مواضيع للرجال للنساء

دع الخلق للخالق

دع الخلق للخالق 20160818 4715 1

دع الخلق للخالق 20160818 4715

يقول احد الدعاة في محاضرة القاها: “من فضل الله تعالى ان الجنة بيد الرحمن الرحيم،
وليست بيد البشر؛ فلو كانت بيد بعضهم لما ادخل اليها الا نفسه وسبعة من جماعته،
واغلقها خلفهم”!

 

والمعنى الذي يقصده: ان البشر يحكمون حسب اهوائهم، ولا ينصفون او يرحمون، فلا يتعاملون بالعدل
ولا بالرحمة، الا لمن نال رضاهم، ومتى غضب احدهم نزعت من قلبه الرحمة، ورفع العدل
منه، فهو يجور في حكمه، وينهال على مغاضبه تجريحا وتقريعا، بل قد يسومه سوء العذاب.

 

وصدق الشافعي – رحمه الله – اذ قال:

وعين الرضا عن كل عيب كليلة
ولكن عين السخط تبدي المساويا

 

فكم من المرات تغافلنا وتغاضينا عن اخطاء من نودهم ونحبهم ونحابيهم! ولكن ما ان نغضب
او نسخط عليهم حتى نجلدهم بالسنتنا، ولا نرقب فيهم الا[1] ولا ذمة، ولو كانوا اقرب
الناس الينا، بل ونتذكر لهم كل صغيرة وكبيرة، ولو مضت عليها سنين طوال لاجترينا الذكريات؛
لنذكرهم بمساوئهم الفائتة، والتي تجاهلناها في وقت رضانا.

 

اننا لا نجامل الا في ساعة الرضا، وتغادرنا كل تلك الكلمات الطيبة وتتلاشى عند السخط،
وتتحول السنتنا من الذود عمن كنا نحب رد غيبته، الى المبادرة بغيبته وذمه وذكره بما
يكره، ولربما نسبنا اليه ما ليس فيه!

 

لماذا يحكم كثير من البشر على غيرهم بحسب حالتهم المزاجية وظروفهم النفسية، فيظلمهم ويشطط في
الحكم عليهم، بل ويانس بالحديث عن عيوبهم؟!

 

واول الظلم في الامر اننا نعطي لانفسنا الحق في الحكم على الناس، دون ان يعطينا
احد ذلك الحق، فندع النظر في احوالنا والانشغال بما في انفسنا من عيوب، وننشغل بتتبع
عيوب وسوءات الاخرين.

 

اصبحت اعيننا تمارس دور الراصد المراقب المتفحص، فنضع الناس تحت المجهر، ونسلط اعيننا عليهم، ونضع
لكل حركة او سكنة تفسيرا او معنى، فذلك منافق، وذلك مراء، وفلان يقصد كذا، والاخر
فعل كذا لانه كذا… والكثير من التعليقات والصفات نوزعها على الناس تطوعا واجتهادا، دون ان
يطلب منا ذلك، نصبنا انفسنا منصب الرقيب العتيد، والله تعالى لم يوكل الينا ذلك، بل
وامرنا باصلاح انفسنا وترك الانشغال بمراقبة الناس ونقدهم.

 

قال الحسن البصري: “من علامة اعراض الله تعالى عن العبد ان يجعل شغله فيما لا
يعنيه”.

 

فالواجب ان يشتغل المرء بما يعنيه، فيحفظ لسانه عن تصيد الاخطاء، ويدع الخلق للخالق.

 

قال – صلى الله عليه وسلم -: ((يا معشر من امن بلسانه، ولم يدخل الايمان
في قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم؛ فانه من اتبع عوراتهم يتبع الله عورته،
ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته))[2].

 

قال سفيان الثوري – رحمه الله -: “حرمت قيام الليل خمسة اشهر بذنب اذنبته”، رايت
رجلا يبكي، فقلت في نفسي: “هذا مراء”.

 

وجد عقوبة ما قاله “في نفسه” حرمانا من الطاعة، فما اكثر ما حرمناه باقوالنا واحكامنا
الصادرة على الناس جزافا دون تورع عن ملاحقة عيوبهم ومساوئهم، وكاننا قد كملت صفاتنا وانفسنا
وتنزهنا عن العيوب.

 

والنفس النزيهة حقا هي تلك التي ترفعت عن ملاحقة الناس، وانشغلت بتهذيب ذاتها.

 

هي تلك التي تمكن منها الايمان، واستشعرت مراقبة الله لها، وانها مسؤولة يوما عما ستقول،
فترفعت وتزكت عن فضول الكلام وعن الجور في الاحكام في الرضا والسخط، فلا تتكلم الا
صدقا، ولا تقول الا حقا.

 

فتعدل؛ لان الله تعالى ﴿ يامر بالعدل ﴾ [النحل: 90].

وتعفو؛ لان الله تعالى يقول: ﴿ خذ العفو ﴾ [الاعراف: 199].

 

فتتناسى وتسامح، وتؤثر انتصارات الحق في الاخرة على انتصارات النفس في الدنيا.

 

تلك هي النفوس النزيهة الزكية، التي شعارها قول الله تعالى: ﴿ قد افلح من تزكى
﴾ [الاعلى: 14].

دع الخلق للخالق 20160818 4716
السابق
اغاني شاكيرا mp3 سمعنا
التالي
اسم مرام