مواضيع للرجال للنساء

فتاوى النكاح لابن عثيمين

فتاوى النكاح لابن عثيمين 20160820 385 1

فتاوى النكاح لابن عثيمين 20160820 385

فضيلة الشيخ : تعلمون حفظكم الله ان الزواج تلبية مامونة لحاجة غريزية بين الرجل والمراة
التي ان توفرت حصلت العفة ، وان لم تتوفر حصلت الخيانة التي فيها دمار الامة
، فما هي نصيحتكم لمن اراد الزواج ؟ وماذا يفعلان الزوج والزوجة في ليلة الزواج
؟

نصيحتي لمن اراد الزواج ان يختار من النساء من اوصى النبي صلى الله عليه وسلم
بتزوجها حيث قال ( تزوجوا الودود الولود ) (36)وقال ( تنكح المراة لاربع لمالها ،
وحسبها ، وجمالها ، ودينها ، فاظفر بذات الدين ) (37)وان تختار المراة من كان
ذا خلق ودين ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم ( اذا اتاكم من ترضون
دينه وخلقه فزوجوه ) (38)وان تتحرى غاية التحري ولا تتعجل بقبول الخطبة حتى تبحث عن
حال الخاطب لئلا تندم على تسرعها .

ومما ينبغي العناية به ليلة الدخول على المراة ان يدخل الزوج عليها مستبشرا متهللا لاجل
ايناسها ، لانها في تلك الساعة سيكون عندها رهبة ؛ وهيبة وخوف ، وياخذ بناصيتها
ويدعو بالدعاء المعروف ( اللهم اني اسالك خيرها وخير ما جبلتها عليه ، واعوذ بك
من شرها وشر ما جبلتها عليه ) (39)يقول ذلك جهرا الا ان يخاف ان تتروع
المراة وتشمئز ، فاذا خاف ذلك فيكفي ان يضع يده على ناصيتها ويدعو بهذا الدعاء
سرا

وعند اتيان الانسان اهله يقول ما حث عليه الرسول عليه السلام ( لو ان احدكم
اذا اتى اهله قال: بسم الله ، اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا ،
فانه ان يقدر بينهما ولد لم يضره الشيطان ابدا ) (40) .

فهذا من اسباب صلاح الاولاد وهو سهل ويسير ، كذلك مما ينبغي بل يتعين فهمه
ومعرفته انه اذا حصل الجماع وجب الغسل على الطرفين وان لم يحصل انزال ، وبعض
الناس يظن ان الغسل لا يجب الا بالانزال ، وهذا ظن خاطيء ، فالغسل واجب
اذا جامع وان لم ينزل ، لقول النبي(اذا جلس بين شعبها الاربع ثم جهدها فقد
وجب الغسل وان لم ينزل ) (41) وعلى هذا فيجب الغسل باحد امرين اما بالانزال
واما بالجماع ، فالانزال اذا حصل سواء بتقبيل او ضم او نظر لشهوة او محادثة
او اي سبب وجب الغسل ، واذا حصل جماع وجب الغسل وان لم ينزل .

ومما تجدر الاشارة اليه ان بعض الازواج هداهم الله لا يهتمون بصلاة الفجر صباح الزواج
اما انهم يصلونها في اخر الوقت وليس مع الجماعة ، واما انهم لا يصلونها الا
اذا طلعت الشمس ، وهذا من العادات المنكرة المنافية لشكر نعمة الله تعالى ، لان
شكر نعمة الله ان تقوم بطاعته .

*وماذا تقولون حفظكم الله في المقولة الشائعة التي يرددها بعض الناس ان الزوج اذا خرج
لصلاة الفجر مع الجماعة في المسجد فهذا يدل على عدم رغبته في زوجته ، ولو
رغب ما خرج من عندها طيلة ذلك اليوم ؟

اقول : انها مقولة فاسدة ، بل اذا صلى الفجر فهذا دليل على رغبته فيها
، وان شكر نعمة الله عز وجل على ما يسره له من النكاح ، فالواجب
ان يصلي الزوج صلاة الفجر مع الجماعة لا ان يدع صلاة الجماعة بدون عذر شرعي
.

حفظكم الله : ما رايكم في قول بعض العلماء : ( يعذر بترك الجماعة من
ينتظر زف المراة اليه )

راينا : ان اقوال العلماء يكون فيها الخطا ويكون فيها الصواب ، والواجب الرجوع الى
الكتاب والسنة .

ثانيا : ان الذين قالوا هذا من العلماء انما يتحدثون عن امر كانوا عليه ،
وهو ان الرجل هو الذي يستقبل الزوجة وليست الزوجة هي التي تستقبل الرجل ، فيكون
الرجل في بيته وتزف اليه امراته ، وهذا يعذر بترك الجماعة ، لانه لو ذهب
وصلى الجماعة لكان قلبه مشغولا ، واذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قال (
لا صلاة بحضرة طعام ) (42)وكان بن عمر رضى الله عنهما يسمع الامام يقرا وهو
يتعشى لا يقوم للصلاة حتى يكمل ، فاذا كان الرجل يعذر بترك الجماعة في هذه
الحال فالذي ينتظر زف الزوجة اليه اشد شغلا والعذر واضح ، لكن عادة الناس اليوم
على خلاف ذلك عندنا فالزوج هو ياتي الى الزوجة في مكانها ، والامر بيده فلا
يعذر بترك الجماعة .

فضيلة الشيخ : اشتهر لدى كثير من الناس ان الرجل اذا دخل على زوجته يصلي
امامها ركعتين ، وهي كذلك تصلي معه ، حتى ان بعضهم فور دخوله عليها يشرع
بصلاته حتى قبل الحديث معها .. فهل هذا من السنة ؟

في هذا اثار عن بعض الصحابة رضى الله عنهم ان الرجل اذا دخل على زوجته
اول ما يدخل يصلي بها ركعتين ، اما عن النبي صلى الله عليه وسلم فلم
يصح في ذلك شي ، والذي يفعل ذلك ارجو الا يكون عليه حرج وان تركه
فلا حرج .

تعلمون حفظكم الله ان النساء ناقصات عقل ودين ، وهنا تعرض مسالة وهي ان المراة
اذا اختارت رجلا غير صالح ، وكان الرجل الذي اختاره والدها رجلا صالحا ، فهل
يؤخذ برايها ام تجبر على من ان اراد والدها ؟

اما جبرها على من اراد والدها فانه لا يجوز حتى وان كان صالحا ، لقول
النبي ( لا تنكح البكر حتى تستاذن ، ولا تنكح الايم حتى تستامر ) وفي
لفظ المسلم : ( والبكر يستاذنها ابوها في نفسها ) (43) واما تزويجها بمن لا
يرضى دينه ولا خلقه فلا يجوز ايضا ، وعلى وليها ان يمنعها وان يقول لا
ازوجك من هذا الرجل الذي تريدينه اذا كان غير صالح .

فان قال قائل : لو اصرت المراة على ان لا تتزوج الا هذا الرجل .

فالجواب : انا لا نزوجها به و ليس علينا من اثمها شي ، نعم لو
ان الانسان خاف مفسدة وهو ان يحصل بينها وبين هذا الخاطب فتنة تنافي العفة ،
وليس في الرجل شيء يمنع من تزويجها به شرعا ، فهنا نزوجها به درءا لهذه
المفسدة .

فضيلة الشيخ : ماذا تقولون في بعض الاباء الذين ياخذون المهر كاملا ولا يعطون البنت
منه شيئا الا النزر اليسير ، مع العلم ان بعض المهور قد تصل الى مبالغ
خيالية فقد تصل الى مائة وخمسون الف ريال ثم من ادرك ان هذا المهر الذي
اخذه قهرا وبدون رضا ابنته ماذا يفعل بعد مضي مدة طويلة على الزواج .

في هذا السؤال امران مهمان :

الاول : هل يجوز لولى المراة ان يشترط لنفسه او لغيره شيئا من المهر سواء
كان الاب ام غيره ؟

الجواب:لا يجوز ذلك ، لان الصداق كله للمراة لقوله تعالى(واتوا النساء صداقهن نحلة ) (النساء
: 4) ولحديث عمرو بن شعيب عن ابيه عن جده ان النبي صلى الله عليه
وسلم قال : ( ايما امراة نكحت على صداق او حباء او عدة قبل عصمة
النكاح فهو لها ، وما كان بعد عصمة النكاح فهو لمن اعطيه ) (44) ولا
فرق بين الاب وغيره في ذلك على القول الراجح الا انها اذا قبضته وتم ملكها
له فللاب وحده ان يتملك منه ما شاء ما لم يضرها . اما بقية الاولياء
فليس لهم حق التملك لكن ان اعطتهم الزوجة شيئا بسخاء وطيب نفس فهو لهم حلال
.

الامر الثاني : ان بعض المهور قد يصل الى مبالغ خيالية وهذا خلاف السنة .ففي
صحيح مسلم عن ابي هريرة رضي الله عنه ان رجلا اتى النبي صلى الله عليه
وسلم فقال 🙁 اني تزوجت امراة من الانصار. فقال النبي صلى الله عليه وسلم :
( على كم تزوجتها ؟ ) قال : على اربع اواق . فقال النبي صلى
الله عليه وسلم :(على اربع اواق كانما تنحتون الفضة من عرض هذا الجبل ) (45)
واربع الاواق مائة وستون درهما اي اقل من نصاب الزكاة ، والمغالاة في المهور سبب
لنزع البركة من النكاح ، فان اعظم النكاح بركة ايسره مؤونة . ومتى حصلت المغالاة
اصاب الزوج هم وغم لكثرة ما انفق خصوصا اذا كان مدينا بذلك ، فكلما ورد
على قلبه السرور بزوجته ثم تذكر ديونه التي عليه انقلب سروره حزنا وسعادته شقاء .

ثم لو قدر الله تعالى ان لا يتلاءم مع زوجته لم يسهل عليه فراقها ،
وبقيت معه في عناء وشقاء ، بقيت معلقة لا زوجة و لا مطلقة . واذا
قدر ان تطلب منه الفسخ لم يسمح غالبا الا برد مهره عليه ، فاذا كان
كثيرا صعب على المراة واهلها الحصول عليه الا بمشقة شديدة .لذلك ننصح اخواننا المسلمين من
المغالاة في المهور والتفاخر بها حتى يسهل الزواج للشباب ، وتقل اسباب الفتن والله المستعان
.

فضيلة الشيخ : من الامور التي نود من فضيلتكم التنبيه اليها البطاقات التي يدعى بها
الناس لحضور وليمة الزواج حيث يصل بعض اسعارها الى سبعة ريالات ، فهل من تحذير
منها خصوصا مع وجود البديل النافع مثل كتابة الدعوة على ظهر رسالة علمية ، كذلك
غلاف شريط اسلامي ، ايضا استعمال ورقة مصورة بالالوان مكتوبة بخط جميل بالكمبيوتر لا تكلف
شيئا يذكر ، فهل من دعوة للحد من هذا الاسراف ؟

اني احث اخواني الى ترك هذا الاسراف ، وارى ان بذل المال الكثير لمجرد دعوة
قد يجيب المدعو بها وقد لا يجيب ومالها الى رميها في الارض فاقول : ان
هذا من التبذير الواضح الذي نهى الله فقال ( و لا تبذر تبذيرا * ان
المبذرين كانوا اخوان الشياطين ) (الاسراء : 26- 27) . واما فكرة ان تكون الدعوة
في بطاقة ويكون في ظهرها كلمات ماثورة موجهة ونافعة فهذا طيب ، وليت هذا يفعل
لكن تكون اوراقا عادية . والاقتراح الثاني ايضا ان يكون بصحبة البطاقة اشرطة مفيدة فهذا
ايضا طيب وقد وقع هذا في بعض الدعوات راينا كثيرا من الدعوات التي تعطى الناس
يكون فيها اشرطة ، وهذا خير ونعين عليه ايضا بقدر ما نستطيع ، فلو ان
الناس فعلوا ذلك لكانت هذه دعوة الى الوليمة ودعوة الى الشريعة فنجمع بين الحسنيين .
واما الثالث كون الدعوة اوراق مصورة فهذا ايضا طيب لا يكلف كثيرا وينفع .

فضيلة الشيخ : نسمع عن المبيت الواجب للزوجة فهل المقصود به بالفراش ام بالغرفة ام
بالمنزل ؟

هذا يختلف باختلاف العادات، لان الله تعالى قال:(عاشروهن بالمعروف)(النساء: 19) لكن قول الله تبارك وتعالى:
(واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن و اهجروهن في المضاجع ) ( النساء : 34 ) يدل
على ان تمام العشرة ان يكون الرجل مع زوجته في فراش واحد ، وهكذا كان
هدي النبي صلى الله عليه وسلم لكن لا باس احيانا ان ينام على سرير وحده
او في فراش وحده ، والا فالاصل ان يكون الرجل مع زوجته في فراش واحد
.

هل عدة الزوجة تثبت بالخلوة ام بالجماع ؟ وهل اذا طلقها يسترجع المهر ؟

اما الاية الكريمة ( يا ايها الذين امنوا اذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل
ان تمسوهن ) (الاحزاب :49 ) فهذا يعني الجماع لكن الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم
قالوا : ( ان الرجل اذا خلا بالمراة ثم طلقها قبل ان يجامعها وجبت عليها
العدة . والخلفاء الراشدون لهم سنة متبعة بامر النبي صلى الله عليه وسلم هذا اذا
فارقها في الحياة بطلاق او غيره ، اما ان مات عنها فان عليه العدة والاحداد
و ان كان قبل الدخول والخلوة ، لعموم قوله تعالى : ( والذين يتوفون منكم
ويذرون ازواجا يتربصن بانفسهن اربعة اشهر وعشرا ) ( البقرة : 234) . واما المهر
فان طلقها قبل الدخول والخلوة فله ان يسترجع نصفه فقط ، وان طلقها بعد الدخول
او الخلوة لم يسترجع منه شي . وان مات عنها فلها المهر كاملا ، ولا
حق للورثة فيه سواء كان موته قبل الدخول والخلوة ام بعدهما .

في بعض حفلات الزواج تقوم بعض النساء بتوزيع بعض الاشرطة والكتيبات التي تحمل في مادتها
المواعظ فهل هذا مشروع ؟

هذا ليس مشروعا في حد ذاته لكنه محمود لغيره ، لانه ربما لا يحصل اجتماع
النساء في غير هذه المناسبة ، فتفريق الاشرطة والكتيبات عليهن في هذا الاجتماع حسن ومن
وسائل الدعوة الى الله عز وجل . لكن يجب ان تكون هذه الاشرطة والكتيبات صادرة
عن علماء موثوقين في العلم والدين والمنهج .

فضيلة الشيخ : ما راي فضيلتكم في القاء بعض المواعظ في مناسبات الزفاف ؟

المواعظ في مثل هذه الحال لا اعلمه ماثور عن النبي صلى الله عليه وسلم لكن
لو طلب من الانسان العالم الذي يصغي الناس الى حديثه ولا يستثقلونه في مثل هذا
الاجتماع فالتحدث اليهم حينئذ بالموعظة والاحكام التي يحتاجونها حسن ولكن لا يطول عليهم .واذا راى
هو منكرا بنفسه فانه يجب عيه ان يقوم ويعظ الناس ويحذرهم من هذا المنكر ،
وكذلك اذا وجه اليه سؤال عن مسالة من المسائل فتكلم فيها واستطرد فهذا حسن لا
باس به ان شاء الله .

فضيلة الشيخ : ما راي فضيلتكم فيما تفعله النساء من القيام بنشيد الزفاف ، وهل
هذا من العورة ؟

الصوت المجرد ليس بعورة ، ولكن من المعلوم انه اذا ارتفعت اصواتهن بهذه المناسبة ولا
سيما ان كانت اصواتا جميلة لذيذة على السمع والناس في نشوة العرس ، فان هذا
يخشى فيه من الفتنة العظيمة ، فكون الاصوات لا تخرج من بينهن اولى وابعد عن
الفتنة ، واما ما يفعل بعض الناس اليوم بمكبرات الصوت على شرفات المبنى فيؤذي الناس
بسماع الاصوات ويقلقهم فهذا منكر ينهى عنه . والحاصل : ان قيام النساء بالنشيد المناسب
في هذه الحال لا باس به اذا لم يكن معه عزف محرم .

فضيلة الشيخ : هل يجوز للنساء ان يرقصن في حفلات الزفاف لا سيما انهن امام
النساء فقط ؟

الرقص مكروه ، وكنت في اول الامر اتساهل فيه ولكن سئلت عدة اسئلة عن حوادث
تقع في حال رقص المراة ، فرايت المنع منه ، لان بعض الفتيات تكون رشيقة
و جميلة ورقصها يفتن النساء بها حتى انه بلغني ان بعض النساء اذا حصل مثل
هذا تقوم تقبل المراة التي ترقص وربما تضمها الى صدرها ، ويحصل في هذا فتنة
ظاهرة .

فضيلة الشيخ : ما رايكم في لبس دبلة الخطوبة؟

دبلة الخطوبة عبارة عن خاتم ، والخاتم في الاصل ليس فيه شي الا ان يصحبه
اعتقاد كما يفعله بعض الناس ، يكتب اسمه في الخاتم الذي يعطيه مخطوبته ، وتكتب
اسمها في الخاتم الذي تعطيه اياه ، زعما منهما ان ذلك يوجب الارتباط بين الزوجين
، ففي هذا الحال تكون هذه الدبلة محرمة ، لانها تعلق بما لا اصل له
شرعا ولا حسا ، كذلك ايضا لا يجوز في هذا الخاتم ان يتولى الخاطب الباس
مخطوبته ، لانها لم تكن له زوجة بعد ، فهي اجنبية عنه اذ لا تكون
زوجة الا بالعقد .

فضيلة الشيخ : نعلم ان كشف المراة لوجهها امام الاجانب لا يجوز ، لكن ما
هو جوابكم حفظكم الله على حديث العروسة التي قدمت لخطيبها مشروبا كاشفة عن وجهها بحضور
النبي صلى الله عليه وسلم مع العلم بان الحديث في صحيح مسلم ؟

هذا الحديث وامثاله مما ظاهره ان نساء الصحابة رضى الله عنهن يكشفن وجوههن ينزل على
ما قبل الحجاب ، لان الايات الدالة على وجوب الحجاب للمراة كانت متاخرة في السنة
السادسة من الهجرة ، وكان النساء قبل ذلك لا يجب عليهن ستر وجوههن وايديهن ،
فكل النصوص التي ظاهرها جواز الكشف عند الاجانب محمولة على ما قبل نزول الحجاب .

ولكن قد ترد احاديث فيها ما يدل على انها بعد الحجاب ، فهذه هي التي
تحتاج الى جواب مثل : حديث المراة الخثعمية التي جاءت تسال النبي صلى الله عليه
وسلم وكان الفضل بن العباس رديفا له في حجة الوداع ، فجعل الفضل ينظر اليها
وتنظر اليه فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يصرف وجه الفضل الى الشق الاخر(46) ،
فقد استدل بهذا من يرى ان المراة يجوز لها كشف الوجه ، وهذا الحديث بلا
شك من الاحاديث المتشابهة التي فيها احتمال الجواز واحتمال عدم الجواز . اما احتمال الجواز
فظاهر ، واما احتمال عدم الدلالة على الجواز فاننا نقول : هذه المراة محرمة ،
والمشروع في حق المحرمة ان يكون وجهها مكشوفا ، و لا نعلم ان احد من
الناس ينظر اليها سوى النبي صلى الله عليه وسلم والفضل بن العباس ، فاما النبي
صلى الله عليه وسلم فان الحافظ بن حجر رحمه الله ذكر ان النبي صلى الله
عليه وسلم يجوز له من النظر الى المراة او الخلوة بها ما لا يجوز لغيره
. كما جاز له ان يتزوج المراة بدون مهر ، وبدون ولي ، وان يتزوج
اكثر من اربع ، والله عز وجل ، قد فسح له بعض الشي في هذه
الامور ، لانه اكمل الناس عفة ، ولا يمكن ان يرد على النبي صلى الله
عليه وسلم ما يرد على غيره من الناس من احتمال ما لا ينبغي ان يكون
في حق ذوي المروءة .

وعلى هذا فان القاعدة عند اهل العلم انه اذا وجد الاحتمال بطل الاستدلال ، فيكون
هذا الحديث من المتشابه ، والواجب علينا في النصوص المتشابهة ان نردها الى النصوص المحكمة
الدالة دلالة واضحة على انه لا يجوز للمراة ان تكشف وجهها عند غير الزوج و
المحارم ، وان كشف المراة وجهها من اسباب الفتنة والشر ، والامر كما تعلمون ظاهر
الان في البلاد التي رخص للنساء فيها بكشف الوجوه ، فهل اقتصرت النساء اللاتي رخص
لهن بكشف الوجوه على الوجه ؟ الجواب لا ، بل كشفن الوجه والراس والرقبة والنحر
والذراع و الساق والصدر احيانا ، وعجز هؤلاء ان يمنعوا نساءهم مما يعترفون بانه منكر
ومحرم ، واذا فتح باب الشر للناس فثق انك اذا فتحت مصراعا فسوف يكون ابوابا
كثيرة ، واذا فتحت ادنى شي فسيتسع حتى لا يستطيع الراقع ان يرقعه ، فالنصوص
الشرعية والمعقولات العقلية كلها تدل على وجوب ستر المراة وجهها .

واني لاعجب من قوم يقولون : انه يجب على المراة ان تستر قدمها ، ويجوز
ان تكشف كفيها ، فايهما اولى بالستر ؟ اليس الكفان لان رقة الكف وحسن اصابع
المراة واناملها في اليدين اشد جاذبية من ذلك في الرجلين .

واعجب ايضا من قوم يقولون : انه يجب على المراة ان تستر قدميها ، ويجوز
ان تكشف عن وجهها ، فايهما اولى بالستر؟هل من المعقول ان نقول:ان الشريعة الاسلامية الكاملة
التي جاءت من لدن حكيم خبير توجب على المراة ان تستر القدم ، وتبيح لها
ان تكشف الوجه ؟

الجواب : ابدا هذا خلاف الحكمة ، لان تعلق الرجال بالوجوه اكثر بكثير من تعلقهم
بالاقدام ، ما اظن احدا يقول للخطيب الذي اوصاه ان يخطب له امراة : يا
اخي ، ابحث عن قدميها اهي جميلة او غير جميلة ، ويترك الوجه فهذا مستحيل
، بل اول ما يوصيه به هو البحث عن الوجه ، كيف الشفتان ، كيف
العينان؟وهكذا اما ان يبحث عن القدم ويدع الوجه، فهذا مستحيل، فاذن محل الفتنة هو الوجه
.

وكلمة ( عورة ) لا تعني انه كالفرج يستحي من اخراجه او من كشفه ،
وانما المعنى انه يجب ان يستر ، لانه يعور المراة بالفتنة بالتعلق بها .

واني لاعجب من قوم يقولون : انه لا يجوز للمراة ان تخرج ثلاث شعرات او
اقل من شعر راسها ، ثم يقولون : يجوز ان تخرج الحواجب الرقيقة الجميلة والاهداب
الظليلة السوداء ولا مانع من اظهارها ؟ ثم ليت الامر يقتصر على اخراج هذا الجمال
وهذه الزينة ، بل في الوقت الحاضر يجمل بشتى انواع المكياج من احمر وغيره .

انا اعتقد ان اي انسان يعرف مواضع الفتن ورغبات الرجال لا يمكنه اطلاقا ان يبيح
كشف الوجه مع وجوب ستر القدمين ، وينسب ذلك الى شريعة هي اكمل الشرائع واحكمها
.

ولهذا رايت لبعض المتاخرين القول بان علماء المسلمين اتفقوا على وجوب ستر الوجه لعظم الفتنة
، كما ذكره صاحب نيل الاوطار عن ابن رسلان قال : لان الناس الان عندهم
ضعف ايمان ، والنساء عند كثير منهم عدم العفاف ، فكان الواجب ان يستر هذا
الوجه حتى لو قلنا باباحته ، فان حال المسلمين اليوم تقتضي القول بوجوب ستره ،
لان المباح اذا كان وسيلة الى محرم صار محرما تحريم الوسائل .

واني لاعجب ايضا من دعاة السفور باقلامهم وما يدعون اليه اليوم وكانه امر واجب تركه
الناس ، فكيف نسوغ لانفسنا ان ندعو اليه ونحن نرى عواقبه الوخيمة ؟

والانسان يجب عليه ان يتقي الله قبل ان يتكلم بما يقتضيه النظر ، وهذه من
المسائل التي تفوت كثيرا من طلبة العلم ، يكون عند الانسان علم نظري ، ويحكم
بما يقتضيه هذا العلم النظري دون ان يراعي احوال الناس ونتائج القول .

وكان عمر رضى الله عنه احيانا يمنع شي اباحه الشارع جلبا للمصلحة ، وكان الطلاق
في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وفي عهد ابي بكر وسنتين من خلافة عمر
طلاق الثلاث واحدة ، اي ان الرجل اذا طلق زوجته ثلاثا بكلمة واحدة جعلوا ذلك
واحدة ، او بكلمات متعاقبات على ما اختار شيخ الاسلام ابن تميمة وهو الراجح ،
فان هذا الطلاق يعتبر واحدة ، لكن لما كثر هذا في الناس ، قال امير
المؤمنين عمر : ان الناس قد تعجلوا في امر كانت لهم فيه اناة ، فلو
امضيناه عليهم ، فامضاه عليهم ، ومنعهم من مراجعة الزوجات لانهم تعجلوا هذا الامر وتعجله
حرام .

اقول : حتى لو قلنا باباحة كشف الوجه ، فان الامانة العلمية والرعاية المبنية على
الامانة تقتضي الا نقول بجوازه في هذا العصر الذي كثرت فيه الفتن ، وان نمنعه
من باب تحريم الوسائل ، مع ان الذي يتبين من الادلة من كتاب الله وسنة
رسوله صلى الله عليه وسلم ان كشف الوجه محرم بالدليل الشرعي والدليل النظري ،وان تحريم
كشفه اولى من تحريم كشف القدم او الساق او نحو ذلك .

 

 

السابق
انتصرت غزة فرقة طيور الجنة
التالي
مطلوب كاتب مقالات