الخنساء
رسم تخيلي للخنساء رسمه جبران خليل جبران سنة 1917
الاسم عند الولادة
تماضر بنت عمرو السلمية
تاريخ الولادة
575م[1] مكان الولادة
نجد
تاريخ الوفاة
645م
الاقامة
قريش ثم يثرب
العمل
شاعرة
سبقه
بني سليم
الزوج
رواحة بن عبد العزيز السلمي,
مرداس بن ابي عامر السلمي
الخنساء واسمها تماضر بنت عمرو السلمية (575م – 24 ه / 645م)، صحابية وشاعرة مخضرمة
من اهل نجد ادركت الجاهلية والاسلام واسلمت، واشتهرت برثائها لاخويها صخر ومعاوية الذين قتلا في
الجاهلية.[2] لقبت بالخنساء بسبب ارتفاع ارنبتي انفها.[3]
محتويات
1 الكنية
2 نسبها
3 نشاتها
4 بيئتها
5 الخنساء الشابة
6 الخنساء الزوجة6.1 زواجها من عبدالعزى
6.2 زواجها من مرداس
7 الخنساء الام
8 الخنساء الاخت
9 اسلامها
10 الخنساء الشاعرة
11 الخنساء في النقد
12 وفاة الخنساء
13 انظر ايضا
14 المراجع
الكنية
لقبت بالخنساء لقصر انفها وارتفاع ارنبتيه.[4] قال الحصري في كتاب زهر الادب: لقبت بالخنساء كناية
عن الظبية وكذلك الذلفاء والذلف قصر في الانف ويريدون به ايضا انه من صفات الظباء.[5]
نسبها
هي : ام عمرو[5] تماضر بنت عمرو بن الحارث بن الشريد وهو عمرو بن رياح بن
يقظة بن عصية بن خفاف بن امرئ القيس بن بهثة بن سليم بن منصور بن
عكرمة بن خصفة بن قيس عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. من
ال الشريد من سادات واشراف العرب وملوك قبيلة بني سليم في الجاهلية.
سكنوا بادية الحجاز في الشمال الشرقي من مدينة يثرب، حيث تمتد مضارب بني سليم.
كما اعتز النبي محمد بالانتساب الى بني سليم، فكان يقول: ” انا ابن الفواطم من
قريش، والعواتك من سليم، وفي سليم شرف كثير “[6]، وال الشريد كانوا سادة بني سليم.
وعمرو بن الحارث -ابو تماضر- كان من وفود العرب على كسرى، وكان ياخذ بيدي ابنيه
معاوية وصخر في الموسم حتى اذا توسط الجمع قال باعلی صوته: انا ابو خيري مضر،
فمن انكر فليغير. فلا يغير عليه احد. وكان يقول: من اتى بمثلهما اخوين من قبل
فله حكمه. فتقر له العرب بذلك.[7][8][9]
نشاتها
في يوم من ايام العصر الجاهلي تسلل التاريخ – على عادته- في غفلة من الناس،
الى بيت من اكبر بيوت بني سليم الى بيت عمرو بن الحارث الشريد، ليحتفظ لنفسه
بتاريخ ميلاد تماضر.. تماضر بنت عمرو. ولم يكن التاريخ في ذلك ساذجا! فبيوت بني سليم
من البيوت المعدودة، الجديرة بالملاحظة، والجدية بتسجيل ما يدور بها من احداث. ولدت الخنساء، وانتقلت
من طفولتها الى صباها فشبابها، ولا شيء يثير الانتباه او يلفت النظر غير ما كانت
تمتاز به من جمال وما كانت تحسه من ابويها واخويها من عطف ومحبة، حتى وصل
بها الاحساس الى درجة الاعتداد، او قل الى مرتبة الانفة والكبرياء. ولم يكن ذلك غريبا
على من ينشا في مثل ظروفها. اب شريف، واخوان سيدان يتباهى بهما الاب ويفاخر العرب
ولا احد يجرؤ على نقض ما يقول. وكان لذلك اكبر الاثر في حياة الخنساء، وفي
تكون شخصيتها.
بيئتها
البيئة زمان ومكان وطبيعة واشخاص، يتفاعل معها تكون الشخص، ويتاثر بها ابناؤه. انما تتضح شخصية
انسان بوضوح بيئته، وخصوصا اولئك الذين طواهم التاريخ، ولم نستطع ان نعرف الا مظاهر بدات
في سلوكهم او اقوالهم. والخنساء واحدة من هؤلاء، فقد تبين كيف انها ولدت قبيل الاسلام
وعاشت بعده، ولا احد يعرف عنها، ولا يذكر من اوصافها شيئا، الا حين تعرض لها
” دريد بن الصمة” طالبا الزواج منها، وعندها فقط التفتنا الى انها جميلة،اسر جمالها فارس
طالما اسر الفرسان.
ان اهم ما اتسم به مجتمعهم ويساعد في توضيح شخص الخنساء، هو تالف القبيلة من
ثلاث طبقات:
ابناؤها الذين يربط بينهم الدم والنسب، وعليه ينهض القبيلة وترتفع.
العبيد المجلوبون من البلاد الاجنبية المجاورة وخصوصا الحبشة.
الموالي، وهم عتقاء القبيلة.
وتخضع القبيلة بطبقاتها الثلاثة لقانون اجتماعي عام، فرضته عليهم ظروف الحياة والزمهم اياه شعورهم بالحاجة
الى التضامن. ويتلخص هذا القانون في كلمة واحدة هي ( المروءة ) وعنها تتوالد كل
اخلاقهم الاجتماعية. والخنساء البدوية كانت تقطن مكانا له خصائص ومميزات، نضحت على اهله، وظهرت على
سكانه، فقد اشتهر اهل نجد بالبلاغة وقد ذهبوا في الشعر كل مذهب[10].
الخنساء الشابة
نستطيع ان نلمح صورة الخنساء بالقدر الذي يمكننا من ان نصفها -واثقين- بانها كانت ذات
حسب وجاه وشرف. وانها كانت ذات جمال اخاذ، وتقاسيم متناسقة… لذا شبهوها بالبقرة الوحشية. والعربي
اذا تغزل في الانثى، واراد التعبير عن جمالها، شبهها بذلك. لكن هذا التشبيه لتماضر لم
يكن في معرض غزل طارئ، وانما هو تشبيه صار لها لقبا غالبا على اسمها وكنيتها.
كانت ذات امر بالغ، وجاذبية طاغية، اطلقت الالسن فواجهتها بحقيقتها، فعرفت ما تملك في يدها
من سلاح، كما عرفت قيمة ذلك السلاح. لم يكن في حياتها ما يقلقها، ويقض مضجعها
– شان مثيلاتها في اول العمر، ومقتبل الشباب- فقد اضفى عليها مركز قبيلتها، وكانة اسرتها،
وسيادة ابيها كل اسباب الطمانينة، كما قد افاض عليها جمالها وحسنها ما محا من حياتها
القلق، وازال عنها الاضطراب.
كانت العاقلة الحازمة، حتى لقد عدت من شهيرات النساء.. لا يجرؤ احد عن التهجم عليها
او التحدث عنها.. لذا لم يتكلم عنها احد، ولم يتفوه شاعر بشيء يمكن ان ينقل
وتحمله الالسن، عرفت بحرية الراي وقوة الشخصية. ظهر ذلك او ما ظهر حين تقدم لخطبتها
“دريد بن الصمة”، بعد ان اناخ “بنو جشم” رواحلهم، طلبا للراحة من عناء السفر الطويل
الى مكة في ابان الموسم، وكان منزلهم في بادية الحجاز قريبا من منازل بني سليم.
– ساقت المقادير سيد بني جشم، وفارسها المظفر “دريد بن الصمة” فينطلق على فرسه في
رياضة قصيرة، وما كان يخاف شيئا، فقد شارك في نحو مائة معركة، ما اخفق في
واحدة منها[11] واصبح له من سمعته ما يكفل له الامن والاكرام. وبينما دريد في رحلته
تلك القصيرة، لفت نظره مشهد فتاة[12] تهنا بعيرا لها. ويتساءل فيعرف انها تماضر بنت عمرو،
شقيقة صديقه الحميم معاوية وهو..!! اليس سيد بني جشم؟![13] ووقف سعيدا اذ وصل الى تلك
النتيجة وردد:
حيوا تماضر واربعوا صحبي
وقفوا فان وقوفكم حسبي
اخناس قد هام الفؤاد بكم
واصابه تبل من الحب
ما ان رايت ولا سمعت به
كاليوم طالي اينق جرب
متبذلا تبدو محاسنه
ضع الهناء مواضع النقب
متحسرا نضح الهناء به
ضح العبير بريطة العصب
فسليهم عني خناس اذا
عض الجميع الخطب ما خطبي
حتى اذا بدا الصبح اخذ طريقة الى منزل صديقه معاوية بن عمرو.. تلقاه عمرو بالترحاب،
وجلس دريد في مجلسه وقال: “جئت اخطب ابنتك تماضر الخنساء”[14]
قال له عمرو، “مرحبا بك يا ابا قرة”[15]، وانك لكريم لا يطع في حسبه، والسيد
لا يرد عن حاجته والفحل لا يقرع انفه[16] ولكن “لهذه المراة في نفسها ماليس لغيرها.
وانا ذاكر لها وهي فاعلة”. ثم دخل على ابنته. وقال لها: ” يا خنساء! اتاك
فارس هوازن وسيد بين جشم، دريد بن الصمة يخطبك وهو من تعلمين..” قالت – وكان
دريد يسمع حديثهما: ” يا ابت: اتراني تاركة بني عمي مثل عود الرماح، وناكحة شيخ
بني جشم؟ فخرج اليه ابوها فقال: ” يا ابا قرة ! قد امتنعت، ولعها تجيب فيما
بعد”. فقال دريد: قد سمعت قولكما. قالها وهو منصرف، دون ان يزيد عليها. يبدو ان
اخاها معاوية، اراد ان يجاول صديقة دريد فحاول معها ولكنها اصرت على موقفها من الرفض،
وكان بجوارها صخرا بعطفه وحنانه. عرف فيها ابوها رجاحة العقل، واتزان الفكر، فابي الا ان
يكون زواجها بعد موافقتها، ولم يكن ذلك حقا لكل ابنة، وانما هو خصيصة تمنح لمثيلات
الخنساء.
الخنساء الزوجة
رفضت الزواج من غير بني العم، برفضها سيد ال بدر، ثم برفضها سيد بني جشم.
ويرجع ذلك الی انها مرت بتجربة زواج من قبل ما رواه ابو الفرج الاصفهاني في
قصة مقتل زهير بن جذيمة:[17]” وكانت تماضر بنت عمرو بن الشريد بن رباح بن يقظة
بن عصية بن خفاف السلمي امراة زهير بن خذيمة، وهي ام ولدة ” وجاء في
القصة نفسها[18].
زواجها من عبدالعزى
يذكر انها تزوجت من رجل من قبيلتها اسمه عبد العزى السلمي اولدها ابنها “ابا شجرة”
عبدالله،[19] ولكن ابن قتيبة ذهب الى ان اسمه ” رواحة بن عبد العزى “[20]. –
وقال البستاني: انها تزوجت بعد حادثة دريد من رواحة بن عبد العزى، فولدت له عبدالله
ثم خلف عليها مرداء بن ابي عامر، فولدت له يزيد ومعاوية وبنتا اسمها عمرة.[21] ترجح
بنت الشاطي ان صاحب هذه الاسماء المختلطة شخص واحد، هو الرواحي السلمي، عبد العزى بن
عبدالله بن رواحة. قبلت الزواج من عبدالعزى المقامر، وهي التي رفضت سيد بني جشم، ومن
قبله رفضت سيد ال بدر. وقد اشارت الی ذلك في قولها ” اتراني تاركة بني
عمي مثل عوالي الرماح” حاولت الخنساء ان تمسك عليها زوجها، فضحت.في سبيل ذلك بالكثير.. غيرت
من طبيعتها وكبريائها، بل انها بالغت في ذلك لدرجة جعلته يشعر بتعلقها به. فغالى في
انحرافه، واستغل حرصها عليه اسوا استغلال، وانتهز مالها ومال اخيها، وكلما فرغت يده اظهر لها
الضيق بحياته معها، فهم بالرحيل عنها ولكنها تتشبث به وتقول له[22]: “اقم وانا اتي صخرا
فاساله”. ويقيم عبد العزى – تكرما منه وعطفا – بينما تذهب هي الى اخيها صخر
تشكو اليه حالها وما تلقى من ضيق العيش، فما يكون من صخر الا ان يشطر
ماله شطرين، يعطيها خيرهما. ويستمر عبد العزى علی ذات الحال، فيلتف ما حملت معها من
اخيها، ثم يجيئها صفر اليدين وقد زاد عليها جراة، فيلجا الى الطلب بدلا من التهديد
بالترك. تقول الخنساء:[23]” ثم التفت الي فقال: اين تذهبين يا خنساء؟ قلت: الى اخي صخر.
فاتيناه فقسم ما له شطرين ثم خيرنا في احسن الشطرين.
وجدت الخنساء الشاعرة، التي جادت بمالها، وجاد عليها اخوها بماله، ثمنا لهذه الفترة التي عاشتها
في جوار عبدالعزى.
تقف وقد بخلت بالحديث عن حياتها مع عبد العزى، فيما عدا تلك القصة التي روتها
لام المؤمنين عائشة رضي الله عنها.
وبخلت عليها كذلك قريحتها الشاعرية بالتعبير عن تلك التجربة التي قد تكون الثانية في حياتها.
فالخنساء ليست هناك كارثة قطعت الرجاء منها – كما هو الشان في الموت- انها كارثة
تامل في التخلص منها، وتبذل كل ما تستطيع من اجلها. كانت منهمكة في البحث عن
حلول، فلم تكن في حاجة الى ان تتكلم.
ربما طنت ان في التعبير ما قدي يثير زوجها، فيضيع ما بذلته لعلاجة، او خشيت
شماتة الناس، ان هي قالت شعر تتناقله الالسن، خصوصا وان شيخ جشم المرفوض ما زال
على قيد الحياة. وما زال على علاقة باخيها الشقيق معاوية. وخشيتها من معاوية الذي مال
الى زواجها من دريد.. فضربت برغبته عرض الحائط. حتى انفصلت عن عبد العزى ومضت في
طريقها الى بيت ابيها، تنتظر من ابناء العم زوجا اخر. ولعل الذي واساها بعض الشئ
ما كانت تتمتع به من فتوة فقد صقلتها الاحداث الماضية.
– كان لها من الابناء ابن واحد من زوجها عبد العزى هو:
“ابو شجرة” عبدالله: الذي وقف حائرا بين امه وابيه.. تلك الحيرة التي ولدت فيه صعفا،
جعله انتهازيا، لا تهمه المبادئ بقدر ما تهمه المنفعة الشخصية والكسب الخاص، وكان من نتيجة
ذلك موقفه – وقد اسلم- بعد وفاة الرسول، حيث ارتد مع المرتدين الذين اشتراهم مال
اعداد الاسلام ممن يقيمون على حدود الجزيرة ويحاورون بني تميم وغطفان.
(موقف عبد العزى)
– انفصال عبد العزى عن اخت معاوية شي ووقوفه بجوارة في المعركة شي اخر، لا
يتعلق احدهما بالاخر، اذا الامر هنا مرتبط بعرف القبيلة وعاداتها ولقد وقف نفس الموقف “دريد”،
فليم ينسى – رفض الخنساء خطبته- ما بينه وبين معاوية اخيها من صداقة، فوقف يرثية،
ورثى دريد صديقه معاوية:
وان الرزء يوم وقفت ادعو
فلم اسمع معاوية بن عمرو
ولو اسمعتة لسرى حثيثا
سريع السعي او لاتاك يجري
بشكة حازم لا عيب فيها
اذا لبس الكماة جلود نمر
فعز علي هلكك يا ابن عمرو
ومالي عنك من عزم وصبر
ولم يقف عند قول قصيدة، بل طلب ثار صديقه، ولم يهدا حتى ثار له..
زواجها من مرداس
لم يطل بالخنساء المطال حتى تقدم اليها مرداس بن ابي عامر السلمي، الملقب بالفيض لسخائة..
ذلك بعد مقتل صخر[24]، وفي اثناء حدادها على اخيها وابيها وكان مرداس الى سخائة رجل
جد وعمل لم يترك فرصة الا اهتلبها، ليوفر لاسرته اسباب الحياة، حتى مات في احدى
مغامراته تاركا للخنساء اربعة بنين هم: العباس، وزيد، ومعاوية، وبنت اسمها عمرة.
وتهتز الخنساء لفقد مرداس اهتزازة، يتولد عنها قصيدة ترثيه بها.. والقصيدة – وان لم تصل
الى اعوار نفسها لتفصح عن الاسى والحزن لفراق زوج عاش معها فترة من حياتها، وسجلت
له الاحداث ذكريات- الا انهاتعتبر في ميزان شعرها من احسن مراثيها فهي لا تبعد عن
نهجها العام في مراثيها الترى ترددها بن الندب والتابين، فتعدد المناقب وتذكر الماثر.
ولقد كان مرداس في رايها افضل الناس حلما ومروءة وشجاعة. فقالت:
الا اختار مرداسا على الناس قاتله
ولو عاده كناته وحلائله
وقلن الا هل من شعفاء يناله
وقد منع الشفاء من هو قاتله
وقد منع الشفاء من شد قادرا
وقد علقت هند بن عمرو حبائله
فلما راه البدر اظلم كاسفا
ا رن شوان برقه فمسايله
رنينا وما يغني الرنين وقد اتى
بنعشك من فوق القرية حامله
وفضل مرداسا على الناس فضله
وان كل هم همه فهو فاعله
وان رب واد يكره القوم هبطه
هبطت وماء منهل انت نازله
تركت به ليلا طويلا ومنزلا
تعاوى على جنب الطريق عواسله
وسبي كارام الصريم حويته
خلال رجال مستكين عواطله
فعدت عليه بعد بؤسى بانعم
وكلهم يثني به ويواصله
متى ما تعادل ماجدا تعتدل به
كما عدل الميزان بالكف ثاقله
هكذا دخل مرداس حياة الخنساء، وخرج من غير ان نرى اثر لتلك الفترة الا الابناء.
الخنساء الام
لم تكن الخنساء الام باوضح كثيرا من الخنساء الطفولة، او الخنساء الشابة او الخنساء الزوجة.
يبدا الغموض في هذا الجانب من حياة الخنساء بحصر بنيها من مرداس بن ابن عامر
السلمي. فهم ولدان وبنت او ثلاثة وبنت او اربعة وبنت. وعليه فلا مناص من القول
بان بنيها من مرداس هم: العباس زيد، ومعاوية، وعمرة[25]. هناك من لا ينكر وجود العباس
اكبر الاربعة سنا، ولكنه لا يعتبره ابنا للخنساء، وانما هو ابن زوجها من امراة اخرى
سابقة عليها. ويؤيد القول بان الاربعة ابناء الخنساء من مرداس، ما روى من انها حضرت
القادسية، ومعها بنوها الاربع. وقد يكون احدهم ابو شجرة بن عبد العزى، ما جاء على
لسانها في خطبتها ليلة القادسية تحث ابناءها: ” … انكم لبنو رجل واحد, كما انكم
بنو امراة واحدة, ما خنت اباكم ولا فضحت خالكم, ولا هجنت حسبكم ولا غيرت نسبكم…
” هذا الى موقف ابي شجرة من الارتداد وهو ان رجع الى الاسلام ولم يكن
يضحي بنفسه، ويؤكد ذلك ما كان بينه وبين عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
اما العباس فقد طفى طفوتين اثناء اسلامه لا يشرفان مسلما ولا يشرفان من يتصل به
من المسلمين، حتى ليعلن فومه في احداهما مخالفته- وهو السيد المطاع- بينما الام صامته لا
تبين، بل لا نسمع لها في ذلك الحين صوتا، ولا نعرف لها رايا، وما اكن
اجدر الخنساء بان نسمع صوتها عند ذلك.
الطفوة الاولى: كانت حين قرر الرسول صلى الله عليه وسلم[26] رد سبايا هوازن- بعد تقسيمها،
ثم اسلام هوازن- بادئا بنفسه وبني المطلب، وانصاع لذلك القرار المهاجرون والانصار. اما الاقرع بن
حابس عن تميم، وعيينة بن حصن فرفضا، ورفض العباس بن مرداس بن سليم. ولكن بني
سليم لم يقروا العباس على رفضة.
واما الطفوة الثانية فحينما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم في هوازن[27] ودعا فوزع
خمسة على الذين كانوا الى ايام اشد الناس عداوة له، نصيبا فوق نصيبهم – تاليفا
لقلوبهم-، فاعطى العباس بن مرداس عددا من الابل لم يرضه، وعاتبه على ان فضل عليه
عيينة بن حصن والاقرع بن حابس وغيرهما.
فقال النبي – صلى الله عليه وسلم – ادهبوا به فاقطعوا عني لسانه، فاعطوه حتى
رضى.
ولا ينقضي بضعة اعوام على ذلك حنى يلقى الرسول ربه، ويبتلى اهل الشمال بالارتداد عن
الاسلام، فنرى ابن الخنساء البكر” ابو شجرة بن عبد العزى ” واحد من حاملي لواء
الارتداد، يحرض بشعره المرتين على المسلمين وقاتلهم. فلما راى تحريضة على خالد لم يثمر، وراى
الناس يرجعون الى الاسلام رجع هو كذلك اليه، وقد قبل منه ابو بكر عودته، وعفا
عنه فيمن عفا[28].
ويبدوا ان عودته الى الاسلام لم تكن عن صدق، فقد اتى عمر – في خلافته-
وهو يعطي المساكين من الصدقة، ويقسمها بين فقراء العرب، فقال: يا امير المؤمنين، اعطني فاني
ذو حاجة. قال: ومن انت؟ قال: ابو شجرة بن عبد العزى السلمي. قال: ابو شجرة؟
اي عدو الله، الست الذي تقول:
فرويت رمحي من كتيبة خالد
واني لارجو بعدها ان امرا
قال: قم جعل يعلوه بالدرة في راسة حتى سبقه عدوا، فرجع الى دابته فارتحلها، ثم
اسندها في حرة شوران راجعا الى ارض بني سليم فقال:
ضن علينا ابو حفص بنائله
وكل مختبط يوما له ورق[29] احداث ثلاثة تمر بابني الخنساء الاكبرين، فما اختلجت فيها خالجة،
ولا رويت عنها كلمة تشير الى انها اهتمت لذلك، ويبدو انها حتى ذلك الحين لم
تفق من صدماتها المتواليات في اسرتها فهي في شغل عن كل ما هولها من احداث،
ربما كان نتيجة انهيار اصاب منها صبلابتها، ومضى بعزيمتها على توالي توالي الاحداث.
لم تتكلم الخنساء حين اخطا ابناءها ابو شجرة والعابس، فقد كانت قريبة العهد بمصائبها، مما
يشغل عن تتبع اخطاء الابناء. كما انها كانت حديثة العهد بالاسلام، كما انها رات كلامها
في هذا الموقف غير ذي موضوع. فبعد ان تكلم رسول الله – صلى الله عليه
وسلم – ومع صنيع ابي بكر وعمر – رضي الله عنهما- اصبح ما تاتيه وما
تقوله عبثا، لا قيمة له وخطا يجدر بالعاقل الا يقع فيه.
لم نراهم معها، ولا نراه معهم الا في نحو سنة 638 م ليلة خرج المسلمون
لتاديب الفرس الذين حاولوا كثيرا تاليب الحدود على المسلمين الامنين، وخرج هؤلاء مع الخارجين، نراها
تتوسط بنيها الاربع – وليس من بينهم ابو شجرة – تحرضهم على الحرب وتمسح عن
نفوسهم الخوف او القلق على مصيرها فهي في الاسلام لن تضاع اذا ما فقدت العائل
المعين.
نراها في هذا الموقف، ونسمعها – وقد عاوتها شخصيتها المفقودة ذات العقل العاقل، والعزيمة الماضية
– تقول: “يا بني[30] انكم اسلمتم وهاجرتم مختارين, والله الذي لا اله غيره انكم لبنو
رجل واحد, كما انكم بنو امراة واحدة, ما خنت اباكم ولا فضحت خالكم, ولا هجنت
حسبكم ولا غيرت نسبكم. وقد تعلمون ما اعد الله للمسلمين من الثواب الجزيل في حرب
الكافرين. واعلموا ان الدار الباقية خير من الدار الفانية يقول الله: {يا ايها الذين امنوا
اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون} [ال عمران: 200]. فاذا اصبحتم غدا ان شاء
الله سالمين, فاغدوا الى قتال عدوكم مستبصرين, وبالله على اعدائه مستنصرين. واذا رايتم الحرب قد
شمرت عن ساقها واضطرمت لظى على سياقها وجللت نارا على اوراقها, فتيمموا وطيسها, وجالدوا رئيسها
عند احتدام خميسها تظفروا بالغنم والكرامة في دار الخلد والمقامة”[31].
فلما اصبحوا باكروا مراكزهم، وتقدموا واحد بعد واحد ذاكرين وصية العجوز فقال الاول: يا اخوتي
ان العجوز الناصحة
وقال الثاني: ان العجوز ذات
وانشد الثالث: والله لا نعصي العجوز
وقال الرابع: لسنا لخنساء ولا للاحزم
وما زالوا حتى استشهدوا جميعا في حرب القادسية. وبلغها الخبر – رضي الله عنها –
مع الجيش العائد محملا بالظفر، فقالت: “الحمد لله الذي شرفني
باستشهادهم، وارجو من ربي ان يجمعني بهم في مستقر رحمته”. قالتها ولم تزد عليها[32].
وعندها يقف المنقبون في تاريخ الخنساء مع من يفسرون شخصيتها حيارى، لا يدرون الى اين
يتجهون، وكيف يسيرون، وبم يعللون هذا الجمود؟ جمود الام المصابة في بنيها الاربع.
ولكنها لم تكن هذه الام حرساء.. انها الخنساء..!!
حلفت بالبيت وزواره
اذ يعملون العيس نحو الجمار
لا اجزع الدهر على هالك
بعدك ما جنت هوادي العشار
وقد بلعت الغصص صامته، واستقبلت ثكل الابناء صابرة محتسبة. وهكذا التاثر بالاسلام هو الذي دفعها
الى ادامة البكاء على السادات من مضر، وفي الاسلام لا ثار تبكي من اجله لبنيها،
ولا نار لمن استشهد في سبيل دينه. قد يكمن سر ذلك الجمود في اطمئنانها الى
نهايتهم المشرقة، ومنزلتهم العظيمة. لان استشهادهم عن نصر كبير وفتح مبين.
الخنساء الاخت
احداث متواليات، تكشف لنا عن ذلك الجانب في حياة الخنساء، ونرى على ضوئها الخنساء في
علاقتها باخويها.
لا تنتهي حادثة حتى تبدو حادثة اخرى، وكانما استعاض التاريح بتلك الاحداث في حياتها عن
الرصد والتدوين. وليس بعيدا عنا موقف صخر منها حين حاول معاوية اخوها ان يكرهها على
الزواج من صديقة دريد، فلجات اليه ليكون لها عونا، تحقق به ما رغبت. وليس بعيدا
عن ذلك الموقف موقفه منها حين اوقعها زوجها عبدا العزى في ورطة مالية، فلم تجد
غيره ملجا تسعى اليه. وكان كريما معها بكل ما تحمل تلك الكلمة من معانه، فقد
شطر ماله نصفين، خيرها بين احدهما. حتى ملت زوجة واعترضت فقالت: “اما كفاك ان تقسم
مالك حتى تخيرهم؟” فقال قاطعا عليها كل اعتراض: والله لا امنحها شرارها وهي حصان قد
كفتني عارها ولو هلكت مزقت خمارها واتخذت من شعرها صدارها[33]
كان يوما من ايام عكاظ، تمنت الخنساء لو توقف الزمن عنده، او اجتازة من غير
ان يمر به، فما في حياتها اشام من ذلك اليو، اذا وقعت[34] عينا معاوية بن
عمرو على اسماء المرية، فاعجبه جمالها،
ودعادها لنفسه، فامتنعت عليه قائلة: اما علمت اني عند سيد العرب ” هاشم بن حرملة
الغطفاني”.؟ قال وقد اثارته بردها: اما والله لا قار عنه عنك. فهزت كتفيها قائلة في
تحد: “شانك وشانه”. ومضت الى هاشم، فحدثته بما كان، فانطلق مغضبا حتى اتى معاوية يساله
عن الخبر، فقال معاوي، لوددت والله اني قد سمعت بظعائن بندبنك.
انتهى الموسم، وصدى الحوار مازال يرن في اذن معاوية، فتهيا لغزو بني مرة قوم هاشم،
ونهاه صخر اخوه، ولكن دون جدوى.
وانطلق في فرسان من بني سليم، حتى اذا دنا من ديار بني مره، دومت عليه
طير، وسنح طبي، فتطير منهما اصحابه، ومازالوا به حتى رجع وبلغ هاشم ذلك فقال: ما
منعه من الاقدام الا الجبن.
واستثارت الكلمة معاوية لما بلغته فخرج في العام التالي مصرا على الغزو، لكن اخجابه تطيروا
من ظبي سانح، فرجعوا وتخلف 5 وفي تسعة عشر فارسا منهم: عبد العزى الواحي السلمي،
شيخا لا يريد قتالا.
وورد معاوية واصحابة ماء هناك يسقون، فعرفتهم امراة من جهينة – احلاف بني سهم ابن
مره- فانسلت حتى اتت هاشم بن حرملة فاخبرته ان معاويه في تسعة عشر رجلا من
صحبة غير بعيد.
فخرج هاشم مع اخيه دريد وجمع من قومه، واصابوا من معاوية مقتلا، وشد فرسان بني
سليم على عدوهم، فقتلوا بمعاوية مالك بن الحارث، سيد بني فزارة، وعادوا الى صخر وهم
يظنون انهم عوضوه بما ادركوا من ثار عاجل. ولكن صخر لم يرض، وانما انطلق اتى
بني مرة يسالهم:
من قتل معاوية؟ فسكتوا طويلا، ثم قال هاشم: علم ابا حسان الى من يخبرك، اذا
اصبتني او اصبت دريدا اخي فقد اصبت ثارك. قال صخر: فهل كفنتموه.؟ اجابوا: نعم.. في
بردين. قال: فاروني قبره. فمضوا به حتى اذا راى القبر جزع، غير انه ما لبث
ان تمالك نفسه، وقال: ” كانكم قد انكرتم ما رايتم من جزعمي، فوالله مابت منذ
عقلت الا باترا او مبتروا، طالبا او مطلوبا، حتى قتل معاوية. فما ذقت طعم نوم
بعده”.
وسال عن الشماء فرس معاوية، فجاؤه بها، ثم انصرف وقد توعدهم ان ياتيهم في العام
القابل. وانجز صخر وعيده.. غزاهم على الشماء فنال منهم، وقتل عددا فيها “دريد” اخو هاشم،
وادرك ثاره، وان فاته ان يتشفى من هاشم، حتى اشتفى منه، دريد ابن الصمة، صديف
معاوية. ولم تكن بنو غطفان بالتي تترك صخرا هكذا، فقد خرجوا في اثره يطلبونه، ووقف
دونه ابن اخته العباس
بن[35] مرداس، حتى فات طالبيه وعاد صخر الى ديار بني سليم، وهو يقول[36] مجيبا من
طلب منه هجوهم:
تقول: الا تهجو فوارس هاشم
وما لي اذا اهجوهم ثم ما ليا
ابى الشتم اني قد اصابوا كريمتي
وان ليس اهداء الخنا من شماليا
كثير من الدارسين – وقد التقوا مع مراثيها في صخر – اخذوا عليها قلة شعرها
في رثاء معاوية. والحقيقة ان شعرها في معاوية ليس قليلا في ذاته. ولكنه قليل اذا
قيس بشعرها في صخر.
(ولذا يتكرر التساؤل عن تلك التفرقة):
– اما زال في نفس تماضر من اخيها الشقيق معاوية – بعد مقتله- اثر من
اثار الماضي؟ – ام هي الصدمة المفاجئة، تنضم الى صدماتها السابقات، فتلجم لسانها وتجمد عبراتها؟
– ام هو الخوف على اخيها صخر من ان تهيجه اشعارها، فيندفع – وهو الذي
لا يبخل في سبيلها- الى حتفه، وعندئذ تفقد الاخوة، مثلما فقدت الزوح والاب؟
لو رجعنا الى عادات العرب واخلاقهم في الرثاء لبدا لنا الامر في معاوية طبيعيا، لا
شذوذ فيه، ولا حاجة تستدعي تلك الافتراضات او بعضها، فقد كان من اخلاق العرب ان
يانفوا من بكاء من مات في المعركة، لانهم يعتبرون ندبهم وبكاءهم هجاء او في حكم
الهجاء، فهم ما خرجوا الا ليقتلوا، ولذا يجي رثاؤهم – والحالة هذه – تابينا يذكرون
فيه فضائل المقتول، ومركزه في قبيلته، ولذا عاب بعضهم عليها في مراثي معاوية ذلك النهج
– وما تنبهوا الى الخلق الملتزم- فقالوا: ان مراثيها فيه خلت من البكاء.
– قالت في رثاء معاوية:
الا لا ارى في الناس مثل معاويه
اذا طرقت احدى الليالي بداهيه
بداهية يصغى الكلاب حسيسها
وتخرج من سر النجي علانيه
الا لا ارى كالفارس الورد فارسا
اذا ما علته جراة وعلانيه
وكان لزاز الحرب عند شبوبها
اذا شمرت عن ساقها وهي ذاكيه
وقواد خيل نحو اخرى كانها
سعال وعقبان عليها زبانيه
بلينا وما تبلى تعار وما ترى
على حدث الايام الا كماهيه
فاقسمت لا ينفك دمعي وعولتي
عليك بحزن ما دعا الله داعيه
بلينا وما تبلى تعار وما ترى
على حدث الايام الا كما هيه
وايا ما كان الامر، فلن يقبل عاقل مرور تلك الحادقة على الخنساء دون ان تتناوشها
الاحزان.
فقد استطاعت ان تكبت احزانها وتسكت خوفا على صخر، او اخبرتها اخلاق قومها على السكوت،
فما كان صخر الحليم الجواد العطوف ليسكت، وما كان ليرضية ان يثار لمعاوية “دريد” صديقه،
بينما هو على قيد الحياة.
“ولم يقتنع صخر[37] بهذا الثار المزدوج لاخيه، فتابع غاراته على مرة، حتى اصيب بجرح قتال
على يدر رجل من فقعس وهي بط من اسد، كانت متحالفة مع بني مرة” وكان[38]
جرحه من طعنة طعنه بها ثور بن ربيعة الاسدي[39] فمرض لها حولا.
واصبحت حياته ممله، حتى ان امراته سئلت عن حاله وقالت: بشر حال، لا حي فيرجى،
ولا ميت فينعى، ولقد لقينا منها الامرين[40].
وتجيب الام: ” باحسن حال، ما كان منذ اشتكى خيرا منه اليوم، ولا نزال بخير
ما راينا سواده فينا. فقال صخر:
ارى ام صخر ما تجف دموعها
وملت سليمى مضجعي ومكاني
فاي امرئ ساوى بام حليلة
فلا عاش الا في شقا وهوان
فلما طال عليه البلاء قالو له: لو قطعت تلك القطعى لجونا ان تبرا، وكانت قطعت
قماش في جوف الجرح، فقال شانكم وهي، فاشف عليه بعضهم، وقال الموت اهون علي مما
انا فيه، فاحموا له شفرة، ثم قطعوها فبئس من نفسه.
وجاءت تماضر- وفي يدها قلبها- تسال: “كيف كان صبر؟”
فما كانت لتستطيع ان ترى ذلك المشهد، وسمع[41] صخر البائس سؤال تماضر الوالهة فاجابها يطمئنها
وهو يعلم الا شي يطمئن:
اجارتنا ان الخطوب تنوب
على الناس، كل المخطئين تصيب
فان تساليني هل صبرت فانني
صبور على ريب الزمان صليب
كاني وقد ادنوا الي شفارهم
من الصفحتين ركوب
جارتنا لست الغداة بظاعن
ولكن مقيم ما اقام عسيب
ومكث صخر في مرضه، بعد ان لاقى منه الامرين، وتجرعت امه واخته الالام في كل
لحظة لمدة عام او يزيد، ومات في يوم كلاب[42] سنه 615 م، ومن قبل مات
معاوية في يوم حوزة الاول 612م، ومن قبلهما قابلت تماضر الموت في اسرتها، يوم ان
اقتلع اباها عمرو بن الشريد، ومرداس زوجها الكريم، وما كانت الانثى لتستطيغ الصمود امام ذلك
التيار الجارف، مهما تشبثت بالجمود، ومهما تعقلت بصلابة الراي، ومهما لجات الى العزة والانفة والعقل[43].
انهارت الخنساء، بعد ما تمالكت نفسها، وكانت موشكة ان تنهار في اثر مقتل معاوية لولا
وجود صخر، ومنعتها اخلاق قومها، ولكنها لم تجد سناندا، ولم تجد مانعا، فما قدرت على
تمالك نفسها بعد موت صخر، فقد مات عزها ومؤنسها وملجؤها وحاميها، ولذا وجت به اعظم
الوجد، وولهت اشد الوله، واقامت على قبره زمانا تبكيه وتندبه وترثيه.
وكما كان صخر في حياتها ملجا الخنساء، يزيل عنها شكايتها، ويمسح عليها الامها، كان بعد
موتها ملجاها كذلك، خفف عنها ما كبتت في نفسها من احزان، وما ابتلعت من غصص،
طالما اقلقتها واقضت منها المضاجع، فلما مات صخر انفجرت باكية من غير مساك. فهو اسى
مجمع، وشجى اثمر مع الاحداث.
في يوم من الايام طلب من الخنساء ان تصف اخويها معاوية وصخر، فقالت: ان صخرا
كان الزمان الاغبر، وذعاف الخميس الاحمر. وكان معاوية القائل الفاعل. فقيل لها: اي منهما كان
اسنى وافخر؟ فاجابتهم: بان صخر حر الشتاء، ومعاوية برد الهواء. قيل: ايهما اوجع وافجع؟ فقالت:
اما صخر فجمر الكبد، واما معاوية فسقام الجسد.
ولذا قيل: كان موت صخر بن عمرو ابن الشريد تاريخ ميلاد شاعرة كشف للعرب عن
شاعرة بني سليم تماضر، نظرا لكثرة ما قالت فيه. والواقع انه كان تنفسيا لذلك الحزن
المكبوت، ولذا كانت تسوم[44] هودحها في الموسم، وتعاظم العرب بمصيبتها بابيها واخويها، وتقول: انا اعظم
العرب مصيبة، فيقر لها الناس في ذلك وليس هذا جديد، فقد سبقوا ان اقروا لابيها
حين فاخر بابنيه، ثم[45] لما كانت وقعة بدر، وقت عتبه وشيبة ابناء ربيعة، والوليد بن
عتبة، اقبلت هند بنت عتبة ترثيهم، وبلغها تسويم الخنساء ودجها في الموسم، ومعاظمتها العرب بمصيبتها
بابيها واخويها، فقالت هند: بل انا اعظم العرب مصيبة، فامرت بهودجها فسوم براية ايضا، وشهدت
الموسم بعكاظ، وكانت عكاظ سوق تتجمع فيه العرب.
هكذا لا ترى الخنساء الاخت الى هائمة على وجهها.. في حياة اخوتها.. تهيم على وجهها
الى الاخ الرقيق، فيمسح عليها بيده الحنون، ليزيل عنها متاعبها ويخفف عنها الامها. وبعد موت
اخوتها.. تهيم على وجهها.. الى..؟ لا شي… وتبكي وتنوح، ولا يعترض طريقها احد. فلم يكن
بد من ان يعلن في الملا صدق حزنها، والياس من تغيير حالها، الى ان تترك
لدمعها تناجيه ويناجيها وفي ذلك السلوى لها والراحة.. وكان ذلك بلسان الفاروق رضي الله عنه
عندما قال: ” دعوها، فانها لا تزال حزينة ابدا[46]
اسلامها
حين انتشر نور الاسلام، صحبت بنيها وبني عمها من بني سليم وافدة الى رسول الله
صلى الله عليه وسلم ليعلنوا دخولهم في الدين الجديد.
اسلمت في عام 8 ه – 630 م وهي في طلائع شيخوختها لم تقل عن
الخمسين، ولن تزيد على الستين[47]، عندما قدمت على النبي مع قومها بني سليم[48] واعلنت اسلامها
وايمانها لعقيدة التوحيد وحسن اسلامها.
ذكر الزبير بن بكار عن محمد بن الحسن المخزومي وهو المعروف بابن زبالة احد المتروكين
عن عبد الرحمن بن عبد الله عن ابيه عن ابي وجزة عن ابيه قال حضرت
الخنساء بنت عمرو السلمية حرب القادسية سنة 16 ه، – 638 م ومعها بنوها اربعة
رجال فذكر موعظتها لهم وتحريضهم على القتال وعدم الفرار[49]، فقد حرضت ابناءها الاربعة على الجهاد
ورافقتهم مع الجيش زمن عمر بن الخطاب، وقد اوصتهم: “يا بني انكم اسلمتم وهاجرتم مختارين,
والله الذي لا اله غيره انكم لبنو رجل واحد, كما انكم بنو امراة واحدة, ما
خنت اباكم ولا فضحت خالكم, ولا هجنت حسبكم ولا غيرت نسبكم. وقد تعلمون ما اعد
الله للمسلمين من الثواب الجزيل في حرب الكافرين. واعلموا ان الدار الباقية خير من الدار
الفانية يقول الله: {يا ايها الذين امنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون} [ال
عمران: 200]. فاذا اصبحتم غدا ان شاء الله سالمين, فاغدوا الى قتال عدوكم مستبصرين, وبالله
على اعدائه مستنصرين. واذا رايتم الحرب قد شمرت عن ساقها واضطرمت لظى على سياقها وجللت
نارا على اوراقها, فتيمموا وطيسها, وجالدوا رئيسها عند احتدام خميسها تظفروا بالغنم والكرامة في دار
الخلد والمقامة”[31]. فلما بلغ اليها خبر وفاة استشهادهم جميعا، لم تجزع ولم تبك، ولم تحزن،
قالت قولتها المشهورة: “الحمد لله الذي شرفني باستشهادهم، وارجو من ربي ان يجمعني بهم في
مستقر رحمته” وكان عمر بن الخطاب يعطي الخنساء ارزاق اولادها الاربعة حتى قبض رضي الله
عنه.[50] اخرجها ابو عمر.
لها موقف يدل على وفائها ونبلها مع امير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه
فلم تزل الخنساء تبكي على اخويها صخرا ومعاوية حتى ادركت الاسلام فاقبل بها بنو عمها
الى عمر بن الخطاب وهي عجوز كبيرة فقالوا: يا امير المؤمنين هذه الخنساء قد قرحت
ماقيها من البكاء في الجاهلية والاسلام فلو نهيتها لرجونا ان تنتهي.
فقال لها عمر: اتقي الله وايقني بالموت فقالت: انا ابكي ابي وخيري مضر: صخرا ومعاوية,
واني لموقنة بالموت, فقال عمر: اتبكين عليهم وقد صاروا جمرة في النار؟ فقالت: ذاك اشد
لبكائي عليهم؛ فكان عمر رق لها فقال: خلوا عجوزكم لا ابا لكم, فكل امرئ يبكي
شجوه ونام الخلي عن بكاء الشجي.[51]
وتمضي الخنساء مع الاسلام فتنسى كثيرا من عادات الجاهلية، ولكنها لا تنسى السادات من مضر،
ولا يفارقها الوجد عليهم، والبكاء من اجلهم.
ولقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يستنشدها شعرها، ويستزيدها – وهو مصغ اليها- بقوله:
“هيه يا خناس! ويومئ بيده[52]. وقد ابى عليه قلبه الكبير ان يزرجها او ان يلومها.
الخنساء الشاعرة
الخنساء شاعرة مخضرمة.. ينطبق عليها التحديد الاصيل لمعنى الكلمة ومدلولها، حيث تطلق كلمة مخضرم عند
العرب في الاصل على من ادرك الجاهلية والاسلام ثم اطلقت على طبقة الشعراء الذين ادركوا
الجاهلية.
ولدت من اباء شعراء.. ليسوا بني سليم، اباءها الافربين فحسب، بل ذلك يرجع الى ابعد
الاباء في قييس كلها، وكان فيهم خمسا شعراء العرب، فقد نبغ منهم جماعة من فحول
الشعراء، ومنهم النابغتان ( الذيباني و الجعدي ) وزهير بن ابي سلمى، وكعب ابنه، ولبيد،
والحطيئة، والشماخ، وخداش بن زهير وغيرهم. قال ابن قتيبة[53] وهي جاهلية، كانت تقول الشعر في
زمن النابغة الذبياني، ويرى ابن سلام[54] هذا الراي نفسه.
ونقطة التحول في حياة الخنساء هي فجيعتها المزدوجة بفقد اخويها معاوية وصخر”[55]
كانت الخنساء في اول امرها تقول البيتين والثلاثة، حتى قتل اخوها معاوية وصخر[56] الذين ما
فتات تبكيهما حتى خلافة عمر, وخصوصا اخوها صخر. فقد كانت تحبه حبا لا يوصف، ورثته
رثاء حزينا وبالغت فيه حتى عدت اعظم شعراء الرثاء. ويغلب على شعر الخنساء البكاء والتفجع
والمدح والتكرار لانها سارت على وتيرة واحدة تميزت بالحزن والاسى وذرف الدموع. ومما يذكر في
ذلك ما كان بين الخنساء وهند بنت عتبة قبل اسلامها, نذكره لنعرف الى اي درجة
اشتهرت الخنساء بين العرب في الجاهلية بسبب رثائها اخويها.
توزع الرثاء انواع ثلاثة، امتاز كل منها بعنوان، فاصبح تحت المرثية:
الندب: وهو ممنوع في المرثية، وذلك اذا كان الميت قتيل حرب. وكان من اخلاق العرب
انهم لا يرثون قتلى الحرب. فاذا بكوهم كان ذلك هجاء، او في حكم الهجاء.
التابين.
والعزاء.
وقد اجتمعت للخنساء في مراثيها انواع الرثاء الثلاثة تلك فانا نسمعها نادية باكية، يرتفع نشيجها،
فيثير الاشجان، ويجري الدموع من الماقي، وذلك اذ تقول:
ابنت صخر تلكم الباكية
لا باكي الليلة الا هيه
وتقول:
يا عين جودي بالدموع الغزار
وابكي على اروع حامي الذمار
فرع من القوم الجدى
انماه منهم كل محض النجار
اقول لما جاءني هلكه
وصرح الناس بنجوى السرار
اخي! اما تك ودعتنا
فرع من القوم كريم الجدا
فرب عرف كنت اسديته
الى عيال ويتامى صغار
ورب نعمى منك انعمتها
على عناة غلق في الاسار
اهلي فداء للذي غودرت
اعظمه تلمع بين الخبار
صريع ارماح ومشحوذة
كالبرق يلمعن خلال الديار
من كان يوما باكيا سيدا
فليبكه بالعبرات الحرار
ولتبكه الخيل اذا غودرت
بساحة الموت غداة العثار
وليبكه كل اخي كربة
ضاقت عليه ساحة المستجار
ربيع هلاك وماوى ندى
حين يخاف الناس قحط القطار
اسقى بلادا ضمنت قبره
صوب مرابيع الغيوث السوار
وما سؤالي ذاك الا لكي
يسقاه هام بالروي في القفار
قل للذي اضحى به شامتا
انك والموت، معا، في شعار
وتقول:
بكت عيني وعاودها قذاها
بعوار فما تقضي كراها
على صخر واي فتى كصخر
اذا ما الناب لم ترام طلاها
فتى الفتيان ما بلغوا مداه
ولا يكدى اذا بلغت كداها
حلفت برب صهب معملات
الى البيت المحرم منتهاها
لئن جزعت بنو عمرو عليه
لقد رزئت بنو عمرو فتاها
له كف يشد بها وكف
تحلب ما يجف ثرى نداها
ترى الشم الجحاجح من سليم
يبل ندى مدامعها لحاها
على رجل كريم الخيم اضحى
ببطن حفيرة صخب صداها
ليبك الخير صخرا من معد
ذوو احلامها وذوو نهاها
وقد اجمع اهل العلم بالشعر انه لم تكن امراة قلبها ولا بعدها اشعر منها[39] انشدت
في سوق عكاظ بين يدي النابغة الذبياني وحسان بن ثابت “رائيتها” التي رثت بها صخر:
قذى بعينك ام بالعين عوار
ام ذرفت اذخلت من اهلها الدار
كان عيني لذكراه اذا خطرت
فيض يسيل على الخدين مدرار
تبكي لصخر هي العبرى وقد ولهت
ودونه من جديد الترب استار
تبكي خناس فما تنفك ما عمرت
لها عليه رنين وهي مفتار
تبكي خناس على صخر وحق لها
اذ رابها الدهر ان الدهر ضرار
لا بد من ميتة في صرفها عبر
والدهر في صرفه حول واطوار
قد كان فيكم ابو عمرو يسودكم
نعم المعمم للداعين نصار
صلب النحيزة وهاب اذا منعوا
وفي الحروب جريء الصدر مهصار
يا صخر وراد ماء قد تناذره
اهل الموارد ما في ورده عار
مشى السبنتى الى هيجاء معضلة
له سلاحان: انياب واظفار
وما عجول على بو تطيف به
لها حنينان: اعلان واسرار
ترتع ما رتعت، حتى اذا ادكرت
فانما هي اقبال وادبار
لا تسمن الدهر في ارض وان رتعت
فانما هي تحنان وتسجار
يوما باوجد مني يوم فارقني
صخر وللدهر احلاء وامرار
وان صخرا لوالينا وسيدنا
وان صخرا اذا نشتو لنحار
فاعجبة شعرها فقال لها النابغة الذبياني: (اذهبي فانت اشعر من كل ذات ثديين. ولولا ان
هذا الاعمى (كنية الاعشى الاكبر) – ابا بصير – انشدني قبلك لفضلتك على شعراء هذا
الموسم.
– وفي رواية اخرى انه قال: “لولا ان هذا الاعمى سبقك لقلت انك اشعر الجن
والانس”. فغضب حسان وقال: والله انا اشعر منك ومنها.
غالبا ما تلتفت الخنساء الوالهة، فلا ترى اسرع من عينيها عونا لها في مصيبتها، فتخاطبهما
بشعرها، حتى لق اصبحت لازمة في اكثر مراثيها، وغدا استهلالها قصائدها بخطاب عينيها سمة بارزة،
وخصيصة تمتاز بها مراثي الخنساء.
تسيطر عليها تلك السمة المتكررة فتقودها – على الرغم منها- الى تكرار مطالع قصائدها، بحيث
تتشابه في كثير منها، من النماذج تلك المطالع:
يا عين جودي بدمع منك مسكوب
كلؤلؤ جال في الاسماط مثقوب
اني تذكرته والليل معتكر
ففي فؤادي صدع غير مشعوب
نعم الفتى كان للاضياف اذ نزلوا
وسائل حل بعد النوم محروب
كم من مناد دعا و الليل مكتنع
نفست عنه حبال الموت مكروب
و من اسير بلا شكر جزاك به
بساعديه كلوم غير تجليب
فككته، ومقال قلته حسن
بعد المقالة لم يؤبن بتكذيب
وقولها:
يا عين جودي بدمع منك مهراق
اذا هدى الناس او هموا باطراق
اني تذكرني صخرا اذا سجعت
على الغصون هتوف ذات اطواق
وكل عبرى تبيت الليل ساهرة
تبكي بكاء حزين القلب مشتاق
لا تكذبن فان الموت مخترم
كل البرية غير الواحد الباقي
انت الفتى الماجد الحامي حقيقته
تعطي الجزيل بوجه منك مشراق
والعود تعطي معا والناب مكتنفا
وكل طرف الى الغايات سباق
اني سابكي ابا حسان نادبة
ما زلت في كل امساء واشراق
وبرغم انها كانت شاعرة متمكنة من اللغة لها قصائد كثيرة الا ان شهرة الخنساء قد
ذاعت وانتشر صيتها في كل مكان من خلال مراثيها لاخيها صخر التي ذاعت وتداولها الناس
في الجاهلية[57].
عندما كانت وقعة بدر قتل عتبة وشيبة ابنا ربيعة والوليد بن عتبة، فكانت هند بنت
عتبة ترثيهم، وتقول بانها اعظم العرب مصيبة. وامرت بان تقارن مصيبتها بمصيبة الخنساء في سوق
عكاظ، وعندما اتى ذلك اليوم، سالتها الخنساء: من انت يا اختاه؟ فاجابتها: انا هند بنت
عتبة اعظم العرب مصيبة، وقد بلغني انك تعاظمين العرب بمصيبتك فبم تعاظمينهم انت؟ فقالت: بابي
عمرو الشريد، واخي صخر ومعاوية. فبم انت تعاظمينهم؟ قالت الخنساء: اوهم سواء عندك؟ ثم انشدت
هند بنت عتبة تقول:
ابكي عميد الابطحين كليهما
ومانعها من كل باغ يريدها
ابي عتبة الخيرات ويحك فاعلمي
وشيبة والحامي الذمار وليدها
اولئك ال المجد من ال غالب
وفي العز منها حين ينمي عديدها
فقالت الخنساء:
ابكي ابي عمرا بعين غزيرة
قليل اذا نام الخلي هجودها
وصنوي لا انسى معاوية الذي
له من سراة الحرتين وفودها
وصخرا ومن ذا مثل صخر اذا
غدا بساحته الابطال قزم يقودها
فذلك يا هند الرزية فاعلمي
ونيران حرب حين شب وقودها
كان بشار يقول: انه لم تكن امراة تقول الشعر الا يظهر فيه ضعف، فقيل له:
وهل الخنساء كذلك، فقال: تلك التي غلبت الرجال.
– سئل جرير عن اشعر الناس فاجابهم: انا، لولا الخنساء، قيل: فيم فضل شعرها عنك؟
قال: بقولها:
ان الزمان وما يفنى له عجب
ابقى لنا ذنبا واستؤصل الراس
تعكس ابيات الخنساء عن حزنها الاليم على اخويها وبالاخص على صخر، فقد ذكرته في اكثر
اشعارها:
الا يا عين فانهمري بغدر
وفيضي فيضة من غير نزر
ولا تعدي عزاء بعد صخر
فقد غلب العزاء وعيل صبري
روي في طبقات الصحابة، وفي السيرة النبوية اعجاب الرسول صلى الله عليه وسلم بشعرها واستزادته
من انشادها وهو يقول: ” هيه يا خناس!، ويومي بيده “. ولقد وفد عدي بن
حاتم الطائي على رسول الله صلى الله عليه وسلم مبايعا على راس قومه بني طيء
فقال: ” يا رسول الله: ان فينا اشعر الناس، واسخى الناس، وافرس الناس “، فلما
ساله الرسول ان يسميهم اجاب: ” اما اشعر الناس فامرؤ القيس بن حجر، واما اسخى
الناس فحاتم بن سعد (يعني اباه)، واما افرس الناس فعمرو بن معدي كرب “.
فقال عليه الصلاة والسلام: ” ليس كما قلت يا عدي! اما اشعر الناس فالخنساء بنت
عمرو، واما اسخى الناس فمحمد، واما افرس الناس لعلي بن ابي طالب “.
هذه هي الخنساء مراة عصرها، تكلمها هذه الرسالة من قول الرسول صلوات الله وسلامه عليه.
الخنساء في النقد
ابن قتيبة: ” اما ما ادخلت الخنساء من صفات جديدة في المرثية، فمن الصعب ان
نحدده، لانه لم يصل الينا شي تام من هذا النوع قبل قصائدها، الا ما ورد
عن المهلهل، وهو في مجمله يقرب من طريقة الخنساء[58]، ولكن مالا شك فيه هو ان
من تبعها من شعراء الرثاء، وشواعره اغترفوا جميعهم من بحرها الفياض بفيض العاطفة البشرية”
كرنكوف: “الاحظ على مراثيها القصر، وصدق التفجع والحزن، ونكاد نقطع بان قصائدها الهمت عدد كبيرا
من شعراء المراثي المتاخرين، ومنهم ابنتها عمرة”[20] بطرس البستاني: ” لعل الغلو اظهر خاصة في
الخنساء، فهي مغالية في حزنها ولوعتها، مغالية فيما نعت به صخرا.. ورثاء الخنساء عاطفي بحت،
ولا يشوبه تكلف”[59] افرام البستاني يقول: “فهي شاعرة اكثر منها ناظمة، وهو ما يروقنا فيها”[60].
بنت الشاطئ: اخذت على الخنساء قصر قصيدتها، وخلو شعرها من الحكمة او قلتها فيه[61].
مصطفى صادق الرافعي[62]: ” ولا يهولنك كثرة اسماء النساء اللاتي قلن شعرا، فعمود الشعر عندهم
الرثاء، وليس لهنت الا المقاطيع والابيات القليلة، ولم تبن منهن الا الخنساء وليلى الاخيلية وما
شعرت الخنساء حتى كثرت مصائبها”
المستشرق غوستاف فون غرنباوم[63]: واذا كانت المراثي قد نشات من نياحات النساء، الا ان هذا
الفن انما بلغ اوجه في مراثي الخنساء الشاعرة التي عاشت في النصف الاول من القرن
السابع”. وقال ايضا: اما الخنساء فقد جعلت قمم الجبال تتدحرج بداعي وفاة اخيها، والنجوم تهوي،
والارض تهتز، والشمس تظلم”[63].
وفاة الخنساء
ماتت الخنساء -رضي الله عنها- سنة 24 ه/645م. عمرت الى ان ادركت نصر الاسلام المبين[64]
كان موتها في عامها الحادي والسبعين،[65] وقد طبقت شهرتها الافاق، ان لم يكن ببكائها على
السادات من مضر فباستشهاد بنيها الاربعة. ماتت ومعها شاهد تضمن به تسجيل يوم موتها، ولا
يعتمد فيه على الروايات، وانما اعتمد فيه سجلات الدولة المدون فيها اسمها، لتستلم ارزاق بنيها
الشهداء الاربعة من ديوان بيت المال[66][67]، وكان عمر قد قدر لها عن كل واحد مائتي
درهم الى ان قبض رضوان الله عليه.
- صور الخنساء
- رثت الخنساء اخيها صخر المرسال
- رد صخر على زوجته سلمى فى شأن اخته الخنساء
- كرنكوف وديوان الخنساء
- ماعاطفة الخنساء في رثاء اخيها صخرا
- مسلسل لغزو بني فزاره