مواضيع للرجال للنساء

محمد حسان المولد النبوي الشريف

محمد حسان المولد النبوي الشريف 20160819 1987 1

محمد حسان المولد النبوي الشريف 20160819 1987

 

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد واله وصحبه اجمعين، وبعد :
فلا يخفى ما ورد في الكتاب والسنة من الامر باتباع ما شرعه الله ورسوله، والنهي
عن الابتداع في الدين، قال – تعالى – ( قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني
يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم)) [ال عمران : 31]، وقال – تعالى – : ((اتبعوا
ما انزل اليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه اولياء قليلا ما تذكرون)) [الاعراف :
3]،، وقال – تعالى – ( وان هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق
بكم عن سبيله)) [ الانعام : 153]، وقال -صلى الله عليه وسلم- : ان اصدق
الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الامور محدثاتها، وقال -صلى الله عليه وسلم-
: من احدث في امرنا هذا ما ليس منه فهو رد(1)، وفي رواية لمسلم :
من عمل عملا ليس عليه امرنا فهو رد..
وان من جملة ما احدثه الناس من البدع المنكرة الاحتفال بذكرى المولد النبوي في شهر
ربيع الاول؛ وهم في هذا الاحتفال على انواع :
فمنهم من يجعله مجرد اجتماع تقرا فيه قصة المولد، او تقدم فيه خطب وقصائد في
هذه المناسبة.
ومنهم من يصنع الطعام والحلوى وغير ذلك ويقدمه لمن حضر.
ومنهم من يقيمه في المساجد، ومنهم من يقيمه في البيوت.
ومنهم من لا يقتصر على ما ذكر، فيجعل هذا الاجتماع مشتملا على محرمات ومنكرات من
اختلاط الرجال بالنساء والرقص والغناء، او اعمال شركية كالاستغاثة بالرسول -صلى الله عليه وسلم- وندائه
والاستنصار به على الاعداء وغير ذلك، وهو بجميع انواعه واختلاف اشكاله واختلاف مقاصد فاعليه لا
شك ولا ريب انه بدعة محرمة محدثة بعد القرون المفضلة بازمان طويلة؛ فاول من احدثه
الملك المظفر ابو سعيد كوكبوري ملك اربل في اخر القرن السادس او اول القرن السابع
الهجري، كما ذكره المؤرخون كابن كثير وابن خلكان وغيرهما.
وقال ابو شامة : وكان اول من فعل ذلك بالموصل الشيخ عمر بن محمد الملا
احد الصالحين المشهورين، وبه اقتدى في ذلك صاحب اربل وغيره.
قال الحافظ ابن كثير في البداية (2) في ترجمة ابي سعيد كوكبوري : وكان يعمل
المولد الشريف في ربيع الاول ويحتفل به احتفالا هائلا… الى ان قال : قال السبط
: حكى بعض من حضر سماط المظفر في بعض الموالد انه كان يمد في ذلك
السماط خمسة الاف راس مشوي، وعشرة الاف دجاجة، ومائة الف زبدية، وثلاثين الف صحن حلوى…
الى ان قال : ويعمل للصوفية سماعا من الظهر الى الفجر ويرقص بنفسه معهم ا.
ه.
وقال ابن خلكان في وفيات الاعيان (3) : فاذا كان اول صفر زينوا تلك القباب
بانواع الزينة الفاخرة المتجملة، وقعد في كل قبة جوق من الاغاني، وجوق من ارباب الخيال
ومن اصحاب الملاهي، ولم يتركوا طبقة من تلك الطبقات (طبقات القباب) حتى رتبوا فيها جوقا.

وتبطل معايش الناس في تلك المدة، وما يبقى لهم شغل الا التفرج والدوران عليهم… الى
ان قال : فاذا كان قبل يوم المولد بيومين اخرج من الابل والبقر والغنم شيئا
كثيرا زائدا عن الوصف وزفها بجميع ما عنده من الطبول والاغاني والملاهي، حتى ياتي بها
الى الميدان… الى ان قال : فاذا كانت ليلة المولد عمل السماعات بعد ان يصلي
المغرب في القلعة. ا. ه.
فهذا مبدا حدوث الاحتفال بمناسبة ذكرى المولد، حدث متاخرا ومقترنا باللهو والسرف واضاعة الاموال والاوقات،
وراء بدعة ما انزل الله بها من سلطان.
والذي يليق بالمسلم انما هو احياء السنن واماتة البدع، وان لا يقدم على عمل حتى
يعلم حكم الله فيه.
هذا ؛ وقد يتعلق من يرى احياء هذه البدعة بشبه اوهى من بيت العنكبوت، ويمكن
حصر هذه الشبه فيما يلي :
1- دعواهم ان في ذلك تعظيما للنبي -صلى الله عليه وسلم- .
والجواب عن ذ لك ان نقول : انما تعظيمه -صلى الله عليه وسلم- بطاعته وامتثال
امره واجتناب نهيه ومحبته -صلى الله عليه وسلم-، وليس تعظيمه بالبدع والخرافات والمعاصي، والاحتفال بذكرى
المولد من هذا القبيل المذموم، لانه معصية. واشد الناس تعظيما للنبي -صلى الله عليه وسلم-
هم الصحابة – رضي الله عنهم -، كما قال عروة بن مسعود لقريش : يا
قوم! والله لقد وفدت على كسرى وقيصر والملوك، فما رايت ملكا يعظمه اصحابه ما يعظم
اصحاب محمد محمدا -صلى الله عليه وسلم-، والله ما يمدون النظر اليه تعظيما له، ومع
هذا التعظيم ما جعلوا يوم مولده عيدا واحتفالا، ولو كان ذلك مشروعا ما تركوه.
2- الاحتجاج بان هذا عمل كثير من الناس في كثير من البلدان.
والجواب عن ذلك ان نقول : الحجة بما ثبت عن الرسول -صلى الله عليه وسلم-
. والثابت عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- النهي عن البدع عموما، وهذا منها. وعمل
الناس اذا خالف الدليل فليس بحجة، وان كثروا ( وان تطع اكثر من في الارض
يضلوك عن سبيل الله)) [الانعام : 116]، مع انه لا يزال – بحمد الله –
في كل عصر من ينكر هذه البدعة ويبين بطلانها، فلا حجة بعمل من استمر على
احيائها بعد ما تبين له الحق. فممن انكر الاحتفال بهذه المناسبة شيخ الاسلام ابن تيمية
في ” اقتضاء الصراط المستقيم “، والامام الشاطبي في “الاعتصام”، وابن الحاج في “المدخل”، والشيخ
تاج الدين علي بن عمر اللخمي الف في انكاره كتابا مستقلا، والشيخ محمد بشير السهسواني
الهندي في كتابه “صيانة الانسان”، والسيد محمد رشيد رضا الف فيه رسالة مستقلة، والشيخ محمد
بن ابراهيم ال الشيخ الف فيه رسالة مستقلة، وسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز، وغير
هؤلاء ممن لا يزالون يكتبون في انكار هذه البدعة كل سنة في صفحات الجرائد والمجلات،
في الوقت الذي تقام فيه هذه البدعة.
3- يقولون : ان في اقامة المولد احياء لذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- .

والجواب عن ذلك ان نقول : احياء ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- يكون بما
شرعه الله من ذكره في الاذان والاقامة والخطب والصلوات وفي التشهد والصلاة عليه وقراءة سنته
واتباع ما جاء به، وهذا شيء مستمر يتكرر في اليوم والليلة دائما، لا في السنة
مرة.
4- قد يقولون : الاحتفال بذكرى المولد النبوي احدثه ملك عادل عالم، قصد به التقرب
الى الله!
والجواب عن ذلك ان نقول : البدعة لا تقبل من اي احد كان، وحسن القصد
لا يسوغ العمل السيء، وكونه عالما وعادلا لا يقتضي عصمته.
5- قولهم : ان اقامة المولد من قبيل البدعة الحسنة؛ لانه ينبئ عن الشكر لله
على وجود النبي الكريم!
ويجاب عن ذلك بان يقال : ليس في البدع شيء حسن، فقد قال -صلى الله
عليه وسلم-: من احدث في امرنا هذا ما ليس منه فهو رد، ويقال ايضا :
لماذا تاخر القيام بهذا الشكر – على زعمكم – الى اخر القرن السادس، فلم يقم
به افضل القرون من الصحابة والتابعين واتباع التابعين، وهم اشد محبة للنبي -صلى الله عليه
وسلم- واحرص على فعل الخير والقيام بالشكر، فهل كان من احدث بدعة المولد اهدى منهم
واعظم شكرا لله – عز وجل- ؟ حاشا وكلا.
6- قد يقولون : ان الاحتفال بذكرى مولده -صلى الله عليه وسلم- ينبئ عن محبته
-صلى الله عليه وسلم- فهو مظهر من مظاهرها واظهار محبته -صلى الله عليه وسلم- مشروع

والجواب ان نقول : لا شك ان محبته -صلى الله عليه وسلم- واجبة على كل
مسلم اعظم من محبة النفس والولد والوالد والناس اجمعين – بابي هو وامي صلوات الله
وسلامه عليه -، ولكن ليس معنى ذلك ان نبتدع في ذلك شيئا لم يشرعه لنا،
بل محبته تقتضي طاعته واتباعه، فان ذلك من اعظم مظاهر محبته، كما قيل :
لو كان حبك صادقا لاطعته ان المحب لمن يحب مطيع
فمحبته -صلى الله عليه وسلم- تقتضي احياء سنته والعض عليها بالنواجذ ومجانبة ما خالفها من
الاقوال والافعال، ولا شك ان كل ما خالف سنته فهو بدعة مذمومة ومعصية ظاهرة، ومن
ذلك الاحتفال بذكرى مولده وغيره من البدع. وحسن النية لا يبيح الابتداع في الدين؛ فان
الدين مبني على اصلين : الاخلاص، والمتابعة، قال – تعالى – ( بلى من اسلم
وجهه لله وهو محسن فله اجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون)) [البقرة
: 112]، فاسلام الوجه هو الاخلاص لله، والاحسان هو المتابعة للرسول واصابة السنة.
وخلاصة القول : ان الاحتفال بذكرى المولد النبوي بانواعه واختلاف اشكاله بدعة منكرة يجب على
المسلمين منعها ومنع غيرها من البدع، والاشتغال باحياء السنن والتمسك بها، ولا يغتر بمن يروج
هذه البدعة ويدافع عنها، فان هذا الصنف يكون اهتمامهم باحياء البدع اكثر من اهتمامهم باحياء
السنن، بل ربما لا يهتمون بالسنن اصلا، ومن كان هذا شانه فلا يجوز تقليده والاقتداء
به، وان كان هذا الصنف هم اكثر الناس، وانما يقتدي بمن سار على نهج السنة
من السلف الصالح واتباعهم وان كانوا قليلا، فالحق لا يعرف بالرجال، وانما يعرف الرجال بالحق.

قال -صلى الله عليه وسلم- : فانه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي
وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ، واياكم ومحدثات الامور، فان كل بدعة
ضلالة(4)، فبين لنا -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث الشريف بمن نقتدي عند الاختلاف،
كما بين ان كل ما خالف السنة من الاقوال والافعال فهو بدعة وكل بدعة ضلالة.

واذا عرضنا الاحتفال بالمولد النبوي لم نجد له اصلا في سنة رسول الله -صلى الله
عليه وسلم-، ولا في سنة خلفائه الراشدين، اذا فهو من محدثات الامور ومن البدع المضلة،
وهذا الاصل الذي تضمنه هذا الحديث قد دل عليه قوله تعالى: ((فان تنازعتم في شيء
فردوه الى الله والرسول ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الاخر ذلك خير واحسن تاويلا)) [النساء:59].

والرد الى الله هو الرجوع الى كتابه الكريم، والرد الى الرسول -صلى الله عليه وسلم-
هو الرجوع الى سنته بعد وفاته، فالكتاب والسنة هما المرجع عند التنازع، فاين في الكتاب
والسنة ما يدل على مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي؟ فالواجب على من يفعل ذلك او يستحسنه
ان يتوب الى الله – تعالى – منه ومن غيره من البدع؛ فهذا هو شان
المؤمن الذي ينشد الحق، واما من عاند وكابر بعد قيام الحجة فانما حسابه عند ربه.

هذا؛ ونسال الله – سبحانه وتعالى – ان يرزقنا التمسك بكتابه وسنة رسوله الى يوم
نلقاه، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد واله وصحبه.

  • خطب عن المولد النبوي
السابق
الطب البديل والاعشاب للحمل
التالي
باقة ازهار جميلة