صفة النار : النار هي دار الهوان ودار الانتقام من اهل الكفر والعصيان ، وقد
وصفها القران الكريم بانها كالسجن ، محيط بالكافرين ، حصير لهم ، ولها سرادق محيط
بها ، وانها مؤصدة في عمد ممددة ، وفيها ظل ذو ثلاث شعب ، لكنه
غير ظليل ، ولا يقي من شدة فورانها وتصاعد لظاها ، وان وقودها الناس والحجارة
، واوارها لا ينقطع ، فكلما خبت ازدادت سعيرا ، وتحرسها ملائكة غلاظ شداد موكلون
بالعذاب ، لا يعصون الله ما امرهم ، ويفعلون ما يؤمرون ، ولها سبعة ابواب
، لكل باب منهم جزء مقسوم (١).
وعن امير المؤمنين عليه السلام : « ان جهنم لها سبعة ابواب اطباق بعضها فوق
بعض … فاسفلها جهنم ، وفوقها لظى ، وفوقها الحطمة ، وفوقها سقر ، وفوقها
الجحيم ، وفوقها السعير ، وفوقها الهاوية ».
وفي رواية : « اسفلها الهاوية ، واعلاها جهنم » (٢).
وقال عليه السلام في وصفها : « فاحذروا نارا قعرها بعيد ، وحرها شديد ،
وعذابها جديد ، دار ليس فيها رحمة ، ولا تسمع فيها دعوة ، ولا تفرج
فيها كربه » (3).
اهل النار : ( اولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة فما اصبرهم على النار
) (4).
جاء في الايات الكريمة ان النار اعدت للذين كفروا وصدوا عن سبيل الله وماتوا وهم
كفار ، والمشركين الذين جعلوا مع الله الها اخر ، والمنافقين ، والمتكبرين ، والظالمين
، والطاغين ، والمكذبين الله سبحانه ورسله ، ومن يعصي الله ورسوله ، ويتولى عن
طاعته ، ويتعدى حدوده ، ويستكبر عن عبادته ، ويصد عن سبيله ، ويعرض عن
ذكره ، ولا يرجو لقاءه ، والمكذبين بيوم الدين ، والذين رضوا بالحياة الدنيا وزينتها
واطمانوا بها واثروها على الاخرة ، ومن كسب سيئة واحاطت به خطيئته ، ومن يرتد
عن دينه ويموت كافرا ، والذين ياكلون اموال الناس بالباطل ، او ياكلون اموال اليتامى
ظلما ، ومن يقتل مؤمنا متعمدا ، والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل
الله ، وائمة الجور والضلال ، وتاركي الصلاة (5).
قال امير المؤمنين عليه السلام : « اني سمعت رسول الله صلى الله عليه واله
وسلم يقول : يؤتى يوم القيامة بالامام الجائر وليس معه نصير ولا عاذر ، فيلقى
في نار جهنم ، فيدور فيها كما تدور الرحى ، ثم يربط في قعرها »
(6).
وعنه عليه السلام وهو يعظ اصحابه : « تعاهدوا امر الصلاة ، وحافظوا عليها ،
واستكثروا منها ، وتقربوا بها ، فانها كانت على المؤمنين كتابا موقوتا ، الا تسمعون
الى جواب اهل النار حين سئلوا : ( ما سلككم في سقر * قالوا لم نك
من المصلين ) (7) ؟ ! ».
الخالدون فيها : لا يخلد في النار الا اهل الكفر والشرك ، واما المذنبون من
اهل التوحيد ، فانهم يخرجون منها بالرحمة التي تدركهم والشفاعة التي تنالهم (8).
قال الامام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام : « لا يخلد في النار الا
اهل الكفر والجحود ، واهل الضلال والشرك » (9).
عذاب النار : يتعرض اهل النار لاصناف من العذاب الحسي والروحي ، وقد وصف الله
تعالى عذابها بالمهين والغليظ والاليم والعظيم والشديد ، فحينما يساق المجرمون الى جهنم زمرا وجماعات
، تتلقاهم ملائكة العذاب : ادخلوا ابواب جهنم خالدين فيها ، فبئس مثوى المتكبرين ،
هذا والنار تنتظرهم من مكان بعيد ، فاذا راتهم تغيظت وزفرت وزارت كالاسد اذا راى
فريسته على بعد.
فتفتح لهم الابواب ، ويدعون فيها دعا مع الشياطين وما كانوا يعبدون من دون الله
، فيكونون حصب جنهم ووقود السعير ، واذا القوا فيها سمعوا لها شهيقا وهي تفور
، فتكاد تميز من الغيط ، وتتاجج نارها ، ويتقد اوارها ، ويتطاير شررها ،
ويتعالى لهيبها ، وهم غرقى فيها ، طعامهم منها ، وشرابهم منها ، ولباسهم منها
، وهي مهادهم وسقفهم ، يلتحفون حممها ، ويفترشون لظاها ، ويتقلقلون بين اطباقها ،
فيغشاهم العذاب من فوقهم ومن تحت ارجلهم ، في مقطعات النيران وسرابيل القطران ، فتكوي
جباههم ، وتلفح وجوههم وتتقلب في النار ، فتسود وجوههم ، وينتزع الشوى من رؤوسهم.
وهم خالدون في عذاب مقيم ، وياتيهم الموت من كل مكان وما هم بميتين ،
فلا يقضى عليهم فيموتوا ، ولا يخفف عنهم من عذابها ، ولا هم ينظرون ،
وكلما نضجت جلودهم بدلت باخرى ليتجدد عذابهم ، وكلما ارادوا ان يخرجوا منها من غم
اعيدوا فيها ، وقيل لهم : ذوقوا عذاب الحريق.
هذا وهم مقرنون بالاغلال والسلاسل في الاعناق ، مصفدون في مكان ضيق ، ثم يسحبون
في الحميم على وجوههم ، ويؤخذون بالنواصي والاقدام ، ثم في النار يسجرون ، وتهشم
جباههم بمقامع الحديد ، وينتظرهم عذاب السموم وشجر الزقوم والحميم الذي يصب من فوق رؤوسهم
، فيصهر ما في بطونهم والجلود.
وان استغاثوا من شدة العطش ، يغاثوا بماء صديد يتجرعونه ولا يكادون يستسيغونه ، او
بماء الحميم فيقطع امعاءهم ، او بماء كالمهل يشوي الوجوه ويغلي في البطون كغلي الحميم
، فلا يذوقون بردا ولا شرابا الا حميما وغساقا ، وهم مع ذلك يشربون منهما
شرب الهيم.
وان استطعموا من شدة الجوع ، اطعموا غذاء ذا غصة من الغسلين والزقوم ، وهي
شجرة تخرج في اصل الجحيم ، طلعها كانه رؤوس الشياطين ، وهم مع ذلك لاكلون
منها ، فمالئون منها البطون ، فشاربون عليه من الحميم.
ولهم من هول العذاب اصطراخ بين اطباقها ، وهي تغلي بهم غلي المراجل ، فيتعالى
زفيرهم وبكاؤهم وعويلهم وتخاصمهم ، وهتافهم بالويل والثبور ، ولكن لا يسمعون (10).
وقال امير المؤمنين عليه السلام فيوصف عذابها : « اما اهل المعصية فانزلهم شر دار
، وغل الايدي الى الاعناق ، وقرن النواصي بالاقدام ، والبسهم سرابيل القطران ، ومقطعات
النيران ، في عذاب قد اشتد حره ، وباب قد اطبق على اهله ، في
نار لها كلب ولجب ، ولهب ساطع ، وقصيف هائل ، لا يظعن مقيمها ،
ولا يفادى اسيرها ، ولا تفصم كبولها ، لا مدة للدار فتفنى ، ولا اجل
للقوم فيقضى » (11).
عذابها الروحي : وله صور عديدة يعرضها القران الكريم ، منها الشعور بالخسران والندامة والخزي
والخوف والرهبة ، فينادي الظالمون بالحسرة ، حسرة فوت الجنة ونعيمها ، وفوت لقاء الله
ورضوانه ، وينتابهم الياس من الرحمة والمغفرة ، ويصيبهم الذل والصغار حين يعرضون على النار
خاشعين من الذل ينظرون من طرف خفي (12).
وحينما يعرضون على النار ويرون عذابها تتقطع انفسهم حسرات من شدة الندم ، فيظهرون البراءة
من كبرائهم وساداتهم ، وتتوارد عليهم الاماني ، فيقولون : ( يا ليتنا اطعنا الله
واطعنا الرسولا ) (13) ، وكل منهم يقول : ( يا ليتني قدمت لحياتي )
(14) و ( يا ويلتى ليتني لم اتخذ فلانا خليلا ) (15) وانى لهم الندم
وهم في محضر اليوم العسير ؟!
ويضجون حسرة على ما فرطوا في الدنيا ، فيطلبون العودة اليها ، ليعملوا صالحا ويكونوا
من المؤمنين ، ويتعالى هتافهم : ( فلو ان لنا كرة فنكون من المؤمنين )
(16) ويصرخون : ( ربنا اخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل ) (17).
وتلك الاماني لا تعدو كونها سرابا بقيعة ، لانهم في عالم الجزاء ، عالم لا
تنفع فيه الطاعة والانابة واظهار الندم ، ولو كانوا صادقين لانابوا وتابوا وهم في دار
التكليف والعمل ( ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وانهم لكاذبون ) (18).
ومن هنا ياتيهم الجواب : ( فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون ) (19) ويقال لهم
: ( اخسئوا فيها ولا تكلمون ) (20) وهو مما يزيد من حسرة نفوسهم وشعورهم
بالخذلان والخيبة والياس من الرحمة والمغفرة ، فيصلون جهنم مذمومين مدحورين ملومين.
ومما يحز في نفوسهم هو تبكيت الملائكة وتقريعهم لهم بمجرد ان يدخلوا النار ، قال
تعالى : ( كلما القي فيها فوج سالهم خزنتها الم ياتكم نذير ) وهم يجيبون
بالاقرار والاعتراف : ( بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء
ان انتم الا في ضلال كبير * وقالوا لو كنا نسمع او نعقل ما كنا
في اصحاب السعير * فاعترفوا بذنبهم فسحقا لاصحاب السعير ) (21).
وحينما يستسلمون للياس يقولون لخازن النار : ( يا مالك ليقض علينا ربك ) فيقول
لهم : ( انكم ماكثون ) (22).
اعاذنا الله جميعا من شر الجحيم ومن اهوال يوم القيامة ، ورزقنا رحمته التي وسعت
كل شيء وشفاعة نبيه المصطفى واله الاطهار صلوات الله عليهم اجمعين.
الهوامش
1. راجع : سورة البقرة : ٢ / ٢٤ ، سورة التوبة : ٩ /
٤٩ ، سورة الحجر : ١٥ / ٤٣ ٤٤ ، سورة الاسراء : ١٧ /
٨ و٩٧ ، سورة الكهف : ١٨ / ٢٩ ، سورة التحريم : ٦٦ /
٦ ، سورة المرسلات : ٧٧ / ٣٠ ٣١ ، سورة الهمزة : ١٠٤ /
٨ ٩.2. مجمع البيان / الطبرسي ٦ : ٥١٩.
3. نهج البلاغة / صبحي الصالح : ٣٨٤ الكتاب (٢٧).
4. سورة البقرة : ٢ / ١٧٥.
5. راجع سورة البقرة : ٢ / ٨١ و ٨٦ و ١٦١ ١٦٢ و ٢١٧
، سورة النساء : ٤ / ١٠ و ١٤ و ٥٦ و ٩٣ و ١٤٥
، سورة التوبة : ٩ / ٣٤ و ٦٣ ، سورة يونس : ١٠ /
٧ ٨ و ٥٢ ، سورة هود : ١١ / ١٥ ١٦ ، سورة النحل
: ١٦ / ٨٥ ، سورة الكهف : ١٨ / ١٠٢ ١٠٦ ، سورة طه
: ٢٠ / ٧٤ و ١٢٤ ١٢٧ ، سورة الفرقان : ٢٥ / ١١ ،
سورة السجدة : ٣٢ / ١٢ ١٤ ، سورة الزمر : ٣٩ / ٦٠ ،
و ٧١ ٧٢ ، سورة غافر : ٤٠ / ٦٠ و ٧٠ ٧٢ ، سورة
ق : ٥٠ / ٢٤ ٢٦ ، سورة الجن : ٧٢ / ١٧ و ٢٣
، سورة المدثر : ٧٤ / ٤١ ٤٦ ، سورة النازعات : ٧٩ / ٣٧
٣٩.
6. نهج البلاغة / صبحي الصالح : ٢٣٥ الخطبة (١٦٤).
7. نهج البلاغة / صبحي الصالح : ٣١٦ الخطبة (١٩٩) والاية من سورة المدثر :
٧٤ / ٤٢.
8. الاعتقادات / الصدوق : ٧٧.
9. التوحيد / الصدوق : ٤٠٧ / ٦. جماعة المدرسين قم.
10. راجع : سورة البقرة : ٢ / ٩٠ و ١٠٤ و ١١٤ و ١٦٢
، سورة النساء : ٤ / ٥٦ ، سورة الانعام : ٦ / ٧٠ ،
سورة الاعراف : ٧ / ٤١ ، سورة ابراهيم : ١٤ / ١٦ ١٧ و
٤٩ ٥٠ ، سورة الكهف : ١٨ / ٢٩ ، سورة طه : ٢٠ /
٧٤ ، سورة الانبياء : ٢١ / ٩٨ ١٠٠ ، سورة الحج : ٢٢ /
١٩ ٢٢ ، سورة المؤمنون : ٢٣ / ١٠٤ ، سورة الفرقان : ٢٥ /
١٢ ١٤ ، سورة العنكبوت : ٢٩ / ٥٤ ٥٥ ، سورة الاحزاب : ٣٣
/ ٦٤ ٦٨ ، سورة فاطر : ٣٥ / ٣٦ ٣٧ ، سورة الصافات :
٣٧ / ٦٢ ٦٨ ، سورة ص : ٣٨ / ٥٥ ٦٤ ، سورة الزمر
: ٣٩ / ٧١ ، سورة غافر : ٤٠ / ٧٠ ٧٦ ، سورة الدخان
: ٤٤ / ٤٣ ٥٠ ، سورة محمد : ٤٧ / ١٥ ، سورة الطور
: ٥٢ / ١٣ ١٦ ، سورة القمر : ٥٤ / ٤٧ ٤٨ ، سورة
الرحمن : ٥٥ / ٤١ ٤٤ ، سورة الواقعة : ٥٦ / ٤١ ٤٤ و
٥١ ٥٦ ، سورة الملك : ٦٧ / ٥ ١١ ، سورة الحاقة : ٦٩
/ ٣١ ٣٧ ، سورة المزمل : ٧٣ / ١٢ ١٣ ، سورة الدهر :
٧٦ / ٤ ، سورة المرسلات ٧٧ / ٣٠ ٣٣ ، سورة النبا : ٧٨
/ ٢١ ٣٠ ، سورة الليل : ٩٢ / ١٤ ١٦ ، سورة الهمزة :
١٠٤ / ٤ ٩.
11. نهج البلاغة / صبحي الصالح : ١٦٢ الخطبة (١٠٩).
12. راجع : سورة البقرة : ٢ / ١٦١ و ١٦٦ ١٦٧ ، سورة الانعام
: ٦ / ٢٧ ٣١ و ١٢٤ ، سورة الاعراف : ٧ / ٥٣ ،
سورة ابراهيم : ١٤ / ٤٤ ، سورة الاسراء : ١٧ / ١٨ و ٣٩
، سورة المؤمنون : ٢٣ / ١٠٣ ١٠٨ ، سورة الشعراء : ٢٦ / ٩٥
١٠٢ ، سورة العنكبوت : ٢٩ / ٢٣ ، سورة الاحزاب : ٣٣ / ٦٦
٦٨ ، سورة سبا : ٣٤ / ٣٣ ، سورة فاطر : ٣٥ / ٣٦
٣٧ ، سورة الزمر : ٣٩ / ٧١ ، سورة غافر : ٤٠ / ٧٣
٧٦ ، سورة الشورى : ٤٢ / ٤٥ ، سورة الزخرف : ٤٣ / ٧٧
، سورة الملك : ٦٧ / ١٥ ، سورة المطففين : ٨٣ / ١٥ ١٧.
13. سورة الاحزاب : ٣٣ / ٦٦.
14. سورة الفجر : ٨٩ / ٢٤.
15. سورة الفرقان : ٢٥ / ٢٨.
16. سورة الشعراء : ٢٦ / ١٠٢.
17. سورة فاطر : ٣٥ / ٣٧.
18. سورة الانعام : ٦ / ٢٨.
19. سورة الانعام : ٦ / ٣٠.
20. سورة المؤمنون : ٢٣ / ١٠٨.
21. سورة التحريم : ٦٧ / ٨ ١١.
22. سورة الزخرف : ٤٣ / ٧٧. بالنظر لكون اغلب مضامين المبحث الاخير المتعلق بوصف
الجنة والنار ، قد استوحيناها من القران الكريم ، لذا نحيل الى مصادر الحديث لمن
اراد الاطلاع على مضامينه التي توسعت في وصف نعيم الجنة وعذاب النار ، فراجع :
بحار الانوار / المجلسي ٨ : ١١٦ ٢٢٢ ، و ٣٨٠ ٣٢٩ ، احياء علوم
الدين / الغزالي ٥ : ٣٨٥ ٣٩٢ و ٣٧٤ ٣٨١.
- نارجهنم
- نيران حرفm