وصف ام معبد

 

صورة-1

 



ستتواتر القطرات هنا بما يشبع فالنفس شوقها الي الحبيب محمد صلي الله علية و سلم، و بما يتفق مع ما صح من اوصافة صلي الله علية و سلم، فلتتهيا الاذهان و الافهام لتتلقي هذة القطرات العذبة، التي ستحلو فيها النفس، و يصفو فيها القلب بوقعها عند متلقيها.

وهاك القطرات التي ضاق المقام عن ان نغترف اكثر منها، فقد و ضعنا ايدينا فبحر و صفة صلي الله علية و سلم، فخرجت باربع قطرات عذاب، احلى بها و صفة اجمالا بما اقتضتة ضرورات الفصاحه و البلاغة.

القطره الاولى: و صف ام معبد:


ذلك الوصف فاض ذكرة بين العلماء، و انتشر خبرة بينهم، و هو مروى فكتبهم، فقد رواة زمره من الحفاظ، من روايه حزام بن هشام بن حبيش بن خالد عن ابيه، عن جدة صاحب رسول الله صلي الله علية و سلم، و اخرجة القتيبى عن سليمان بن الحكم، باسنادة عن هشام بن حبيش. و روى من طرق اخري كثيرة، و ربما اخرج – كذلك – عن ابى معبد نفسه، و عنة عن ام معبد، و اخرج عن اسماء فتاة ابى بكر و ابى سليط الانصارى رضى الله عنهم.

وام معبد هذة صحابيه جليلة، اسمها عاتكه فتاة خالد بن خليد الخزاعية، و كنيت بابنها معبد، اما زوجها ابو معبد فقيل: ان اسمة اكثم بن الجون. و ربما ترجم ابن عبدالبر و ابن حجر لابى معبد، بيد انهما لم يسمياه، و ربما ترجما لاكثم بن الجون، و لم يذكرا انه ابو معبد. انظر: الاصابه 1/ 61، 7/ 177، و انظر ايضا: الاستيعاب ص141.

وهذا الوصف الذي ذكرتة ام معبد و صف جامع شامل، حوي من صفات الجمال ما يليق بالمصطفي صلي الله علية و سلم، و ينسب الية من جمال الرجوله العربيه ما هو حقيق به، و سط من تفاخروا بصفاتهم و محاسنهم، و هم لم يبلغوا – و لن يبلغوا – الدرجه التي استوي عليها الرسول صلي الله علية و سلم، فهم لديهم صوره مثاليه للجمال العربى مجمع عليها فيما بينهم، جميع عنصر بها يمثل غايه الجمال الذي تعارفوا عليه. فكانوا يحمدون الرجال و النساء بهذة الصفات الجمالية، و يدور عليها مدحهم و ذمهم، و ما كان للة تعالي ان يبعث رسولة صلي الله علية و سلم بين قوم يتمادحون بتلك الصفات، و لا يصبح له النصيب الاكبر منها.

ولقد اصابت ام معبد و اجادت؛ اصابت من جهه فصاحتها، كغيرها من لداتها اللاتى جمعن ادوات البيان و التبيان، و اجادت من جهه لمسها الصفات الخلقيه للنبى الكريم صلي الله علية و سلم من اول و هله راتة فيها، فكانها امسكت بين يديها اله تصوير و التقطت لرسول الله صلي الله علية و سلم لقطه حية، و وصفتة لزوجها من خلالها.

وانى لاعجب لتلك المراه التي لم يلبث الرسول صلي الله علية و سلم عندها الا يسيرا، كيف استطاعت فهذا الوقت اليسير ان تلم بعناصر الصوره الشريفه و مكوناتها، فتخرج و صفا دقيقا، ينطبق علي الموصوف انطباق الصوره الضوئيه علي صاحبها؟! و لعل هذة الدقه تعزي الي جوده الاله التي استخدمتها ام معبد، و هى اله كان العرب لا يبارون فيها؛ و هى الفصاحه و البلاغه ففن الوصف، حتي ان بعضهم – و منهم ام معبد، و هند بن ابى هالة، و غيرهما ممن و صف النبى صلي الله علية و سلم – كانوا معروفين بكمال و صفهم و دقه نعتهم.

وامر احدث ممكن ان يعزي الية اجاده ام معبد و صف النبى صلي الله علية و سلم، و هو انه صلي الله علية و سلم عندما كان يقف اصحابة بين يدية او يتحدثون اليه، لا يلبث النور المحمدى يفيض، فيعم الارجاء و يمحو من نفوسهم الظلام الدامس، فتنطبع فقلوبهم صورتة الشريفة، لا تفارق عيونهم، و لا تبرح خيالهم، فيتمثلونها فكل و قت و حين، عندما يغيب صلي الله علية و سلم عنهم، او يغيبون عنه.

كما ان شعاع صورتة البهيه اذا طالعتة عين من يجلس الية لاول مرة، تجدة تنزل فمخيله جليسة منزله سامية، تلح علي عقلة و قلبة عندما تتفارق الابدان، فيستحضر صورتة و يتمثل هيئته، و كانة راة منذ زمن طويل.

فهاك رسول الله صلي الله علية و سلم، فوصفة يقع فالنفس موقع قطرات الماء الفرات عندما يصادف النفوس الظماى، ستجد الصفات كلها صفات من بلغ منزله سامقه فالجمال و الجلال، لا تضارعها منزلة، و لا يسمو اليها احد من البشر، و هى كلها تدور ففلك بشرى لا تدور معها صفات احد من البشر؛ لانها بلغت درجه الكمال البشري.

يروي ان النبى صلي الله علية و سلم و ابا بكر رضى الله عنة و مولاة عامر بن فهيرة، و دليلهما الليثى عبدالله بن اريقط خرجوا من مكة، و مروا علي خيمه امراه عجوز تسمي ام معبد، و كانت برزه جلدة، جلدة: صلبة. تحتبى الاحتباء: هو ان يضم الانسان رجلية الي بطنة بثوب يجمعهما بة مع ظهرة و يشدة عليها، و ربما يصبح الاحتباء باليدين عوض الثوب. بفناء القبة، القبة: الخيمه الصغيره اعلاها مستدير، او البناء المستدير المقوس المجوف. بعدها تسقى و تطعم، فسالوها لحما و تمرا ليشتروا منها، فلم يصيبوا عندها شيئا، و كان القوم مرملين مرملين: نفد زادهم. مسنتين مسنتين: داخلين فالسنة؛ و هى الجدب و المجاعة. فنظر رسول الله صلي الله علية و سلم الي شاه فكسر الخيمة، فقال: “ما هذة الشاه يا ام معبد؟”. قالت: شاه خلفها الجهد عن الغنم. فقال رسول الله صلي الله علية و سلم: “هل فيها من لبن؟”. قالت: هى اجهد من ذلك. قال: “اتاذنين ان احلبها؟”. قالت: بابى انت و امي، ان رايت فيها حلبا فاحلبها. فدعا فيها رسول الله صلي الله علية و سلم، و مسح بيدة ضرعها، الضرع فالبهائم و ذوات الخف كالثدى فالمراة. و سمي الله – جل ثناؤة – بعدها دعا لام معبد فشاتها، فتفاجت علية تفاجت: و سعت ما بين رجليها، و باعدت احداهما عن الاخرى، و ذلك هو سلوك الشاه عند الحلب. و درت درت: صبت اللبن. و اجترت اجترت: اخرجت الجره من جوفها الي فمها لتمضغها، و ذلك الفعل يقع من الابل و الغنم الممتلئتين علفا. فهذة الشاه صارت تجتر مع ما هى فية من ضعف و جهد. فدعا باناء يربض الرهط، يربض الرهط: يرويهم شربة حتي يقعوا علي الارض من ثقلهم، فيربضوا كما تربض الغنم علي الارض اذا شبعت و نامت. و الرهط: لا و احد له من لفظه، و هو من الثلاثه الي العشرة. و يروى: باناء يريض الرهط. يريض: يرويهم بعض الري. و الروض نحو نص قربة. و اراض الحوض: اذا صب فية من الماء ما يوارى ارضه. و قيل: هو ما خوذ من الروضة، و هو الموضع الذي يستنقع فية الماء، و منة قولة فهذا الحديث: فشربوا حتي اراضوا عللا بعد نهل. اي: ارتووا من الشرب مره بعد مرة، فالنهل هو الشرب الاول، و العلل هو الشرب الثاني. فحلب فية ثجا، اي: كان لبن الشاه يسيل من ضرعها كالتى امتلات لبنا و سمنا. حتي علاة البهاء، اي: بريق رغوه اللبن بعد امتلاء الاناء. و اصل البهاء الحسن و النضارة. و يروى: حتي علاة الثمال. و الثمال: جمع ثمالة، و هى رغوه الحليب. بعدها سقاها حتي رويت، و سقي اصحابة حتي رووا، بعدها شرب اخرهم، بعدها اراضوا عللا بعد نهل، اي: ارتووا من الشرب مره بعد مرة. فالنهل الشرب الاول، و العلل الثاني. بعدها حلب فية ثانيا بعد بدء، بعد اي: بعد الحلبه الاولى. حتي ملا الاناء بعدها غادرة اي: تركه. عندها، بعدها بايعها، و ارتحلوا عنها. فقلما لبثت حتي جاء زوجها ابو معبد، يسوق اعنزا عجافا، تشاركن هزلا تشاركن هزلا: شملهن الهزال، فكانهن اشتركن فيه. و يروى: تساوكن هزلا. اي: يمشين مشيا ضعيفا. و التساوك هو التمايل من الضعف و الهزال. و روى ايضا: يتتاركن هزلا. اي: يترك بعضهن بعضا، و من شده ما هى فية من الضعف تتخلف بعضهن عن بعض. و فروايه اخرى: تساوقن هزلا. اي: يسوق بعضها بعضا، و يتاخر عنه. ضحا مخهن قليل، قال ابو موسي الحافظ الاصفهاني: هذة اللفظه كانت تنبو عن قلبي، فان و قوعها بين صفات الغنم بعيد، و كان يغلب علي ظنى انه تصحيف، و من الرواه من اسقطها من الحديث، حتي و جدت الحافظ ابا احمد العسال رواة فمعجمة باسناده، فقال: يتتاركن هزلا مخاخهن قليل. و لا اظن الصحيح الا كما رواه. و المخاخ جمع المخ، كالحباب فالحب، فيصبح ربما صحفت “مخا” بضحا، و يدل علية انه مكتوب فاكثر النسخ بالالف. و مما يبطل ضحا انهم كانوا عندها فالقائلة، يقول الهاتف: رفيقين قالا خيمتى ام معبد. و زوجها انما جاء بعد مسيرهم، فكيف يصبح مجيئة ضحا؟! فلما ان راي ابو معبد اللبن عجب، و قال: من اين لك ذلك اللبن يا ام معبد، و الشاه عازب اي: بعيد. حيال حيال: جمع حائل، و هى الشاه التي لم تحمل، فلا يصبح فيها لبن. و روى حيل. حيل: جمع حائل ايضا. و لا حلوب؟! الحلوب: الشاه التي تحلب. و روي: و لا حلوبه فالبيت. فقالت: لا و الله، الا انه مر بنا رجل مبارك، من حالة هكذا و كذا، فقال ابو معبد: صفية لى يا ام معبد. فقالت: رايت رجلا ظاهر الوضاءة، اي: الحسن و الجمال. متبلج الوجه، الابلج الوجة و المتبلج: الحسن المشرق المضيء. و لم ترد بة بلج الحواجب اي: البياض بين الحاجبين؛ لانها و صفتة بانة اقرن. حسن الخلق، لم تعبة ثجلة، الثجلة: عظم البطن مع استرخاء اسفله. و فروايه بالنون و الحاء المهمله (نحلة)، النحول: الدقه و ضعف التركيب. بيد انهم لم يستخدموا النحله بمعني النحول. و فروايه اخرى: (لم تعله) بدلا من (لم تعبه). اي: لم تغلب علية حتي عرف بها. و لم تزر الازراء: التهاون بالشيء و الاحتقار له. بة صقلة، الصقلة: طول الصقل، و هو الخصر و منقطع الاضلاع من الخاصرة. و قيل: ضمرة و قله لحمه، من قولهم: صقلت الناقه اذا اضمرتها بالسير. و يروي سقله بالسين المهملة، و هما بنفس المعنى، علي ابدال الصاد سينا؛ لاجل القاف. و فروايه اخرى: صعلة، الصعلة: صغر الراس. و ربما تكون الصعله الدقه فالبدن و النحول. و المعني انه ليس بعظيم البطن، و لا منتفخ الخصر، و لا ضامرة جدا، و لا صغير الراس، فلا عيب فصفه من صفاته، و لا ينسب الية عيب صلي الله علية و سلم. و سيما قسيما، الوسيم القسيم: الحسن القسمه و هو الوجه. و قيل: هو من القسام، اي: الجمال. و رجل مقسم الوجة و قسيم الوجه، كان جميع موضع فية ربما اخذ من الحسن و الجمال قسما، فهو كلة جميل، لم يكن فية ما يستقبح. فعينية دعج، الدعج: شده سواد حدقه العين مع اتساعها. و فاشفارة الاشفار: حروف الاجفان التي ينبت عليها شعر الحاجبين. غطف، الغطف: يروي بالغين و يريد بة الطول، و اصلة من الغطف و هو: سعه العيش. و يروي بالعين المهمله (عطف): و هو انعطاف شعر الاجفان لطولها. و يروي بالواو: (وطف): و هو كثره شعر العين و استرخائه، فاشتركت الروايات الثلاث فطول شعر الاجفان. و المشهور من هذة الروايات، روايه الغين المعجمة، و ارادت بالاشفار شعر الاشفار. و فصوتة صحل، الصحل: صوت فية بحه و غلظ، لا يبلغ ان يصبح جشة، و هو يستحسن؛ لخلوة من الحده المؤذيه للسمع. و يروى: صهل بالهاء، من الصهيل، و هو صوت الفرس، و عندما يصهل بشده و قوة. و فعنقة سطع، السطع: طول العنق، و اصلة من سطوع النار، بمعني ارتفاع لهيبها. و فلحيتة كثافة، الكثافه فالشعر: اجتماعة و التفافة و كثرته. و يروى: كثاثة. الكثافه و الكثاثه بمعني و احد. ازج اقرن، الازج: المتقوس الحاجبين فطول و امتداد. و الاقرن: المتصل راسى حاجبيه. ان صمت فعلية الوقار، الوقار: الرزانه و الحلم و الهيبة. و ان تكلم سما و علاة البهاء، احلى الناس و ابهاة من بعيد، و احسنة و احلاة من قريب، حلو المنطق، فصل، الفصل: البين الظاهر، الذي يفصل بين الحق و الباطل. لا نزر و لا هذر، كان منطقة خرزات الخرز: حبات تنظم فعقد تضعة المراه فرقبتها لتتزين به. نظم يتحدرن، ربعة، الربعه من الرجال: ما بين الطويل و القصير. و كان ميلة الي جانب الطول اكثر من ميلة الي جانب القصر، فلم يكن فحد الربعه غير متجاوز له، فجعل هذا القدر من تجاوز حد الربعه عدم الياس من بعض الطول. و يروى: لا يائس من طول بمعني ايس، و هو فاعل بمعني مفعول؛ اي: ميؤوس منه؛ لافراط طوله. و يروى: لا بائن من طول. اي: لا يجاوز الناس طولا. و فرواية: لا تشنؤة من طول. اي: لا يبغض لفرط طوله، و منة جاءت روايه من روى: لا يتشني من طول. لا ياس من طول، و لا تقتحمة عين من قصر، اي: لا تحتقرة العيون لقصرة فتتركة و تجاوزة الي غيره، بل تقبلة و تقف عنده. غصن بين غصنين، فهو انضر الثلاثه منظرا، انضر الثلاثه منظرا اي: احسنهم و ابهاهم، من النضارة؛ اي: الحسن و النعمة. و الثلاثة: هم رسول الله صلي الله علية و سلم، و ابو بكر رضى الله عنه، و عامر بن فهيرة. و احسنهم قدرا، له رفقاء يحفون به، حف به: استدار حولة و احدق به. ان قال انصتوا لقوله، و ان امر تبادروا لامره، محفود محشود، المحفود: المخدوم. و المحشود: الذي يجتمع الناس حوله. اي: كان اصحابة يحيطون به، و يجتمعون علي خدمته. و يروي بالسين المهملة. من الحسد. فان صح، فمن اولي ان يحسد ممن تكاملت فية كهذة الاخلاق! لا عابس و لا مفند. العابس: الكالح الوجة المقطب. و المفند: المنسوب الي الجهل و قله العقل، من الفند اي: الخرف. قال ابو معبد: هو – و الله – صاحب قريش الذي ذكر لنا من امرة ما ذكر بمكة، و لقد هممت ان اصحبه، و لافعلن ان و جدت الي هذا سبيلا.

قال: فاصبح صوت بمكه عاليا يسمعون الصوت، و لا يدرون من صاحبه، و هو يقول:


جزي الله رب الناس خير جزائة رفيقين قالا قالا: من القيلولة، و هو النزول فالقائله عند شده الحر؛ للاستراحه و النوم و غير ذلك. خيمتى ام معبد:


هما نزلاها بالهدي و اهتدت به


فقد فاز من امسي رفيق محمد


فيا لقصى ما زوي الله عنكم


بة من فعال لا يجازي و سؤدد


ليهن بنى كعب مقام فتاتهم


و مقعدها للمؤمنين بمرصد


سلوا اختكم عن شاتها و انائها


فانكمو ان تسالوا الشاه تشهد


دعاها بشاه حائل فتحلبت


له بصريح ضره الشاه مزبد


فغادرها رهنا لديها لحالب


يرددها فمصدر بعدها مورد

وزاد فرواية:


فما حملت من ناقه فوق رحلها


ابر و اوفي ذمه من محمد


و اكسي لبرد الخال قبل ابتذاله


و اعطي براس السابح المتجرد

 

  • الثوب يا ام معبد
  • النحو والبلاغة في وصف ام معبد
  • بلأغه أم معبد
  • شكل الرسول كما وصفتة ام معبد
  • وصف ام معبد للرسول ام بي ثري


وصف ام معبد