ، وجزاك الله
عني وعن والدتي واخواني واخواتي خير الجزاء يا من كنت لنا بحق الاب الحنون ،
والاخ الكريم ، والصديق الصدوق . والله نسال ان يحسن عزاءنا ، وان يعظم اجرنا
، وان يجبر مصيبتنا فيك ، وان يلهمنا الصبر على فقدك ، وان يجعلنا من
الصابرين الذين قال سبحانه وتعالى فيهم : { وبشر الصابرين * الذين اذا اصابتهم مصيبة
قالوا انا لله وانا اليه راجعون * اولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة واولئك هم
المهتدون } ( سورة البقرة : 155 – 157 ) .
= عفا الله عنك يا من اكرمنا الله تعالى بشرف خدمتك ومرافقتك وتمريضك ، والقرب
منك طول مدة مرضك لتقر اعيننا بك في اخر ايامك في الحياة الدنيا ، ولنقوم
بشيء من حقك ، ونؤدي لك ولو جزءا يسيرا من واجب برك علينا ما دمنا
على قيد الحياة .
= اجزل الله ثوابك يا من ابتليت بالمرض الشديد فصبرت وشكرت ؛ فقد رايناك تتحمل
الالام والاوجاع الشديدة بنفس راضية ان شاء الله تعالى ، ولسان شاكر حامد لله سبحانه
، ولم نعلم انه قطرت من عينك دمعة ، او بدر منك قول ، او
صدر عنك فعل يدل على جزعك او تسخطك او عدم رضاك بما قدره الله عليك
من البلاء والمرض ، والله نسال ان يكون ما اصابك تطهيرا لك من الذنوب والمعاصي
، وحطا للخطايا والاثام ايمانا منا بانه ما من مسلم يصيبه اذى من مرض فما
سواه الا حط الله به سيئاته كما تحط الشجرة ورقها كما اخبر بذلك رسول الله
صلى الله عليه وسلم . ولله الحمد والمنة .
= تجاوز الله عنك يا من كنت قريبا من الناس ، حبيبا للجلاس ، لطيفا
مع الصغار والكبار حتى احبك الجميع واحترموك ؛ فلما سمعوا بنبا وفاتك بكتك الاعين ،
ودعت لك الالسن ، وترحم عليك من عرفك ومن لم يعرفك ، ولسان حالهم يقول
:
ليهنك ما راينا من شهود *** بارض الله كلهم ثناء
ولما لم تمض سوى ايام قلائل على فقدك يا والدي الحبيب ؛ فان يدي لا
تزال غير قادرة على الامساك بالقلم لاكتب لك رثاء ؛ لان البلاء بفقدك كان عظيما
، ورحيلك عنا كان مؤلما ، وقد رحلت معك الكلمات الجديرة برثائك ، ولم يبق
منها الا القليل الذي يذكرني بقول الشاعر :
يا رب خذ منا دعاء مخلصا *** يا من يجيب فلا يخيب دعاء
ندعوك وسع قبره واغسله با *** لبرد الذي غسلت به الشهداء
وارحمه يا رحمن واجعل قبره *** روضا فان العفو منك عزاء
= رحمك الله تعالى يا من توافدت المئات ، وتتابعت الاتصالات من كل مكان لعزائنا
ومواساتنا في مصابنا فيك ، ونحن نستقبل ذلك كله بقلوب حزينة ، ونفوس منكسرة ،
واعين دامعة ، في ايام عصيبة لم يهون علينا فيها هول المصاب والمه ؛ الا
ايماننا بان ما اصابنا ليس الا من قدر الله تعالى علينا جميعا ، وان لله
تعالى ما اعطى ، وله سبحانه ما اخذ ، وان كل شيء عنده – جل
في علاه – بمقدار ، وانا لله وانا اليه راجعون .
= تجاوز الله عنك يا من انطلقت الالسن بالدعاء الصالح لك من كل من عرفك
او سمع بخبر موتك . والله نسال ان يتقبل دعاء من دعا ، وان يكتب
اجره ، كما نساله جل وعلا ان يغفر لك ، وان يرحمك ، وان يعفو
عنك ، وان يجعل قبرك روضة من رياض الجنة ، وان يكرم نزلك ، وان
يوسع مدخلك ، وان يبدلك دارا خيرا من دارك ، واهلا خيرا من اهلك ،
وان يجمعنا بك في مستقر رحمته انه على كل شيء قدير .
= احسن الله اليك يا من كنت تحسن الى الفقراء والمساكين ، ولا تتورع عن
مد يد العون والمساعدة لهم ولو بالقليل من المال ، وتعطف على الضعفاء و المحتاجين
؛ فتقدم لهم ما استطعت من الخدمات اليسيرة التي تدخل بها على انفسهم البهجة والسرور
.
= كتب الله اجرك وضاعفه واجزله يا من كنت تحسن الظن بالله تعالى في كل
وقت وحين ، حتى اننا كنا نحاول – في وقت مرضك – تذكيرك بالله تعالى
ووعظك بضرورة الصبر والاحتساب لما اصابك ؛ فنجدك – بفضل من الله – صابرا على
ما انت فيه من المرض ، محتسبا للاجر من عند الله تعالى ، وواعظا لنا
بالقول والعمل ، وهنا يحضرني قول الشاعر :
لعل الله ينظر بعد هذا *** اليك بنظرة منه رحيمة
= هنيئا لك الخاتمة الحسنة – ان شاء الله تعالى – يا من توفاك الله
في ليلة الجمعة المباركة التي جاء في الحديث عن عبد الله بن عمرو ( رضي
الله عنهما ) ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” ما من
مسلم يموت يوم الجمعة او ليلة الجمعة الا وقاه الله فتنة القبر ” ( رواه
الترمذي وقال حديث حسن ) .
= وبعد ؛ فكم هي عميقة كلمة يا ” والدي ” ، وكم هي قاسية
لحظة الفراق ، ولكن عزاءنا في فقدك انه سبحانه وتعالى قال في كتابه وقوله الحق
: { كل نفس ذائقة الموت } ( ال عمران : من الاية 185 )
. وقال جل جلاله { لكل اجل كتاب } ( الرعد: من الاية 38) .
ونحن ولله الحمد نؤمن بقضاء الله تعالى وقدره ، غير ان عواطف البنوة ، واحاسيس
المحبة الاسرية ، ومعاني الروابط الانسانية التي جمعتنا تجعلنا لا ننسى فضلك بعد فضل الله
علينا ، وتؤكد علينا دوام الاستغفار لك ، والترحم عليك ، والدعاء الصادق لك ان
يسكنك الله تعالى فسيح جناته ، انه على كل شيء قدير وبالاجابة جدير .
= وختاما ؛ لا يسعنا الا ان نقول : ان العين لتدمع ، وان القلب
ليحزن ، وانا لفراقك يا ابتاه لمحزونون ، ولا نقول الا ما يرضي ربنا ،
فجزاك الله عنا خير الجزاء ، وغفر الله لك ، والله نسال ان ينزلك منازل
الصالحين والشهداء ، وان يرحمك – واموات المسلمين من عرفنا منهم ومن لم نعرف –
بواسع رحمته ، وان يجمعنا بك في مقعد صدق عند مليك مقتدر . وهنا يحضرني
قول الشاعر :
عليك سلام الله ما اهتز شوقنا *** اليك ، ورضوان من الله اكبر