مواضيع للرجال للنساء

وكل نفس ذائقة الموت

وكل نفس ذائقة الموت 20160818 2746 1

 

وكل نفس ذائقة الموت 20160818 2746
كل نفس ذائقة الموت وانما توفون اجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وادخل الجنة
فقد فاز وما الحياة الدنيا الا متاع الغرور ( 185 ) لتبلون في اموالكم وانفسكم
ولتسمعن من الذين اوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين اشركوا اذى كثيرا وان تصبروا وتتقوا
فان ذلك من عزم الامور ( 186 ) )

يخبر تعالى اخبارا عاما يعم جميع الخليقة بان كل نفس ذائقة الموت ، كقوله :
( كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام ) فهو تعالى وحده
هو الحي الذي لا يموت والانس والجن يموتون ، وكذلك الملائكة وحملة العرش ، وينفرد
الواحد الاحد القهار بالديمومة والبقاء ، فيكون اخرا كما كان اولا .

وهذه الاية فيها تعزية لجميع الناس ، فانه لا يبقى احد على وجه الارض حتى
يموت ، فاذا انقضت المدة وفرغت النطفة التي قدر الله وجودها من صلب ادم وانتهت
البرية – اقام الله القيامة وجازى الخلائق باعمالها جليلها وحقيرها ، كثيرها وقليلها ، كبيرها
وصغيرها ، فلا يظلم احدا مثقال ذرة ، ولهذا قال : ( وانما توفون اجوركم
يوم القيامة )

قال ابن ابي حاتم : حدثنا ابي ، حدثنا عبد العزيز الاويسي ، حدثنا علي
بن ابي علي اللهبي عن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين ، عن ابيه
، عن علي بن ابي طالب ، رضي الله عنه ، قال : لما توفي
النبي صلى الله عليه وسلم وجاءت التعزية ، جاءهم ات يسمعون حسه ولا يرون شخصه
فقال : السلام عليكم اهل البيت ورحمة الله وبركاته ) كل نفس ذائقة الموت وانما
توفون اجوركم يوم القيامة ) ان [ ص: 178 ] في الله عزاء من كل
مصيبة ، وخلفا من كل هالك ، ودركا من كل فائت ، فبالله فثقوا ،
واياه فارجوا ، فان المصاب من حرم الثواب ، و وبركاته . قال جعفر بن
محمد : فاخبرني ابي ان علي بن ابي طالب قال : اتدرون من هذا ؟
هذا الخضر ، عليه السلام .

وقوله : ( فمن زحزح عن النار وادخل الجنة فقد فاز ) اي : من
جنب النار ونجا منها وادخل الجنة ، فقد فاز كل الفوز .

قال ابن ابي حاتم : حدثنا ابي ، حدثنا محمد بن عبد الله الانصاري ،
حدثنا محمد بن عمرو بن علقمة ، عن ابي سلمة ، عن ابي هريرة [
رضي الله عنه ] قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ”
موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها ، اقرءوا ان شئتم : (
فمن زحزح عن النار وادخل الجنة فقد فاز ) .

هذا حديث ثابت في الصحيحين من غير هذا الوجه بدون هذه الزيادة ، وقد رواه
بدون هذه الزيادة ابو حاتم ، وابن حبان في صحيحه ، والحاكم في مستدركه ،
من حديث محمد بن عمرو هذا . ورواه ابن مردويه [ ايضا ] من وجه
اخر فقال :

حدثنا محمد بن احمد بن ابراهيم ، حدثنا محمد بن يحيى ، انبانا حميد بن
مسعدة ، انبانا عمرو بن علي ، عن ابي حازم ، عن سهل بن سعد
قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” لموضع سوط احدكم في
الجنة خير من الدنيا وما فيها ” . قال : ثم تلا هذه الاية :
( فمن زحزح عن النار وادخل الجنة فقد فاز )

وتقدم عند قوله تعالى : ( ولا تموتن الا وانتم مسلمون ) ما رواه الامام
احمد ، عن وكيع عن الاعمش ، عن زيد بن وهب ، عن عبد الرحمن
بن عبد رب الكعبة ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” من احب ان يزحزح عن النار وان
يدخل الجنة ، فلتدركه منيته وهو يؤمن بالله واليوم الاخر ، وليات الى الناس ما
يحب ان يؤتى اليه ” .

وقوله : ( وما الحياة الدنيا الا متاع الغرور ) تصغيرا لشان الدنيا ، وتحقيرا
لامرها ، وانها [ ص: 179 ] دنيئة فانية قليلة زائلة ، كما قال تعالى
: ( بل تؤثرون الحياة الدنيا والاخرة خير وابقى ) [ الاعلى : 16 ،
17 ] [ وقال تعالى : ( وما الحياة الدنيا في الاخرة الا متاع )
[ الرعد : 26 ] وقال تعالى : ( ما عندكم ينفد وما عند الله
باق ] ) [ النحل : 96 ] . وقال تعالى : ( وما اوتيتم
من شيء فمتاع الحياة الدنيا وزينتها وما عند الله خير وابقى ) [ القصص :
60 ] وفي الحديث : ” والله ما الدنيا في الاخرة الا كما يغمس احدكم
اصبعه في اليم ، فلينظر بم ترجع اليه ؟ ” .

وقال قتادة في قوله : ( وما الحياة الدنيا الا متاع الغرور ) هي متاع
، هي متاع ، متروكة ، اوشكت – والله الذي لا اله الا هو –
ان تضمحل عن اهلها ، فخذوا من هذا المتاع طاعة الله ان استطعتم ، ولا
قوة الا بالله .

وقوله : ( لتبلون في اموالكم وانفسكم ) كقوله ( ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع
ونقص من الاموال والانفس والثمرات ) [ وبشر الصابرين الذين اذا اصابتهم مصيبة قالوا انا
لله وانا اليه راجعون ] ) [ البقرة : 155 ، 156 ] اي :
لا بد ان يبتلى المؤمن في شيء من ماله او نفسه او ولده او اهله
، ويبتلى المؤمن على قدر دينه ، ان كان في دينه صلابة زيد في البلاء
( ولتسمعن من الذين اوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين اشركوا اذى كثيرا ) يقول
تعالى للمؤمنين عند مقدمهم المدينة قبل وقعة بدر ، مسليا لهم عما نالهم من الاذى
من اهل الكتاب والمشركين ، وامرا لهم بالصبر والصفح والعفو حتى يفرج الله ، فقال
: ( وان تصبروا وتتقوا فان ذلك من عزم الامور )

قال ابن ابي حاتم : حدثنا ابي ، حدثنا ابو اليمان ، حدثنا شعيب بن
ابي حمزة ، عن الزهري ، اخبرني عروة بن الزبير : ان اسامة بن زيد
اخبره قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم واصحابه يعفون عن المشركين واهل الكتاب
كما امرهم الله ، ويصبرون على الاذى ، قال الله : ( ولتسمعن من الذين
اوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين اشركوا اذى كثيرا ) قال : وكان رسول الله
صلى الله عليه وسلم يتاول في العفو ما امره الله به ، حتى اذن الله
فيهم .

هكذا رواه مختصرا ، وقد ذكره البخاري عند تفسير هذه الاية مطولا فقال : حدثنا
ابو اليمان ، انبانا شعيب ، عن الزهري اخبرني عروة بن الزبير ، ان اسامة
بن زيد اخبره ان رسول الله صلى الله عليه وسلم ركب على حمار ، عليه
قطيفة فدكية واردف اسامة بن زيد وراءه ، يعود سعد بن عبادة في بني الحارث
بن الخزرج ، قبل وقعة بدر ، قال : حتى مر بمجلس فيه عبد الله
بن ابي – ابن سلول ، وذلك قبل ان يسلم عبد الله بن ابي ،
فاذا في المجلس اخلاط من المسلمين والمشركين ، عبدة الاوثان واليهود والمسلمين ، وفي المجلس
عبد الله بن رواحة ، فلما غشيت المجلس عجاجة الدابة خمر عبد الله بن ابي
انفه بردائه وقال : ” لا تغبروا علينا . فسلم رسول الله صلى الله عليه
وسلم ثم وقف ، فنزل فدعاهم الى الله عز وجل ، [ ص: 180 ]
وقرا عليهم القران ، فقال عبد الله بن ابي : ايها المرء ، انه لا
احسن مما تقول ، ان كان حقا فلا تؤذنا به في مجالسنا ، ارجع الى
رحلك ، فمن جاءك فاقصص عليه . فقال عبد الله بن رواحة : بلى يا
رسول الله ، فاغشنا به في مجالسنا فانا نحب ذلك . فاستب المسلمون والمشركون واليهود
حتى كادوا يتثاورون فلم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يخفضهم حتى سكتوا ، ثم
ركب النبي صلى الله عليه وسلم دابته ، فسار حتى دخل على سعد بن عبادة
، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : ” يا سعد ، الم تسمع
الى ما قال ابو حباب – يريد عبد الله بن ابي – قال كذا وكذا
” . فقال سعد : يا رسول الله ، اعف عنه واصفح فوالله الذي انزل
عليك الكتاب لقد جاء الله بالحق الذي انزل عليك ، ولقد اصطلح اهل هذه البحيرة
على ان يتوجوه ويعصبوه بالعصابة ، فلما ابى الله ذلك بالحق الذي اعطاك الله شرق
بذلك ، فذلك الذي فعل به ما رايت ، فعفا عنه رسول الله صلى الله
عليه وسلم ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم واصحابه يعفون عن المشركين واهل
الكتاب ، كما امرهم الله ، ويصبرون على الاذى ، قال الله تعالى : (
ولتسمعن من الذين اوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين اشركوا اذى كثيرا [ وان تصبروا
وتتقوا فان ذلك من عزم الامور ] ) وقال تعالى : ( ود كثير من
اهل الكتاب لو يردونكم من بعد ايمانكم كفارا حسدا من عند انفسهم من بعد ما
تبين لهم الحق فاعفوا واصفحوا حتى ياتي الله بامره ) الاية [ البقرة : 109
] ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتاول في العفو ما امره الله به
، حتى اذن الله فيهم ، فلما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم بدرا
، فقتل الله به صناديد كفار قريش ، قال عبد الله بن ابي – ابن
سلول ومن معه من المشركين وعبدة الاوثان : هذا امر قد توجه ، فبايعوا الرسول
صلى الله عليه وسلم على الاسلام واسلموا .

فكان من قام بحق ، او امر بمعروف ، او نهى عن منكر ، فلا
بد ان يؤذى ، فما له دواء الا الصبر في الله ، والاستعانة بالله ،
والرجوع الى الله ، عز وجل .

السابق
تسريحات للشعر جديدة
التالي
احمد شوقي في مدح الرسول