مواضيع للرجال للنساء

قصة نابليون بونابرت

قصة نابليون بونابرت 20160818 3255 1

قصة نابليون بونابرت 20160818 3255

نابليون الاول

قصة نابليون بونابرت 20160818 379
نابليون الاول
Napoléon Premier
قصة نابليون بونابرت 20160818 3256
امبراطور الفرنسيين
فترة الحكم18 مايو 1804 – 11 ابريل 1814
20 مارس 1815 – 22 يونيو 1815
تاريخ التتويج2 ديسمبر 1804
الحاكم السابقالقناصلة الفرنسيون
تقلد هو بنفسه منصب القنصل الاول في الجمهورية الفرنسية الاولى.اما الحاكم الفرد السابق فكان لويس السادس عشر بوصفه ملكا على فرنسا (1791–1792)
الحاكم اللاحقلويس الثامن عشر (بحكم القانون سنة 1814؛ وبوصفه ملكا شرعيا سنة 1815)
نابليون الثاني (بناء على وصية والده سنة 1815)
ملك ايطاليا
فترة الحكم17 مارس 1805 – 11 ابريل 1814
تاريخ التتويج26 مايو 1805
الحاكم السابقهو نفسهبصفته رئيس الجمهورية الايطالية
اما الملك السابق فكان كارلوس الخامس، امبراطور الامبراطورية الرومانية المقدسة، المتوج في بولونيا سنة 1530.
الحاكم اللاحقتم حل المملكة ونصب فرديناندو الثاني على عرش الامبراطورية الرومانية المقدسة وڤيكتور عمانوئيل الثاني على
عرش ايطاليا
الزوج(ة)جوزيفين ال بوارنيه
ماري لويز ارشيدوقة بارما
الذريةنابليون الثاني
الاسم الكاملنابوليون كارلو بونابرت
العائلة الملكيةال بونابرت
الابكارلو بونابرت
الاميتيسيا رامولينو
تاريخ الولادة15 اغسطس 1769
مكان الولادةاجاكسيو، كورسيكا،قصة نابليون بونابرت 20160818 380المملكة الفرنسية
تاريخ الوفاة5 مايو 1821 (51 عاما)
مكان الوفاةلونگوود، جزيرة القديسة هيلانة،قصة نابليون بونابرت 20160818 381الامبراطورية البريطانية
مكان الدفنمجمع المقام الوطني للمعوقين، باريس، فرنسا
الديانةمسيحي روماني كاثوليكي
التوقيعقصة نابليون بونابرت 20160818 382
تعديل قصة نابليون بونابرت 20160818 383

نابليون بونابرت الاول (بالفرنسية: Napoléon Bonaparte I؛ وبالايطالية: Napoleone di Buonaparte) هو قائد عسكري وحاكم
فرنسا وملك ايطاليا وامبراطور الفرنسيين، عاش خلال اواخر القرن الثامن عشر وحتى اوائل عقد العشرينيات
من القرن التاسع عشر. حكم فرنسا في اواخر القرن الثامن عشر بصفته قنصلا عاما، ثم
بصفته امبراطورا في العقد الاول من القرن التاسع عشر، حيث كان لاعماله وتنظيماته تاثيرا كبيرا
على السياسة الاوروبية.

ولد نابليون في جزيرة كورسيكا لابوين ينتميان لطبقة ارستقراطية تعود بجذورها الى احدى عائلات ايطاليا
القديمة النبيلة. الحقه والده “كارلو بونابرت”، المعروف عند الفرنسيين باسم “شارل بونابرت” بمدرسة بريان العسكرية.
ثم التحق بعد ذلك بمدرسة سان سير العسكرية الشهيرة، وفي المدرستين اظهر تفوقا باهرا على
رفاقه، ليس فقط في العلوم العسكرية وانما ايضا في الاداب والتاريخ والجغرافيا. وخلال دراسته اطلع
على روائع كتاب القرن الثامن عشر في فرنسا وجلهم، حيث كانوا من اصحاب ودعاة المبادئ
الحرة. فقد عرف عن كثب مؤلفات فولتير ومونتسكيو وروسو، الذي كان اكثرهم اثرا في تفكير
الضابط الشاب.

انهى دروسه الحربية وتخرج في سنة 1785م وعين برتبة ملازم اول في سلاح المدفعية التابع
للجيش الفرنسي الملكي. وفي سنة 1795 اعطي له فرصة الظهور، ليظهر براعته لاول مرة في
باريس نفسها حين ساهم في تعضيد حكومة الادارة وفي القضاء على المظاهرات التي قام بها
الملكيون، تساعدهم العناصر المحافظة والرجعية. ثم عاد في سنة 1797 ودعم هذه الحكومة ضد توجه
ان تكون فرنسا ملكية دستورية فبات منذ هذا التاريخ السند الفعلي لها ولدستور سنة 1795.
بزغ نجم بونابرت خلال عهد الجمهورية الفرنسية الاولى، عندما عهدت اليه حكومة الادارة بقيادة حملتين
عسكريتين موجهتين ضد ائتلاف الدول المنقضة على فرنسا. وفي سنة 1799، قام بعزل حكومة الادارة
وانشا بدلا منها حكومة مؤلفة من 3 قناصل، وتقلد هو بنفسه منصب القنصل الاول؛ ثم
سعى في اعلان نفسه امبراطورا وتم له هذا بعد 5 سنوات باعلان من مجلس الشيوخ
الفرنسي. خاضت الامبراطورية الفرنسية نزاعات عدة خلال العقد الاول من القرن التاسع عشر، عرفت باسم
الحروب النابليونية، ودخلت فيها جميع القوى العظمى في اوروبا. احرزت فرنسا انتصارات باهرة في ذلك
العهد، على جميع الدول التي قاتلتها، وجعلت لنفسها مركزا رئيسيا في اوروبا القارية، ومدت اصابعها
في شؤون جميع الدول الاوروبية تقريبا، حيث قام بونابرت بتوسيع نطاق التدخل الفرنسي في المسائل
السياسية الاوروبية عن طريق خلق تحالفات مع بعض الدول، وتنصيب بعض اقاربه واصدقائه على عروش
الدول الاخرى.

شكل الغزو الفرنسي لروسيا سنة 1812م نقطة تحول في حظوظ بونابرت، حيث اصيب الجيش الفرنسي
خلال الحملة باضرار وخسائر بشرية ومادية جسيمة، لم تمكن نابليون من النهوض به مرة اخرى
بعد ذلك. وفي سنة 1813، هزمت قوات الائتلاف السادس الجيش الفرنسي في معركة الامم؛ وفي
السنة اللاحقة اجتاحت هذه القوات فرنسا ودخلت العاصمة باريس، واجبرت نابليون على التنازل عن العرش،
ونفوه الى جزيرة البا. هرب بونابرت من منفاه بعد اقل من سنة، وعاد ليتربع على
عرش فرنسا، وحاول مقاومة الحلفاء واستعادة مجده السابق، لكنهم هزموه شر هزيمة في معركة واترلو
خلال شهر يونيو من عام 1815م. استسلم بونابرت بعد ذلك للبريطانيين، الذين نفوه الى جزيرة
القديسة هيلانة، المستعمرة البريطانية، حيث امضى السنوات الست الاخيرة من حياته. اظهر تشريح جثة نابليون
ان وفاته جاءت كنتيجة لاصابته بسرطان المعدة، على الرغم من ان كثيرا من العلماء يقولون
بان الوفاة جاءت بسبب التسمم بالزرنيخ.

تدرس حملات نابليون العسكرية في العديد من المدارس الحربية حول العالم، وعلى الرغم من ان
الاراء منقسمة حوله، حيث يراه معارضوه طاغية جبارا اعاد الحكومة لامبراطورية ووزع المناصب والالقاب على
اسرته ودخل مغامرات عسكرية دمرت الجيش، فان محبيه يرونه رجل دولة وراعيا للحضارة، اذ ينسب
اليه القانون المدني الفرنسي، المعروف باسم قانون نابليون، الذي وضع الاسس الادارية والقضائية لمعظم دول
اوروبا الغربية، والدول التي خضعت للاستعمار والانتداب الفرنسي في العصور اللاحقة.

نشاته وتعليمه

ولد نابليون في قصر ال بونابرت في بلدة اجاكسيو الواقعة بجزيرة كورسيكا، بتاريخ 15 اغسطس
سنة 1769، اي بعد عام من انتقال ملكية الجزيرة من جمهورية جنوة، الى فرنسا.[1] وهو
الولد الثاني لابويه من اصل 8 اولاد. اطلق عليه والده اسم “نابليوني دي بونابرته” (بالايطالية:
Napoleone di Buonaparte) بادئ الامر، تيمنا بعمه الذي قتل وهو يقاتل الفرنسيين دفاعا عن بلاده،[2] الا ان
نابليون نفسه فضل لاحقا ان يلفظ اسمه كما يلفظ بالفرنسية، اي ناپوليون بوناپغت – Napoléon
Bonaparte وهذا ما جرت عليه العادة بين الناس. كذلك، كان اسمه يلفظ “نابوليون” باللغة الكورسية.[3]

قصة نابليون بونابرت 20160818 3257
“كارلو بونابرت”، المعروف ايضا باسم “شارل بونابرت”، والد نابليون الاول، وممثل كورسيكا في بلاط الملك
“لويس السادس عشر”.

تتحدر اسرة بونابرت من جذور ايطالية نبيلة، وقد قدم افرادها كورسيكا من منطقة ليگوريا في
شبه الجزيرة الايطالية خلال القرن السادس عشر.[4] كان والد نابليون، واسمه “كارلو بونابرت”، يعمل محاميا،
وقد عين لاحقا ممثلا لكورسيكا في بلاط الملك “لويس السادس عشر” في سنة 1777. تعتبر
والدة بونابرت، “ماريا يتيسيا رامولينو”، الشخص الذي كان له اكبر تاثير على تكوين شخصيته، اذ
يعرف عنها انها كانت صارمة وشديدة الحزم، بينما كان نابليون صبيا جامحا،[5] فكانت والدته غالبا
ما تقيد تصرفاته وتفرض عليه ما ينبغي ان يقوم به وما يجب ان ينتهي عنه،
مما دفع البعض الى القول ان تربيته المنزلية بحد ذاتها كانت “تربية عسكرية”. كان لنابليون
شقيق اكبر منه سنا هو “جوزيف”؛ و6 اخوة واخوات اصغر منه سنا، هم: “لوسيان”، “اليسا”،
“لويس”، “پولين”، “كارولين”، و”جيروم”. عمد نابليون في كاتدرائية اجاكسيو في 21 اغسطس سنة 1771، اي
بعد ان بلغ عامه الثاني.[6]

سمحت جذور اسرة بونابرت النبيلة، اضافة الى يسار افرادها ومعرفتهم الشخصية بذوي المناصب السياسية العليا،
سمحت لنابليون ان يخوض غمار ميدان العلم والثقافة بشكل لم يكن متاحا لاي شخص كورسيكي
عادي في ذلك الزمن.[7] ففي شهر يناير من عام 1779، الحق نابليون بمدرسة للاهوت واقعة
في مدينة “اوتون” على البر الرئيسي الفرنسي، حيث تعلم اللغة الفرنسية، وفي شهر مايو من
نفس السنة، الحقه والده بمدرسة بريان العسكرية لاعداد البحارة.[8] تكلم نابليون الفرنسية بلهجة كورسية واضحة،
واستمر يلفظ الكلمات الفرنسية بهذه الطريقة طيلة حياته، ولم ينطق باللفظ الفرنسي الصحيح على الاطلاق.[9]
تعرض نابليون للمضايقة والاستهزاء من قبل زملائه الفرنسيين في المدرسة، بسبب لهجته التي راوها غريبة،
ولهذا السبب تفادى الاختلاط معهم وانشاء صداقات متينة، وكرس كامل وقته للدراسة.[10][11][معلومة 1] قال احد
اساتذة المدرسة في نابليون انه «دائما ما كان متفوقا على زملائه في الرياضيات، وملم بالتاريخ
والجغرافيا، ان هذا الفتى لسوف يصبح بحارا ممتازا».[12][معلومة 2][13]

الحق نابليون بالمدرسة العسكرية الكبرى (بالفرنسية: École Militaire) في باريس، بعد ان تخرج من مدرسة
بريان سنة 1784؛ وقد ادى هذا الى القضاء على طموحه بان يصبح بحارا، الامر الذي
دفعه بان يفكر بالانضمام الى البحرية الملكية البريطانية.[14] لكنه عاد وعدل عن قراره، ودرس ليصبح
ضابط مدفعية، خصوصا وان والده كان قد توفي في تلك الفترة، الامر الذي قلل من
نسبة المصروف الذي كان يرسل اليه، وادى لتراجع الوضع المادي للاسرة بشكل جعلهم غير قادرين
على التكفل باعباء ومصاريف الدراسة على اكمل وجه كما في السابق، فاضطر نابليون الى انهاء
برنامجه الدراسي، الذي كان يمتد لسنتين في الاصل، خلال سنة واحدة فقط.[11] امتحن نابليون قبل
تخرجه على يد المفتش والعالم الشهير “بيير سيمون لاپلاس”، الذي قام بتعينه لاحقا، بعد وصوله
الى السلطة، في مجلس الشيوخ الفرنسي.[15]

بداياته

قصة نابليون بونابرت 20160818 384
القائد الكورسيكي الوطني، “پاسكال پاولي”، بريشة “ريتشارد كوسواي”.

عين نابليون عند تخرجه في شهر سبتمبر من سنة 1785، ضابطا برتبة ملازم ثان في
فوج المدفعية،[8][معلومة 3][16] وخدم في احدى الحاميات في مدينتي ڤالينس واوكسون الى ما بعد قيام
الثورة الفرنسية سنة 1789، على الرغم من انه حصل خلال هذه الفترة على اجازة عسكرية
دامت سنتين تقريبا، امضاها في التنقل بين باريس وكورسيكا. كان نابليون كورسيا وطنيا متطرفا، وقد
كتب الى القائد الكورسيكي “پاسكال پاولي” في شهر مايو من عام 1789 يقول: «لقد ولدت
في العهد الذي كانت فيه الامة تحتضر. ثلاثون الف فرنسي لفظوا على شواطئنا، واغرقوا عرش
الحرية بامواج من دماء. هذا ما كان عليه ذاك المشهد البغيض الذي كان اول ما
وقعت عليه عيناي».[17]

امضى نابليون السنوات الاولى من الثورة في مسقط راسه بجزيرة كورسيكا، عالقا في مهب الريح
بين التيارات الثلاثة المتصارعة: الملكيون، الثوار، والكورسيكيون الوطنيون. وخلال هذه الفترة انضم الى نادي اليعاقبة،
ورفي الى رتبة مقدم، وتراس كتيبة من المتطوعين لمقاومة الجنود الفرنسيين الموالين للنظام الملكي. استطاع
بونابرت ان يقنع القادة العسكريين في باريس، بعد ان تجاوز فترة الاجازة الممنوحة له وقاد
عصيانا ضد فرقة من الجيش الفرنسي المعسكرة في كورسيكا، ان يرقوه لرتبة نقيب، وذلك في
شهر يوليو من سنة 1792.[18] وبعد ان حصل نابليون على مراده، عاد الى كورسيكا مرة
اخرى، ليقع في نزاع مع القائد الوطني “پاسكال پاولي”، حيث ان الاخير كان قد قرر
الانفصال عن فرنسا، ووضع خطة وهيا العدة لعرقلة المشروع الفرنسي القاضي باقامة حملة على جزيرة
“مادالينا” السردينية، حيث كان بونابرت احد قواد الحملة.[19] اضطر بونابرت ان يهجر الجزيرة وعائلته في
شهر يونيو من عام 1793 الى البر الرئيسي الفرنسي، بسبب انفصال الجزيرة الفعلي عن الدولة
الفرنسية.[20]

حصار مدينة طولون

في شهر يوليو من سنة 1793، قام نابليون بنشر كتيب موال للنظام الجمهوري والدعاة اليه،
يحمل عنوان “العشاء في بوكير” (بالفرنسية: Le Souper de Beaucaire)، فحاز على اعجاب وتقدير “اوغسطين
روبسبير”، وهو الشقيق الاصغر للقائد الثوري “ماكسمليان روبسبير”، فقام بدعم بونابرت في جميع الخطوات اللاحقة
التي اتخذها. كذلك حصل نابليون على دعم السياسي والدبلوماسي الفرنسي ذي الاصول الكورسية، “انطوان كريستوف
ساليسيتي”، فتم تعينه قائدا لكتيبة مدفعية القوات الجمهورية عند حصار مدينة طولون، ذلك ان هذه
المدينة كانت قد ثارت على حكومة الجمهورية، واحتلتها القوات البريطانية، لذا كان لا بد للحكومة
الفرنسية ان تخضعها من جديد لتفرض هيبتها ووجودها الفعلي امام مواطنيها وامام الاوروبيين على حد
سواء.[21] وضع نابليون خطة لاستعادة المدينة المفقودة، مضمونها الاستيلاء على الهضبة التي تكشف على المدينة،
وتمركز الجنود والمدافع عليها وتوجيه نيرانهم نحو المرفا، الامر الذي يجبر البريطانيين على سحب سفنهم.
نفذت هذه الخطة بنجاح باهر، حيث اخذت المدفعية الفرنسية تقصف المرفا والسفن البريطانية الراسية واحواضها،
واطلق الجنود الفرنسيون النار على كل جندي بريطاني واي شخص عاون تلك الجنود، واصيب نابليون
عند الهجوم على المدينة بجراح في فخذه، لكنه قاتل حتى ظفرت الجنود الفرنسية بالنصر، وقد
ادت مهارة بونابرت الكبيرة في قيادة الجند خلال هذا الحصار الى ترقيته لرتبة عميد، وهو
ما زال في الرابعة والعشرين من عمره. لفتت انجازات بونابرت نظر المؤتمر الوطني، الذي كان
يحكم فرنسا منذ الغاء الملكية، فعهد اليه بقيادة شعبة مدفعية الجيش الفرنسي المرابط على حدود
ايطاليا.[22] وفي هذه الفترة خطب نابليون فتاة تدعى “ديزيريه كلاري”، وهي شقيقة “جولي كلاري”، زوجة
اخيه الاكبر “جوزيف” منذ سنة 1794، وكان ال كلاري اسرة من التجار الاثرياء المرسيليين.[23]

الثالث عشر من ڤاندميير

  • Crystal Clear App Kdict-Png طالع ايضا: الثورة الفرنسية
  • لويس السادس عشر
  • الجمهورية الفرنسية الاولى
قصة نابليون بونابرت 20160818 3258
“ماكسمليان روبسبير”، ابرز اعضاء لجنة الامن العام وممثلها ورئيس المؤتمر الوطني، واحد ابرز داعمي نابليون.

بعد اعدام الملك “لويس السادس عشر” في مطلع سنة 1793 بسبب اتهامه بالخيانة العظمى، وجد
المؤتمر الوطني ان حالة البلاد تقتضي وضع السلطة بيد هيئة قليلة العدد تستطيع ان تقرر
وتنفذ بسرعة.[24] لذلك انتخب لجنة من تسعة اعضاء اطلق عليها اسم “لجنة الامن العام” ومنحها
صلاحيات ديكتاتورية واسعة لتحافظ على الامن في الداخل ولترد خطر الغزو من الخارج. وكان اعضاء
هذه اللجنة من المتطرفين المعروفين ايضا بالجبليين، فباشروا حكمهم بالبطش والارهاب، ولما عارضهم المعتدلون طردوهم
من المؤتمر الوطني وسجنوهم ونكلوا بهم. ولما حاول انصار المعتدليين في مناطق ليون ومرسيليا وبوردو
وغيرها ان يثوروا على حكومة الارهاب، اخضع الجيش تلك الثورة بمنتهى القسوة، وتشكلت محاكم خاصة
تدعى “محاكم الثورة” لمحاكمة المتهمين، فقضت تلك المحاكم بالاعدام على عشرين الفا تقريبا من النبلاء
ورجال الدين والزعماء وزعماء الثورة السابقين والعلماء والرجال والنساء البارزين، مثل الملكة “ماري انطوانيت” وغيرها.[24]
وكان بطل عهد الارهاب “ماكسمليان روبسبير”، يعاونه شقيقه “اوغسطين”، واخيرا خشي اعضاء المؤتمر الوطني على
انفسهم من بطش روبسبير وقرروا ان يتخلصوا منه، فدبروا انقلابا ضده وقبضوا عليه وقطعوا راسه
في 28 يوليو سنة 1794.[24] وباعدام روبسبير فقد نابليون احد حماته وداعميه، فقبض عليه وتقرر
وضعه تحت الاقامة الجبرية في شهر اغسطس من سنة 1794 لعلاقته الوثيقة بالاخوين،[معلومة 4][25] وعلى
الرغم من انه اعيد اطلاق سراحه بعد 10 ايام فقط، الا انه لم يسمح له
بالعودة مباشرة الى الخدمة في الجيش، وبقي مدرجا على قائمة المشتبه فيهم.[26] وفي شهر ابريل
من سنة 1795، نقل نابليون الى “جيش الغرب” الذي كان يخوض حربا اهلية في اقليم
ڤونديه الواقع بغرب فرنسا على ساحل المحيط الاطلسي، ضد الموالين للنظام الملكي ومعارضي الثورة. عين
نابليون قائدا عاما لاحدى فرق المشاة، ولما كان ذلك يعتبر انزالا لرتبته العسكرية، فقد ادعى
المرض ليتفادى تعيينه على راس اي فرقة،[27] فتم نقله مرة اخرى الى ديوان الطبوغرافيا التابع
للجنة الامن العام، وقد سعى عبثا ان ينقل الى الاستانة، عاصمة الدولة العثمانية، ليعرض خدماته
على السلطان العثماني.[28] وفي هذه الفترة كتب بونابرت رواية رومانسية عنوانها “كليسون ويوجيني” (بالفرنسية: Clisson
et Eugénie)، وهي تتحدث عن جندي وعشيقته، في تناظر واضح بينها وبين علاقة نابليون بخطيبته
“ديزيريه”.[29] عزل نابليون من منصبه كعميد في 15 سبتمبر، بسبب رفضه المشاركة في الحملة على
اقليم ڤونديه، فساء وضعه المادي عما كان عليه، وضاقت افاق مهنته.[30]

قصة نابليون بونابرت 20160818 3259
يوم 13 ڤاندميير (بالفرنسية: Journée du 13 Vendémiaire)، نيران المدفعية امام كنيسة القديس روش، بشارع
القديس هونور في باريس.

وفي الثالث من اكتوبر، اعلن الملكيون في باريس العصيان على المؤتمر الوطني، بعد ان تم
استبعادهم من الحكومة الجديدة التي خلفت المؤتمر، وهي “حكومة الادارة”،[31] وقد سميت هذه الحركة باسم
“الحركة الترميدورية” تيمنا بشهر “تيرميدور” وهو احدى اشهر السنة وفق التقويم الفرنسي في ذلك الزمن.
كان احد قواد الحركة، واسمه “بولس براس”، قد تابع انجاز بونابرت العسكري في مدينة طولون،
فمنحه قيادة القوات المخصصة للدفاع عن المؤتمر والمرابطة حول قصر التويلري. وكان بونابرت قد شهد
مجزرة حرس الملك السويسري هناك قبل 3 سنوات، عندما قتل 600 حارس من اصل 950
اثناء دفاعهم عن القصر ضد الثوار، وادرك ان الوسيلة الفضلى للدفاع عنه هي باستخدام المدفعية.[8]
فامر ضابطا شابا من سلاح الفرسان، يدعى “يواقيم مراد”، بان يحضر ما تقع عليه يداه
من المدافع الضخمة، حيث استخدمها في قصف المهاجمين وردهم على اعقابهم في 5 اكتوبر سنة
1795، الموافق في 13 ڤاندميير من السنة الرابعة، وفق التقويم الفرنسي. قتل في الهجوم الف
واربعمائة ملكي، ونجا من تبقى منهم بحياته.[31] يقول المؤرخ الاسكتلندي من القرن التاسع عشر، “طوماس
كارليل”، في كتابه “تاريخ الثورة الفرنسية” ان نابليون “طهر الشوارع في ذلك اليوم بنفحة من
مدفع”.[32]

ادت هزيمة الملكيين على يدي نابليون الى القضاء على التهديد الذي كان يقلق راحة المؤتمر
الوطني، وحصول بونابرت على شهرة مفاجئة ومكافئة مالية ضخمة مكنته من النهوض بنفسه مجددا، وعلى
رعاية ودعم حكومة الادارة حديثة النشاة؛ كذلك تزوج الضابط “يواقيم مراد” باصغر اخوات نابليون، وهي
“كارولين”، وعينه الاخير قائدا عاما في الجيش. رفي نابليون الى رتبة “قائد الداخلية” وعهد اليه
مجددا بقيادة الجيش الفرنسي المرابط على حدود ايطاليا.[20] وخلال اسابيع من هذه الحادثة، تعلق بونابرت
بارملة احد قادة الثورة، المدعوة “جوزفين” من ال بوارنيه، وتزوجها بتاريخ 9 مارس سنة 1796
بعد ان فسخ خطوبته “بديزيريه كلاري”.[33]

الحملة الايطالية الاولى

بعد يومين من زواجه، سافر نابليون من باريس الى شمال ايطاليا وقاد الجيش الفرنسي المرابط
هناك في غزو ناجح للاراضي الايطالية، بعد ان كان القتال قد تجدد بين فرنسا والنمسا
المحتلة شمال شبه الجزيرة الايطالية، فاحرز نابليون انتصارا باهرا على النمساويين في “معركة لودي” وطردهم
من منطقة لومبارديا.[20] لكنه عاد وهزم في “معركة كالدييرو” على يد القوات النمساوية التعزيزية بقيادة
المشير “جوزيف الڤنسكي”، الا ان بونابرت عاد وامسك بزمام الامور وحقق نصرا حاسما على النمساويين
في “معركة جسر اركول”، وتابع زحفه ليخضع الدولة البابوية.[34] عارض نابليون طلب الملحدين من اعضاء
حكومة الادارة، الذين طالبوه بدخول مدينة روما وخلع البابا، قائلا ان هذا الامر سيؤدي الى
وجود حالة فراغ في السلطة قد تستغلها مملكة ناپولي لتفرض سيطرتها على تلك الناحية من
شبه الجزيرة الايطالية. وعوضا عن ذلك، قام نابليون في شهر مارس من سنة 1797، بالتوجه
على راس جيشه الى الاراضي النمساوية نفسها، حيث فرض على النمساويين ابرام معاهدة سلام مع
فرنسا،[35] فاضطروا الى التسليم وتوقيع معاهدة يوبن التي اعترفت فيها النمسا بالاستيلاء على البلاد المنخفضة
النمساوية وضفة نهر الراين اليسرى ولومبارديا في شمالي ايطاليا، كذلك وضع بند سري في الاتفاقية
تعهدت فيه فرنسا بضم جمهورية البندقية الى النمسا. بعد ذلك زحف بونابرت على البندقية واخضعها
منهيا استقلالها الذي دام 1,100 سنة؛ وسمح للجنود الفرنسيين ان يغنموا وينهبوا ما تيسر لهم
من النفائس، مثل تماثيل “افراس القديس مرقس”.[36]

قصة نابليون بونابرت 20160818 3260
بونابرت على جسر اركول، بريشة البارون “انطوان جون گرو” (قرابة سنة 1801)، متحف اللوفر، باريس.

كان للاساليب التي اتبعها نابليون، اضافة لتطبيقه الافكار العسكرية التقليدية على ارض الواقع، اثرا حاسما
على انتصاراته، ومثال ذلك تحويله سلاح المدفعية الى سلاح متنقل يسافر مع جيشه من موقع
لاخر، الامر الذي سهل استخدامه ضد الجنود المشاة اكثر من مرة. وقد قال نابليون عن
تنظيماته العسكرية في الحملة خلال احدى الاوقات: «شهدت ستون معركة ولم اتعلم شيءا غير الذي
ايقنته في المعركة الاولى؛ كمثل يوليوس قيصر الذي خاض معركته الاخيرة كما خاض الاولى».[37] كان
نابليون ماهرا في فن الخداع والتجسس، حيث استطاع الفوز في عدد من المعارك بفضل اختياره
لمواقع مخفية نشر فيها جنده، وتركيزه اعدادهم على الجوانب الضعيفة من جيش العدو. وكان يعرف
عن نابليون انه في حال لم يستطع تطبيق استراتيجية التطويق المفضلة لديه، فانه كان يجعل
جنوده يتخذون الموقع الوسطي ويهاجمون الفرقتين العسكريتين على يمينهم ويسارهم كل على جانبها، ثم يستدير
ليطوق احداها ويقاتلها حتى تنسحب من الميدان، ثم يتحرك لقتال الاخرى.[38] اسر الجيش الفرنسي خلال
الحملة الايطالية 150,000 جنديا، وغنم 540 مدفعا، و170 راية.[39] خاض الجيش الفرنسي خلال هذه الحملة
67 معركة، وفاز بثماني عشر معركة مدفعية، بفضل المدافع الحديثة التي حازها وبفضل تنظيمات بونابرت
واستراتيجياته.[40]

اصبح لنابليون تاثير كبير على السياسة الفرنسية خلال فترة الحملة الايطالية الاولى، فقد كان نشر
صحيفتين اخباريتين مخصصتين للجنود من حيث الظاهر؛ لكنهما كانتا متداولتين بشكل واسع بين الشعب الفرنسي
ولهما تاثير على الراي العام؛ وفي شهر مايو من عام 1797 اسس صحيفة ثالثة حملت
اسم “مجلة بونابرت وفضائل الانسان” (بالفرنسية: Le Journal de Bonaparte et des hommes vertueux)، وقام
بنشرها في مدينة باريس.[41] وفي منتصف سنة 1797 جرت انتخابات نيابية حصل الملكيون بموجبها على
النسبة الاعلى من الاصوات، الامر الذي ادى الى تمتعهم بمزيد من السلطات، واثار جزع اعضاء
حكومة الادارة.[42] هاجم الملكيون بونابرت معترضين على نهبه المدن الايطالية، قائلين انه تخطى صلاحياته وتجاوزها
بشكل كبير عند قتاله النمساويين وابرامه لمعاهدات معهم. فما كان من بونابرت الا ان ارسل
اللواء “بيير اوجيرو” الى باريس ليقود انقلابا ويطهر المدينة من الملكيين، وذلك بتاريخ 18 سبتمبر،
الموافق في 15 فروكتيدور من التقويم الفرنسي. ادى هذا الانقلاب الى اعادة الجمهوريين الى الحكم
واستعادتهم لسلطتهم المفقودة، الا انهم كانوا قد اصبحوا معتمدين على نابليون في كل صغيرة وكبيرة،
فكان وكانه قد اصبح فعليا الرجل الاول في فرنسا، فانصرف الى ابرام معاهدة سلام مع
النمساويين. اسفرت مفاوضات نابليون مع النمسا الى ابرام “معاهدة كمبوفورميو” التي اقرت فيها الاخيرة بالتنازل
عن المناطق التي دخلها الفرنسيون لصالح فرنسا. عاد بونابرت الى باريس في شهر ديسمبر واستقبله
الشعب الفرنسي استقبال الفاتحين، بعد ان حاز على شهرة وصيت اوسع من ذاك الخاص باعضاء
حكومة الادارة.[43] وفي هذه الفترة التقى بونابرت بوزير خارجية فرنسا الجديد “شارل موريس ال تاليران”—الذي
ابقاه نابليون في منصبه عندما اصبح امبراطورا لاحقا، واخذا يعدان العدة لغزو بريطانيا.[20]

الحملة المصرية

  • Crystal Clear App Kdict-Png مقالات مفصلة: الحملة الفرنسية على مصر
  • معركة الاهرام
  • معركة ابي قير البحرية
قصة نابليون بونابرت 20160818 3261
لوحة نابليون امام ابو الهول، بريشة “جان ليون جيروم” (قرابة سنة 1868)، قلعة هيرست، كاليفورنيا،
الولايات المتحدة.

قرر بونابرت بعد شهرين من التخطيط، ان البحرية الفرنسية لا تتمتع بالقوة الكافية التي تمكنها
من مواجهة البحرية الملكية البريطانية في القناة الانگليزية والتغلب عليها. لذا عرض على حكومة الادارة
القيام بحملة عسكرية على مصر واحتلالها للسيطرة على طريق بريطانيا الى الهند والقضاء على مصالحها
التجارية فيها.[20] وكان بونابرت يامل بان يضع لفرنسا موطئ قدم في الشرق الاوسط ويظهر للسكان
ذوي الاغلبية الاسلامية انه صديق للخلافة وحاميا للاسلام، الامر الذي من شانه ان يؤثر في
نفوس المسلمين حول العالم وبشكل خاص مسلمي الهند الخاضعين للملكة المتحدة، وسلطانهم “فاتح علي تيبو”،
عدو البريطانيين اللدود، مما يسهل على نابليون التقرب اليه والتدخل في الهند وضرب مصالح بريطانيا
فيها.[44] وكان نابليون قد اكد لاعضاء حكومة الادارة انه ما ان ينتهي من فتح مصر
سوف يسارع الى ابرام علاقات مع الامراء الهنود، وسوف ينجح، بمساعدتهم، على ضرب البريطانيين في
اهم مستعمراتهم.[45] وقد قال تاليران في تقرير له صدر في شهر فبراير من سنة 1798،
موجه الى حكومة الادارة: «ما ان نفتح مصر وننتهي من تحصينها، سنرسل جيشا قوامه 15,000
رجل من السويس الى الهند، للانضمام الى قوات السلطان تيبو، ومعا سنطرد الانگليز من الهند».[45]
وافقت حكومة الادارة على القيام بهذه الحملة، على الرغم من انها لم ترتاح لابعادها ولا
لتكلفتها، وذلك كي تبعد بونابرت الذي غدا قائدا مشهورا عن مركز القرار في فرنسا.[46]

انتخب نابليون في شهر مايو من سنة 1798 عضوا في الاكاديمية الفرنسية للعلوم، وانضم الى
حملته المصرية ما مجموعه 167 عالما من علماء الرياضيات، البيئة، الكيمياء، والجيوديسيا؛ وقد حقق هؤلاء
عدد من الاكتشافات في مصر لعل ابرزها هو اكتشاف حجر الرشيد، ونشرت اكتشافاتهم في كتاب
حمل عنوان “وصف مصر” (بالفرنسية: Description de l’Égypte) وذلك في سنة 1809.[47]

وفي طريقه الى مصر، عرج نابليون على جزيرة مالطا بتاريخ 9 يونيو سنة 1798، وكانت
هذه الجزيرة خاضعة لفرسان القديس يوحنا ذوي الاصول الفرنسية والبالغ عددهم 200 فارس، منذ عهد
الحروب الصليبية، وكان هؤلاء الفرسان ناقمين على قائدهم المدعو “فرديناند زو بولهايم” بما انه كان
بروسي الجنسية وقد خلف قائدا فرنسيا، ورفضوا قتال الفرنسيين اشد الرفض، معتبرينهم اخوانهم من شحمهم
ولحمهم. استسلم فرديناند للجيش الفرنسي بعد مقاومة رمزية، وكان من نتيجة ذلك ان اكتسب نابليون
مرفا وقاعدة بحرية مهمة في البحر المتوسط، مقابل خسارته 3 رجال فقط.[48]

استطاع بونابرت ورجاله الافلات من سفن البحرية الملكية البريطانية التي تعقبتهم منذ مغادرة فرنسا، ونزلوا
ارض مصر في مدينة الاسكندرية في 1 يوليو من عام 1798،[20] ووجه نابليون في اليوم
ذاته نداء الى الشعب المصري، واصدرت الحملة نداء الى الشعب بالاستكانه والتعاون زاعمة ان نابليون
قد اعتنق الاسلام واصبح صديقا وحاميا للاسلام. استولى نابليون على اغنى اقليم في الدولة العثمانية،
وطبقا للدعاية الحربية ادعى انه “صديق للسلطان العثماني” وادعى ايضا انه قدم الى مصر “للاقتصاص
من المماليك” لا غير، باعتبارهم اعداء السلطان، واعداء الشعب المصري.[49] وهذه رسالة نابليون بونابرت الذي
دعاه المؤرخين المسلمين “اللواء علي” الى شعب مصر:

قصة نابليون بونابرت 20160818 3262
بونابرت يدخل الاسكندرية في الثالث من يوليو سنة 1798، بريشة “گيوم فرانسوا كولسون”.

قصة نابليون بونابرت 20160818 385، لا اله الا الله وحده لا شريك له في ملكه…

ايها المشايخ والائمة…

قولوا لامتكم ان الفرنساوية هم ايضا مسلمون مخلصون واثبات ذلك انهم قد نزلوا في روما
الكبرى وخربوا فيها كرسي البابا الذي كان دائما يحث النصارى على محاربة الاسلام، ثم قصدوا
جزيرة مالطا وطردوا منها فرسان القديس يوحنا الذين كانوا يزعمون ان الله يطلب منهم مقاتلة
المسلمين، ومع ذلك فان الفرنساوية في كل وقت من الاوقات صاروا محبين مخلصين لحضرة السلطان
العثماني..ادام الله ملكه…

ادام الله اجلال السلطان العثماني

ادام الله اجلال العسكر الفرنساوي

لعن الله المماليك

واصلح حال الامة المصرية.”

قصة نابليون بونابرت 20160818 3263
معركة الاهرام، 21 يوليو سنة 1798، بريشة “فرانسوا لويس-جوزيف واتو”، حوالي سنة 1798 او 1799.

تغلب الجيش الفرنسي بسهولة على المماليك، حكام مصر القدامى، الذين هبوا لقتال الفرنسيين بمجرد وصولهم
للبلاد. وقد ساعد انتصار بونابرت الاول على المماليك في فتح المجال امامه على التخطيط لمعركته
التالية معهم، التي وقعت بعد اسبوع من المعركة الاولى بالقرب من مدينة القاهرة، على بعد
6 كيلومترات من اهرام الجيزة، وعرفت باسم معركة الاهرام. حقق بونابرت انتصارا باهرا على المماليك
في هذه المعركة، على الرغم من انهم فاقوا جيشه عددا، فقد وصل عدد الخيالة المماليك
الى 60,000 فارس، بينما بلغ عدد الخيالة الفرنسيون 20,000، لكن القائد الفرنسي لجا مرة اخرى
الى اساليبه الحربية الباهرة، فجعل الجنود الفرنسية تتخذ تشكيلات مربعة في وسطها كل العتاد اللازم،
فكان الفرنسيون يطلقون النار على المماليك من جميع الجهات دون توقف، ولم يستطع هؤلاء قتال
الفرنسيين بطريقة فعالة لقدم اساليب قتالهم مقارنة بالاساليب الاوروبية الحديثة. اسفرت المعركة عن مقتل 300
جندي فرنسي وحوالي 6,000 مصري.[50]

رات الدولة العثمانية في احتلال بونابرت مصر اعتداء عليها، ووقفت الامبراطورية البريطانية والامبراطورية الروسية الى
جانب الدولة العثمانية، وعرضوا على الباب العالي المساعدة العسكرية، برا وبحرا لاخراج الفرنسيين من مصر.[51]
ونادى السلطان في فرمان اصدره كل المسلمين للدفاع عن مهد الاسلام ضد الحملة الفرنسية، وقد
اعلن البيان للشعب ان الفرنسيين الخالعين لاي ايمان، المحرفين لكل ما هو مقدس في الدين،
وفي البيانات الحكومية لامتهم، اعلنوا الحرب على الاسلام من اجل القضاء على المؤمنين، ما عدا
النساء والاطفال، لتحويل هؤلاء الى مشركين.[52] الا ان هذا الفرمان لم يكن له التاثير المنتظر
في نفس بونابرت، فقد اعتمد عند دخوله مصر على تعب الشعب من جور المماليك، وعلى
انشغال كل شبه الجزيرة العربية بحرب الوهابيين، وعلى عدم مبالاة العديد من سكان بلاد الشام
بسبب ارهاق الولاة العثمانيين لهم منذ حوالي القرن من الزمن.[52] واجاب بونابرت على الكلام الذي
صبه عليه السلطان العثماني بان جعل من الصيت الذي اطلقه عند دخوله البلاد، اي اعتناقه
الاسلام، واقعا امام اعين الناس، وذلك كي يتبرا من كل الاثار التي خلفتها الحروب الصليبية
في نفوس الشعب، وليقنع المسلمين بلاعدائيته تجاه دينهم تظاهر في القاهرة باسلامه مؤديا الفرائض الدينية.[52]
اصبح نابليون بونابرت بهذا حاكما مسلما اسمه “بونابردي باشا”، وكان يطلق عليه المسلمين اسم “علي
نابليون بونابرت”، وكان يتجول وهو مرتدي الملابس الشرقية والعمامة والجلباب. وكان يتردد على المسجد في
ايام الجمعة ويسهم بالشعائر الدينية التقليدية مثل الصلاة، وكون نابليون ديوانا استشاريا مؤلفا من المشايخ
والعلماء المسلمين مكونا من 11 عالما ويراسه الشيخ “عبد الله الشرقاوي”.[53] خاب امل الباب العالي
في ان يجعل من الحرب مع فرنسا حربا وطنية، فاضطر بالتالي مع باشاواته ان يخوضوها
بقواهم الخاصة تساندهم القوى الحليفة الاوروبية.[52] وبتاريخ 25 يوليو، قام العثمانيون بانزال بري في مرفا
ابي قير وقاتلوا الجنود الفرنسية قتالا شديدا، لكنهم لم يقدروا عليها، فانتصرت الاخيرة انتصارا ساحقا.[54]

قصة نابليون بونابرت 20160818 3264
الامير “بشير الثاني الشهابي”، امير لبنان من سنة 1788 حتى سنة 1840، التفت اليه كل
من بونابرت والجزار للمساعدة عند حصار عكا.

وبتاريخ 1 اغسطس من نفس العام، كان الاسطول البريطاني بقيادة القبطان “هوراشيو نيلسون”، قد اسر
او دمر جميع السفن الفرنسية، عدا سفينتين، في معركة ابي قير البحرية، فاحبط بهذا مشروع
بونابرت الهادف الى اقامة مركز فرنسي ممتاز في حوض البحر المتوسط،[55] الا ان جيشه كان
قد نجح في بسط السلطة الفرنسية على مصر، على الرغم من تعرضه لانتفاضات ومقاومة مستمرة
من قبل السكان.[56] وما لبث ان انضم الاسطول العثماني والروسي الى جانب الاسطول البريطاني لقتال
الفرنسيين واخراجهم من مصر، ولما راى بونابرت تجمع الاساطيل الحليفة في البحر المتوسط، عزم على
مفاجاة الدولة العثمانية باحتلال بلاد الشام قبل ان يستكمل العثمانيون استعداداتهم، فقام في اوائل سنة
1799 بتحريك 13,000 جندي من جيشه قاصدا سواحل الشام، فاحتل العريش وغزة ويافا والرملة وحيفا
ووصل الى صور في جنوب لبنان.[57] كان الهجوم الفرنسي على مدينة يافا بالذات اكثر ضراوة
من غيره، فقد اكتشف نابليون بعد استسلام المدينة ان كثيرا من الذين كانوا يدافعون عنها
هم في واقع الامر اسرى حرب سابقون يعملون مقابل اطلاق سراحهم لاحقا، فامر باعدام جميع
افراد الحامية و1,400 اسير حرب من الذين ساهموا بالدفاع عن المدينة، باستخدام الحراب او عن
طريق الاغراق، وذلك كي يوفر رصاص البنادق،[55] وسمح لجنوده بنهب المدينة، فارتكبت الجنود الفرنسية عدة
فظائع طيلة 3 ايام، حيث نهبت وقتلت الكثير من السكان.[58] ومن بين جميع مدن الساحل
الشامي الجنوبي، وحدها مدينة عكا صمدت في وجه بونابرت، فلم يستطع الجنود الفرنسيين اقتحام حصونها
لمناعتها، كما كان واليها “احمد باشا الجزار” قد زود حاميتها بالمدافع، وكان الاسطول الانگليزي بقيادة
امير البحر “سدني سميث” يساعد رجال الجزار.[51] عندما تساوت قوى الفريقين، ووقف كل من بونابرت
والجزار يتربص بالاخر، التفت كل منهما الى امير لبنان “بشير الثاني الشهابي”، فوجدا فيه مرجحا
لكفة من يساعده فيما يقدمه الامير من رجال ومؤن، فكتب كل منهما اليه: اما بونابرت
فقد طلب اليه المساعدة ووعده بتوسيع حدود امارته وتخليص بلاد الشام من حكم الجزار المتقلب
الذي دائما ما يخلف بوعوده ويغدر بمن حوله؛ واما الجزار فاصر على الامير ان يمده
بجيش ليقاوم الحملة الفرنسية، ووعده مقابل ذلك باعادة مدينة بيروت الى امارته.[59] لكن بشيرا اتخذ
موقفا محايدا من كلا الطرفين، فسكت عن الرد على رسالة بونابرت، وتجاهل المؤن التي زود
بعض الاهالي بها الجيش الفرنسي، ورد على الجزار يعتذر عن تقاعسه في نجدته، زاعما ان
اهل البلاد امتنعوا عن طاعته بعد ان بلغهم ان الجزار عزله عن الحكم، وولى مكانه
ابناء سلفه، الامير “يوسف الشهابي”.

قصة نابليون بونابرت 20160818 3265
لوحة بونابرت يتفقد ضحايا الطاعون في يافا (بالفرنسية: Bonaparte visitant les pestiférés de Jaffa)، بريشة
“انطوان جون گرو”.

ازاء مناعة حصون عكا، ووصول النجدات العثمانية اليها، واشتراك الاسطول البريطاني في مساعدة العثمانيين، وشدة
وطاة وباء الملاريا ثم الطاعون الذين فتكا بالجنود الفرنسيين فتكا ذريعا، اضطر بونابرت الى رفع
الحصار عن عكا والتراجع الى مصر في شهر مايو من سنة 1799.[55] ولكي يسرع من
تحرك الجيش، امر بان يدس السم لكل جندي مصاب بالمرض كي لا يكون هناك ما
يلكا المسيرة.[60] وقد قال مؤيدو نابليون ان هذه الخطوة كانت ضرورية نظرا للمناوشات المستمرة التي
قامت بها القوات العثمانية، وانه بحال كان قد ترك اي من الجنود المصابين على قيد
الحياة لكان العثمانيون قتلوهم بعد ان عذبوهم عذابا شديدا.

العودة الى فرنسا

بقي نابليون على اطلاع بالشؤون والاوضاع الاوروبية طيلة فترة وجوده في مصر، وذلك عن طريق
مطالعته للصحف والبرقيات الفرنسية التي كان يتم توصيلها اليه بشكل متقطع. فاكتشف ان الدول الاوروبية
تالبت على فرنسا، فهزمتها في حرب الائتلاف الثانية واستردت منها ما كان قد كسبه.[61] وبتاريخ
24 اغسطس سنة 1799، اغتنم بونابرت فرصة الانسحاب المؤقت للسفن البريطانية من على سواحل فرنسا
وابحر مسرعا اليها، على الرغم من عدم تلقيه اية اوامر من باريس بالعودة،[55] وترك للواء
“جون بابتيست كليبير” قيادة القوة الفرنسية.[62] كانت حكومة الادارة في واقع الامر قد ارسلت الى
بونابرت تطلب منه الرجوع الى فرنسا لصد اي هجوم او غزو محتمل للبلاد، لكنه لم
يعلم بذلك نظرا لعدم وصول الرسالة اليه بسبب ضعف وسائل النقل والمواصلات في ذلك الزمن.[61]

حكم فرنسا

قصة نابليون بونابرت 20160818 3266
رسم بريطاني ساخر يصور انقلاب الثامن عشر من شهر برومير، بريشة “جيمس گيلراي”.

كان الوضع العام في فرنسا قد تحسن بعض الشيء عند وصول نابليون في شهر اكتوبر،
ذلك ان الجمهورية كانت قد حققت سلسلة من الانتصارات على بعض الدول المجاورة. الا ان
ذلك تركها مفلسة، وكانت حكومة الادارة قد اصبحت ضعيفة منقسمة على نفسها، مكروهة من قبل
الشعب.[63] وما ان علم اعضاء الحكومة بعودة بونابرت حتى اجتمعوا لينظروا في توقيع العقوبة الملائمة
عليه نظرا لتخلفه عن تلبية نداء الواجب، عندما ارسلوا اليه بالرسالة التي طالبوه فيها بالعودة،
الا ان الحكومة كانت قد بلغت من الضعف حدا لم تستطع معه فرض اي عقوبة
على قائد بحجم بونابرت.[61]

عرض احد اعضاء حكومة الادارة، واسمه “عمانوئيل جوزيف سيس”، على نابليون ان يدعمه في انقلاب
للاطاحة بالحكومة الدستورية واقامة حكومة جديدة بدلا منها، بعد ان اصبحت الاولى شديدة الوهن ولا
تقوى على النظر بشؤون البلاد والعباد. شملت قائمة رؤساء هذه الخطة: “لوسيان بونابرت” شقيق نابليون؛
رئيس مجلس الخمسمئة “روجيه دوكو”؛ “جوزيف فوشيه” وهو عضو اخر من اعضاء حكومة الادارة؛ وتاليران.
وفي التاسع من نوفمبر، الموافق في الثامن عشر من شهر برومير—بحسب التقويم الفرنسي—كلف نابليون بحماية
وضمان سلامة المستشارين التشريعيين، الذين نقلوا مركز اعمالهم الى “قصر القديس كلو” (بالفرنسية: Château de
Saint-Cloud) الواقع في غرب باريس، بعد ان سرت اشاعة مفادها ان اليعاقبة يعقدون العزم على
القيام بثورة والاطاحة بالمستشارين قبل ان تبصر الحكومة الجديدة النور.[64] وفي اليوم التالي، شعر اعضاء
حكومة الادارة انهم كادوا ان يتعرضوا لانقلاب في اليوم الفائت، فاستنكروا هذا الفعل اشد الاستنكار،
فما كان من نابليون الا ان قاد بضعة جنود وعزل اعضاء الحكومة بالقوة واستولى على
الحكم وجعل مكان الحكومة القديمة حكومة جديدة مكونة من ثلاثة قناصل: “سيس”، “دوكو”، وهو نفسه.
وقد ايد الشعب الفرنسي هذا التدبير.[55]

عهد القنصلية

قصة نابليون بونابرت 20160818 386
نابليون القنصل الاول، بريشة “انطوان جون گرو”.

كان سيس يعتقد بانه سيسيطر على الحكومة الجديدة بمنتهى السهولة، نظرا لانه هو من كان
صاحب فكرة الانقلاب منذ البداية، الا ان نابليون كان اكثر دهاء واشد مكرا منه، حيث
قام بصياغة العديد من مواد الدستور، الذي عرف بدستور السنة الثامنة، بنفسه بشكل يضمن انتخابه
لمنصب القنصل الاول، وبعد اجراء الانتخابات فاز نابليون بالمنصب سالف الذكر، فانتقل للسكن في قصر
التويلري الذي اتخذ منه ملوك فرنسا مقرا لهم في السابق.[65] وبهذا اصبح بونابرت رسميا اقوى
شخص في فرنسا.[55]

قصة نابليون بونابرت 20160818 3267
نابليون يعبر جبال الالب، بريشة “جاك لويس دايڤيد”.

بعد ان تولى نابليون السلطة واصبح قنصلا، اهتم بدفع الخطر عن فرنسا، فقد كانت الدول
الاوروبية، وخصوصا النمسا، استرجعت اثناء وجوده في مصر جميع الاراضي تقريبا، التي كان قد غنمها
منها. فقام نابليون سنة 1800، بتجهيز جيش قوي في السر واجتاز به جبال الالب فوصل
الى شمالي ايطاليا.[66][معلومة 5] بدات الحملة بشكل سيئ بالنسبة للفرنسيين بعد ان ارتكب بونابرت بضعة
اخطاء استراتيجية؛ فقد تركت احدى الفرق العسكرية محاصرة في مدينة جنوة، لكنها استطاعت الصمود في
وجه النمساويين واشغالهم والاستيلاء على بعض مؤنهم.[67] وقد سمح هذا الامر، اضافة للقوات الاضافية التي
اتى بها اللواء الفرنسي “لويس دوزيه” في الوقت الملائم، سمح لنابليون ان يتفادى الهزيمة الوشيكة
ويحقق نصرا كبيرا على النمساويين في “معركة مرنگو”. تراس “جوزيف”، شقيق نابليون، مفاوضات السلام مع
النمسا في مدينة لونڤيل، وفي اثناء اجراء المفاوضات ارسل الى نابليون يقول بان النمسا، تدعمها
بريطانيا، لا تعترف بسلطان فرنسا على الاراضي التي اكتسبتها حديثا. وفيما ازدادت حدة المفاوضات، اصدر
نابليون اوامره الى اللواء “جون مورو” بان يوجه ضربة جديدة الى النمسا، ففعل الاخير ما
امر به وقاد فرنسا الى النصر في “معركة هونليندن”، فاضطرت النمسا ان توقع على معاهدة
السلام في شهر فبراير من سنة 1801، وان تعيد الى فرنسا ما كسبته منها الى
جانب بعض الاراضي الجديدة، وان توافق على التدابير التي اتخذتها فرنسا من اجل تامين سلامتها.[68]

السلام المؤقت في اوروبا

وبعد انتهاء هذه الحرب مع النمسا، اقام بونابرت قاعدة عسكرية في مدينة بولونيا البحرية الواقعة
على ساحل بحر المانش، استعدادا لغزو بريطانيا، الا ان كلتا الدولتين كانتا قد انهكتا انهاكا
شديدا من الناحية البشرية والاقتصادية، بفعل الحروب المستمرة، فابرمتا معاهدة اميان في شهر اكتوبر من
عام 1801 واكملتا التصديق على بنودها في شهر مارس من سنة 1802؛ وتضمنت هذه المعاهدة
انسحاب القوات البريطانية من معظم المستعمرات التي احتلتها مؤخرا في حوض البحر المتوسط خصوصا.[67] كانت
هذه الفترة من السلم من اخصب ايام نابليون وانفعها لفرنسا وللحضارة العالمية، لكنها بقيت غير
مستقرة ولم تدم طويلا؛ اذ ان بريطانيا لم تنسحب من جزيرة مالطا كما كانت قد
وعدت، واعترضت على ضم نابليون لاقليم بييمونتي الايطالي الى فرنسا وعلى اصداره لمرسوم الاصلاح الذي
انشا بموجبه كونفدرالية سويسرية جديدة، على الرغم من ان المعاهدة لم تنص على عدم جواز
اتيان فرنسا مثل هذه الافعال في تلك المناطق من اوروبا.[69] توج هذا الخلاف بين الدولتين
باعلان بريطانيا الحرب في شهر مايو من سنة 1803، فقام نابليون باستكمال تجهيز القاعدة العسكرية
في “بولونيا البحرية” بالرجال والعتاد اللازمة، وعقد العزم على غزو بريطانيا والقضاء عليها نهائيا.[55]

وفي تلك الاثناء كانت فرنسا تواجه مشكلة في مستعمرة هاييتي الواقعة قبالة شواطئ امريكا الوسطى،
ذلك ان نابليون كان قد اعاد اقرار صحة الاتجار بالرقيق في قانون 20 مايو لسنة
1802 في جميع المستعمرات الفرنسية، ملغيا بذلك قانون 4 فبراير لسنة 1794 الذي كان قد
قضى على العبودية نهائيا في تلك المستعمرات،[70] فثار سكان ذاك القسم من جزيرة هيسپانيولا، وبشكل
خاص المستعبدين منهم، ثاروا على الفرنسيين وقاوموهم وتكبد كلا الطرفين خسائر بشرية كبيرة. ارسل نابليون،
بعد ان علم بهذه الثورة، جيشا ليستعيد السيطرة على القسم الغربي من الجزيرة المعروف باسم
“القديس دومينيك”، وليقيموا قاعدة فرنسية هناك، الا ان ذلك الجيش لم يستطع ان يفعل شيئا،
اذ افني عن بكرة ابيه بفعل انتشار الحمى الصفراء بين الجنود وبسبب المقاومة الشديدة التي
ابداها القادة العسكريون الهاييتيون، مثل اللواء “توسان لوفرتور” و”جان جاك ديسالين”.[معلومة 6][71] وما ان بدات
الحرب مع بريطانيا تلوح بالافق، وتبين لبونابرت انها واقعة قريبا لا محالة، قام ببيع حصة
فرنسا من الاراضي في امريكا الشمالية الى الولايات المتحدة، خصوصا انه لم يكن بالامكان الدفاع
عنها ضد البريطانيين بحال زحفوا عليها من مستعمراتهم الكندية شمالا. اضف الى ذلك ان الخزينة
الفرنسية كانت على شفير الافلاس، وكانت الدولة بحاجة الى موارد مالية تستطيع بواسطتها ان تنفق
على الجيش في الحرب القادمة. حصلت الولايات المتحدة على الاراضي التي شكلت مستعمرة لويزيانا الفرنسية
مقابل اقل من 3 سنتات للفدان الواحد (7.40$ للكيلومتر المربع).[72]

الاصلاحات

  • Crystal Clear App Kdict-Png طالع ايضا: قانون نابليون
  • قوس النصر
قصة نابليون بونابرت 20160818 3268
القادة الروحيين للكنيسة الكاثوليكية يقسمون اليمين القانونية على احترام المعاهدة البابوية.
قصة نابليون بونابرت 20160818 3269
ميدالية جوقة الشرف الاصلية (1804).

كانت العلاقات الودية بين الدولة الفرنسية والكنيسة الكاثوليكية قد انقطعت ابان الثورة. ولما تولى نابليون
الحكم راى ان المصلحة تقتضي اعادة التفاهم بين الكنيسة وفرنسا. وبعد مفاوضات استمرت عدة اشهر،
عقد مع البابا “پيوس السابع” معاهدة بابوية في سنة 1801. فاعترف نابليون في هذه المعاهدة
بالبابا رئيسا للكنيسة وازال بعض القيود التي فرضتها الثورة على رجال الدين. ومقابل ذلك اعترف
البابا بمصادرة املاك الكنيسة على ان تدفع الدولة رواتب رجال الدين. ووافق البابا كذلك على
ان يختار نابليون الاساقفة وان يعين هؤلاء رجال الدين الذين هم دونهم. وبهذا الاتفاق عادت
المياه الى مجاريها بين فرنسا والبابا.

كان في فرنسا قبل الثورة ما يقرب من ثلاثمئة قانون يختلف الواحد منها عن الاخر.
وكانت جميعها نافذة في المناطق الفرنسية المختلفة. فالف نابليون لجنة من كبار رجال القانون وطلب
اليها توحيد الشرع الفرنسي. وبعد بضع سنوات من العمل الشاق اخرجت تلك اللجنة للعالم في
سنة 1804 قانونا مدنيا عرف باسم “قانون نابليون” (بالفرنسية: Code Napoléon) وهو ينص على حقوق
الافراد وواجباتهم وعلى امور الزواج وطلاق والميراث وغير ذلك.[73] كذلك، انشا نابليون في سنة 1801
“مصرف فرنسا” (بالفرنسية: Banque de France) ومنحه حق اصدار الاوراق المالية. فاستعاد النقد الفرنسي قيمته
وثقة الناس به بعد ان كانت تلك الثقة قد تزعزعت خلال الثورة.

كانت الثورة قد قضت على نظام الطبقات وجعلت الناس متساوين. ولكن نابليون انشا طبقة جديدة
من اصحاب الامتيازات لا ترتكز على الحسب والنسب كالسابق، بل على الخدمات الجليلة الشان التي
يقدمها الفرد لوطنه. وتكون هذه الامتيازات على شكل اوسمة والقاب تمنح لمستحقيها من رجال العلم
والادب والسياسة والفن وغيرها. وعرف هذا النظام باسم نظام “جوقة الشرف” (بالفرنسية: Légion d’honneur)، ولا
يزال معمولا به في فرنسا حتى الوقت الحاضر.[74]

ادرك نابليون اهمية المدارس في توجيه النشا فقرر ان يجعلها في يد الدولة وتحت اشرافها،
فوضع نظاما للتعليم يتالف من ثلاث مراحل هي مرحلة التعليم الابتدائي ومرحلة التعليم الثانوي ومرحلة
التعليم العالي. وكان يطلق على معاهد التعليم العالي اسم “الجامعة” او “جامعة فرنسا”. وقد تم
اختيار بونابرت سنة 1801 رئيسا للاكاديمية الفرنسية للعلوم، فعين بدوره عالم الفلك والرياضيات “جان باتيست
جوزيف ديلامبر” امينا دائما لها.[47] ولما كان نابليون يعين كبار موظفي الجامعة بنفسه فقد استطاع
ان يخضع معاهد التعليم في فرنسا لاشرافه المباشر. وكان نابليون يفرض على المدارس ان تلقن
طلابها الولاء والاخلاص للوطن والمحبة والطاعة لشخصه. وكانت الحكومة تنفق على معظم هذه المدارس وتعتبر
المدرسين فيها من موظفي الدولة. غير ان هذا المنهاج لم ينفذ بكامله بسبب المبالغ الكبيرة
التي يتطلبها تحقيقه، وبقي نصف الطلاب الفرنسيين تقريبا يتلقون العلم في المدارس الخاصة التي كان
معظمها تابعا للكنيسة الكاثوليكية. اتسعت سلطة نابليون مع ولادة دستور السنة العاشرة، حيث جاء في
المادة الاولى منه: «ان الشعب الفرنسي يسمي، ومجلس الشيوخ يعلن نابليون بونابرت قنصلا عاما مدى
الحياة».[75] بعد ذلك لم يعد احد يرمز اليه باسم “بونابرت” بل باسم “نابليون”.[16]

ان مشاغل نابليون الكثيرة لم تصرفه عن الاهتمام بالمشاريع العمرانية العامة. فانشا شبكة طويلة من
الطرق وبنى الجسور وحفر الاقنية وطور شبكات الصرف الصحي وجفف المستنقعات ووسع المرافئ الكبيرة وجمل
مدينة باريس وشيد في وسطها قوس النصر تخليدا لذكرى انتصاراته. ونشط الزراعة والصناعة والتجارة والعلوم
والفنون بمختلف الوسائل.

عهد الامبراطورية

  • Crystal Clear App Kdict-Png مقالات مفصلة: الامبراطورية الفرنسية الاولى
  • الحروب النابليونية
قصة نابليون بونابرت 20160818 3270
نابليون الاول على عرشه الامبراطوري (بالفرنسية: Napoléon Ier sur le trône impérial)، بريشة “جان اوغست
دومينيك انگر”.

تعرض نابليون بصفته حاكم فرنسا لعدد من المؤامرات الهادفة لاغتياله، والتي حاكها ضده الملكيون واليعاقبة،
وقد شملت هذه “مؤامرة الخناجر” (بالفرنسية: Conspiration des poignards) في اكتوبر من عام 1800، و”مؤامرة
شارع القديسة نيسيز” بعد شهرين من المؤامرة الاولى.[76] وفي شهر يناير من سنة 1804، كشفت
الشرطة مؤامرة جديدة تهدف للتخلص من بونابرت، كان احد مخططيها هو اللواء “جون مورو” الذي
اخضع النمسا للشروط التي فرضتها عليها فرنسا في مفاوضات السلام بعد معركة مرنگو قبل 3
سنوات من ذلك التاريخ، كما تبين ان هذه المؤامرة كانت برعاية ومباركة ال بوربون، حكام
فرنسا السابقين. امر نابليون باعتقال دوق انيان، المدعو “لويس انطوان”، وهو احد اقارب اسرة بوربون،
بناء على نصيحة من تاليران، على الرغم من ان هذا الامر كان يشكل خرقا لسيادة
ولاية بادن الالمانية المجاورة، حيث كان الدوق يقطن. اعدم الاخير بعد محاكمة سرية، على الرغم
من انه لم يكن طرفا في المؤامرة ضد نابليون.[77]

قصة نابليون بونابرت 20160818 3271
نابليون يتوج نفسه امبراطورا، بريشة “جاك لويس دايڤيد”.

استغل نابليون هذه المؤامرات التي هدفت للقضاء عليه ليبرر الغاءه نظام القنصلية واعادة انشاء نظام
ملكي وراثي في البلاد، يحمل فيه لقب الامبراطور، وبهذا يكون ايضا قد وضع الكثير من
العوائق في درب ال بوربون، وجعل من الصعب عليهم ان يعودوا للتربع على عرش فرنسا،
خصوصا وان الخلافة البونابرتية ستكون قد اصبحت مرسخة في الدستور الفرنسي بعد قيام النظام الجديد.[78]
توج نابليون نفسه امبراطورا بتاريخ 2 ديسمبر سنة 1804 في كاتدرائية نوتردام في باريس بحضور
البابا، ثم توج زوجته “جوزفين”. وهناك رواية تفيد بان نابليون قام بسحب التاج من يدي
البابا “پيوس السابع” اثناء الحفل وتوج نفسه بنفسه كي لا يخضع للسلطة البابوية، الا ان
معظم المؤرخين يقولون ان هذه الرواية مشكوك بصحتها؛ اذ ان اجراءات التتويج كان قد اتفق
عليها مسبقا بحسب الراي الغالب.[معلومة 7] توج نابليون ملكا على ايطاليا بتاريخ 26 مايو سنة
1805 في كاتدرائية ميلان، ثم قام بانشاء طائفة “مشيرو فرنسا” (بالفرنسية: Maréchal de France) المكونة
من اكبر الوية جيشه واكثرهم اخلاصا، ليضمن وفاء الجيش الدائم له. كان الموسيقار الالماني “لودڤيغ
ڤان بيتهوڤن” من اشد المعجبين ببونابرت ونبوغه العسكري والسياسي، لكن خاب امله عندما حول الاخير
نظام الحكم في فرنسا الى نظام امبريالي، فقام بشطب القطعة الموسيقية التي كان قد كتبها
ولحنها خصيصا للقائد الفرنسي من سمفونيته الثالثة.[78]

حرب الائتلاف الثالث

  • Crystal Clear App Kdict-Png طالع ايضا: معركة طرف الغار
  • معركة اوسترليتز

بينما كان نابليون يتهيا لغزو بريطانيا في سنة 1805، كانت حكومتها قد اقنعت كل من
النمسا والامبراطورية الروسية بالدخول معها في حلف لمحاربة فرنسا، وكان نابليون يدرك عجز البحرية الفرنسية
عن الدخول وجها لوجه في معركة مع البحرية الملكية البريطانية، لذا قام برسم خطة لاستدراج
السفن البريطانية بعيدا عن القناة الانگليزية، حتى تتمكن السفن الفرنسية من قتالها بشكل افضل. وكانت
الخطة تقضي بان تقوم البحرية الفرنسية بخرق الحصار البريطاني لمدينة طولون وبريست والتوجه نحو جزر
الهند الغربية، المستعمرة البريطانية، والتهديد بقصفها، فتضطر عندئذ البحرية الملكية ان تنسحب من على حدود
بريطانيا الغربية للدفاع عن تلك المستعمرة، فتقوم فرنسا بالتعاون مع حليفتها اسبانيا بارسال اسطول مشترك
للسيطرة على القناة لفترة تسمح بعبور الجيوش الفرنسية من شمال فرنسا الى انگلترا.[79] الا ان
انتصار البريطانيون في معركة “راس فينيستر” البحرية في شهر يوليو من سنة 1805، وانسحاب امير
البحر “پيير شارلز ڤيلنوڤ” الى ميناء مدينة قادس، جعل نابليون يدرك عجز قواته وعدم تمكنه
من الوصول الى بريطانيا لمحاربتها في عقر دارها.[80]

قصة نابليون بونابرت 20160818 3272
معركة طرف الغار، بريشة “اوغست ماير”، 1836.
قصة نابليون بونابرت 20160818 3273
معركة اوسترليتز، بريشة فرانسوا جيرار، 1810.

بعد ان غض نابليون الطرف عن غزو بريطانيا، امر جيشه المتمركز بشمال فرنسا بالزحف سرا
على المانيا، في حملة اطلق عليها اسم “حملة اولم”، فاحاط الجيش الفرنسي بالقوات النمساوية التي
كانت على وشك ان تهاجم فرنسا، قاطعا بذلك خطوط التواصل بينها، وهزمها هزيمة كبيرة بتاريخ
20 اكتوبر سنة 1805. قبض الفرنسيون على 30,000 اسير في تلك المعركة، الا انهم منيوا
بهزيمة ضخمة في اليوم التالي، عندما انتصر امير البحر البريطاني “هوراشيو نيلسون” على الاسطول الفرنسي
في “معركة طرف الغار” قرب الشاطئ الاسباني، مما جعل بريطانيا تبسط سيطرتها على البحار. وبعد
ستة اسابيع من هذه الحادثة، وفي اليوم الذي يوافق الذكرى الاولى لتربع بونابرت على العرش،
هزم الجيش الفرنسي الجيشين النمساوي والروسي في “معركة اوسترليتز”. كانت نتيجة هذا الانتصار ان انتهت
حرب الائتلاف الثالث، فامر نابليون عند ذلك بالبدء ببناء قوس النصر في وسط مدينة باريس
لتخليد ذكرى هذا النصر، ثم توجه الى مدينة ڤيينا عاصمة النمسا، وفرض عليها شروطا قاسية
للصلح. اضطرت النمسا الى ان تتنازل عن المزيد من الاراضي لصالح فرنسا، وان توقع على
معاهدة سلام پراسبورغ التي قضت نهائيا على الامبراطورية الرومانية المقدسة وادت لولادة “اتحاد الراين” (بالفرنسية:
États confédérés du Rhin؛ وبالالمانية: Rheinbund) الذي سمي نابليون “مرشدا” و”حاميا” له.[81]

قال نابليون عن معركة اوسترليتز انها “اروع معركة خضتها في حياتي”.[82] يقول المؤرخ “فرانك مكلين”
ان نابليون بلغ من النجاح حدا في اوسترليتز جعله يفقد احساسه بالواقع، وان ما كان
يعد سابقا سياسة فرنسية خارجية، اصبح في ذلك الوقت يعد “سياسة نابليونية خاصة”، اي بتعبير
اخر اصبح نابليون يمثل فرنسا من جميع النواحي، حتى من ناحية الشعب، فارادته الخاصة وفقا
لهذا المؤرخ هي ارادة الشعب الفرنسي.[83] الا ان المؤرخ البريطاني “ڤينس كرونين” يقول بان نابليون
لم يقم بتلك الحملة وما تلاها تحقيقا لطموح شخصي، بل “تحقيقا لطموح ثلاثين مليون فرنسي”،
اي ان الفرنسيين انفسهم كانوا راغبين وموافقين على ما قام به نابليون واعتبروه يحقق مصلحة
بلادهم.[84]

التحالف مع العثمانيين والفرس

قصة نابليون بونابرت 20160818 3274
مبعوث الدولة القاجارية الى الامبراطورية الفرنسية، الميرزا “محمد رضا قزويني” يقابل نابليون الاول في قصر
فنكنشتاين بتاريخ 27 ابريل سنة 1807، بريشة “فرانسوا مولار”.

استمر نابليون يامل بان ينشا لفرنسا مركزا ممتازا في الشرق الاوسط، حتى بعد فشل حملته
المصرية،[44] وذلك كي يضغط على الحدود الجنوبية للامبراطورية الروسية ويحاصرها من تلك الجهة. جهد نابليون
جهدا عظيما بدا من سنة 1803 ليحاول اقناع الدولة العثمانية بالدخول معه في حلف ضد
الامبراطورية الروسية ومحاربتها في بلاد البلقان،[85] فارسل اللواء “هوراس سبستياني” لتجديد رباط الاتحاد والوداد مع
الدولة، حاملا معه خطابا من بونابرت الى السدة السلطانية يعد فيه الامبراطور السلطان “سليم الثالث”
بالمساعدة على استعادة الولايات والامارات العثمانية المفقودة لمصلحة روسيا.[85] وبعد انتصار نابليون في معركة اوسترليتز
وما تلاها من تقطيع لاوصال امبراطورية هابسبورغ التابعة للنمسا، اعترف السلطان بنابليون امبراطورا على فرنسا،
واعلن رسميا ان الامبراطورية الفرنسية هي “الحليف المخلص الدائم للدولة العلية”، واعلن الحرب على كل
من بريطانيا وروسيا في وقت لاحق.[86] كذلك، انشا نابليون حلفا مع الدولة القاجارية ضد روسيا
وبريطانيا، استمر منذ سنة 1807 حتى سنة 1809. انتهى هذان الحلفان عندما عادت فرنسا وتحالفت
مع روسيا وحولت انتباهها الى اوروبا من جديد.[44]

حرب الائتلاف الرابع

  • Crystal Clear App Kdict-Png مقالة مفصلة: حرب التحالف الرابع
قصة نابليون بونابرت 20160818 387
نابليون يتفقد جنوده قبل وقوع معركة يينا (14 اكتوبر سنة 1806)، بريشة “هوراس فرنيه”.

تشكل الائتلاف الرابع من الدول لمحاربة فرنسا في سنة 1806، بعد هزيمة النمسا وروسيا في
معركة اوسترليتز، وضم كل من: بروسيا، روسيا، بريطانيا، ساكسونيا، السويد، وصقلية. وفي ذات السنة وقع
خلاف بين نابليون وبروسيا، فتقدمت الجيوش الفرنسية بسرعة خاطفة وهزمت البروسيين في “معركة يينا” واحتلت
عاصمتهم برلين،[87] فانسحب “فريدريش ڤيلهام الثالث” ملك بروسيا الى ناحية الشرق كي ينضم لحليفته روسيا
التي ارسلت جيشا لنجدته. لكن نابليون زحف على الجيش الروسي المتقدم عبر بولندا وقاتلهم قتالا
دمويا في “معركة ايلاو” ازهقت فيه ارواح الكثير من الجنود الفرنسية والروسية، وانتهى بتراجع الجيش
الروسي من مواقعه في السادس من فبراير سنة 1807.[88]

لاحق نابليون الجيش الروسي المنسحب الى بروسيا الشرقية، وهزمه والبروسيين معا في معركة فريدلند، وبعد
هذا النصر الحاسم، ابرم نابليون معاهدتين عرفتا باسم “معاهدتي تيلزينت” تيمنا بمدينة تيلزينت الواقعة في
روسيا، فاقتسم بموجب احداها السلطة في اوروبا مع القيصر الروسي “الكسندر الاول”؛ اما الثانية التي
ابرمت مع بروسيا، فاقتطع بموجب نصوصها جميع اراضي تلك الدولة التي تقع غربي نهر الالب،
وجميع الاراضي التي غنمتها في التقسيمين الثاني والثالث من بولندا، وصنع من ذلك دويلات جديدة،
نصب على عروشها بعض اقربائه واصدقائه، مثل شقيقه “جيروم” الذي توجه ملكا على مملكة وستفاليا.
كذلك انشا نابليون “دوقية وارسو” في الجزء الذي سيطرت عليه فرنسا من بولندا، ونصب على
عرشها الملك “فريدريك اغسطس الاول”.[89]

لما اخضع نابليون اوروبا كلها تقريبا لسيطرته وعجز عن بريطانيا، عمد الى محاربتها اقتصاديا. فحرم
على جميع الدول الاوروبية المتاجرة معها، عن طريق اصداره لمرسومين امبراطوريين، احدهما في مدينة ميلان
والاخر في برلين، يحرمان جميع اعمال التجارة كالاستيراد والتصدير مع المملكة المتحدة. الا ان هذه
الحرب الاقتصادية لم يكتب لها النجاح، اذ ان بريطانيا ردت عليه بالمثل، فمنعت المتاجرة مع
فرنسا، وضربت حصارا على القارة الاوروبية، كذلك نشطت اعمال التهريب من والى بريطانيا، ولم يستطع
ضباط الجمارك الفرنسيون ان يفعلوا شيءا لايقافها.[90]

حرب شبه الجزيرة الايبيرية

  • Crystal Clear App Kdict-Png مقالة مفصلة: حرب شبه الجزيرة الايبيرية
قصة نابليون بونابرت 20160818 3275
مسؤولون اسبان يسلمون مدينة مدريد الى بونابرت. بريشة “انطوان جون گرو”، 1810.

كانت البرتغال صديقة لبريطانيا، فلم تنقطع عن التعامل معها، مخالفة بذلك المراسيم الامبراطورية التي اصدرها
نابليون، فاتفق الاخير مع حليفته اسبانيا على غزوها واقتسامها بينهما. وفي سنة 1807 نفذا هذه
الخطة بنجاح وهربت العائلة المالكة الى اكبر مستعمراتها “البرازيل” وبقيت هناك حتى بعد اقصاء نابليون
عن العرش. ولكن نابليون كان يطمع في اسبانيا نفسها، فابقى جيشه فيها بحجة الحلف القائم
بين الدولتين، واجبر ملكها “كارلوس الرابع” على التنازل عن العرش، وتوج اخاه “جوزيف” ملكا عليها
في سنة 1808، وجعل في منصب الاخير السابق، كملك على ناپولي، صهره “يواقيم مراد”. اثار
تصرف بونابرت شعور الشعب والجيش الاسباني الذي هب لمحاربة الفرنسيين بدءا من 2 مايو سنة
1808، فيما عرف باسم “انتفاضة الثاني من مايو” (بالاسبانية: El Levantamiento del dos de mayo).[91]
هزم نابليون الجيش الاسباني، بعد ان كان الاخير قد نجح في التغلب على الفرنسيين واخراجهم
من مدينة مدريد واسترجاع العديد من الاراضي المفقودة، كذلك تمكن نابليون من هزيمة فرقة عسكرية
بريطانية ارسلت لدعم الثوار الاسبان، ودفع بالجنود نحو الشاطئ الشمالي لشبه الجزيرة الايبيرية.[92] وقبل ان
يتم اخضاع الشعب الاسباني بالكامل، كانت النمسا قد اعلنت الحرب مجددا على فرنسا، فاضطر نابليون
الى ان يترك اسبانيا ويعود الى بلاده.[93]

قصة نابليون بونابرت 20160818 3276
الدوق الاول لولينگتون، “ارثر ويلزلي” في سنة 1814. بريشة السير “طوماس لورنس”.

استمرت حرب شبه الجزيرة الايبيرية مشتعلة في غياب نابليون، وكلفت فرنسا واسبانيا ثمنا باهظا من
الناحية البشرية والمالية؛ ففي الحصار الثاني لمدينة سرقسطة، لحق الدمار بمعظم انحاء المدينة، وقتل ما
يزيد عن 50,000 شخص من سكانها.[94] وعلى الرغم من ان نابليون كان قد ترك ثلة
من نخبة جنوده، الذين وصل عددهم الى 300,000 جندي، لقتال المقاومين الاسبان الى جانب القوات
البريطانية والبرتغالية بقيادة “ارثر ويلزلي” الدوق الاول لولينگتون، الا ان السيطرة الفرنسية على شبه الجزيرة
استمرت بالتضعضع والانهيار شيءا فشيئا.[95] استمرت هذه الحرب عدة سنوات، وكانت في واقع الامر اول
خطوة نحو انهيار نابليون، ولم تنتهي الا عندما تنازل الاخير عن العرش سنة 1814.[96] وصف
نابليون حرب شبه الجزيرة الايبيرية في وقت لاحق على انها كانت محور هزيمته النهائية، فكتب
في مذكراته يقول: «ان تلك الحرب المشؤومة هي ما دمرني… لقد شكلت العقدة القاتلة… التي
تفرعت منها جميع الكوارث اللاحقة التي حلت بي».[97]

حرب الائتلاف الخامس والزواج الثاني

قصة نابليون بونابرت 20160818 3277
نابليون في ڤاگرام، بريشة “هوراس فرنيه”.

عندما كان نابليون منهمكا في اخضاع الثورة الاسبانية، قامت النمسا فجاة بفض تحالفها مع فرنسا،
وذلك في شهر ابريل من عام 1809، وهبت للانقضاض على بونابرت بتحريض من بريطانيا، فاضطر
نابليون الى ان يترك اسبانيا ويقود الجيش الفرنسي المرابط على نهر الدانوب والحدود الالمانية بنفسه.
انتصر الفرنسيون في بادئ الامر على النمساويين في بعض المعارك الصغيرة، لكنهم عادوا وواجهوا صعوبة
في عبور الدانوب، فهزموا بالقرب من ڤيينا في “معركة اسپيرن-اسلينغ” بتاريخ 22 مايو من نفس
العام. لكن النمساويين فشلوا في الاستفادة من الوضع وما لحق بالجيش الفرنسي، الامر الذي اعطى
نابليون الفرصة ليعيد تنظيم الصفوف ويقهر الجيش النمساوي في “معركة ڤاگرام”. توجه نابليون بعد انتصاره
الى مدينة ڤيينا، عاصمة النمسا، حيث املى شروط الصلح ووقع مع النمساويين “معاهدة شونبرون”، التي
قضت بسلخ اجزاء مهمة اخرى من الامبراطورية النمساوية المجرية.[98]

قصة نابليون بونابرت 20160818 388
الامبراطورية الفرنسية في اقصى اتساعها سنة 1811:
  اراضي الامبراطورية
  بلدان خاضعة لسلطان نابليون
  بلدان تحالفت مع نابليون سنة 1812

كانت بريطانيا ترغب في فتح جبهة جديدة في البر الاوروبي موجهة نحو فرنسا، الى جانب
الجبهة الايبيرية، فقام البريطانيون بالتخطيط لحملة هولندية عرفت باسم “حملة ڤالخرن” (بالانكليزية: Walcheren Campaign)، لكنهم
ما ان بداوا بتنفيذها حتى ارسل نابليون تعزيزات عسكرية الى مدينة انتويرب البلجيكية القريبة من
هولندا، محبطا بذلك خطة بريطانيا في الهجوم على فرنسا.[99] قام بونابرت بعد ذلك باحتلال الدولة
البابوية بسبب رفض الكنيسة دعم حربه الاقتصادية على بريطانيا؛ فرد البابا “پيوس السابع” بحرمان الامبراطور
حرمانا كنسيا. وبعد هذا الفعل الذي اتاه البابا، قام الضباط الفرنسيون باعتقاله، على الرغم من
ان بونابرت لم يامر بذلك، الا انه بالمقابل لم يامر باطلاق سراحه عندما علم بما
جرى. نقل البابا عبر طول الاراضي الخاضعة لنابليون وعرضها، حتى في الفترات التي كان يعاني
خلالها من نوبات مرضية، واستمر نابليون يرسل له وفودا تضغط عليه للموافقة على بعض الامور،
بما فيها التوقيع على معاهدة بابوية جديدة مع فرنسا، الا ان “پيوس” رفض ذلك. تزوج
نابليون في سنة 1810 من ابنة الامبراطور النمساوي “ماري لويز” ارشيدوقة بارما، بعد ان تطلق
من “جوزفين”؛ الامر الذي ادى لمزيد من التوتر في علاقته مع الكنيسة، حيث رفض ثلاثة
عشر كاردينالا حضور حفل زفافه، فامر بسجنهم جميعا.[100] بقي البابا في الاسر طيلة 5 سنوات
ولم يرجع الى روما حتى شهر مايو من سنة 1814.[101]

وافق نابليون على تربع “كارل يوحنا الرابع عشر” ملكا على السويد في شهر نوفمبر من
سنة 1810، والاخير كان يعمل مشيرا في خدمة بونابرت وفرنسا منذ الثالث من سبتمبر سنة
1780، وعرض عليه التاج بعد ان توفي ولي العهد السويدي اثر ازمة قلبية، وتنازل له
الامير الذي يليه في المرتبة عن المنصب. كان نابليون قد وافق على تولي المشير السابق
عرش السويد اكراما لخطيبته السابقة “ديزيريه كلاري” التي تزوج منها “كارل يوحنا”، لكنه عاد وندم
على موافقته هذه وعلى ابقائه للاخير على قيد الحياة، عندما اقدم يوحنا على التحالف مع
اعداء فرنسا لاحقا.[102]

غزو روسيا

  • Crystal Clear App Kdict-Png مقالة مفصلة: الغزو الفرنسي لروسيا

كان نابليون قد عقد مؤتمرا في مدينة ارفورت بالمانيا، امتد من 27 سبتمبر الى 14
اكتوبر من سنة 1808، وعرف باسم “مؤتمر ارفورت”، مع القيصر “الكسندر الاول”، نصا فيه على
توثيق العلاقات بين الامبراطوريتين الفرنسية والروسية وعلى اتخاذ كل منهما للاخر حليفا، اضف الى ذلك
ان القائدين كانت تجمعهما صداقة حميمة منذ ان التقيا للمرة الاولى في مدينة تيلزينت سنة
1807.[103] الا انه بحلول عام 1811، كان التوتر قد تصاعد بين الدولتين، وكان القيصر يتعرض
لضغوط كثيرة من قبل النبلاء ليفض الحلف مع فرنسا. وكانت اولى بوادر انحلال هذا الحلف
تعامل روسيا باللين مع المملكة المتحدة، متجاهلة الحرب الاقتصادية التي فرضها عليها نابليون، الامر الذي
اثار غضب الاخير.[104] وفي سنة 1812، اقترح المستشارون على القيصر ضرب عصفورين بحجر واحد: غزو
فرنسا والقضاء على نابليون، واسترجاع بولندا بعد انحلال الامبراطورية الفرنسية. وصلت انباء الاستعدادات الروسية للحرب
الى نابليون عن طريق تقارير الاستخبارات الفرنسية، فجهز جيشا ضخما وصل تعداده الى 450,000 رجل
وزحف به على روسيا بتاريخ 23 يونيو سنة 1812، متجاهلا النصائح المستمرة التي قدمها له
المستشارون بعدم غزو الاراضي الروسية الداخلية بسبب مساحتها الشاسعة ومناخها القاسي المختلف عما اعتادت عليه
الجنود الفرنسيين.[105]

قصة نابليون بونابرت 20160818 3278
نابليون في موسكو المشتعلة.

اطلق نابليون على هذه الحرب اسم “الحرب البولندية الثانية”، وذلك في محاولة منه لكسب تاييد
البولنديين الوطنيين، وكانت الحرب البولندية الاولى قد وقعت قبل ذلك في سنة 1768، وخاضتها روسيا
ضد “اتحاد بار”، وهو اتحاد مكون من النبلاء البولنديين الذين رفضوا تدخل روسيا في شؤون
بلادهم وتحالف ملكهم “ستانيسلاڤ اوغست بونياتوڤسكي” مع الروس.[106] وكان الوطنيون البولنديون يرغبون بان يضم القسم
الروسي من بولندا الى دوقية وارسو حليفة فرنسا، وتكوين دولة بولندية مستقلة. رفض نابليون هذا
الطلب قائلا انه قد وعد حليفته النمسا بان لا يحصل شيء من هذا على الاطلاق.
كذلك رفض نابليون اعتاق الاقنان الروس خوفا من ان يؤدي ذلك الى ردة فعل غير
محمودة في مؤخرة جيشه، وكردة فعل على ذلك، ارتكب الاقنان عددا من الاعمال الوحشية عند
انسحاب الجيش الفرنسي من روسيا في وقت لاحق من ذلك العام.[107]

تفادى الروس هدف بونابرت القاضي بالاشتباك معهم في معركة وحيدة حاسمة، وتراجعوا الى داخل روسيا
عوضا عن ذلك، وبقي 130,000 جندي منهم في مدينة سمولينسك في محاولة لصد التقدم الفرنسي،
لكنهم هزموا، وتابع الفرنسيون تقدمهم محققين الانتصار تلو الاخر في سلسلة من المعارك. تابع الجيش
الروسي تفادي الاحتكاك مع الفرنسيين، على الرغم من ان هذا كان بسبب عدم اقدام نابليون
على المناداة بالهجوم في بعض الاحيان على نحو غير معهود. وان كان الروس قد تجنبوا
قتال جيش بونابرت، الا انهم اتبعوا استراتيجية الارض المحروقة، مدمرين كل قرية او حقل او
بستان مروا به، الامر الذي جعل من العسير على الفرنسيين العثور على الطعام الكافي لهم
ولخيولهم.[108]

قصة نابليون بونابرت 20160818 3279
انسحاب نابليون من روسيا، بريشة “ادولف نورثن”.

عرض الروس على نابليون معركة في نهاية المطاف، على ان تقع خارج موسكو، فوافق نابليون
على هذا الاقتراح، ونشبت معركة بورودينو (بالروسية: Бородинская битва؛ وبالفرنسية: Bataille de la Moskowa)، التي
نجم عنها خسارة 44,000 جندي روسي و35,000 جندي فرنسي ما بين قتيل وجريح واسير، وقد
قيل في هذه المعركة انها كانت اكثر المعارك دموية في التاريخ البشري حتى ذلك الحين.[109]
وعلى الرغم من ان الفرنسيين انتصروا، الا ان الروس تفاخروا بانهم صمدوا في وجه نابليون
ولم يعطوه الفرصة التي كان يحلم بها، بان يقضي عليهم في معركة واحدة حاسمة. قال
نابليون عن هذه المعركة: «ان اسوا معركة خضتها في حياتي كانت تلك التي وقعت قرب
موسكو. لقد اظهر الفرنسيون انفسهم بمظهر مستحقي النصر، لكن الروس اظهروا انفسهم بمظهر غير المقهورين».[110]

تراجع الجيش الروسي بعد معركة بورودينو لما بعد مدينة موسكو، فدخلها نابليون معتقدا ان فتحها
سوف ينهي الحرب وان القيصر سيطلب منه البدا باجراء محادثات السلام. الا ان حاكم المدينة،
المدعو “فيودور روستوپشين”، رفض الاستسلام واضرم النار في جميع انحاء موسكو ليلا واحرقها عن بكرة
ابيها. وبعد شهر من هذه الحادثة، انسحب الجيش الفرنسي من موسكو بعد ان بلغت نابليون
انباء مقلقة عن اضطراب الاوضاع في فرنسا وخوفه من فقدان سلطته.[111]

عانى الفرنسيون معاناة كبيرة اثناء انسحابهم وذاقوا الامرين، اذ تعاون برد الشتاء الروسي القارس والمرض
ومناوشات الاقنان على افناء الجيش فلم يسلم منه الا عدد قليل، فقد كان عدد الجنود
في بداية الحملة يصل لاكثر من 400,000 جندي على الخط الامامي، اما عند العودة في
شهر نوفمبر من سنة 1812، لم ينجح اكثر من 40,000 منهم بعبور نهر بيريزينا، احد
روافد نهر الدانوب في روسيا البيضاء.[112] اما الروس، ففقدوا 150,000 جندي ومئات الالوف من المدنيين.[113]

قصة نابليون بونابرت 20160818 389
الرسم البياني الشهير للمهندس المدني الفرنسي “شارل جوزيف مينار”الذي يظهر حجم الجيش الفرنسي عند زحفه
على موسكو وعند انسحابه منها، حيث يساوي حجم الجيش عرض الخط. وضعت درجة حرارة الطقس
اثناء عودة الجيش في اسفل الرسم بمقياس “ريومور” (اضرب قيمة مقياس ريومور بواحد وربع (1¼)
حتى تحصل على درجة الحرارة المئوية، مثلا −30°ر = −37.5 °م)

حرب الائتلاف السادس

عاد نابليون الى باريس فجهز حملة جديدة قوامها 350,000 جندي، وذلك خلال فترة سنة امتدت
من شتاء سنة 1812 حتى الشتاء التالي، وحاول ان يعود بها الى روسيا.[114] وعرف البروسيون
ما حل بنابليون في روسيا، وادركوا ان الفرصة سنحت لتحريرهم، فشكلوا حلفا جديدا مع روسيا
وبريطانيا والسويد والنمسا واسبانيا والبرتغال، وواجهوا نابليون بجيوشهم، فالحق بهم عدد من الخسائر توجت “بمعركة
دريسدن” بالمانيا بتاريخ 26 و27 اغسطس سنة 1813.[115] وعلى الرغم من هذا النجاح الذي حققه
نابليون الا ان ذلك لم يحبط عزيمة الحلفاء، فزادوا من اعداد جيوشهم، وما زالوا يزيدونها
حتى هزموا نابليون هزيمة كبيرة في “معركة الامم” بقوة عسكرية بلغ حجمها ضعف حجم جيشه.
كانت هذه المعركة اكبر معارك الحروب النابليونية، حيث وصل عدد القتلى فيها الى 90,000 قتيل.[116]

قصة نابليون بونابرت 20160818 3280
الجيش الروسي يدخل باريس سنة 1814.

انسحب نابليون عائدا الى فرنسا بعد ان تقلص عدد جيشه ليصل الى 110,000 جندي استطاع
70,000 منهم الوصول الى باريس بينما تلكا الاربعون الفا الباقين، بينما كان عدد القوات الحليفة
يفوق عدد الجيش الفرنسي بثلاثة اضعاف.[117] وبعد عودة نابليون، وجدت فرنسا نفسها محاصرة، فقد كانت
القوات البريطانية تقبع على حدودها الجنوبية، بينما كانت القوات الحليفة الاخرى متمركزة على حدود الولايات
الالمانية المجاورة، مستعدة للانقضاض عليها في اي وقت. حاول نابليون مقاومة الحلفاء المحاصرين، فانتصر عليهم
في بضعة معارك في حملة اطلق عليها اسم “حملة الايام الستة”، الا ان تلك الانتصارات
لم تكن ذات اهمية كبيرة ولم تبلغ الحد الذي يقلب الاية، فدخلت جيوش الحلفاء باريس
في شهر مارس من سنة 1814.[118]

عرض نابليون على قادة جيشه الهجوم على العاصمة الفرنسية وتحريرها من القوات الحليفة، لكن القادة
رفضوا ذلك وفضلوا العصيان على الهجوم،[119] وفي الرابع من ابريل واجهوا نابليون بهذا الامر بقيادة
المشير “ميشيل ناي”، احد الضباط القدامى في فرنسا وصديق مقرب من بونابرت، فقال الاخير ان
الجيش سوف يتبعه، فاجابه ناي ان الجيش لن يتبع سوى قادته. فلم يجد نابليون بدا
من ان يتنازل عن العرش لصالح ابنه “نابليون الثاني”؛ الا ان الحلفاء لم يقبلوا بهذا
الامر، فاضطر نابليون ان يتنازل دون قيد او شرط، وذلك في 11 ابريل سنة 1814.
فعقد الحلفاء مؤتمرا في قصر فونتينبلو اعلنوا فيه تنازل بونابرت، فقالوا:

«ان القوى الحليفة بعد ان اعلنت ان الامبراطور نابليون كان العائق الوحيد في وجه احلال
السلام في اوروبا، فان الامبراطور نابليون، يعلن وفاء ليمينه، انه قد تنازل عن منصبه، ومنصب
اولياء عهده، من عرش فرنسا وعرش ايطاليا، وانه ليس هناك من تضحية، حتى التضحية بحياته،
هو ليس مستعد لان يبذلها في سبيل صالح فرنسا.
تم في قصر فونتينبلو، بتاريخ 11 ابريل سنة 1814.» – مرسوم تنحي نابليون[120]
قصة نابليون بونابرت 20160818 3281
نابليون يودع جنوده في باحة قصر فونتينبلو قبل توجهه الى جزيرة البا، بريشة “انطوان الفونس
مونتفورت”.

ابرم الحلفاء بعد ذلك معاهدة عرفت باسم “معاهدة فونتينبلو”، اتفقوا فيها على نفي نابليون الى
جزيرة صغيرة تدعى “البا” تقع في البحر المتوسط على بعد 20 كيلومترا من شواطئ توسكانا،
ويقطنها 12,000 نسمة، واعطوه سيادة كاملة عليها، وسمحوا له بالابقاء على لقبه كامبراطور. حاول نابليون
الانتحار عن طريق ابتلاع قرص سام كان يحمله معه منذ ان كاد الروس يقبضون عليه
عند انسحابه من موسكو، الا ان درجة السمومية فيها كانت قد خفت مع مرور الزمن،
فلم تعطي النتيجة المرجوة، ونجا بونابرت ليتم نفيه كما هو مخطط، بينما هربت زوجته وابنه
ليحتميا في ڤيينا.[121] انشا نابليون جيشا واسطولا صغيرا خلال الاشهر القليلة الاولى التي امضاها في
البا، كذلك قام بتطوير مناجم الحديد، واصدر عدد من المراسيم لتطوير طرق الزراعة في الجزيرة
وفق الاساليب الحديثة.[122]

الايام المائة

  • Crystal Clear App Kdict-Png طالع ايضا: لويس الثامن عشر
  • معركة واترلو
  • مؤتمر فيينا
قصة نابليون بونابرت 20160818 3282
نابليون يغادر جزيرة البا، بريشة “جوزيف بوم”.

بعد ذهاب نابليون عادت الملكية الى فرنسا واصبح “لويس الثامن عشر”، اخو “لويس السادس عشر”،
ملكا. اجتمع المنتصرون في مدينة ڤيينا لاعادة تنظيم اوروبا، ولكنهم اختلفوا واوشكت الحرب ان تقع
بينهم. وعلم نابليون بذلك، فهرب من منفاه بتاريخ 26 فبراير سنة 1815، والواقع ان هذا
العلم كان الحجة الاخيرة التي احتاجها نابليون ليعود الى فرنسا، فعلى الجزيرة ازداد شوقه لزوجته
وابنه القابعين في النمسا، عدوته اللدودة، وقطع عنه البدل الذي كان مقررا له وفق معاهدة
فونتينبلو، ووردت الى مسامعه اخبار تفيد بان البريطانيين يرغبون بارساله الى جزيرة في المحيط الاطلسي،
فكان خلاف الحلفاء كافيا ليجعله يقرر العودة فورا. وصل نابليون الى فرنسا بعد يومين من
مغادرته البا، وهبط في “خليج خوان” على الساحل الشرقي لفرنسا.[123] وما ان سرى نبا عودة
بونابرت، حتى ارسل اليه “لويس الثامن عشر” الفوج الخامس من الجيش الفرنسي ليعترض طريقه ويقبض
عليه، فقابلوه جنوب مدينة “گرونوبل” بتاريخ 7 مارس سنة 1815. فاقترب نابليون من الجنود بمفرده
ثم ترجل عن حصانه واقترب اكثر حتى اصبح في مرمى نيرانهم، وصرخ قائلا: “ها انا
ذا. فلتقتلوا امبراطوركم اذا شئتم”،[124] فصاحت الجنود “يحيا الامبراطور!”، ثم ساروا وراء نابليون نحو باريس؛
وما ان علم الملك بما حصل حتى هرب من المدينة. اعلن المجتمعون في مؤتمر ڤيينا
ان نابليون خارج عن القانون، وذلك في الثالث عشر من شهر مارس، وبعد 4 ايام
تعهدت كل من بريطانيا وهولندا وروسيا والنمسا وبروسيا ان تجمع جيوشها حتى تصل في عددها
الى 150,000 رجل، كي تضع حدا لحكم نابليون.[125]

وصل نابليون الى باريس في العشرين من مارس، وحكم البلاد لفترة اطلق عليها المؤرخون اسم
“الايام المائة”. وصل تعداد الجنود الفرنسية في اوائل شهر يونيو الى 200,000 جندي، فقرر نابليون
ان يبادر بالهجوم كي يحدث شرخا بين القوات البريطانية والبروسية ويؤخر انضمامها لبعضها البعض، وبناء
على ذلك ارسل الى جيش الشمال الفرنسي ليعبر حدود مملكة هولندا المتحدة، التي تشكل اليوم
الاراضي البلجيكية، استعدادا لقتال البروسيين القادمين من تلك الانحاء.[126]

قصة نابليون بونابرت 20160818 390
معركة واترلو، بريشة “وليام سادلر” (1782–1839).

وفي 18 يونيو سنة 1815، وقعت بين فرنسا والحلفاء “معركة واترلو” الحاسمة، وفيها صمدت الجنود
البريطانية صمودا كبيرا على الرغم من الهجوم المستمر غير المتوقف للقوات الفرنسية، واستطاعت دحرهم من
الميدان، الى ان وصلت القوات البروسية وخرقت الجناح الايمن للجيش الفرنسي، الذي تقهقر منهزما شر
هزيمة. تعزى هزيمة بونابرت في ذلك اليوم الى قتاله لجيشين بجيش واحد على ارض رطبة
موحلة، كذلك فان صحته كانت قد تراجعت بعض الشيء وكذلك حيويته، الامر الذي لم يجعل
حضوره مهيبا كالعادة وبالتالي لم يستطع التاثير بجنوده، ايضا يحتمل بان كثيرا من ضباطه خذلوه،
واخيرا فان عددا من جنوده المخضرمين قضوا نحبهم اثناء العودة من روسيا، فكان لغياب خبرتهم
على ارض المعركة صداه في نتيجتها. انسحب الجيش الفرنسي من ميدان المعركة في فوضى واضطراب
شديدين، مما فتح المجال امام الحلفاء ليعودوا الى فرنسا وينصبون “لويس الثامن عشر” ملكا عليها
مجددا.

حاول نابليون بعد هزيمته المريرة ان يهرب الى الولايات المتحدة، فاستقل سفينة من مرفا “روشفور”
الواقع بغرب فرنسا وتوجه غربا، لكنه لم يبتعد كثيرا اذ اعترضت طريقه بضعة سفن بريطانية
وطالبت تفتيش السفينة، ولما عرض عليه مرافقيه الاختباء في احدى البراميل، رفض بشدة معتبرا ذلك
اهانة لكرامته، فاستسلم الى البريطانيين، وطلب اللجوء السياسي من القبطان “فريدريك لويس ميتلاند” على متن
سفينته “اتش ام اس بيلليروفون”، وذلك بتاريخ 15 يوليو سنة 1815.[127]

نهاية نابليون

النفي الى جزيرة القديسة هيلانة

قصة نابليون بونابرت 20160818 3283
السفينته “اتش ام اس بيلليروفون” تحمل نابليون الى جزيرة القديسة هيلانة.

اعتقل نابليون وسجن لفترة قصيرة، ثم نفي الى جزيرة القديسة هيلانة في وسط المحيط الاطلسي
الجنوبي بين افريقيا والبرازيل، والتي تبعد 2,000 كيلومتر تقريبا عن كليهما. عاش نابليون اول شهرين
له على الجزيرة في منزل على ارض مملوكة لشخص يدعى “وليام بالكومب”، وسرعان ما اصبح
صديقا مقربا لافراد العائلة، وبشكل خاص للابنة الصغرى “اليزابيث لوسيا”، التي الفت في وقت لاحق
كتاب “ذكريات الامبراطور نابليون”[128] (بالانگليزية: Recollections of the Emperor Napoleon). انتهت هذه الصداقة في عام
1818، عندما شكت السلطات البريطانية بان بالكومب يلعب دور الوسيط بين نابليون وباريس، فقامت بترحيل
بالكومب من الجزيرة.[129]

قصة نابليون بونابرت 20160818 3284
منزل لونگوود على جزيرة القديسة هيلانة حيث امضى نابليون السنوات الاخيرة من حياته.

نقل نابليون بعد ذلك الى “منزل لونگوود” في شهر ديسمبر من سنة 1815؛ وكان ذلك
المنزل شديد العطب كثير الرطوبة، تعصف به الرياح على الدوام. نشرت صحيفة “الازمان” البريطانية عدة
مقالات تقول فيها بان الحكومة البريطانية ترغب بالتسريع من موت بونابرت، وان الاخير دائما ما
اشتكى من ظروف العيش السيئة في رسائل موجهة الى حاكم الجزيرة السير “هدسون لوي”.[130] وفي
تلك الفترة، قام بونابرت بكتابة ذكرياته بمعاونة ثلة من تابعيه المخلصين الذين حضروا معه الى
الجزيرة، وانتقد فيها اسروه وبشكل خاص الحاكم لوي. يتفق العديد من المؤرخين ان معاملة لوي
لنابليون كانت معاملة رديئة،[131] فقد اقدم على جعل وضعه يتفاقم بعدة طرق منها: الانقاص من
حجم المصروف الذي كان يرسل اليه، منع ارسال او تسليم اي هدية اليه ان كانت
تتضمن ذكرا لمنصبه الامبراطوري، ووثيقة كان على تابعيه التوقيع عليها وهي تضمن بقائهم الى جانبه
الى اجل غير مسمى.[131]

قصة نابليون بونابرت 20160818 3285
نابليون على جزيرة القديسة هيلانة.

في سنة 1818 نشرت صحيفة الازمان اشاعة كاذبة تفيد بان نابليون هرب من الجزيرة، كما
قيل ان عدد من اللندنيين استقبل هذا الخبر بالاضاءات العفوية.[معلومة 8][132] حصد نابليون خلال الفترة
التي قضاها في الجزيرة تعاطف بعض اعضاء البرلمان البريطاني، فقد القى اللورد “هنري ڤاسل فوكس”،
احد كبار السياسيين، خطابا قويا في احدى الجلسات طالب فيه الا تتم معاملة نابليون بقسوة
غير ضرورية.[133] وفي هذا الوقت كان نابليون يتابع ما يجري في بريطانيا عن طريق ذات
الصحيفة التي نشرت خبر هروبه، فتامل ان يتم اطلاق سراحه بحال اصبح فوكس رئيسا للوزراء.
حصل نابليون كذلك على دعم اللورد “طوماس كوكران” الذي دعم حركة الاستقلال في كل من
تشيلي والبرازيل، ورغب في انقاذ نابليون ومساعدته على انشاء امبراطورية جديدة في امريكا الجنوبية، الا
ان هذه الخطة احبطت بوفاة نابليون سنة 1821.[134] كان هناك ايضا عدد من الخطط الاخرى
الهادفة لانقاذ نابليون، منها الخطة التي وضعها الجنود الفرنسيون الذين نفوا الى ولاية تكساس الامريكية،
ورغبوا في قيام امبراطورية نابليونية جديدة في امريكا الشمالية، حتى انه يقال بوجود خطة قضت
بتهريب بونابرت عن طريق غواصة بدائية.[135] كان نابليون بالنسبة للورد “جورج گوردن بايرون”، وهو احد
الشعراء الانگليز، مثال البطل الرومانسي المضطهد والعبقري الوحيد المعيب. اثارت مسالة قيام نابليون باعمال البستنة
بنفسه في مسكنه بلونگوود في سنواته الاخيرة، حساسية وتعاطف الكثير من ابناء الشعب البريطاني والسياسيين
معه بشكل اكبر من السابق.[136]

وفاته

قصة نابليون بونابرت 20160818 3286
نابليون على فراش الموت.
قصة نابليون بونابرت 20160818 3287
السفينة الفرنسية المسماة “الدجاجة الحسناء” وهي تحمل رفات نابليون عائدة الى فرنسا.

اخذت صحة نابليون بالتراجع تراجعا حادا في شهر فبراير من سنة 1821، وفي الثالث من
مايو كشف عليه طبيبان بريطانيان كانا قد وصلا مؤخرا الى الجزيرة، ولم يستطيعا فعل شيء
سوى النصيحة باعطاءه المسكنات.[137] توفي نابليون بعد يومين من هذا الكشف، بعد ان كان قد
اعترف بخطاياه ومسح بالزيت وقدم له قربانا بحضور الاب “انجي ڤيگنالي”.[137]

وكانت اخر كلمات نابليون وهو يفارق الحياة هي:[137] “فرنسا، جيش، قائد جيش، جوزفين..” (بالفرنسية: France,
armée, tête d’armée, Joséphine..). صنع قناع الموت الاصلي لنابليون قرابة السادس من مايو من نفس
العام، على يد طبيب مجهول الهوية.[138][معلومة 9][139] كان نابليون قد اوصى بان يدفن على ضفاف
نهر السين بعد وفاته، الا ان حاكم الجزيرة رفض نقل الجثمان الى الاراضي الفرنسية وامر
بدفنه على الجزيرة في مكان يقال له “وداي الصفصاف” (بالانگليزية: Valley of the Willows). كذلك
اصر الاخير على نقش عبارة “نابليون بونابرت” على شاهد القبر؛ بينما رغب كل من “شارلز
تريستان” مركيز مونتلون، و”هنري گاتين برتران” احد القادة العسكريين السابقين، بان يكتب اسم “نابليون” فقط
على القبر نظرا لان العادة جرت على ان لا يكتب سوى الاسم الاول من اسم
الملك الراحل على شاهد قبره. وبسبب هذا الخلاف، ترك القبر دون نقش اي اسم على
شاهده.[137]

قصة نابليون بونابرت 20160818 3288
موكب جنازة نابليون وهو يعبر ميدان الكونكورد، بريشة “جاك گوييو”.
قصة نابليون بونابرت 20160818 3289
ضريح نابليون في المقام الوطني للمعوقين.

وفي سنة 1840، استطاع الملك “لويس فيليب الاول” ان يستحصل على اذن من الحكومة البريطانية
لنقل رفات نابليون من جزيرة القديسة هيلانة الى فرنسا. نقلت الرفات على متن الفرقاطة الفرنسية
المسماة “الدجاجة الحسناء” (بالفرنسية: Belle-Poule)، والتي طليت باللون الاسود حدادا خصيصا لهذه المناسبة، وعاد معها
من بقي على قيد الحياة من رجال نابليون واتباعه بعد ان غابوا عن وطنهم الام
حوالي 22 سنة. وصلت تلك السفينة الى ميناء مدينة شيربورغ بتاريخ 29 نوفمبر من نفس
العام، ومن ثم نقلت الرفات على متن سفينة بخارية تحمل اسم “نورماندي”، فحملتها الى مدينة
“لو هاڤر” عبر نهر السين وصولا الى مدينة “روان” فباريس. وبتاريخ 15 ديسمبر اقيمت جنازة
رسمية للقائد الفرنسي، ثم انطلق موكب التشييع من قوس النصر عبر شارع الشانزلزيه مرورا بميدان
الكونكورد وصولا الى مجمع المقام الوطني للمعوقين، حيث وضع النعش في مصلى كنيسة القديس جيروم،
وبقي هناك حتى اتم المصمم والمعماري “لويس ڤيسكونتي” بناء الضريح. وفي سنة 1861، وضعت رفات
نابليون في نعش مصنوع من الرخام السماقي، في السرداب الواقع تحت قبة المقام الوطني للمعوقين.[140]

سبب الوفاة

تعددت الاقوال والاراء حول سبب وفاة نابليون، فقال طبيبه الخاص، المدعو “فرانشيسكو انطومارشي”، والذي اجرى
تشريحا لجثته، انه مات بسرطان المعدة، الا انه لم يوقع على تقرير الكشف الرسمي الذي
طالبت به السلطات البريطانية على الجزيرة على الرغم من ذلك قائلا: “ما شاني والتقارير الانگليزية”.[141]
وكان والد نابليون قد توفي بنفس المرض سالف الذكر، على الرغم من ان ذلك لم
يكن معلوما عند التشريح.[142] يعتبر بعض المؤرخين ان اكتشاف طبيب نابليون الخاص لهذا التقرح الحاد
في معدته لم يكن الا ثمرة ضغط البريطانيين عليه، اذ ان هذا كان من شانه
ان ينفي التهم الموجهة اليهم بتعمدهم اضعاف الامبراطور واهمالهم العناية بصحته.[137]

قصة نابليون بونابرت 20160818 3290
نسخة عن قناع موت نابليون الاول مصنوعة من الجبس.

نشرت مذكرات خادم نابليون “لويس مارشان” التي يذكر فيها الشهور الاخيرة من حياة بونابرت في
سنة 1955، وقد ادى وصفه لنابليون في تلك الفترة الى جعل خبير السموم السويدي “ستين
فروشوڤود” يضع نظريات اخرى حول كيفية موت القائد الفرنسي، ومنها التسميم المتعمد بالزرنيخ، وذلك في
مقال له في نشرة “الطبيعة” العلمية سنة 1961.[143] كان الزرنيخ يستخدم كسم قاتل خلال الحقبة
الزمنية التي عاش بها بونابرت بسبب انه لم يكن قابلا للكشف بحال تم دسه بكميات
ضئيلة على فترة طويلة من الزمن. كتب فروشوڤود في مؤلف له ولزميله “بن ويدر” من
سنة 1978، ان جسد الامبراطور ظل سليما الى حد كبير بعد عشرين عاما من وفاته،
وهذه احدى خصائص الزرنيخ، اي الحفاظ على الانسجة الحيوية. كذلك اكتشف الزميلان ان نابليون كان
يعاني من ظما شديد في ايامه الاخيرة، وانه دائما ما حاول ارواء نفسه بشرب كمية
كبيرة من شراب اللوز ذي نسبة مركبات السيانيد نفسها الموجودة في حبات اللوز الناضجة، والتي
تستخدم لاضفاء النكهة على الماكولات والمشروبات، وذكرا ان معالجته باستخدام بوتاسيوم الطرطريك منعت معدته من
لفظ هذه المكونات المضرة، وبالتالي فان العطش كان احدى عوارض التسمم.[143] نصت احدى المقالات العلمية
في سنة 2007 ان الزرنيخ الذي عثر عليه في مهاوي شعر بونابرت كان زرنيخا معدنيا،
اي غير عضوي، وهذا النوع هو الاكثر سمية بين انواع الزرنيخ، ووفقا لعالم السموم “پاتريك
كينتز”، فان هذا يشكل الدليل القاطع على ان نابليون قضى نحبه اغتيالا.[144]

يقول باحثون اخرون ان ورق الجدران في منزل لونگوود كان قد الصق باستخدام نوع من
اللاصق ذي نسبة عالية من الزرنيخ، وكان هذا اللاصق يستخدم في بريطانيا منذ فترة طويلة
على الرغم من ان استنشاق رائحته مضر للبشر، ذلك ان الطقس البارد في المملكة المتحدة
يجعل منه حميدا غير مؤذ، اما في جزيرة القديسة هيلانة، حيث الطقس اكثر رطوبة، فيحتمل
انه قد دب اليه التعفن، الامر الذي جعله يبعث غاز الارسين السام الذي استنشقه نابليون
طيلة سنوات. استبعدت هذه النظرية من ضمن باقي النظريات لانها لا تشرح نمط استنشاق الزرنيخ
كما في النظريات الاخرى.[143] زعمت مجموعة من الباحثين في دراسة اجروها سنة 2004، ان وفاة
نابليون جاءت نتيجة انواع العلاج المختلفة التي خضع لها، والتي سببت له اضطرابا في وظيفة
قلبه.[145]

ظهرت بضعة دراسات حديثة تدعم النظرية الاصلية القائلة بوفاة نابليون جراء اصابته بسرطان المعدة،[144] ففي
دراسة من سنة 2008، قام الباحثون بتحليل عينات شعر تعود لبونابرت ماخوذة منه خلال مراحل
مختلفة من حياته، ومن افراد عائلته وبعض الذين عاصروه كذلك الامر. وبعد اجراء التحاليل على
تلك العينات تبين ان كلها تحوي مستويات مرتفعة من الزرنيخ، تفوق المستويات الحالية بمئة مرة.
وبناء على هذا، قال الباحثون ان جسد نابليون كان قد خزن نسبة كبيرة من الزرنيخ
منذ ان كان صبيا واستمر يخزنها طيلة حياته؛ ذلك ان الناس في ذلك الزمن كانوا
عرضة الى روائح الغراء والاصباغ بصورة مستمرة طيلة حياتهم.[معلومة 10][146] وفي دراسة من عام 2007،
تبين انه لم يكن هناك من دليل على التسمم بالزرنيخ في الاعضاء الاكثر عرضة له،
فقيل ان سبب الوفاة هو سرطان المعدة بالفعل.[147]

زوجاته وابناؤه

قصة نابليون بونابرت 20160818 3291
الامبراطورة جوزفين، الزوجة الاولى لنابليون، بريشة “فرانسوا جيرار”، 1801.

تزوج نابليون لاول مرة عندما بلغ السادسة والعشرين من عمره، من ارملة احدى قادة الثورة
الفرنسية، واسمها “جوزفين ال بوارنيه” التي كانت تكبره بست سنوات. كانت جوزفين تعرف باسم تبغضه
بغضا شديدا طيلة الفترة السابقة على معرفتها بنابليون، وهو “روز”، فلما عرف نابليون بذلك اطلق
عليها اسم “جوزفين” عوضا عن اسمها الاول. غالبا ما كان بونابرت يرسل الى زوجته رسائل
غرامية عندما كان يخوض حملاته العسكرية بعيدة عن فرنسا،[148] وقد اقدم على تبني ابنها من
زوجها السابق، المدعو “يوجين”، بشكل رسمي، وكذلك ابنة عمها “ستيفاني”، وزوجهما لبعضهما في وقت لاحق،
كذلك قامت جوزفين بتزويج ابنتها “هورتنس” من “لويس” شقيق نابليون.[149]

قصة نابليون بونابرت 20160818 3292
لوحة “الامبراطورة ماري لويز وملك روما”، التي تظهر “ماري لويز” الزوجة الثانية لنابليون، وطفله منها
“نابليون الثاني”، بريشة “جوزيف فرانك”، 1812.

كان لجوزفين عدد من العشاق الذين تقربوا منها خلال غيبة نابليون عن فرنسا، مثل “شارل
هيپوليت”، الذي كان يعمل ملازما في وحدة الهوصار وعشق جوزفين خلال حملة بونابرت على ايطاليا.[150]
علم نابليون بهذه العلاقة بين زوجته والملازم عندما كان في مصر، فارسل الى اخاه “جوزيف”
يخبره عن هذا الموضوع، فاعترض البريطانيون الرسالة وقاموا بنشرها في الصحف اللندنية والباريسية، مما اثار
احراج نابليون امام جنوده وشعبه. كان لنابليون عدد من العلاقات الجانبية كذلك الامر، بما فيها
علاقة غرامية وقعت احداثها خلال الحملة المصرية، مع زوجة احد ضباطه المدعوة “پولين بيليسل فور”،
التي اطلق عليها اسم “كليوبترا” تيمنا بحاكمة مصر الفرعونية القديمة.[151][معلومة 11][152]

انجب نابليون عددا من الاولاد من عشيقاته، الا انه لم يخلف اي وريث من زوجته
جوزفين، ويرجح البعض ان عدم مقدرة جوزفين على الانجاب كانت تعود الى الاجهاد والضغط النفسي
الذي تعرضت له عند سجنها خلال عهد الارهاب (27 يونيو 1793 – 27 يوليو 1794)،
او بسبب اجهاضها عندما كانت لا تزال في العشرينات من عمرها.[153] قرر نابليون بعد سلسلة
من المحاولات الفاشلة ان يتطلق وجوزفين، حتى يستطيع ان يتزوج مجددا بامراة قادرة على ان
تنجب له وريثا، فاقدم في شهر مارس من سنة 1810 على الزواج بارشيدوقة النمسا وقريبة
الملكة السابقة “ماري انطوانيت”، المدعوة “ماري لويز”، وبهذا كان قد صاهر الاسرة الملكية الالمانية. استمر
زواج ماري لويز ونابليون حتى وفاة الاخير، على الرغم من انها لم تلحق به الى
جزيرة البا عندما نفي للمرة الاولى، وبالتالي لم تراه بعد ذلك ابدا. ولدت ماري لويز
طفلا وحيدا لنابليون عرف باسم “نابليون فرنسيس جوزيف شارلز” (1811–1832)، الذي حمل لقب “ملك روما”
منذ ولادته، ثم خلع عليه اسم “نابليون الثاني” سنة 1814، الا انه لم يحكم فرنسا
الا اسبوعين قبل ان يخلع عليه لقب “دوق المدينة الامبراطورية المستقلة” سنة 1818. توفي نابليون
الثاني جراء داء السل عن عمر يناهز 21 سنة، ولم يترك ورائه اي ذرية.[154]

اعترف نابليون بانجابه لطفلين غير شرعيين: “شارل ليون” (1806–1881) من “اليانور دونول”،[155] الكونت “الكسندر جوزيف
كولونا ڤالڤسكي” (1810–1868) من الكونتيسة “ماري ڤالڤسكا”.[155] كذلك يحتمل ان يكون قد انجب ابناء وبنات
اخرىن لم يعلن عنهم، مثل “كارل يوجين ڤون مولفلد” من “ڤيكتوريا كراوس”؛[156] “هيلين نابليون بونابرت”
(1816–1910) من “البين ال مونتلون”؛ و”جول بارثيلامي سان هيلير” من ام مجهولة.[157]

الصورة الشعبية

قصة نابليون بونابرت 20160818 3293
الرسم الساخر للرسام “جيمس گيلراي” حامل عنوان “الپودنغ الكامل في خطر” (بالانگليزية: The Plumb-pudding in
danger)، وهو يظهر نابليون قصير القامة بشكل ملحوظ.

اصبح نابليون يشكل رمزا بارزا للعبقرية الحربية والدهاء السياسي في العديد من الثقافات حول العالم،
وذلك بعد ان انتشرت قصته وذاع صيته في الدول والمناطق المحيطة بفرنسا في ايامه، وفي
جميع ارجاء المعمورة في وقت لاحق، مع تقدم وسائل الاتصال المواصلات وانتشار الاستعمار والانتداب الاوروبي
في دول متعددة. كان لنابليون اعداء كثر يكرهونه ولكن يكنون له عظيم الاحترام في ذات
الوقت، فعندما سئل امير البحر، الدوق الاول لويلينگتون “ارثر ويلزلي” قائد الجيش البريطاني في معركة
واترلو الشهيرة عن اعظم قائد عسكري في وقته، قال: “ان اعظمهم في الماضي والحاضر والمستقبل
وكل وقت هو نابليون بونابرت”.[158] اطلق اسم نابليون على الكثير من البلدات والشوارع والسفن بعد
وفاته، وعلى بعض شخصيات الرسوم المتحركة حتى في وقت لاحق. كذلك لعب الكثير من الممثلين
دوره في مئات الافلام السينمائية والتلفزيونية، وتم تاليف الكثير من الكتب عن حياته وكتبت عنه
الاف المقالات.[159]

صور نابليون من قبل الصحافة البريطانية خلال عهد حروبه على انه طاغية جبار يشكل خطرا
على بريطانيا وانه يستعد لغزوها في القريب العاجل. وقد بلغ حد تشويه صورة نابليون في
بريطانيا خلال ذلك العهد، ان نظمت قصيدة للاولاد الصغار ونشرت في الكثير من الحضانات، وهي
تحذر الاطفال من عدم الشقاوة، ذلك لان نابليون يقدم على التهام الناس الاشقياء بنهم.[160] كانت
الصحافة المحافظة في بريطانيا تصور نابليون على انه اقصر مما هو عليه في بعض الاحيان،
وقد انتشرت هذه الفكرة واستمرت سائدة لدى الناس لسنوات طويلة بعد انتهاء عهد نابليون وما
زالت. يعزى تصوير بونابرت بهذه القامة ايضا الى الارتباك والخلط بين وحدات القياس الفرنسية والبريطانية؛
وفي واقع الامر يعتبر نابليون مربوع القامة وفقا للزمن الذي عاش فيه، حيث كان العديد
من الناس يبلغون ذات الطول الذي كان عليه، الا وهو 1.7 امتار (5 اقدام و
7 انشات).[161][معلومة 12][162]

استشهد العالم النفسي “الفرد ادلر” بنابليون سنة 1908، ليصف عقدة نقص يعاني منها الناس قصار
القامة، حيث يظهرون سلوكا عدائيا غير عادي ليعوضوا عن افتقارهم للطول الطبيعي؛ فاطلق على هذه
الحالة المرضية اسم “عقدة نابليون”.[163] غالبا ما يظهر نابليون في الرسوم الهزلية وافلام الرسوم المتحركة
وهو يرتدي قبعة ضخمة هلالية الشكل واضعا يده في صدارته، استشهادا برسم “لجاك لويس دايڤيد”
من سنة 1812.[164]

ارثه

الشؤون الحربية

قصة نابليون بونابرت 20160818 3294
تمثال لنابليون على صهوة جواده في مدينة “شيربورغ -اوكتيڤيل” التي كان قد قام بتحصينها تحسبا
لغزو بريطاني. كشف “نابليون الثالث” النقاب عن هذا التمثال في سنة 1858.

لعب نابليون دورا كبيرا في تطوير الاستراتيجيات العسكرية الحديثة، وذلك عن طريق اقتراضه لبعض نظريات
المنظرين السابقين، مثل “جاك انطوان هيپوليت” كونت غيبرت، وبعض الاصلاحات التي وضعتها الحكومات السابقة لقطاع
الجيش، وعن طريق ابداعه لبعض الاستراتيجيات الاخرى وتطوير بعض من تلك التي كانت موجودة سابقا
وصهره لها وتلك القديمة في بوتقة واحدة. ومن الاصلاحات التي قام بها نابليون، استكمال السير
في النظام الذي اقرته الثورة الفرنسية، الا وهو ترقية عناصر الجيش بناء على الجدارة بشكل
رئيسي،[165] كذلك جعل من الفيالق اكبر الوحدات العسكرية بدلا من الكتائب، ودمج جميع وحدات المدفعية
في بطاريات احتياطية، الامر الذي جعل من نظام الموظفين العسكريين نظاما اكثر سلاسة، فعاد سلاح
الفرسان ليشكل جزءا مهما من الجيش الفرنسي. تعتبر هذه الاساليب والاصلاحات التي قام بها نابليون
اساليبا بارزة واساسية من الشؤون الحربية في العهد النابليوني.[165] وعلى الرغم من ان نابليون انتهج
مبدا التجنيد الاجباري الذي فرضته حكومة الادارة وسار به طيلة عهده، الا ان النظام الملكي
اقدم على الغائه بمجرد سقوط الامبراطورية وعودة “لويس الثامن عشر” ليتربع على عرش فرنسا.[166]

استمرت التقنية العسكرية وانواع الاسلحة على حالها طيلة عهد الثورة والامبراطورية، ولم يطرا عليها اي
تغير يذكر، الا ان نظرية “الحركة التشغيلية” التي كانت قد ظهرت خلال القرن الثامن عشر،
تعرضت لتغيير جذري.[167] ويبقى الاثر الاكبر لنابليون هو نمط قيادة الجنود، حيث يراه البعض مثل
المنظر العسكري الكبير “كارل ڤون كلاوزڤيتس” عبقريا حقيقيا في مجالا الفنون الحربية، كذلك يصنف المؤرخون
نابليون على انه من اعظم القادة العسكريين على مر الزمن.[168]

وعلى الرغم من نبوغه العسكري وحنكته ودهائه، فقد تعرض نابليون لعدد من النكسات خلال مسيرته
العسكرية، منها: في معركة الامم سنة 1813، في حملته على روسيا سنة 1812، وفي معركة
اسپيرن-اسلينغ سنة 1809 بحسب راي البعض. كذلك، فقد اضطر الى ان يهجر قواته في مصر
كنتيجة لفشل استراتيجيته في قتال العثمانيين والبريطانيين والروس معا، وليس لخسارته امامهم في ارض المعركة.
انتصر نابليون في جميع المعارك التي خاضها وجها لوجه مع اعدائه، ولم تكن اعداد جنودهم
تفوق اعداد جنوده، عدا معركتين صغيرتين خاضهما اثناء حملته على ايطاليا. يقول المؤرخون ان نجاح
نابليون الفائق كان هو بذاته احد عيوبه، اذ ان هذا النجاح حمل في طياته بذور
الهزيمة الكبيرة التي تعرض لها في وقت لاحق، اذ انه كان يستمر في الغزو وفتح
المدن والولايات الى ان ينهك وجيشه انهاكا تاما ولا يعد بامكانه التقدم اكثر، فيرجع على
اعقابه.

برز نوع من الصرامة تجاه كيفية لقاء جيوش الاعداء وقتالها والتفوق عليها في المناورة خلال
عهد نابليون، فاصبح غزو الاراضي المعادية يتم على جبهات اكثر اتساعا، الامر الذي جعل من
الحروب اكثر حسما ولكن اكثر كلفة. وقد ادى هذا الامر بدوره الى تغيير وجه التاثيير
السياسي للحروب في اوروبا، فاصبحت الدولة الخاسرة تفقد اجزاء كبيرة من اراضيها لصالح المنتصرة، عوضا
عن خسارتها لبعض من جيوبها المعزولة كما في السابق، كذلك ازدادت نسبة معاهدات السلام التي
فرضتها الدول القوية على تلك الضعيفة بشروط وبنود تصب في مصلحتها.[169]

النظام المتري

لم تتقبل طبقات واسعة من الشعب الفرنسي النظام المتري في القياس الذي اعلنه نابليون رسميا
في شهر سبتمبر من عام 1799، ومع ذلك اصبح هذا النظام متبعا ليس فقط في
فرنسا بل بالدول التي تاثرت بفرنسا، وفي عام 1812 اتخذ نابليون خطوة عكسية بعد ان
اصدر مرسوما بالعودة الى النظام التقليدي في القياس، لكن النظام المتري الجديد كان قد انتشر
في كل اوروبا بحلول منتصف القرن التاسع عشر.[170]

تحرير اليهود

قصة نابليون بونابرت 20160818 3295
رسم من سنة 1806 يظهر نابليون وهو يحرر اليهود.

قام نابليون بتحرير اليهود في فرنسا من الكثير من القيود المفروضة عليهم والتي كانت تحدد
اماكن اقامتهم في الاحياء المخصصة لهم، وحقوق التملك والعبادة والتوظيف. وقد واجهت هذه السياسات معارضة
وردود افعال معادية لليهود في داخل فرنسا وفي عدد من الدول الاخرى، الا ان نابليون
اصر عليها وكان يرى ان اعطاء الحقوق لليهود في فرنسا سيجذبهم اليها من بقية البلدان
التي لا يتمتعون فيها بنفس الحقوق والمزايا مما سيفيد البلاد.[171] وقد قال نابليون:

“لن اقبل ابدا اية مقترحات تجبر اليهود على مغادرة فرنسا، فعندي اليهود مثلهم كاي من
المواطنين في بلادنا. فمن الضعف طردهم ومن الشجاعة ضمهم.” [172]

بشكل عام كان نابليون يعتبر مفضلا لليهود حتى ان الكنيسة الارثوذكسية الروسية درجت على تلقيبه
“بمسيح دجال متامر مع اليهود ضد الديانة المسيحية، وعدوا للرب”.[173] اثناء حروب نابليون ضد الدولة
العثمانية، وعندما استعصت عليه اسوار مدينة عكا في عام 1799، قام بتجهيز اعلان لقيام دولة
يهودية في فلسطين،[174] ونشر بيانا يدعو فيه كل يهود اسيا واوروبا للقدوم الى القدس تحت
الراية الفرنسية، وقال فيه:[175]

«ايها الاسرائيليون، انهضوا، فهذه هي اللحظة المناسبة. ان فرنسا تقدم لكم يدها الان حاملة ارث
اسرائيل. سارعوا للمطالبة باستعادة مكانتكم بين شعوب العالم.»

ومع ان الاسباب الحقيقة لهذا الاعلان وحتى صحته محل خلاف عند بعض المؤرخين، الا انه
محل اهتمام الحركة الصهيونية فهو يسبق وعد بلفور بسنوات كثيرة.

قانون نابليون

  • Crystal Clear App Kdict-Png مقالة مفصلة: قانون نابليون
قصة نابليون بونابرت 20160818 391
الصفحة الاولى من النسخة الاصلية للقانون المدني الفرنسي الصادر سنة 1804.

ينسب لنابليون الفضل في صدور القانون المدني الفرنسي الذي اقتبسته باقي الدول الاوروبية التي غزاها،
واستمرت سائرة عليه حتى بعد هزيمة بونابرت ونفيه خارج اوروبا. ومما قاله نابليون عن قانونه:
«ان فخري لا يجد مصدره في الاربعين معركة التي كسبتها في حياتي…فان واترلو سوف تمحي
ذكرى كثيرا من الانتصارات….لكن ما سوف يحيا الى الابد، هو قانوني المدني».[176] لا يزال قانون
نابليون اليوم مقتبسا في ربع الانظمة القضائية حول العالم، يضاف اليه بعض التعديلات التي تلائم
كل دولة ونظامها على حدى.[177] يصف احد المؤرخين الالمان هذا القانون على انه “قانون ثوري”
حفز نمو الطبقة البرجوازية في المانيا حتى اصبح المجتمع الالماني مجتمعا برجوازيا، وذلك عن طريق
توسيعه وحمايته لحق الملكية الفردية ووضعه حدا للاقطاعية. وكان للتغييرات الاقليمية التي اجراها نابليون نتيجة
لحروبه العديدة تاثيير كبير في تاريخ اوروبا الوسطى، لانه ساعد على توحيد المانيا، فبعد ان
كانت قبل نابليون تتالف من حوالي ثلاثمئة ولاية اصبحت في ايامه تتالف من ثمان وثلاثين
ولاية فقط،[178] وكذلك كان الحال مع ايطاليا،[179] وقد ساعدت هذه التغييرات على تطوير الفكرة والنزعة
القومية والدول القائمة على هذا المبدا.[180]

البونابرتية

البونابرتية هي مصطلح مستخدم في تاريخ فرنسا السياسي، وهي ذات معنيين: المعنى الاول يقصد به
اولئك الذين اعادوا احياء الامبراطورية الفرنسية وتربع ال بونابرت على عرش فرنسا، بما فيها اسرة
نابليون الكورسيكية وسلالته المتمثلة بابن اخيه “لويس” الذي اصبح فيما بعد “نابليون الثالث” امبراطور الامبراطورية
الفرنسية الثانية، واول رئيس للجمهورية الفرنسية. وفي معنى اوسع، يقصد بالبونابرتية حركة سياسية يمينية واسعة
تدعو الى قيام دولة مركزية مبنية على الشعوبية السياسية.[181]

انتقاد نابليون

قصة نابليون بونابرت 20160818 3296
لوحة “الثالث من مايو سنة 1808، بريشة “فرانسيسكو دي گويا”، وهي تظهر اعدام عدد من
المدنيين الاسبان بعد انتفاضة الثاني من مايو. اعدم 5 الاف مقاوم اسباني خلال يومين فقط
بامر من نابليون، الامر الذي يشكل دافعا اخر لانتقاده من قبل معارضيه.[182]

قضى نابليون على حالة الفوضى والاضطراب التي كانت تعيشها فرنسا بعد انتهاء الثورة،[183] الامر الذي
جعل منه شخصا محبوبا وبطلا قوميا في نظر الكثيرين، الا ان معارضيه نظروا اليه على
انه طاغية ومغتصب للسلطة،[184] وما زال نقاد نابليون يقولون بانه لم تكن لديه اية مشكلة
في التضحية بالاف بل بملايين الاشخاص في سبيل الوصول الى الهدف الذي يبتغيه، وانه في
سعيه الى السلطة المطلقة اشعل نار الحرب في اوروبا واجج النزاعات فيها متجاهلا المعاهدات والاتفاقيات
المبرمة بين تلك الدول وفرنسا وبينها فيما بعضها في سبيل الحفاظ على السلام. كذلك فان
الدور الذي لعبه في الثورة الهاييتية وقراره الهادف الى اعادة نظام العبودية في مستعمرات فرنسا
في اقاليم ما وراء البحار يسيئ الى سمعته كرجل دولة كبرى.[185] هوجم نابليون ايضا بسبب
سماحه لجنوده بنهب المدن والبلاد التي دخلوها، فمتاحف فرنسا لا تزال غنية بالتحف والاثار التي
غنمتها الجنود الفرنسية في العديد من البلدان التي غزتها واحضرتها الى متحف اللوفر، الامر الذي
جعل منه متحفا مركزيا مهما؛ وقد ادى عمل بونابرت هذا الى تقليد القادة اللاحقين له
في غزواتهم، مما حرم الكثير من الدول من كنوزها القومية.[186] وقد بلغ الحد ببعض المؤرخين،
مثل “پيتر گيل” المؤرخ الهولندي، الى مقارنة نابليون بالقائد النازي “ادولف هتلر”، وذلك في مقال
له من سنة 1947،[187] وقد قال المؤرخ البريطاني “دايڤيد كاندلر” المختص بالحقبة البونابرتية في هذا
التشبيه: “ما كان يمكن ان يكون هناك تشبيه اكثر اهانة للاول واكثر اطراء للثاني”.[188]

يقول النقاد ايضا ان الارث الحقيقي الذي خلفه بونابرت هو فقدان فرنسا لهيبتها ومكانتها بين
الدول العظمى “الحضارية” والموت غير المبرر لالاف من الناس بفعل نزواته الشخصية. يقول المؤرخ “ڤيكتور
دايڤيس هانسون”: “…ان ما تقدمه الوثائق العسكرية لا يمكن التشكيك فيه—17 سنة من الحروب المتواصلة
نجم عنها حوالي 6 ملايين قتيل، وافلاس للخزينة الفرنسية، وفقدان الدولة لمستعمراتها ما وراء البحار”.[189]
يضيف البعض ان نابليون “يمكن وصفه بالرجل الذي اعاد الحياة الاقتصادية في اوروبا جيلا كاملا
الى الوراء بفعل التاثير المدمر لحروبه”.[184] يرد بعض المؤرخين على هذا الراي بالقول ان تحميل
بونابرت اللوم على كل ما حصل هو لمجرد ان تلك الحروب التي دارت رحاها في
القارة الاوروبية تحمل اسمه، في حين انه في واقع الامر، كانت فرنسا ضحية سلسلة من
التحالفات الدولية التي هدفت الى القضاء على المبادئ المثالية للثورة.[190]

يقول بعض المنجمين ان نابليون هو احد اعداء المسيح الذين تنبا بهم “نوستراداموس”.[191] وما تزال
تعقد حاليا بعض المؤتمرات النابليونية الدولية التي يساهم بها اعضاء من الجيش الفرنسي والامريكي، بالاضافة
الى سياسيين فرنسيين وعدد من الباحثين من مختلف انحاء العالم.[192]

 

معلومات

  1. ^ تعرف نابليون خلال فترة دراسته في بريان على صانع الشمبانيا الشهير “جان ريمي مويت”،
    ونشات بين الاثنين صداقة حميمة، حيث كان بونابرت غالبا ما يزور مويت في قصره ويمضي
    عنده عدة ايام. يعرف بان الجنود الفرنسية كانت تفتح زجاجة شمبانيا باستخدام السيف عند كل
    انتصار تحققه، وهذا يدل على ان نابليون كان على الارجح ينفع صديقه عن طريق شراء
    الكثير من زجاجات الشمبانيا لجنوده.
  2. ^ على الرغم من تفوق نابليون في حقل الرياضيات، الا انه لا يبدو ان هناك
    اي صلة بين اسمه ومبرهنة نابليون، كما يقول المؤرخون.
  3. ^ خلال هذه الفترة، كان رؤساء نابليون ومرؤوسوه ينادوه “بونابرت” فقط، واستمر الامر على هذا
    المنوال حتى تقلد منصب القنصل الاول “مدى الحياة”.
  4. ^ يقول بعض المؤرخين بان نابليون سجن في الحصن المربع (بالفرنسية: Fort Carré) الواقع في
    بلدة “انتيب” ولم يوضع تحت الاقامة الجبرية، الا انه لا يوجد اي دليل يفيد بصحة
    هذا القول.
  5. ^ صورت هذه الحملة في لوحة “بونابرت يعبر جبال الالب” (بالفرنسية: Bonaparte franchissant les Alpes)
    للفنان “هيپوليت ديلاروش”، وفي اللوحة الامبراطورية للفنان “جاك لويس دايڤيد” التي حملت ذات الاسم. وفي
    اللوحة الاخيرة رسم نابليون بشكل اقل واقعية حيث يبدو وهو يقود هجوما على صهوة جواده
    على احدى المنحدرات الجبلية.
  6. ^ يقول بعض المؤرخين ان الفرنسيين استعملوا غرف الاعدام بالغاز لقتل عشرات الثوار الهايتيين دفعة
    واحدة.
  7. ^ قام نابليون باهداء البابا عصابة مرصعة بعد الانتهاء من احتفال التتويج. يرمز الى هذه
    العصابة اليوم باسم “عصابة نابليون”.
  8. ^ كانت هذه عادة انگليزية قديمة، تتمثل في قيام اصحاب البيوت باشعال الشموع ووضعها على
    حافة الشبابيك المطلة على الشارع اعلانا بوقوع حدث سعيد.
  9. ^ جرت العادة في العصور السابقة على ان يتم صناعة او سكب قناع على وجه
    الملك او القائد المتوفى حديثا والاحتفاظ به. من المعروف ان 4 اقنعة موت خاصة بنابليون
    ما تزال موجودة: احدها في متحف الرواق، الواقع في ولاية نيو اورلينز الامريكية، والثاني في
    متحف ليڤرپول ببريطانيا، والثالث في هاڤانا، والرابع في مكتبة جامعة كارولينا الشمالية.
  10. ^ يستطيع جسد الانسان ان يتحمل جرعات كبيرة من الزرنيخ بحال قام المرء باستهلاك كمية
    معينة منه بانتظام. وفي زمن نابليون كان الناس يتناولون الزرنيخ بكثرة نظرا لانه كان يعتبر
    دواء شافيا لكل انواع الامراض.
  11. ^ تعرض نابليون في احدى الليالي عندما كان برفقة ممثلة تدعى “مارغريت جورج” الى نوبة
    قوية. وقد جعلت هذه النوبة اضافة الى نوبات اخرى اقل حدة منها، جعلت المؤرخين يتسائلون
    عما اذا كان نابليون مصاب بالصرع، والى اي درجة كان يعاني منه بحال كان ذلك
    صحيحا.
  12. ^ وصل طول قامة نابليون الى 5 اقدام وانشين فرنسيين كما افاد طبيبه الخاص عند
    تشريح جثته، اما المصادر البريطانية فتشير الى ان طول قامته وصل الى 5 اقدام و
    7 انشات بريطانية، وكلا القياسين يقابله من حيث المقياس المتري 1.7 امتار. احاط نابليون نفسه
    بحراس شخصيين طوال القامة، وكان يلقب “بالعريف الصغير” (بالفرنسية: le petit caporal) ويعتبر هذا اللقب
    لقبا رقيقا يعكس صداقته الحميمة مع جنوده كما يزعم.


السابق
ماهي اطول اية في القران الكريم
التالي
طريقة صنع فيس بوك