مواضيع للرجال للنساء

بحث حول هارون الرشيد

بحث حول هارون الرشيد 20160819 4136 1

هارون الرشيد

بحث حول هارون الرشيد 20160819 4136
هارون الرشيد بن محمد المهدي هو الخليفة العباسي الخامس، يعتبر من اشهر الخلفاء العباسيين.حكم بين
عامي 786 و809 م (170 ه الى 192 ه).ولد (حوالي سنة 763م في مدينة الري
وتوفي سنة 809م في مدينة طوس (مشهد اليوم).وهو اكثر الخلفاء العباسيين ذكرا في المصادر الاجنبية
كالحوليات الالمانية على عهد الامبراطور شارلمان التي ذكرته باسم Aron، والحوليات الهندية والصينية التي ذكرته
باسم Alun, اما المصادر العربية فقد افاضت الكلام عنه حيث صور بالخليفة الورع المتدين الذي
تسيل عبراته عند سماع الموعظة والمجاهد الذي امضى معظم حياته بين حج وغزو، فكان يحج
عاما ويغزو عاما، وانه اول خليفة عباسي قاد الغزو بنفسه، وقد نقل ابن خلكان ان
الرشيد قد حج تسع مرات وكان يصلي في اليوم مائة ركعة,كذلك كان يصور بصورة الخليفة
الحذر الذي يبث عيونه وجواسيسه بين الناس ليعرف امورهم واحوالهم، بل كان احيانا يطوف بنفسه
متنكرا في الاسواق والمجالس ليعرف ما يقال فيها، ويعتبر عصره العصر الاسلامي الذهبي

حياته قبل الخلافة

هارون الرشيد هو ابن الخليفة محمد المهدي من زوجته الخيزران بنت عطاء التي كان لها
نفوذ كبير في الدولة, ولد هارون في مدينة الري سنة 763 م كان والده واليا
على المدينة, نشا في صباه مع اخيه موسى الهادي في بغداد وعاش في قصر الخلافة
في رعاية جده عاما قبل ان تنتقل اسرته الى قصرها الجديد قرب الرصافة في الجانب
الشرقي من مدينة بغداد,[4] اشرفت على تربيته اسرة البرامكة الفارسية[5] التي كان لها روابط وثيقة
باسرة الخلافة وعائلة المهدي, وتلقى تعليمه على يد العالم علي بن حمزة بن عبد الله
الاسدي الكوفي عالم النحو المعروف بالكسائي الذي ظل معه حتى وفاته ثم صار ايضا معلما
للامين ابن الرشيد كما تولى تربيته وتعليمه ايضا المعلم المفضل الضبي الذي صنف للمهدي كتاب
“المفضليات” وفي عام 158 ه توفي ابو جعفر المنصور واصبح المهدي في منصب الخلافة ودفع
بابنه هارون للتدرب على الفروسية والرمي وفنون القتال, وعندما اصبح هارون شابا يافعا عينه والده
قائدا في الجيش الذي يضم العديد من القواد الكبار وامراء الدولة وكان عمر هارون وقتها
لا يتجاوز الخمس عشر عاما, وخرج الجيش عام 163 ه الى اراضي الروم وتوغل فيها
واظهر هارون براعة في قيادته وحاصر قلعة رومية اسمها “سمالوا” ثمانية وثلاثين يوما حتى انتهى
الامر بفتحها, وعاد الرشيد بالجيش سالما محملا بالغنائم فاستقبله اهل بغداد وكافاه المهدي بتوليته بلاد
المغرب واذربيجان وارمينية[6]، لكنه اشتهر بشهرة كبيرة بين الاوساط الشعبية وذلك بعد الحملة العسكرية التي
قادها ضد الامبرطورة البيزنطية ايرين ووصل فيها الى ابواب القسطنطينية, وفي خلال هذا الوقت تزوج
هارون ابنة عمه زبيدة بنت جعفر والتي انجب منها هارون ولده محمد الامين, اما ابنه
الثاني عبد الله المامون فقد ولد من جارية فارسية اسمها مراجل.[5] وعاد هارون من تلك
الغزوة الى بغداد وقد فرح المهدي بانتصار ابنه واطلق عليه لقب الرشيد واخذ له البيعة
كولي للعهد بعد اخيه الاكبر موسى الهادي فاصبح هارون الرشيد ولي العهد الثاني

توليه الخلافة
بويع الرشيد بالخلافة في (14 ربيع الاول 170 ه/14 سبتمبر 786 م)، بعد وفاة اخيه
موسى الهادي، وكانت الدولة العباسية حين الت خلافتها اليه مترامية الاطراف متباعدة تمتد من وسط
اسيا حتى المحيط الاطلسي، معرضة لظهور الفتن والثورات، تحتاج الى قيادة حكيمة وحاسمة يفرض سلطانها
الامن والسلام، وتنهض سياستها بالبلاد، وكان الرشيد اهلا لهذه المهمة الصعبة في وقت كانت فيه
وسائل الاتصال صعبة، ومتابعة الامور شاقة.

تولية الحكم بتولي الرشيد الحكم بدا عصر زاهر كان واسطة العقد في تاريخ الدولة العباسية
التي دامت اكثر من خمسة قرون، ارتقت فيه العلوم، وسمت الفنون والاداب، وعم الرخاء ربوع
الدولة الاسلامية. ولقد امسك هارون الرشيد بزمام هذه الدولة وهو في نحو الثانية والعشرين من
عمره، فاخذ بيدها الى ما ابهر الناس من مجدها وقوتها وازدهار حضارتها.

اصدر الرشيد عند توليه الخلافة عفوا عاما امن كل من كان هاربا او مستخفيا عدا
بعض الزنادقة.
كما استعمل الرقة عاصمة له بين عامي 799 و800
وانشا بمايعرف ببيت الحكمة في بغداد وزودها باعداد كبيرة من الكتب والمؤلفات من مختلف بقاع
الارض. وكانت تضم غرفا عديدة تمتد بينها اروقة طويلة، وخصصت بعضها للكتب، وبعضها للمحاضرات، وبعضها
الاخر للناسخين والمترجمين والمجلدين. كما تمت في عهده اول ترجمة الى العربية لاشهر كتاب علمي
عرف في التاريخ وهو “كتاب الاصول (الاركان) في الهندسة والعدد لاقليدس [9]، وتطورت العلوم خصوصا
الفيزياء الفلكية والتقنية، وابتكرت عدد من الاختراعات كالساعة المائية.[2] كما انشيء في عهده اول مصنع
للورق ببغداد سنة 795 م وصار سوق الوراقين لاحقا الذي يضم مئات الحوانيت التي تبيع
السلع الورقية الفاخرة مفخرة عاصمة العباسيين وكان ورق بغداد يقدر تقديرا عاليا في المنطقة حتى
ان بعض المصادر البيزنطية تسمي الورق بصحف بغداد (Bagdatixon) في ربط مباشر بينه وبين مدينة
بغداد[10] اهتم هارون الرشيد بالاصلاحات الداخلية فبنى المساجد الكبيرة والقصور الفخمة وفي عهده استعملت القناديل
لاول مرة في اضاءة الطرقات والمساجد. اعتنى الرشيد ايضا بالزراعة وماسسة نظامها، فبنت حكومته الجسور
والقناطر الكبيرة وحفرت الترع والجداول الموصلة بين الانهار، واسس ديوانا خاصا للاشراف على تنفيذ تلك
الاعمال الاصلاحية، ومن اعماله ايضا تشجيع التبادل التجاري بين الولايات وحراسة طرق التجارة بين المدن،
وقد شيد مدينة الواقفة قرب مدينة الرقة على ضفاف الفرات لتكون مقرا صيفيا لحكمه.[2]

و غدت بغداد قبلة طلاب العلم من جميع البلاد، يرحلون اليها حيث كبار الفقهاء والمحدثين
والقراء واللغويين، وكانت المساجد الجامعة تحتضن دروسهم وحلقاتهم العلمية التي كان كثير منها اشبه بالمدارس
العليا، من حيث غزارة العلم، ودقة التخصص، وحرية الراى والمناقشة، وثراء الجدل والحوار. كما جذبت
المدينة الاطباء والمهندسين وسائر الصناع. وكان الرشيد نفسه يميل الى اهل الادب والفقه والعلم، حتى
ذاع صيت الرشيد وطبق الافاق ذكره، وارسلت بلاد الهند والصين واوروبا رسلها الى بلاطه تخطب
وده، وتطلب صداقته.
تصديه للفتن والثورات الداخلية
اخماد ثورات الخوارج

ظهرت طائفة الخوارج اثناء القتال الذي جرى بين علي بن ابي طالب ومعاوية بن ابي
سفيان, واستمر خروج هذه الطائفة على خلفاء بني امية وبني العباس, لكنهم لم يكونوا بالخطورة
التي كانوا عليها في العصور السابقة اثناء عصر الرشيد لذلك سهل على الرشيد القضاء على
ثوراتهم. كانت اول ثورة قام بها الخوارج قادها الفضل بن سعيد الحروري لكنه قتل بعد
فترة وجيزة من خروجه. ثم الصحصح الخارجي بالجزيرة فتصدى له والي الجزيرة لكنه انهزم امامه
وسار الصحصح الى الموصل فقاومه عسكر المدينة بباجرمي لكنهم لم يتمكنوا منه وعاد الى الجزيرة,
فارسل له الرشيد جيشا لحقه بدورين فقتله وقضى على ثورته. و في سنة 178 ه
خرج الوليد بن طريف التغلبي بالجزيرة فدخل الى ارمينية وحاصر مدينة خلاط عشرين يوما فافتدوا
منه انفسهم بثلاثين الفا. ثم سار الى اذربيجان ثم الى ارض حلوان وارض السواد ثم
عبر الى غرب دجلة وقصد مدينة بلد وافتدى اهلها منه بمائة الف, وبقي في ارض
الجزيرة فارسل اليه الرشيد قائده يزيد بن مزيد بن زائدة الشيباني الذي واجه الوليد وانتصر
عليه وقضى على ثورته وانتهت الازمة بمقتل الوليد. و في عام 179 ه خرج حمزة
بن اترك السجستاني وعظم امره عام 185 ه عندما عاث فسادا في بادغيس بخراسان فتصدى
له عيسى بن علي بن عيسى وقتل الكثير من اعوانه وهرب حمزة الى كابل. و
في سنة 191 ه خرج ثروان بن سيف في سواد العراق فتصدى له طوق بن
مالك ادى الى فرار ثروان ولم يعد له من اثر يذكر.[11] انهاء الفتن الداخلية

ظهرت حركات استقلالية في دولة الخلافة ترغب في الاستقلال وتصدى لها الرشيد وقضى عليها. في
سنة 178 ه قامت طائفة من قيس وقضاعة على والي مصر فقاتلوه فبعث لهم الرشيد
هرثمة بن اعين فقاتلهم حتى اذعنوا له الطاعة وادوا ما عليهم من الخراج, كذلك اخمد
هرثمة فتنة قامت في افريقيا بقيادة عبدويه الانباري, وكان الفضل فيها يعود ليحيى البرمكي الذي
كاتب عبدوية ووعده الامان ان استجاب له فاستسلم عبدويه ووفى له يحيى بالامان. و ظهرت
بعض الفتن في عام 176 ه في الشام بين القبائل المنصرية واليمانية ودامت المعارك بينهما
دهرا طويلا فارسل الرشيد جيشا انهى تلك الفتنة عام 177 ه. و في عام 185
ه خرج ابو الخصيب وهيب بن عبد الله النسائي واحتل ابيورد وطوس ونيسابور ثم هزم
في مرو وخرج اليه علي بن عيسى بن ماهان وواجهه وقضى عليه عام 186 ه[12]
الرشيد والبرامكة
خلفاء بني العباس في بغداد
السفاح، (750 – 754)
المنصور، (754 – 775)
المهدي، (775 – 785)
الهادي، (785 – 786)
الرشيد، (786 – 809)
الامين، (809 – 813)
المامون، (813 – 833)
المعتصم بالله، (833 – 842)
الواثق بالله، (842 – 847)
المتوكل على الله، (847 – 861)
المنتصر بالله، (861 – 862)
المستعين بالله، (862 – 866)
المعتز بالله، (866 – 869)
المهتدي بالله، (869 – 870)
المعتمد على الله، (870 – 892)
المعتضد بالله، (892 – 902)
المكتفي بالله، (902 – 908)
المقتدر بالله، (908 – 932)
القاهر بالله، (932 – 934)
الراضي بالله، (934 – 940)
المتقي لله، (940 – 944)
المستكفي بالله، (944 – 946)
المطيع لله، (946 – 974)
الطائع بالله، (974 – 991)
القادر بالله، ( 991 – 1031)
القائم بامر الله، (1031 – 1075)
المقتدي بامر الله، (1075 – 1094)
المستظهر بالله، (1094 – 1118)
المسترشد بالله، (1118 – 1135)
الراشد بالله، (1135 – 1136)
المقتفي لامر الله، (1136 – 1160)
المستنجد بالله، (1160 – 1170)
المستضئ بامر الله، (1170 – 1180)
الناصر لدين الله، (1180 – 1225)
الظاهر بامر الله، (1225 – 1226)
المستنصر بالله، (1226 – 1242)
المستعصم بالله، (1242 – 1258)

لما ولي هارون الرشيد الخلافة عرف ليحيى فضله عليه فاستوزره وزارة تفويض وهي الوزارة التي
تستغني عن تواقيع الخليفة على عكس وزارة التنفيذ التي يباشرها الخليفة بنفسه. قام يحيى البرمكي
بادارة شؤون الدولة خير قيام وكان يساعده في ذلك ولداه الفضل وجعفر، اما الفضل فقد
كان اداريا ماهرا وكانت مهارته في اخماد ثورة يحيى بن عبد الله العلوي دون ان
يسفك دما كذلك كان كريما سخيا, وقد ولاه الرشيد بلاد المشرق (خراسان وطبرستان وارمينيا وبلاد
ما وراء النهر) قام الفضل هناك باعمال انشائية عظيمة الشان من حفر القنوات وبناء المساجد
والزوايا فحسنت سيرته في تلك البلاد. اما جعفر البرمكي وهو اصغر سنا من الفضل فقد
ولاه الرشيد على الجزيرة والشام ومصر وافريقية, وكان محبوبا لدى الرشيد فاستبقاه في بغداد كي
يكون قريبا منه وهذه الثقة الكبيرة التي اولاها الرشيد لجعفر البرمكي جعلت له نفوذا في
الدولة.[13]

اعطى الرشيد البرامكة سلطات واسعة وافسح لهم المجال في الاشراف على جميع مرافق الحياة العامة:
في الادارة والعلوم والفنون.[14] نكبة البرامكة

وعلى الرغم من اهتمام المؤرخين بهذه الحادثة الا ان اسبابها ودوافعها ظلت غامضة ومجهولة واشار
المؤرخون امثال الطبري واليعقوبي وابو الفدا والمسعودي ان سبب غضب الرشيد على البرامكة وسخطه عليهم
امر مختلف فيه, وقد ذكر المؤرخون العديد من الاسباب واختلفوا في تعليلها واخذوا يرجحون بعضها
على بعض.[15]

و الاقرب الى الواقع ان نكبة البرامكة ترجع الى حد كبير الى ذلك الصراع الخفي
الذي كان قائما بين حزبي العرب والعجم والذي ظل مستمرا بعد ذلك ايام الامين والمامون.
في عهد الرشيد يظهر الصراع بين العرب والعجم بوضوح حينما عهد الى ابنه الامين بولاية
العهد من بعده سنة 175 ه وذلك تحت تاثير الحزب العربي الممثل في زوجته زبيدة
بنت جعفر وحاجبه الفضل بن الربيع, وكان الامين في الخامسة من عمره مما يدل على
انها كانت لها دلالة خاصة وهي ضمان الخلافة للعصبية العربية ولم يرض الجانب الفارسي وعلى
راسه البرامكة بهذا الوضع فاخذوا يسعون لدى الرشيد حتى نجحوا في جعله يعهد الى ولده
المامون بولاية العهد بعد الامين سنة 182 ه على ان يتولى المامون ولاية المشرق بعد
وفاة ابيه بمعنى ان خلافة الامين بعد وفاة والده تصبح على بلاد المشرق خلافة صورية
والمعروف ان المامون كان من ام فارسية ولهذا ايده البرامكة.[16] و في سنة 186 ه
حج الرشيد ومعه ابناؤه الامين والمامون وهناك في البيت الحرام (اي الكعبة) اخذ عليهما المواثيق
المؤكدة بان يخلص كل منهما لاخيه وان يترك الامين للمامون كل ما عهد اليه من
بلاد المشرق, ثغورها وكورها وجندها وخراجها وبيوت اموالها وصدقاتها وعشورها وبريدها, وسجل الرشيد هذه المواثيق
على شكل مراسيم وعلقها في الكعبة لتزيد في قدسيتها, ويؤكد تنفيذها كما كتب منشورا عاما
بهذا المعنى للافاق. وبذلك ضمن العرب الخلافة للعربي النسب والعجم بزعامة البرامكة ضمنوا الشرق لرجل
اخواله عجم.[17]

و لم يقف الامر عند هذا الحد بل اخذ العرب يوغرون صدر الرشيد ضد البرامكة
ويحذرونه من استبدادهم بالامر وخلعهم له وصار الرشيد يتلقى رقاعا غفلا من التوقيع تصور خطورة
الحالة, ادت كثرة الدسائس الى افزاع الرشيد وجعلته يشعر بانه صار مغلوبا على امره وان
البرامكة شاركوه في سلطانه بشكل اخل بتوازن الدولة وسلامتها مما اضطره الى التخلص منهم, والعباسيون
عموما كانوا حساسين من هذه الناحية السياسية ولهذا قتلوا كل من شكوا في اخلاصه.[18]

عاقب الرشيد البرامكة جميعا وزج بهم في السجن وصادر اموالهم ومنع الشعراء من رثائهم وتوفي
يحيى والفضل في السجن قبل وفاة الرشيد, اما سائر البرامكة فقد عفا عنهم الامين بعد
ذلك.[16] و هكذا تنتهي نكبة البرامكة بانتصار العرب هذه المرة, وقد تولى الوزارة بعدهم الفضل
بن الربيع نصير الحزب العربي كما تولى الرشيد امور الحكم بنفسه حيث كان يتنقل في
ارجاء دولته ويقود الجيوش ضد الثائرين وضد البيزنطيين.[18]

ويقول العلامة مصطفى جواد في موقفه من البرامكة(لعل اغرب ما وهم فيه المؤرخون فعمى عليهم
سبب تدمير هارون الرشيد للبرامكة انهم عدوا بني برمك دعاة للعلويين، والمشكلة التاريخية اذا استبهم
جانب منها تشعبت فيها الظنون واختلفت الاراء واضطربت الاحكام. ولو علم المؤرخون ان البرامكة تقربوا
الى الرشيد بالسعي على العلويين والسعي بهم وتبغيضهم لوجدوا الى سبب تلك الفتكة الهامشية سبيلا،
وعلى الجلية دليلا، وعلموا انهم انما حق عليهم العذاب ودمرهم الله تدميرا، بل وان السبب
الحقيقي وراء قضاء هارون الرشيد عليهم، هو تدبيرهم لقتل موسى بن جعفر (رض). لم يكن
الرشيد ملحدا حتى لا يندم ولا بليدا حتى لا نتبه ولا شقيا حتى لا يتوب
ولا مقصرا حتى لا يتدارك من شفيعهم اليه. وقد ولغوا في دماء بني علي وطلبوا
الزلفى بتعذيبهم واعلوا مراتبهم بخفض العصبية الهاشمية واجتثاث الشجرة النبوية. ولقد جرؤوا بالحادهم وسوء سيرتهم
ان جعفرهم حز راس حبيسه العلوي عبد الله الشهيد بن الافطس، في يوم النوروز واهداه
الى الرشيد في طبق الهدايا، فلما رفعت المكبة من فوق الطبق وراى الرشيد راس بن
عمه استعظم ذلك، فقال له جعفر: ما علمت ابلغ في سرورك من حمل راس عدوك
وعدو اباءك اليك. وكان الرشيد قد حبسه عند جعفر وامره بان يوسع عليه. وقال ذات
يوم: اللهم اكفنيه على يد ولي من اوليائي واوليائك. فلم يجد هذا الشقي الكفاية الا
بقتله صبرا لا سيف يذود به عن نفسه ولا بنو علي حوله يحوطونه ويكلاونه ولا
شفيع يرد عنه بؤم الزنادقة، وهو الذي شهد وقيعة “فخ” متقلدا سيفين يذود بهما عن
سيده. فلما اسر اخذه الرشيد وحبسه عند جعفر، فضاق صدره بالحبس، وكتب الى الرشيد رقعة
يشتمه فيها شتما قبيحا فلم يلتفت الرشيد الى ذلك، لانه عالم بالعزة العلوية والاستبسال الهاشمي،
ولم يامر الا بالتوسع عليه والترفيه عنه فكان من امره مع جعفر البرمكي ما كان).[19]
سياسته الخارجية
الامبراطورية البيزنطية
كانت علاقة الرشيد بالامبراطورية البيزنطية علاقة حرب وعداء كما كانت على عهد ابيه وجده, واصل
الرشيد استكمال تحصينات ثغوره المتاخمه للبيزنطيين واقام منطقة جديدة بين شمال الجزيرة وشمال الشام اطلق
عليها اسم منطقة العواصم وجعل قاعدتها مدينة منبج في شمال شرق حلب ورتب فيها جيشا
دائما, كذلك اهتم بمنطقة الثغور الشامية التي على الحدود بين اسيا الصغرى وسوريا فعمر فيها
طرسوس واضنة وعين زربه (ناورزا) كما اقام فيها حصونا جديدة مثل حصن الهارونية بين مرعش
وعين زربه، اهتم الرشيد بمناطق الثغور وولى عليها ابنه الثالث ابا القاسم الملقب بالمؤتمن, كذلك
اهتم الرشيد بتقوية الجيش العباسي حتى صار من اقوى جيوش العالم في ذلك الوقت ثم
وجه الحملات المتكررة على المواقع البيزنطية في اسيا الصغرى.[20] كانت شهرة هارون الرشيد قبل الخلافة
تعود الى حروبه العظيمه ضد الروم، فلما ولي الخلافة استمرت الحروب بينهما، واصبحت تقوم كل
عام تقريبا. واضطرت دولة الروم امام ضربات الرشيد المتلاحقة الى طلب الهدنة والمصالحة، فعقدت ايريني
ملكة الروم صلحا مع الرشيد، مقابل دفع الجزية السنوية له في سنة 181 ه، وظلت
المعاهدة سارية حتى نقضها امبراطور الروم نقفور الاول، الذي خلف ايريني في سنة 186 ه
[21]، وكتب الى هارون: “من نقفور ملك الروم الى هارون ملك العرب، اما بعد فان
الملكة ايريني التي كانت قبلي اقامتك مقام الرخ (القلعة في الشطرنج)، واقامت نفسها مقام البيدق
(الجندي في الشطرنج)، فحملت اليك من اموالها ما كنت حقيقا بحمل امثالها اليها، لكن ذلك
ضعف النساء وحمقهن، فاذا قرات كتابي فاردد ما حصل قبلك من اموالها، وافتد نفسك بما
يقع به المبادرة لك، والا فالسيف بيننا وبينك”.

فلما قرا هارون هذه الرسالة غضب غضبا شديدا ورد عليها برسالة مماثلة قال فيها :
“من هارون امير المؤمنين الى نقفور كلب الروم، والجواب ما تراه دون ما تسمعه، والسلام”.
وخرج هارون الرشيد على راس جيش كبير بلغ تعداده 135 الفا سوى الاتباع والمطوعة وتوغل
في اسيا الصغرى حتى وصل هرقلة عاصمة كورة بيثينيا فحاصرها واستولى عليها عنوة سنة 806
م واعقب ذلك توجيه حملات متلاحقة بقيادة كبار قواده امثال داود بن عيسى وشراحيل بن
معن بن زائدة ويزيد بن مخلد, هزمت جيوش البيزنطيين ودمرت حصونهم واضطر الامبراطور نقفور ان
يتناسى خطابه ويعترف بهزيمته ويتعهد بدفع الجزية من جديد وفي ذلك يقول الطبري :

“و بعث نقفور الى الرشيد بالخراج والجزية عن راسه وولى عهده وبطانته وسائر اهل بلده
خمسين الف دينار منها عن راسه اربعة دنانير وعن راس ابنه استبراق (هوستوراكيوس) بدينارين كما
تعهد بان لا يعيد ترميم الحصون التي دمرها الرشيد”. و يبدوا ان الضربات التي وجهها
الرشيد الى الدولة البيزنطية كانت عنيفة وحاسمة بدليل انها لم تحاول الاستفادة بعد ذلك من
الفتنة التي دبت بين الامين والمامون في استعادة ما فقدته في عهد الرشيد.[22] الامبراطورية الرومانية
المقدسة
اشتهرت شخصية الرشيد في اوروبا نتيجة لعلاقته الودية مع امبراطور الدولة الرومانية المقدسة شارلمان (768
– 814 م)، بودلت بينهما السفارات، والبعثات الدبلوماسية المتنوعة كما وردت في الحوليات الملكية الكارولنجية
“Carolingian Royal Annales” في المدة التي بين 797 – 806 م، ارسل شارلمان ثلاث سفارات
مختلفة الى البلاط العباسي في بغداد وفي المقابل ارسل الرشيد بعثتان تجاريتان على الاقل الى
اوروبا,[23] ففي عام 801 م وصلت اولى البعثات العباسية الى بيزا بشمال ايطاليا[24] تبعتها سفارة
ثانية الى اخن بالمانيا[24] ولا شك ان المصالح السياسية كانت وراء هذا التفاهم الودي بين
الملكين, فقد اراد شارلمان من وراء هذا الحلف ان يضعف من نفوذ امبراطور الدولة البيزنطية،
واستغل الرشيد هذا الحلف ضد اعدائه البيزنطيين والامويين في الاندلس على السواء.[25] كانت تلك البعثات
المتبادلة بين الملكين مرفقة عادة بالهدايا الوافرة وقد اختار شارلمان المنتجات القيمة من اقمشة ملكية
فاخرة وارسلها مع سفرائه الى الرشيد, اراد شارلمان توسيع صادرات الاقمشة من فرنسا الى اراضي
الدولة العباسية وبالتالي تعزيز التجارة في مملكته, ورد عليها الرشيد بان ارسل الى شارلمان عطورا
واقمشة وفيلا ولوحة شطرنج وساعة مائية, كما عرض عليه الخليفة ان يكون حاميا للاماكن المسيحية
المقدسة في بيت المقدس,[23] ويذكر ان الساعة المائية التي ارسلها الرشيد الى شارلمان مصنوعة من
النحاس الاصفر بارتفاع نحو اربعة امتار وتتحرك بواسطة قوة مائية وعند تمام كل ساعة يسقط
منها عدد من الكرات المعدنية يتبع بعضها البعض الاخر بحسب عدد الساعات فوق قاعدة نحاسية
فتحدث رنينا جميلا في انحاء القصر الامبرطوري كانت الساعة مصممة بحيث يفتح باب من الابواب
الاثني عشر المؤدية الى داخل الساعة ويخرج منه فارس يدور حول الساعة ثم يعود الى
المكان الذي خرج منه وعندما تحين الساعة الثانية عشر يخرج اثنا عشر فارسا مرة واحدة
يدورون دورة كاملة ثم يعودون من حيث اتوا وتغلق الابواب خلفهم، اثارت الساعة دهشة الملك
وحاشيته, واعتقد الرهبان ان في داخل الساعة شيطان يسكنها ويحركها, وجاؤوا الى الساعة اثناء الليل،
واحضروا معهم فؤوسا وحطموها الا انهم لم يجدوا بداخلها شيئا سوى الاتها، وقد حزن الملك
شارلمان حزنا بالغا واستدعى حشدا من العلماء والصناع المهرة لمحاولة اصلاح الساعة واعادة تشغيلها, لكن
المحاولة فشلت, فعرض عليه بعض مستشاريه ان يخاطب الخليفة هارون الرشيد ليبعث فريقا عربيا لاصلاحها
فقال شارلمان ” انني اشعر بخجل شديد ان يعرف ملك بغداد اننا ارتكبنا عارا باسم
فرنسا كلها”[26]

غير ان السفارات المتبادلة بين الرشيد وشارلمان قد ذكرت في المصادر الاوروبية فقط, ويرجع بعض
المؤرخين الاوروبيين امثال بارتولد وبروكلمان ان بعض التجار العراقيين الذين ذهبوا الى مدينة اكس لاشابيل
(اخن) قاعدة شارلمان انتحلوا صفة السفراء الناطقين باسم الرشيد لدى شارلمان من غير تفويض, ولهذا
لم يرد ذكرهم في المراجع العربية, وكان اعتماد الجانبين في اداء هذه المهام الدبلوماسية على
العلماء والفقهاء في اغلب الاحيان.[25] المغرب والاندلس

اما عن سياسة الرشيد نحو المغرب والاندلس فكانت تقوم على سياسة الاعتراف بالامر الواقع في
تلك البلاد وعدم الخوض في مغامرات غير مامونة العواقب كما فعل ابوه المهدي وجده المنصور
ولهذا اكتفى بمحالفة جارهم القوي شارلمان, كما اقام في افريقية دولة مستقلة في نطاق التبعية
للخلافة العباسية وهي دولة الاغالبة التي كانت بمثابة ثغر عباسي او دولة حاجزة لحماية اطرافه
الغربية من اخطار الخوارج, والادارسة، والامويين فضلا عن البيزنطيين، ولم يلبث ابراهيم بن الاغلب مؤسس
هذه الدولة ان شرع في بناء مدينة جديدة على بعد ثلاثة اميال جنوبي القيروان سماها
العباسية وجعلها قاعدة لامارته سنة 800 م – 183 ه.[22] اسرته
تزوج الرشيد زبيدة بنت جعفر وهي ابنة عمه ورغم ان الرشيد قد تزوج اكثر من
امراة الا ان زبيدة كانت المتربعة على عرش قلبه, ومن زوجاته ايضا امة العزيز وام
محمد ابنة صالح المسكين بنت عمه سليمان بن ابي جعفر وتزوج ايضا ابنة عبد الله
التي تعود بالنسب الى عثمان بن عفان وتلقب الجرشية لانها ولدت بجرش باليمن, ومن زوجاته
ايضا عزيزة بنت صالح وهي بنت خاله اخو امه الخيزران. هذا بخلاف الجواري ملك اليمين،
حيث كان وجود الجواري والحظايا امرا معروفا في ذلك الوقت وخاصة عند الملوك والامراء وكبار
القوم.[27]

ولد لهارون الرشيد عشرة ابناء واثنتا عشر بنتا اما الابناء فهم: محمد الامين من زوجته
زبيدة, وعبد الله المامون من جارية فارسية اسمها مراجل, والقاسم بن الرشيد وامه قصف, وابو
اسحاق محمد المعتصم بالله ووالدته تركية اسمها ماردة خاتون, وعلي من زوجته امة العزيز, وصالح
من جارية اسمها رثم ومحمد ابو يعقوب ومحمد ابو عيسى ومحمد ابو العباس ومحمد ابو
علي وهؤلاء من امهات اولاد.

اما بنات الرشيد فهن : سكينة اخت القاسم، وام حبيبة اخت المعتصم من ماردة خاتون,
واروى وام الحسن وحمدونة وفاطمة وامها عفص, وام سلمة وخديجة وام القاسم رملة وام علي
وام الغالية وريطة وكلهن من امهات اولاد.[28] اهتمامه بالعلماء والادباء
كان الرشيد مثقفا ثقافة عربية واسعة وكان يملك ادبا رفيعا وتذوقا للشعر واللغة لذلك قيل:
كان فهم الرشيد فهم العلماء. وكانت مجالسه تملا الشعراء والعلماء والفقهاء والاطباء والموسيقيين,[29] وكان كثيرا
ما يناقش العلماء والادباء, كذلك كان ينقد الشعر والشعراء. كان يقول: ” البلاغة التباعد عن
الاطالة, والتقرب من معنى البغية, والدلالة بالقليل على المعنى”,[30] قال عنه الذهبي: “و كان يحب
العلماء, ويعظم حرمات الدين, ويبغض الجدال والكلام, ويبكي على نفسه ولهوه وذنوبه لاسيما اذا وعظ”
ويقول الخطيب البغدادي: “و كان يحب الفقه والفقهاء, ويميل الى العلماء”,[31] ومن اشهر الادباء الذين
عاصروا الرشيد وحضروا مجالسه الشاعر الكبير ابو العتاهية وابو سعيد الاصمعي. ومن علماء الدين الذين
عاشوا في عصره الامام الشافعي صاحب المذهب الشافعي والامام مالك بن انس صاحب المذهب المالكي
في الفقه الذي التقى بالرشيد حين قصد الخليفة منزله بالمدينة المنورة وقرا عليه الامام كتاب
الموطا[32] وعلى الصعيد العلمي دعم الرشيد عالم الكيمياء المشهور جابر بن حيان واسس وتلامذته منهج
التجربة في العلوم.[33] خاتمة الرشيد

كان الرشيد رغم كل هذه الاعمال العظيمة التي قام بها يشعر في قرارة نفسه بقلة
الحيلة امام المنافسات والتيارات الخفية في داخل مملكته وان نكبة البرامكة لم تكن حلا للموقف,
فهناك ولداه الامين والمامون يضمران النقمة لبعضهما البعض، ومن ورائهما حزبا العرب والعجم ينتظران خاتمة
الرشيد ليستانفا نضالهما من جديد، لذلك كان الرشيد في اواخر ايامه وحيدا حزينا يخفي علته
عن الناس، اذ يؤثر عنه انه كشف عن بطنه لاحد اصدقائه فاذا عليها عصابة من
حرير ثم قال له: ” هذه علة اكتمها عن الناس كلهم وكل واحد من ولدي
على رقيب وما منهم احد الا وهو يحصي انفاسي ويستطيل دهري” و اشتدت العلة بالرشيد
وهو في طريقه الى خراسان للقضاء على ثورة رافع ابن الليث وتوفي بمدينة طوس (مشهد
الحالية في شمال شرق ايران) ودفن بها في جمادى الاخر في سنة 193 ه (809
م)[34]

ذكر العلامة سالم الالوسي، ان الرئيس احمد حسن البكر في بداية حكمه، طالب ايران باسترجاع
رفات الخليفة هارون الرشيد، كونه رمز لبغداد في عصرها الذهبي، وذلك بدعوة وحث من المرحوم
عبد الجبار الجومرد الوزير السابق في عهد عبد الكريم قاسم، ولكن ايران امتنعت ،وبالمقابل طلبت
استرجاع رفات الشيخ عبد القادر الكيلاني ،كونه من مواليد كيلان ايران ،وعندها طلب الرئيس من
العلامة مصطفى جواد ،بيان الامر ،فاجاب مصطفى جواد : ان المصادر التي تذكر ان الشيخ
عبد القادر مواليد كيلان ايران ،مصادر تعتمد رواية واحدة وتناقلتها بدون دراسة وتحقيق ،اما الاصوب
فهو من مواليد قرية تسمى (جيل) قرب المدائن ،ولاصحة كونه من ايران او ان جده
اسمه جيلان، وهو ما اكده العلامة حسين علي محفوظ في مهرجان جلولاء الذي اقامه اتحاد
المؤرخين العرب وكان حاضرا الالوسي ايضا سنة 1996،وفعلا اخبرت الدولة الايرانية بذلك ولكن بتدخل من
دولة عربية ،اغلق الموضوع.[35] ويرى عدد من المؤرخين والمستشرقين ان قبره ما زال موجودا، ويسمى
بالهارونية في طوس (مشهد) وهو ليس مدفون مع ضريح علي بن موسى الرضا (رض)، ولكن
قبره هو مايسمى اليوم ضريح ابن سينا [36] هارون الرشيد في السينما و التلفزيون

جسدت شخصية هارون الرشيد في عدة اعمال تلفزيونية منها :

مسلسل هارون الرشيد عن قصة حياته و كان من اخراج المصري احمد توفيق و قد
جسد الدور الممثل نور الشريف

مسلسل ابناء الرشيد : الامين و المامون من اخراج التونسي شوقي الماجري و قد جسد
الدور الممثل رشيد عساف

مسلسل اعقل المجانين و قد قام بتجسيد الدور الممثل محمد خير الجراح

  • تولي المنصور الخلافه و اشتد الصراع بين العصبيه الفارسيه
  • بحث عن هارون الرشيد
  • خاتمة عن شخصية هارون الرشيد
  • خطة بحث هارون الرشيد
السابق
صور اولاد وبنات
التالي
حيوانات غريبه