حكايات الملك شهريار واخيه الملك شاه زمان[عدل] .. حكي والله اعلم انه كان فيما مضى
من قديم الزمان وسالفر والاوان مينلك من ملوك ساسان بمغرب الهند والص صاحب جند واعوان
وخدم وحشم له ولدان احدهما كبير شتاق الكبير الى اخيه الصغير فامر وزيره ان يسافر
اليه ويحضر به فاجابه بالسمع والطاعة وسافر حتى وصل بالسلامة ودخل على اخيه وبلغه السلام
واعلمه ان اخاه مشتاق اليه وقصده ان يزوره فاجابه بالسمع والطاعة وتجهز واخرج خيامه وبغاله
وخدمه واعوانه واقام وزيره حاكما في بلاده وخرج طالبا بلاد اخيه. فلما كان في نصف
الليل تذكر حاجة نسيها في قصره فرجع ودخل قصره فوجد زوجته راقدة في فراشه معانقة
عبدا اسود من العبيد فلما راى هذا اسودت الدنيا في وجهه وقال في نفسه: اذا
كان هذا الامر قد وقع وانا ما فارقت المدينة فكيف حال هذه العاهرة اذا غبت
عند اخي مدة ثم انه سل سيفه وضرب الاثنين فقتلهما في الفراش ورجع من وقته
وساعته وسار الى ان وصل الى مدينة اخيه ففرح اخوه بقدومه ثم خرج اليه ولاقاه
وسلم عليه والاخر صغير وكانا بطلين وكان الكبير افرس من الصغير وقد ملك البلاد وحكم
بالعدل بين العباد واحبه اهل بلاده ومملكته وكان اسمه الملك شهريار وكان اخوه الصغير اسمه
الملك شاه زمان وكان ملك سمرقند العجم ولم يزل الامر مستقيما في بلادهما وكل واحد
منهما في مملكته حاكم عادل في رعيته مدة عشرين سنة وهم في غاية البسط والانشراح.
لم يزالا على هذه الحالة الى ان اففرح به غاية الفرح وزين له المدينة وجلس
معه يتحدث بانشراح فتذكر الملك شاه زمان ما كان من امر زوجته فحصل عنده غم
زائد واصفر لونه وضعف جسمه فلما راه اخوه على هذه الحالة ظن في نفسه ان
ذلك بسبب مفارقته بلاده وملكه فترك سبيله ولم يسال عن ذلك. ثم انه قال له
في بعض الايام: يا اخي انا في باطني جرح ولم يخبره بما راى من زوجته
فقال: اني اريد ان تسافر معي الى الصيد والقنص لعله ينشرح صدرك فابى ذلك فسافر
اخوه وحده الى الصيد. وكان في قصر الملك شبابيك تطل على بستان اخيه فنظروا واذا
بباب القصر قد فتح وخرج منه عشرون جارية وعشرون عبدا وامراة اخيه تمشي بينهم وهي
غاية في الحسن والجمال حتى وصلوا الى فسقية وخلعوا ثيابهم وجلسوا مع بعضهم واذا بامراة
الملك قالت: يا مسعود فجاءها عبد اسود فعانقها وعانقته وواقعها وكذلك باقي العبيد فعلوا بالجواري
ولم يزالوا في بوس وعناق ونحو ذلك حتى ولى النهار. فلما راى اخو الملك فقال:
والله ان بليتي اخف من هذه البلية وقد هان ما عنده من القهر والغم وقال:
هذا اعظم مما جرى لي ولم يزل في اكل وشرب. وبعد هذا جاء اخوه من
السفر فسلما على بعضهما ونظر الملك شهريار الى اخيه الملك شاه زمان وقد رد لونه
واحمر وجهه وصار ياكل بشهية بعدما كان قليل الاكل فتعجب من ذلك وقال: يا اخي
كنت اراك مصفر الوجه والان قد رد اليك لونك فاخبرني بحالك فقال له: اما تغير
لوني فاذكره لك واعف عني اخبارك برد لوني فقال له: اخبرني اولا بتغير لونك وضعفك
حتى اسمعه. فقال له: يا اخي انك لما ارسلت وزيرك الي يطلبني للحضور بين يديك
جهزت حالي وقد بررت من مدينتي ثم اني تذكرت الخرزة التي اعطيتها لك في قصري
فرجعت فوجدت زوجتي معها عبد اسود وهو نائم في فراشي فقتلتهما وجئت عليك وانا متفكر
في هذا الامر فهذا سبب تغير لوني وضعفي واما رد لوني فاعف عني من ان
اذكره لك. فلما سمع اخوه كلامه قال له: اقسمت عليك بالله ان تخبرني بسبب رد
لونك فاعاد عليه جميع ما راه فقال شهريار لاخيه شاه زمان: اجعل انك مسافر للصيد
والقنص واختف عندي وانت تشاهد ذلك وتحققه عيناك فنادى الملك من ساعته بالسفر فخرجت العساكر
والخيام الى ظاهر المدينة وخرج الملك ثم انه جلس في الخيام وقال لغلمانه لا يدخل
علي احد ثم انه تنكر وخرج مختفيا الى القصر الذي فيه اخوه وجلس في الشباك
المطل على البستان ساعة من الزمان واذا بالجواري وسيدتهم دخلوا مع العبيد وفعلوا كما قال
اخوه واستمروا كذلك الى العصر. فلما راى الملك شهريار ذلك الامر طار عقله من راسه
وقال لاخيه شاه زمان: قم بنا نسافر الى حال سبيلنا وليس لنا حاجة بالملك حتى
ننظر هل جرى لاحد مثلنا او لا فيكون موتنا خير من حياتنا فاجابه لذلك. ثم
انهما خرجا من باب سري في القصر ولم يزالا مسافرين اياما وليالي الى ان وصلا
الى شجرة في وسط مرج عندها عين بجانب البحر المالح فشربا من تلك العين وجلسا
يستريحان. فلما كان بعد ساعة مضت من النهار واذا هم بالبحر قد هاج وطلع منه
عمود اسود صاعد الى السماء وهو قاصد تلك المرجة. فلما رايا ذلك خافا وطلعا الى
اعلى الشجرة وكانت عالية وصارا ينظران ماذا يكون الخبر واذا بجني طويل القامة عريض الهامة
واسع الصدر على راسه صندوق فطلع الى البر واتى الشجرة التي هما فوقها وجلس تحتها
وفتح الصندوق واخرج منه علبة ثم فتحها فخرجت منها صبية بهية كانها الشمس المضيئة كما
قال الشاعر:
اشرقت في الدجى فلاح النهار واستنارت بنورها الاسحار
تسجد الكائنات بين يديها حين تبدو وتهتك الاستار
واذا اومضت بروق حماها هطلت بالمدامع الامطار
قال: فلما نظر اليها الجني قال: يا سيدة الحرائر التي قد اختطفتك ليلة عرسك اريد
ان انام قليلا ثم ان الجني وضع راسه على ركبتيها ونام فرفعت راسها الى اعلى
الشجرة فرات الملكين وهما فوق تلك الشجرة فرفعت راس الجني من فوق ركبتيها ووضعته على
الارض ووقفت تحت الشجرة وقالت لهما بالاشارة انزلا ولا تخافا من هذا العفريت فقالا لها:
بالله عليك ان تسامحينا من هذا الامر فقالت لهما بالله عليكما ان تنزلا والا نبهت
عليكما العفريت فيقتلكما شر قتلة فخافا ونزلا اليها فقامت لهما وقالت ارصعا رصعا عنيفا والا
انبه عليكما العفريت فمن خوفهما قال الملك شهريار لاخيه الملك شاه زمان: يا اخي افعل
ما امرتك به فقال: لا افعل حتى تفعل انت قبلي واخذا يتغامزان على نكاحها فقالت
لهما ما اراكما تتغامزان فان لم تتقدما وتفعلا والا نبهت عليكما العفريت فمن خوفهما من
الجني فعلا ما امرتهما به فلما فرغا قالت لهما اقفا واخرجت لهما من جيبها كيسا
واخرجت لهما منه عقدا فيه خمسمائة وسبعون خاتما فقالت لهما: اتدرون ما هذه فقالا لها:
لا ندري فقالت لهما اصحاب هذه الخواتم كلهم كانوا يفعلون بي على غفلة قرن هذا
العفريت فاعطياني خاتميكما انتما الاثنان الاخران فاعطاها من يديهما خاتمين فقالت لهما ان هذا العفريت
قد اختطفني ليلة عرسي ثم انه وضعني في علبة وجعل العلبة داخل الصندوق ورمى على
الصندوق سبعة اقفال وجعلني في قاع البحر العجاج المتلاطم بالامواج ويعلم ان المراة منا اذا
ارادت امر لم يغلبها شيء كما قال بعضهم:
لا تامنن الى النساء ولا تثق بعهودهن
فرضاؤهن وسخطهن معلق بفروجهن
يبدين ودا كاذبا والغدر حشو ثيابهن
بحديث يوسف فاعتبر متحذرا من كيدهن
او ما ترى ابليس اخرج ادما من اجلهن
فلما سمعا منها هذا الكلام تعجبا غاية العجب وقالا لبعضهما: اذا كان هذا عفريتا وجرى
له اعظم مما جرى لنا فهذا شيء يسلينا. ثم انهما انصرفا من ساعتهما ورجعا الى
مدينة الملك شهريار ودخلا قصره. ثم انه رمى عنق زوجته وكذلك اعناق الجواري والعبيد وصار
الملك شهريار كلما ياخذ بنتا بكرا يزيل بكارتها ويقتلها من ليلتها ولم يزل على ذلك
مدة ثلاث سنوات فضجت الناس وهربت ببناتها ولم يبق في تلك المدينة بنت تتحمل الوطء.
ثم ان الملك امر الوزير ان ياتيه بنت على جري عادته فخرج الوزير وفتش فلم
يجد بنتا فتوجه الى منزله وهو غضبان مقهور خائف على نفسه من الملك.
وكان الوزير له بنتان ذاتا حسن وجمال وبهاء وقد واعتدال الكبيرة اسمها شهرزاد والصغيرة اسمها
دنيازاد وكانت الكبيرة قد قرات الكتب والتواريخ وسير الملوك المتقدمين واخبار الامم الماضيين. قيل انها
جمعت الف كتاب من كتب التواريخ المتعلقة بالامم السالفة والملوك الخالية والشعراء فقالت لابيها: مالي
اراك متغيرا حامل الهم والاحزان وقد قال بعضهم في المعنى شعرا:
قل لمن يحمل هما ان هما لا يدوم
مثل ما يفنى السرور هكذا تفنى الهموم
فلما سمع الوزير من ابنته هذا الكلام حكى لها ما جرى له من الاول الى
الاخر مع الملك فقالت له: بالله يا ابت زوجني هذا الملك فاما ان اعيش واما
ان اكون فداء لبنات المسلمين وسببا لخلاصهن من بين يديه فقال لها: بالله عليك لا
تخاطري بنفسك ابدا فقالت له: لا بد من ذلك فقال: اخشى عليك ان يحصل لك
ما حصل للحمار والثور مع صاحب الزرع فقالت له: وما الذي جرى لهما يا ابت؟
- قصص الف ليلة وليلة الاصلية
- قصص ألف ليله و ليله مع التفصيل الممل