…….. قصة حياة الرسول من مولده الى وفاته عليه الصلاة والسلام ……..
……….قبل البعثة………
*مولدة صلى الله عليه و سلم ::
لما اتمت امنة حملها على خير ما ينبغي ولدت محمد صلى الله عليه و سلم
وكان حملها وميلاده طبيعيين ليس فيها ما يروى من اقاصيص تدور حول ما رات
في الحمل وليلة الميلاد , وخلت المصادر التاريخية الصحيحة كابن هاشم والطبري
والمسعودى وابن الاثير من مثل هذه الاقاصيص , لما ذكر ابن هشام واحدة منها
لم يكن مصدقا لها وقال (ويزعمون فيما يتحدث الناس والله اعلم)
وتتارجح روايات المؤرخين في تحديد مولده صلى الله عليه و سلم
وهل ولد يوم الثاني او الثامن او الثاني عشر وهل كان في شهر صفراو ربيع
الاول
وهل ولد ليلا او نهارا , وصيفا ام ربيعا وهل كان في عام الفيل ام
قبله ام بعده
والمشهور انة ولد في فجر يوم الاثنين التاسع من شهر ربيع الاول عام الفيل
ويرى الباحثون ان عام الفيل غير معروف على وجه التحديد
هل كان في عام 522م او 563م او570 او 571م فبحثوا عن تاريخ ثابت محقق
يمكن على اساسه تحديد مولد الرسول صلى الله عليه و سلم فوجدوا ان
اول تاريخ تحقيقه هو تاريخ الهجرة في سنة 622م وعلى هذا يمكن التوفيق
بين راي المؤرخين و راي الباحثين بان رسول الله صلى الله عليه و سلم
ولد يوم الاثنين التاسع ربيع الاول في العام الثالث والخمسين قبل هجرته
* رضاعته::
رضاعة صلى الله عليه و سلم
وكانت عادة اشراف مكة ان يعهدوا باطفالهم الى نساء البادية ليقمن على رضاعتهم ,
لان البادية اصلح لنمو اجسام الاطفال وابعد عن امراض الحضر
التي كثير ما تصيب اجسامهم فضلا عن اتقان اللغة العربية وتعود النطق بالفصحى
منذ نعومه اظفارهم. وكان مقدار العناية والرعاية بالطفل يختلف من قبيلة لاخرى
لذا حرص اشراف مكة على ان يكون اطفالهم عند اكثر هذه القبائل عناية ,
ورعاية وكانت اشهر قبيلة في هذا الامر هي قبيلة بنى سعد
ولم تقف شهرة بنى سعد على امر العناية والرعاية بالطفل فقط ,
بل حازت الشهرة في ان لغتها كانت عربية خالصة لم تشبها شائبة
فضلا عما اشتهرت به من اخلاق كريمة طيبة لذا حرص عبد المطلب
على ان يكون محمد في بني سعد فلما جاءت حليمة السعدية لتاخذه
واحست هذا الحرص طمعت في جزل العطاء فتمنعت في اخذه
فلما اجزل لها اخذته وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم يفخر برضاعته
في بنى سعد فيقول : انا اعربكم انا قرشي واسترضعت في بنى سعد بن بكر
ويذكر المؤرخون ان محمد عرض على جميع المرضعات اللاتي وفدن على مكة
فابين ياخذنه ليتمه وفقرة , وانهن كن يطمعن في ابناء الاغنياء
وان حليمة ما عادت اليه الا لانها لم تجد طفلا غيره وهذا غير صحيح
فمحمد لم يكن فقيرا فهو في كفالة جدة عبد المطلب سيد مكة وكبيرها ,
ومثله من يطمع في عطائه وقد ذكرت المصادر ان جيش ابرهه في حملته على الكعبة
قد حاز مائتين من الابل لعبد المطلب , كما انة فدى ابنة عبد الله بمائة
من الابل ,
وذبح مجموعة كبيرة منها في زواجه لا يصد عنها انسان ولا حيوان ,
ويذكر اليعقوبى ان عبد المطلب عند موته لف في حلتين من حلل اليمن قيمتها
الف مثقال من الذهب فمن كان ذلك حاله ايعقل ان يكون فقيرا تترك المرضعات ولده
؟
ذلك فضلا عن ارضاع الاطفال في البادية عادة اشرف مكة واغنيائها ,
اما الفقير فكانت كل ام ترضع طفلها
قضى محمد صلى الله عليه و سلم في حضانة ورعاية (حليمة بنت ابى ذؤيب السعدية)
وزوجها (الحارث بن عبد العزى) اربع او خمس سنوات
ثم حدث ما جعلها تعجل بارجاعه الى امه في مكة اذا اخبرها ابنها الصغير ا
ن رجلين اخذا محمدا فشقا صدره واستخرجا قلبه واخذا منه علقه سوداء
ثم غسلا القلب واعاداه الى ما كان عليه ,
وقد اختلف المؤرخين في حقيقة شق الصدر هل هو حسي ام معنوي ؟
ولكن لعله يشير الى الحصانات التي اضفاها الله على محمد صلى الله عليه و سلم
فحصنته ضد مساوئ الطبيعة الانسانية ومفاتن الحياة الارضية
*وفات امه وجده صلى الله عليه وسلم::
وظل محمد في رعاية امه و كفالة جده حتى بلغ السادسة ,
فذهب به امه لزيارة قبر زوجها في يثرب وقدر لها ان تموت في طريق عودتها
وتدفن في الابواء (على الطريق بين يثرب ومكة ) ويصبح محمد بعدها يتيما ,
ويكفله جده عبد المطلب فيحبه حبا شديدا عوضه عن حنان امه وعطف ابيه
فكان يوضع لعبد المطلب فراش في ظل الكعبة لا يجلس عليه احد من ابنائه الا
محمدا
فكان يجلسه معه ويمسح ظهره بيده , ولكن القدر لم يمهل جده طويلا فمات بعد
سنتين,
فكفله عمه ابو طالب فاحبه حبا شديدا واخذا يتعهده بعناية و رعايته ,
ولم تقتصر حمايته له قبل البعثة بل امتدت الى ما بعدها فكان عونا للدعوة الاسلامية
وظهرا لصاحبها على الرغم من انه لم يسلم
*عمل الرسول::
اشتغاله صلى الله عليه و سلم برعي الغنم
ولما شب محمد واصبح فتى اراد ان يعمل و ياكل من عمل يده ,
فاشتغل برعي الغنم لاعمامه ولغيرهم مقابل اجر ياخذه منهم ,
ويذهب البعض الى ان حرفة الرعي وقيادة الاغنام علمت الرسول صلى الله عليه و سلم
رعاية المسلمين و قيادة الامة بعد بعثته وهذا ولا شك مبالغة كبيرة
فان كثيرا غيره من الرعاة لم يصبحوا قوادا ولا ساسة
كما ان الكثير من القواد والساسة لم يعرفوا عن حرفة الرعي شيئا ,
وهناك فرق كبير بين سياسة الحيوان والانسان ,
لكن يمكن القول ان حرفة الرعي لما كانت تتم في الصحراء
حيث الفضاء المتناهي والسماء الصافية والنجوم المتلالئة في الليل ,
والشمس المشرقة في الصباح وهذا النظام البديع في حركة الكون
استرعى كل ذلك انتباه محمد فاخذ يتامل ويتفكر ويتدبر في الكون العجيب
* اشتغاله صلى الله عليه و سلم بالتجارة ::
وزاول محمد مهنة التجارة وهو في الثانية عشرة من عمرة (وقيل في التاسعة)
وانتهز فرصة خروج عمه ابى طالب بتجارة الى الشام فخرج معه وفى الطريق
قابلهما راهب مسيحي راى في محمد علامات النبوة فنصح عمه ان يعود به الى مكة
مخافة ان يعرفه الروم ويقتلوه
ولم تنقطع صلة محمد بالتجارة بعد عودته من الشام
بل كان يتاجر بالسواق مكة او بالاسواق القريبة منها كسوق عكاظ ومجنه وذي المجاز
لكنه لم يجعل التجارة كل همه واكتفى منها بما يوفر له حياة متزنة سعيدة
وكان كلما تقدم به العمر ازداد تفكيرا وتاملا وقضى الكثير من وقته يتدبر هذا الكون
العجيب
* زواجه من السيده خديجة رضي الله عنها::
ويبدو على الرغم من تجارة محمد المحدودة الا انه اكتسب فيها شهرة كبيرة
لامانته وشرفة المشهود له بهما في مجتمعة
ومن ثم كان الكثير من تجار مكة يعرضون عليه العمل لهم في تجارتهم
مقابل اجر اكبر من اقرانه
وكانت خديجة بنت خويلد احد اشراف مكة ومن اكبر تجارها
تستاجر الرجال ليتاجروا بما لها في اسواق الشام والحبشة مقابل اجر لهم ,
ولما سمعت عن شهرة محمد تمنت ان يكون احد رجالها
–وكان يومها في الخامسة والعشرين من عمره–
فعرضت علية ان يخرج لها في تجارة الى الشام على ان تدفع له اجر رجلين
فقبل محمد وخرج في تجارتها ومعه غلامها ميسرة وابتاع واشترى
وعادت تجارته رابحة باكثر مما كانت تتوقع خديجة, واثنى خادمها على محمد ثناء مستطابا
وكانت خديجة في ذلك الوقت ارملا بلا زوج
وقد عرض الكثير من اشراف مكة الزواج منها فلم تقبل لانهم يطمعون في ثرواتها ,
ولكنها سمعت عن محمد صلى الله عليه و سلم من حلو الشمائل وجميل الصفات
وما اغبطها وتاكدت من ذلك بعد ان عمل لها في تجارتها ورات عن قرب
من صفاته اكثر مما سمعت ولم يك الا رد الطرف
حتى انقلبت غبطتها حبا جعلها تفكر في ان تتخذه زوجا ,
وسرعان ما ظهرت الفكرة الى حيز التنفيذ فعرضت عليه الزواج
بواسطة احدى صديقاتها فوافق وتزوج بها وفقا للعادات المتبعة في زواج الشرفاء
من اهل مكة حيث تبدا بخطبة من اهل العريس يوضحون فيها رغبة ابنهم في الزواج
من العروس
ويسمون المهر فيرد اهل العروس بخطبة اخرى يوافقون فيها ويباركون الزواج
وتزوج رسول الله صلى الله عليه و سلم خديجة
فولدت له اولاده كلهم ما عدا ابراهيم فانه من ماريا القبطية
ولدت له من الذكور القاسم وبه كان يكنى وعبد الله وهو الملقب بالطيب والطاهر
وقيل ان الطيب والطاهر اسمان لولدين اخرين ولكن الاول هو الاشهر
كما ولدت له من الاناث زينب ورقية وام كلثوم وفاطمة
والمشهور عند المؤرخين ان محمدا صلى الله عليه و سلم
تزوج خديجة وعمرة خمسة وعشرين عاما وعمرها اربعين عاما,
و ووجدت خديجة في محمد زوجا بارا كريما فوقفت بجانبه تؤازره وتناصره
مما جعله يثني عليها دائما بالخير ولم يتزوج عليها طوال حياتها
* بناء الكعبة: :
يروى المؤرخون ان محمدا صلى الله عليه و سلم وهو في الخامسة والثلاثين
شارك قومه بناء الكعبة فلقد ارادت قريش ان تهدم الكعبة وتعيد بناءها من جديد
وقسمت العمل بين جميع قبائلها
فكان شق الباب لبنى مناف وزهرة وظهر الكعبة لبنى جمح وبنى سهم ,
وشق الحجر لبنى عبد الدار وبنى اسد وبنى عدى ,
وما بين الركن الاسود واليماني لبنى مخزوم
وقبائل من قريش انضموا اليهم
وترددت قريش في هدم الكعبة لانها خشيت ان يصيبهم اذى من الله ,
فاقدم الوليد ابن المغيرة وهدم بعضا منها ,
وانتظر القوم حتى الصباح لينظروا ما الله فاعل بالوليد فلما اصبح على خير,
قدموا يهدمون الكعبة
ثم قامت القبائل بنقل الحجارة من جبال مكة وشارك عليه السلام
في حمل هذه الحجارة ثم بدات كل جماعة في بناء
ما اسند اليها فلما ارتفع البناء مقدار قامة رجل وجاء وقت وضع الحجر الاسود
في مكانة تنازعت القبائل جمعيها شرف وضعه واشتد الخلاف بينهم
وتحالفت بنى الدار وبنى عدى ان يحولوا بين اي قبيلة وهذا الشرف العظيم
وجاءوا بحفنة مملوءة دما و وضعوا ايديهم فيها توكيدا لايمانهم
ومن ثم سموا بلعقه الدم وباتت قريش على اهلية وتوقف البناء خمسة ايام
ويرى المؤرخون ان ابا امية بن المغيرة وكان من قريش
لما راى ما وصلت الية حال القبائل خشى ان ينفرط عقدها
فاشار عليهم بان يحكموا بينهم اول من يدخل عليهم فكان محمد عليه السلام
فقالوا رضينا بالامين حكما واخبروه الخبر ففرد ثوبا واخذ الحجر
ووضعه وطلب من رؤساء القبائل ان ياخذ كل منهم بطرف من اطراف الثواب
فرفعوه جميعا حتى اذا بلع موضعه وضعة بيده ثم بنى عليه
ومما تجدر ملاحظته ان احتكام اهل مكة الى محمد صلى الله عليه و سلم
يدل على انه لم يكن شخصا عاديا في مجتمع مكة وانما كان انسان عظيما يستعان
برايه
وقت الشدة و اهتدائه الى هذا الحل يدل على ذكاء نادر وسرعة بديهة
كما انه لفت اليه انظار العرب قاطبة فهو وان كان الصراع داخليا بين قبائل مكة
الا ان الحدث ارتبط بالكعبة التي اليها جميع العرب
وهكذا نجد ان محمد صلى الله عليه و سلم قد شارك قومه حياتهم العادية
وعاش في مكة عيشة الشرفاء المهذبين واجتمعت له كل الصفات الانسانية النبيلة
وبلغ بها مرتبة الكمال وعرفه قومه بالصادق الامين وكانت عناية الله تكلؤه وترعاه
وتحوطه من افزار الجاهلية وتناى به بعيدا عن مساوي البشر
واليك بعض الامثلة
ذهب وهو طفل صغير يرعى الغنم لسماع الغناء في حفل عرس
فضرب الله على اذنه فغلب عليه النوم فنام حتى الصباح
ولما اراد ان يعاود الكرة عاوده النوم ايضا فلم يعد الى مثلها ابدا
ويقول الرسول صلى الله عليه و سلم:
لقد رايتني في غلمان قريش ننقل حجارة لبعض ما يلعب به الغلمان
كلنا قد تعرى واخذ ازاره فجعله على رقبته يحمل عليه الحجارة
فانا لاقبل معهم وادبر اذ لكمني لاكم ما اراه لكمة وجيعة
ثم قال شد عليك ازارك فاخذته وشددته ثم جعلت احمل الحجارة على رقبتي
وازاري على من بين اصحابي كذلك شملته عناية الله ورعايته
ونات به بعيدا عن كل ما يعيب شخصه
اشترك وهو كبير مع قومه في حمل الاحجار لبناء الكعبة
وكان القوم يجعلون ازرهم على عواتقهم لتقيهم الحجارة
وكان عليه السلام يحملها وهو لابس ازاره
فاشار عليه العباس ان يجعل ازاره على عاتقة ليحميه فلما هم ان يفعل
وقع مغشيا عليه فما رؤي بعد ذلك عريانا
وكان عليه السلام يذهب الى الكعبة ويطوف بها ولكنه لم يسجد ابدا لصنم
وكان يعيب على قريش عبادتها لحجارة لا تنفع ولا تضر
ويقيمون لها الاحتفالات ويذبحون لها لقرابين
وكان لقريش صنما يسمى “بوانه” له احتفالات كل عام
وكان اعمام الرسول وعماته يشتركون في الاحتفال
وطلب ابو طالب من محمد ان يشاركهم حفلهم فرفض
فغضب منه وغضبت منه عماته واخذن يزين له ضرورة المشاركة
ومازالوا به حتى ذهب معهم وغاب محمد عنهم برهة ثم عاد مفزوعا
كان به مس من الشيطان فسالته عماته عما به فقال انى كلما دنوت من صنم
منها
تخيل لي رجل ابيض الثياب يصيح بي ابتعد يا محمد لا تمسنه ولم يعد بعدها
لعيد لهم
ولهذا كان محمد عازفا عما فيه قومه من ضلال واحب منذ صغره
حياة التامل والتفكير والتدبير فكان يخلو لنفسه في داره حينا
ويخرج الى الخلاء احيانا وكلما زادت به السن ازداد بعدا عن الناس وامعانا في التفكير
لذلك التمس له غار في جبل حراء واصبح من عادته ان يخرج اليه كل عام
معه طعامه وشرابه
ليقضي فيه بعض ايام شهر رمضان سابحا في تامله غارقا في تفكيره
وطالت تاملات محمد في الغار وطال تفكيره في خالق الارض السماء
واضاءت نفسه من طول النظرة واعمال الفكرة وكانت تزدحم الافكار
في راسة فيسير في الصحراء ساعات ثم يعود الى خلوته وقد صفت نفسه وانجلى ذهنه
::::وعندما وصل الاربعين نزل عليه الوحى ::::
حياة الرسول مولده مماته عليه
**حياتة صلى الله عليه وسلم بعد البعثة ::
بدات دعوته عليه الصلاة والسلام
*ايذاء قريش للنبى واصحابه ::
فزعت قريش لهذه الدعوة الجديدة ، وهالها الامر
اذ كانت ترى فيها الخطر الداهم الذى يهدد كيانها المادى والادبى
فلقد كانت الكعبة مركز عبادة الاصنام وكانت محج العرب ومورد ثروتهم ،
وكان زعماء قريش يستمدون مجدهم وفخارهم وعزهم وعظمتهم على سائر الناس
من صلتهم بالبيت الحرام ، وقيامهم على حراسة الاصنام وسقاية الحجاج
كما كانوا يعتبرونها مورد رزق وينبوع ثروة ، بالتجارة التى يحترفونها .
فانتصار محمد معناه ضياع سلطانهم الادبى والمادى ،
وهو اعز ما يعتمدون عليه فى حياتهم ، لذلك عظم الامر واشتد ،
واخذوا يفكرون فى حزم وجد فى امر محمد بعد ان نال من اصنامهم جميعا
فعملوا على اعاقة الدعوة الاسلامية باضطهاد صاحبها ومن اتبعه .
*ايذاؤهم للرسول صلى الله عليه وسلم : :
روى عن طارق المحاربى انه قال :
رايت رسول الله صلى الله عليه وسلم فى السوق يقول :
(يا ايها الناس قولوا لا اله الا الله تفلحوا) ،
ورجل خلفه يرميه بالحجارة قد ادمى عقبه وقال : لا تطيعوه فانه كذاب .
فقلت من هذا؟ قالوا محمد وعمه ابو لهب .
اما امراته ام جميل بنت حرب اخت ابى سفيان ،
فكانت ايضا فى غاية العداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم
وكثيرا ما كانت تضع الشوك فى طريقه ، وتلقى بالقاذورات النجسة امام بيته ،
ولم تترك عملا فيه ايذاء للرسول صلى الله عليه وسلم الا فعلته
وحتى لم تكتف بهذا الايذاء العملى بل كانت تسب الرسول صلى الله عليه وسلم وتذمه
،
وتوقع العداوة بينه وبين الناس ، لعنها الله : وانزل فيها
قوله تعالى : ” وامراته حمالة الحطب (4) فى جيدها حبل من مسد (5) ”
. سورة المسد (1) .
اما ابو جهل لعنه الله فكثيرا ما اساء الى الرسول صلى الله عليه وسلم
وقد القى عليه مرة اثناء صلاته شاة مذبوحة ، فتحمل الاذى
وذهب الى ابنته فاطمة رضى الله عنها فازالت عنه النجاسة والاقذار ،
ونهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن الصلاة فى البيت الحرام ،
فلما لم ينته تعرض له بالمنع فقابله الرسول بالشدة ، وهدده ،
فقال : اتهددنى وانا اكثر اهل الوادى ناديا ومنزلا؟ فرد الله تعالى عليه تهديدا له
ووعيدا
بقوله : ” كلا لئن لم ينته لنسفعا بالناصية (15) ناصية كاذبة خاطئة (16) فليدع
ناديه (17)
سندع الزبانية (18) كلا لا تطعه واسجد واقترب (19) ” . سورة العلق
.
وكان عقبة بن ابى معيط يجاور رسول الله صلى الله عليه وسلم فى منزله ،
ومما صنعه ذلك الشقى : ما رواه البخارى فى صحيحه قال :
بينما النبى صلى الله عليه وسلم يصلي بفناء الكعبة اذ اقبل عقبة بن ابي معيط
فاخذ بمنكب رسول الله صلى الله عليه وسلم فخنقه به خنقا شديدا ، ف
اقبل ابو بكر فاخذ بمنكبه ودفع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال:
” اتقتلون رجلا ان يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم ” .
وكان الاسود بن عبد المطلب ابن عم السيدة خديجة كان هو وحزبه
اذا مر عليهم المسلمون يتغامزون بهم سخرية واستهزاء ،
وفيهم نزل قوله تعالى :” ان الذين اجرموا كانوا من الذين امنوا يضحكون (29)
واذا مروا بهم يتغامزون (30) ” . سورة المطففين .
وكان الوليد بن المغيرة عم ابى جهل من اكابر قريش فى المركز الاجتماعى والمادى ،
وكان كذلك من اكابر المجرمين الذين كادوا للرسول صلوات الله وسلامه عليه .
سمع القران مرة من النبى صلى الله عليه وسلم فقال لقومه ”
والله لقد سمعت من محمد كلاما ،
ما هو من كلام الانس ولا من كلام الجن ،
وان له لحلاوة ،
وان عليه لطلاوة ،
وان اعلاه لمثمر ،
وان اسفله لمغدق
وانه يعلو ولا يعلى عليه ”
فقالت قريش صبا والله الوليد لتصبان قريش كلها ،
فقال ابو جهل : انا اكفيكموه ، ثم توجه اليه وجلس امامه حزينا ،
وكلمه بما حمسه ضد محمد مما جعل الوليد ياتى القوم فى ناديهم ويخاطبهم
قائلا : اتزعمون ان محمدا لمجنون فهل رايتموه يهوس؟
وتقولون انه كاهن فهل رايتموه يتكهن؟
وتزعمون انه شاعر فهل رايتموه يتعاطى شعرا قط؟
وتزعمون انه كذاب فهل جربتم عليه شيئا من الكذب؟
فقالوا فى كل ذلك : اللهم لا . ثم قالوا فما هو؟
ففكر قليلا ثم قال : ما هو الا ساحر ،
اما رايتموه فرق بين الرجل واهله وولده .
فاهتز النادى فرحا بهذا الراي الذى سيفرق بين محمد وعشيرته ،
وسيباعد بينه وبين الناس ،
وانزل الله ردا عليه فى ايات بينات مخاطبا الرسول صلى الله عليه وسلم :
” ذرنى ومن خلقت وحيدا (11) وجعلت له مالا ممدودا (12) وبنين شهودا (13)
ومهدت له تمهيدا (14) ثم يطمع ان ازيد (15) كلا انه كان لاياتنا عنيدا (16)
سارهقه صعودا (17) انه فكر وقدر (18) فقتل كيف قدر (19) ثم قتل كيف قدر
(20) ث
م نظر (21) ثم عبس وبسر (22) ثم ادبر واستكبر (23) فقال ان هذا الا
سحر يؤثر (24)
ان هذا الا قول البشر (25) ساصليه سقر (26) ” سورة المدثر
وغير هؤلاء وهؤلاء ممن عميت بصائرهم وطمس الله على قلوبهم وعلى سمعهم
وعلى ابصارهم، وقد هلكوا جميعا بعد الهجرة
فمنهم من قتل ومنهم من ابتلاه الله بالامراض الفتاكة فقضت عليه .
لون اخر من الوان الايذاء (عناد قريش) :
لقد اعترضت قريش على النبى صلى الله عليه وسلم
وطلبت اليه عدة مطالب على وجه العناد لا على وجه طلب الهدى والاقناع ،
ولذا لم يجابوا الى كثيرا مما طلبوا
لان الله سبحانه وتعالى يعلم انهم لو اجيبوا الى ما سالوه لاستمروا فى طغيانهم وكفرهم
،
قال تعالى : ” واقسموا بالله جهد ايمانهم لئن جاءتهم ءاية ليؤمنن بها
قل انما الايات عند الله وما يشعركم انها اذا جاءت لا يؤمنون (109)” ،
“ولو اننا نزلنا اليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شىء
قبلا ما كانوا ليؤمنوا الا ان يشاء الله ولكن اكثرهم يجهلون (111) ” . سورة
الانعام .
وروى ان قريشا قالت للنبى صلى الله عليه وسلم ادع لنا ربك
يجعل لنا الصفا ذهبا ونؤمن بك . فدعا ربه ،
فاتاه جبريل فقال له : ان ربك يقرا عليك السلام ويقول لك : ان شئت
اصبح الصفا لهم ذهبا ،
فمن كفر منهم بعد ذلك اعذبه عذابا لا اعذبه احدا من العالمين ،
وان شئت فتحت لهم باب الرحمة والتوبة . قال صلى الله عليه وسلم بل التوبة
والرحمة .
وقد بلغ من عنت قريش ووقوفهم فى سبيل الدعوة
ان اذاهم لم يكن مقصورا على الرسول صلى الله عليه وسلم
بل تعدوا الى المستضعفين والارقاء الذين لم يكن لهم من يحتمون او يعتزون بعصبيته
فقبض اهل مكة على الكثير منهم كى يفتنوهم عن دينهم ويردوهم بعد ايمانهم كفارا .
ومن هؤلاء :
1- بلال بن رباح الحبشى : لاقى بلال من سيده امية بن خلف انواعا من
الاذى ،
والوانا من التعذيب لا يصبر عليها الا مؤمن قوى الايمان ،
فكان اذا حميت الشمس وقت الظهيرة يلقيه سيده على وجهه وظهره ،
ثم يضع حجرا على صدره ويقول له : ستظل هكذا حتى تكفر بمحمد وتؤمن باللات
،
ولكنه احتمل كل هذه الالام ، وصبر على الاذى والنكال ،
وكلما التمسوا منه جوابا لا يرد عليهم الا بتلك الكلمة التى ملكت نفسه ومشاعره
(احد..احد) .وقد راه ابو بكر يوما يقاسى اشد العذاب فقال لسيده امية :
الا تتقى الله فى هذا المسكين ، فقال انت افسدته وفتنته عن دين الهتنا وعبادة
اصنامنا ،
فعرض عليه ابو بكر ثمنا له ، وما زال يساومه حتى اشتراه منه
واعتقه فى سبيل الله بعد ان خلصه من تعذيب سيده . وفى هذا نزل قول
الله تعالى
” فانذرتكم نارا تلظى (14) لا يصلاها الا الاشقى (15) الذى كذب وتولى (16)
وسيجنبها الاتقى (17) الذى يؤتى ماله يتزكى (18) وما لاحد عنده من نعمة تجزى (19)
الا ابتغاء وجه ربه الاعلى (20) ولسوف يرضى (21) ” . سورة الليل .
2- عمار بن ياسر :وكان ابوه ياسر حليفا لبنى مخزوم ،
ولما كان عمار وابوه وامه واقعين تحت نفوذ المشركين من بنى مخزوم
فانهم اوقعوا بهم من العذاب مالا طاقة لاحد به
فكانوا اذا اشتدت حرارة الشمس البسوهم ادرع الحديد وصهروهم فى الشمس ،
ويالها من قسوة بالغة اذا عرفنا حر مكة فى فصل الصيف ،
ولقد مر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم فى العذاب
فقال لهم ” صبرا ال ياسر ، فان موعدكم الجنة ” ، ” وابشروا ال
عمار وال ياسر ،
فان موعدكم الجنة ” وقد مات ياسر من العذاب ،
واما امراته سمية فقد اغلظت القول لابى جهل فطعنها فى قلبها بحربة كانت فى يده
فماتت ،
وشددوا العذاب الى عمار بتعريضه للشمس المحرقة بين صخور مكة ورمالها تارة
وبوضع الصخر على صدره تارة اخرى ، قائلين له لا نتركك حتى تسب محمدا
وتقول فى اللات والعزى خيرا ففعل فتركوه ،
فاتى النبى صلى الله عليه وسلم يبكى فقال : ما ورائك؟
قال شر يا رسول الله ، كان الامر كذا وكذا وقص عليه الخبر ،
فقال : يا عمار ان عادوا فعد ، فانزل الله تعالى : ” من كفر
بالله من بعد ايمانه
الا من اكره وقلبه مطمئن بالايمان ” . النحل اية 106 .
3- خباب بن الارت :كان من السابقين فى الاسلام
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبه ويالفه قبل النبوة .
اخذه الكفار وسحبوه على وجهه ، وعذبوه عذابا شديدا فنزعوا ثوبه عن جسده
والقوه على الرمضاء وجاءوا بالحجارة المحماة ووضعوها على ظهره ولووا راسه ،
كل ذلك من اجل ان يعود فى الكفر ولكنه لم يجبهم الى شىء مما ارادوا
،
ولم يزده التعذيب الا ايمانا وتثبيتا .
4- ابو بكر الصديق :وممن اوذى فى الله ابو بكر الصديق رضى الله عنه
على الرغم من مكانته فى قريش فلقد وجه اليه المشركون كثيرا من الاذى والعنت
حتى خرج مهاجرا الى الحبشة ، فلقيه ابن الدغنة وهو من سادات العرب ، فساله
،
الى اين يا ابا بكر ، فقال اخرجنى قومى وانى اريد ان اسيح فى الارض
واعبد ربى ،
فقال مثلك يا ابا بكر لا يخرج “وانت فى جوارى وحماى” فرجع مع ابن الدغنة
وعرفت قريش ان ابا بكر فى جواره وحماه فطلبت قريش من حامى الصديق
ان يامره بعبادة ربه فى داره ، ولا يجهر بصلاته وقراءته فانا نخشى ان يفتن
نساءنا وابناءنا ،
فلبث ابو بكر فى داره يعبد ربه ، ثم بدا له ان يبنى مسجدا بفناء
داره ، فبناه ،
وكان يصلى فيه ويقرا القران ، فيهرع اليه نساء المشركين وابناؤهم
ينظرون اليه ويسمعون الى ما يقرا ، وكان ابو بكر رجلا بكاء لا يملك عينيه
اذا قرا القران فافزع ذلك اشراف قريش ، فارسلوا الى ابن الدغنة
وقالوا له ان ابا بكر قد اخل بالشروط فابتنى مسجدا واسمع الناس صلاته وقراءته
وقد خشينا الفتنة على نسائنا وابنائنا ، فاتى ابن الدغنة وقال له :
اما ان تلتزم شرط الجوار واما ان ترجع الى ذمتى وجوارى ، فقال ابو بكر
انى ارد عليك جوارك ،
وارضى بجوار الله ، وكان سببا فى ان الحق بابى بكر الكثير من الاذى والاضطهاد
.
هذا الى جانب ما كانوا يسمونه من فحش القول واللغو من الكلام اينما كانوا ،
فلم يزدهم ذلك الا استمساكا بدينهم وحرصا على عقيدتهم ولا غرو فهم
لم يدخلوا فى دين الله لغرض دنيوى يرجون حصوله ، بل شرح الله صدورهم للاسلام
،
وخالطت بشاشته قلوبهم .
حياة الرسول مولده مماته عليه
* حماية عمه ابى طالب له ::
صممت قريش على مقاومة محمد صلى الله عليه وسلم حتى تقتل الدعوة الاسلامية
وتموت فى مهدها ، ولكنهم لم يجدوا الى ذلك سبيلا ، لانه فى كفالة عمه
ابى طالب .
ومع انه لم يدخل فى الاسلام ولم يؤمن بالله ورسوله محمد
فقد ظل حاميا لابن اخيه قائما دونه معلنا استعداده للدفاع عنه
لذلك مشى رجال من اشرافهم الى ابى طالب يطلبون من ان يكف ابن اخيه محمدا
عن سب الهتهم والعيب على دينهم وشتم ابائهم ، او يخلى بينهم وبينه ،
فرد عليهم ابو طالب ردا جميلا ، دون ان يعدهم وعدا صريحا بما يعزم عليه
،
فاكتفوا بذلك وانصرفوا .
ولكن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم مع علمه بهذا الاجتماع
ومطالب كبار المشركين لم يسكت عن دعوته التى ملكت عليه كل قلبه ،
ولم تخفف من هجماته على معتقداتهم الفاسدة .
واستمر ابو طالب على الدفاع عن ابن اخيه محمد قياما بالواجب عليه
نحو من تربى فى كفالته ونشا فى بيته ، مع انه ظل على شركه
ولم يعتنق الاسلام ، لذلك كان مركزه حرجا ، ومهمته شاقة فامامه قريش متعصبة لاصنامها
،
وقد اغضبها محمد بنشره الاسلام ومحاربته الاصنام ، وابن اخيه محمد فى جواره
حتما ولا يستطيع التخلى عنه ابدا .
وفكرت قريش فى مفاوضة ابى طالب مرة ثانية ، فذهبوا اليه وذكروه بوفادتهم الاولى ،
وقالوا انهم لا يصبرون على هذه الحال وخيروه بين ان يمنع محمد عما يقوله فى
الهتهم وابائهم ،
او يعلن موافقته على كل ما يقول ، وعندئذ يحاربونه ويصارحونه بالعداء
وتحرج مركز ابى طالب بهذا الانذار واصبح فى حيرة !
لانه يعظم ويصعب عليه فراق قومه وعداوتهم ومع ذلك
لا ترضى نفسه بخذلان محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ،
وتركه فى هذا الوقت العصيب الذى وقفت فيه اكابر قريش من ابن اخيه
موقفا يثير العاطفة ويحرك العصبية .
وارسل ابو طالب الى النبى محمد صلى الله عليه وسلم وقص عليه ما طلبت قريش
وقال له : ابق على وعلى نفسك ولا تحملنى من الامر مالا اطيق ،
وفى هذا الوقت سكت محمد فترة من الزمن ، وظن ان عمه ضعف عن نصرته
فهو خاذله ومسلمه . ثم التفت الى عمه بهذه النفس القوية بايمانها
قائلا : “يا عم والله لو وضعوا الشمس فى يمينى والقمر فى يسارى
على ان اترك هذا الامر حتى يظهره الله او اهلك فيه ما تركته”
وقد اهتز ابو طالب لما سمع من كلام ابن اخيه ووقف حائرا امام هذه القوة
وتلك الارادة الغالبة على كل ما فى الوجود. وامتلا قلبه ثقة
بان محمدا لن يخذل ولن يهن ولن يتراجع ،
فناداه بعد ان قام من حضرته
وقال له : “اذهب فقل ما احببت فوالله لا اسلمك لشىء مما تكره ابدا” .
حياة الرسول مولده مماته عليه
*خروجه صلى الله عليه وسلم الى الطائف::
ولما زاد سفه قريش واشتد به الاذى ، ذهب الى الطائف بعد موت عمه باسبوعين
تقريبا ،
لعله يجد من ثقيف ) من ينصره ويؤمن بدعوته ، ولكنه لم يلق منها الا
الاعراض والاهانة ،
ولم يجبه الى دعوته احد ، بل اغروا به عبيدهم وسفهاءهم يسبونه ويصيحون وراءه ،
ويقذفونه بالحجارة حتى ابتعد عن الطائف ، فلجا الى حديقة “لعتبة بن ربيعة ،
وشيبة بن ربيعة” فاحتمى بها وجلس فى ظل شجرة من عنب
ثم رفع عليه الصلاة والسلام راسه الى السماء وقال : “اللهم اليك اشكو ضعف قوتى
وقلة حيلتى وهوانى على الناس ، يا ارحم الراحمين ، انت رب المستضعفين وانت ربى
،
الى من تكلنى ، الى بعيد يتجهمنى او الى عدو ملكته امرى؟
ان لم يكن بك غضب على فلا ابالى ، ولكن عافيتك هى اوسع لى ،
اعوذ بنور وجهك الذى اشرقت به الظلمات ،
وصلح عليه امر الدنيا والاخرة من ان تنزل بى غضبك او يحل على سخطك ،
لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة الا بك ” .
موقف عتبة وشيبة ابنى ربيعة من النبى صلى الله عليه وسلم :
فلما راى ابنا ربيعة محمدا وقد اخذ منه التعب ونال منه الجهد تحركت فيهما نخوة
الكرم ،
فارسلا اليه عبدهما المسيحى (عداسا) بقطف من عنب
فلما مد الرسول يده اليه قال : “بسم الله” ثم اكل ،
فنظر عداس الى وجهه ثم قال :”ان هذا الكلام لا يقوله اهل هذه البلاد”
واخذا يتحدثان ، ثم ساله الرسول صلى الله عليه وسلم عن دينه وبلده
فقال : نصرانى من نينوى ، قال : امن قرية الرجل الصالح (يونس بن متى)
؟
فقال له عداس وما يدريك ما يونس بن متى؟ قال صلى الله عليه وسلم :”ذاك
اخى ،
انا نبى وهو نبى” فاكب عداس على محمد يقبل راسه ويديه وقدميه
ولما رجع عداس الى ابنى ربيعة قالا له : ويلك يا عداس ، مالك تقبل
راس هذا الرجل .
قال “يا سيدى ما فى الارض من هو خير من هذا الرجل” .
حياة الرسول مولده مماته عليه
*عودة الرسول صلى الله عليه وسلم الى مكة : :
ومن حديقة عتبة وشيبة اتجه رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو مكة
فلما وصلها وجد قومه اشد مما كانوا عليه من الخلاف والعناد ،
فلم يستطع دخولها الا فى حماية (المطعم بن عدى) الذى تسلح هو وبنوه
وتوجهوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الى الكعبة ، فطاف بالبيت ،
ثم انصرف الى منزله فى حراسة المطعم واولاده .
حياة الرسول مولده مماته عليه
*عرض نفسه على القبائل : :
لقى رسول الله صلى الله عليه وسلم ارهاقا شديدا من اهل مكة
وثقيف فهم لم يسكتوا لحظة واحدة عن الوقوف فى سبيل الدعوة ،
بل لم تهن عزائمهم فى الكيد له ،
حتى انه لم يستطع ان يدخل مكة بعد عودته من الطائف الا فى حراسة المطعم
بن عدى ،
لذلك نراه يتجه نحو طريق اخر لعله يصل الى ما يريد من اداء الرسالة
وحمايته من اهل مكة المشركين ،
فاخذ يعرض نفسه فى موسم الحج على قبائل العرب
ينتظرهم على ابواب الطريق الموصلة الى مكة ،
ويذهب اليهم فى منازلهم . ويسال عن القبائل قبيلة قبيلة فى اسواقهم
يدعوهم الى الحق والى الطريق المستقيم ، ويخبرهم انه نبى مرسل
ويطلب منهم ان يعينوه حتى يبلغ رسالة ربه ،
فلا يجد منهم الا الساخر والمستمع مجرد الاستماع ،
والمعجب بشخصيته ودينه دون الرغبة فى اتباعه ،
ومن العجب ان عمه ابا لهب لم يتركه ولم يدع القبائل تسمع له بل كان
يتبعه اينما ذهب ،
ويحرض الناس على الاعراض عنه ، وكانت النتيجة
ان قبيلة بنى حنيفة اهل مسيلمة الكذاب ردت على الرسول ردا قبيحا ،
اما بنو عامر فقد طلبوا منه ان هم امنوا به ان يجعل لهم امر الرياسة
من بعده فلما قال لهم: “ان الامر لله يضعه حيث يشاء” انصرفوا عنه
واعرضوا كما اعرض غيرهم . ثم عرض الاسلام على نفر من قبيلتى الاوس والخزرج
سكان يثرب كانوا يحجون فى ذلك الموسم لكنهم وان لم يستجيبوا له
الا انهم تحدثوا عن هذه الدعوة بعد عودتهم الى يثرب فتهيات لقبولها بعض النفوس السليمة
.
فلما كان موسم الحج من العام المقبل جاء وفد من الاوس والخزرج
وبايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عند مكان فى منى يسمى العقبة
ثم جاء وفد اخر فى العام الذى يليه يتكون من ثلاثة وسبعين رجلا وامراتين
والتقوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم فى نفس هذا المكان
وبايعوا الرسول صلى الله عليه وسلم على ان ينصروه ويؤازروه ويمنعوه
مما يمنعون منه نساءهم وابناءهم وهذه هى بيعة العقبة الثانية التى كانت
من اهم اسباب الهجرة النبوية المباركة .
حياة الرسول مولده مماته عليه
*الاسراء والمعراج ::
رواية عبدالله بن مسعود عن الاسراء
فكان عبدالله بن مسعود – فيما بلغني عنه – يقول :
اتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبراق –
وهي الدابة التي كانت تحمل عليها الانبياء قبله ، تضع حافرها في منتهى طرفها –
فحمل عليها ، ثم خرج به صاحبه ، يرى الايات فيما بين السماء والارض ،
حتى انتهى الى بيت المقدس ، فوجد فيه ابراهيم الخليل وموسى وعيسى
في نفر من الانبياء قد جمعوا له ، فصلى بهم .
ثم اتي بثلاثة انية ، اناء فيه لبن ، واناء فيه خمر ، واناء فيه
ماء .
قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فسمعت قائلا يقول حين عرضت
علي :
ان اخذ الماء غرق وغرقت امته ، وان اخذ الخمر غوى وغوت امته ،
وان اخذ اللبن هدي وهديت امته . قال : فاخذت اناء اللبن ، فشربت منه
،
فقال لي جبريل عليه السلام : هديت وهديت امتك يا محمد .
رواية الحسن عن مسراه صلى الله عليه و سلم
قال ابن اسحاق : وحدثت عن الحسن انه قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بينا انا نائم في الحجر ، اذ
جاءني جبريل ،
فهمزني بقدمه ، فجلست فلم ار شيئا ، فعدت الى مضجعي ،
فجاءني الثانية فهمزني بقدمه ، فجلست ولم ار شيئا ، فعدت الى مضجعي ،
فجاءني الثالثة فهمزني بقدمه ، فجلست ، فاخذ بعضدي ، فقمت معه ،
فخرج بي الى باب المسجد ، فاذا دابة ابيض ، بين البغل والحمار ،
في فخذيه جناحان يحفز بهما رجليه ، يضع يده في منتهى طرفه ،
فحملني عليه ، ثم خرج معي لا يفوتني ولا افوته .
رواية قتادة عن مسراه صلى الله عليه و سلم
قال ابن اسحاق : وحدثت عن قتادة انه قال :
حدثت ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لما دنوت منه لاركبه شمس
،
فوضع جبريل يده على معرفته ، ثم قال : الا تستحي يا براق مما تصنع
،
فوالله ما ركبك عبد لله قبل محمد اكرم عليه منه . قال : فاستحيا حتى
ارفض عرقا ،
ثم قر حتى ركبته .
عودة الى رواية الحسن
قال الحسن في حديثه : فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
ومضى جبريل عليه السلام معه ، حتى انتهى به الى بيت المقدس ،
فوجد فيه ابراهيم وموسى وعيسى في نفر من الانبياء ،
فامهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بهم ، ثم اتي باناءين ،
في احدهما خمر ، وفي الاخر لبن .
قال : فاخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم اناء اللبن ، فشرب منه ،
وترك اناء الخمر . قال : فقال له جبريل : هديت للفطرة ، وهديت امتك
يا محمد ،
وحرمت عليكم الخمر . ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم الى مكة ،
فلما اصبح غدا على قريش فاخبرهم الخبر . فقال اكثر الناس : هذا والله الامر
البين ،
والله ان العير لتطرد ، شهرا من مكة الى الشام مدبرة ، وشهرا مقبلة ،
افيذهب ذلك محمد في ليلة واحدة ، ويرجع الى مكة ! قال : فارتد كثير
ممن كان اسلم ،
وذهب الناس الى ابي بكر ، فقالوا له : هل لك يا ابا بكر في
صاحبك ،
يزعم انه قد جاء هذه الليلة بيت المقدس وصلى فيه ورجع الى مكة .
قال : فقال لهم (2/ 245) ابو بكر : انكم تكذبون عليه ؛ فقالوا :
بلى ،
ها هو ذاك في المسجد يحدث به الناس ؛ فقال ابو بكر : والله لئن
كان قاله لقد صدق ،
فما يعجبكم من ذلك !
فوالله انه ليخبرني ان الخبر لياتيه من الله من السماء الى الارض في ساعة
من ليل او نهار فاصدقه ، فهذا ابعد مما تعجبون منه ، ثم اقبل حتى
انتهى ا
لى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا نبي الله ،
احدثت هؤلاء القوم انك جئت بيت المقدس هذه الليلة
قال : نعم ؛ قال : يا نبي الله ، فصفه لي ، فاني قد
جئته –
قال الحسن : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فرفع لي حتى نظرت
اليه –
فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصفه لابي بكر ،
ويقول ابو بكر : صدقت ، اشهد انك رسول الله ، كلما وصف له
رواية عائشة عن مسراه صلى الله عليه و سلم ::
قال ابن اسحاق : حدثني بعض ال ابي بكر :
ان عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم كانت تقول :
ما فقد جسد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكن الله اسرى بروحه .
الرسول صلى الله عليه وسلم يصعد الى السماء الاولى ( حديث الخدري عن المعراج )
قال ابن اسحاق : وحدثني من لا اتهم عن ابي سعيد الخدري رضي الله عنه
انه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لما فرغت مما
كان في بيت المقدس ،
اتي بالمعراج ، ولم ار شيئا قط احسن منه ، وهو الذي يمد اليه ميتكم
عينيه اذا حضر ،
فاصعدني صاحبي فيه ، حتى انتهى بي الى باب من ابواب السماء ،
يقال له : باب الحفظة ، عليه ملك من الملائكة ، يقال له : اسماعيل
،
تحت يديه اثنا عشر الف ملك ، تحت يدي كل ملك منهم اثنا عشر الف
ملك –
قال : يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حدث بهذا الحديث :
وما يعلم جنود ربك الا هو – فلما دخل بي ،
قال : من هذا يا جبريل قال : هذا محمد . قال : اوقد بعث
قال : نعم . قال : فدعا لي بخير ، وقاله .
حياة الرسول مولده مماته عليه
*صفة مالك خازن النار::
قال ابن اسحاق : وحدثني بعض اهل العلم عمن حدثه
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، انه قال : تلقتني الملائكة حين دخلت
السماء الدنيا ،
فلم يلقني ملك الا ضاحكا مستبشرا ، يقول خيرا ويدعو به ، حتى لقيني ملك
من الملائكة ،
فقال مثل ما قالوا ، ودعا بمثل ما دعوا به ، الا انه لم يضحك
، ولم ار منه من البشر مثل ما رايت من غيره ،
فقلت لجبريل : يا جبريل من هذا الملك الذي قال لي كما قالت الملائكة ولم
يضحك الي ،
ولم ار منه من البشر مثل الذي رايت منهم قال :
فقال لي جبريل : اما انه لو ضحك الى احد كان قبلك ، او كان
ضاحكا الى احد بعدك ،
لضحك اليك ، ولكنه لا يضحك ، هذا مالك صاحب النار .
حياة الرسول مولده مماته عليه
*من صفات جهنم اعاذنا الله منها ::
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فقلت لجبريل ،
وهو من الله تعالى بالمكان الذي وصف لكم ( مطاع ثم امين ) : الا
تامره ان يريني النار
فقال : بلى ، يا مالك ، ار محمدا النار . قال : فكشف عنها
غطاءها ،
فقال : ففارت وارتفعت ، حتى ظننت لتاخذن ما ارى . قال : فقلت لجبريل
:
يا جبريل ، مره فليردها الى مكانها . قال : فامره ، فقال لها :
اخبي ،
فرجعت الى مكانها الذي خرجت منه . فما شبهت رجوعها الا وقوع الظل .
حتى اذا دخلت من حيث خرجت رد عليها غطاءها .
حياة الرسول مولده مماته عليه
*عرض الارواح على ادم عليه السلام ، ( و عود الى حديث الخدري عن المعراج
) ::
و قال ابو سعيد الخدري في حديثه : ان رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال : لما دخلت السماء الدنيا ، رايت بها رجلا جالسا تعرض عليه ارواح بني
ادم ،
فيقول لبعضها اذا عرضت عليه خيرا ويسر به ، ويقول : روح طيبة خرجت من
جسد طيب ؛
ويقول لبعضها اذا عرضت عليه : اف ، ويعبس بوجهه ويقول : روح خبيثة خرجت
من جسد خبيث .
قال : قلت : من هذا جبريل قال : هذا ابوك ادم ، تعرض عليه
ارواح ذريته ،
فاذا مرت به روح المؤمن منهم سر بها . وقال : روح طيبة خرجت من
جسد طيب .
واذا مرت به روح الكافر منهم افف منها وكرهها ، وساءه ذلك ،
وقال : روح خبيثة خرجت من جسد خبيث .
*صفة اكلة اموال اليتامى ظلما ::
قال : ثم رايت رجالا لهم مشافر كمشافر الابل ، في ايديهم قطع من نار
كالافهار ،
يقذفونها في افواههم ، فتخرج من ادبارهم . فقلت :
من هؤلاء يا جبريل قال : هؤلاء اكلة امول اليتامى ظلما .
حياة الرسول مولده مماته عليه
*صفة اكلة الربا ::
قال : ثم رايت رجالا لهم بطون لم ار مثلها قط بسبيل ال فرعون ،
يمرون عليهم كالابل المهيومة حين يعرضون على النار ،
يطئونهم لا يقدرون على ان يتحولوا من مكانهم ذلك . قال :
قلت : من هؤلاء يا جبريل قال : هؤلاء اكلة الربا .
حياة الرسول مولده مماته عليه
*صفة الزناة من بني ادم ::
قال : ثم رايت رجالا بين ايديهم لحم ثمين طيب ، الى جنبه لحم غث
منتن ،
ياكلون من الغث المنتن ، ويتركون السمين الطيب . قال :
قلت : من هؤلاء يا جبريل قال : هؤلاء الذين يتركون ما احل الله لهم
من النساء ،
ويذهبون الى ما حرم الله عليهم منهن . )
حياة الرسول مولده مماته عليه
*من نسبت ابنا لزوجها من غيره ::
قال : ثم رايت نساء معلقات بثديهن ، فقلت : من هؤلاء يا جبريل
قال : هؤلاء اللاتي ادخلن على الرجال من ليس من اولادهم .
قال ابن اسحاق : وحدثني جعفر بن عمرو ، عن القاسم بن محمد
ان رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
قال : اشتد غضب الله على امراة ادخلت على قوم من ليس منهم ،
فاكل حرائبهم ، واطلع على عوراتهم .
حياة الرسول مولده مماته عليه
*صعوده صلى الله عليه وسلم الى السماوات الاخرة ، وما راى منها ::
ثم رجع الى حديث ابي سعيد الخدري ، قال : ثم اصعدني الى السماء الثانية
،
فاذا فيها ابنا الخالة : عيسى بن مريم ، ويحيى بن زكريا ،
قال : ثم اصعدني الى السماء الثالثة ، فاذا فيها رجل صورته كصورة القمر ليلة
البدر ؛
قال : قلت : من هذا يا جبريل قال : هذا اخوك يوسف ابن يعقوب
.
قال : ثم اصعدني الى السماء الرابعة ، فاذا فيها رجل
فسالته : من هو قال : هذا ادريس – قال : يقول رسول الله صلى
الله عليه وسلم :
ورفعناه مكانا عليا – قال : ثم اصعدني الى السماء الخامسة
فاذا فيها كهل ابيض الراس واللحية ، عظيم العثنون ، لم ار كهلا اجمل منه
؛
قالت : قلت : من هذا يا جبريل قال هذا المحبب في قومه هارون بن
عمران .
قال : ثم اصعدني الى السماء السادسة ، فاذا فيها رجل ادم طويل اقنى ،
كانه من رجال شنوءة ؛ فقلت له : من هذا يا جبريل
قال : هذا اخوك موسى بن عمران . ثم اصعدني الى السماء السابعة ،
فاذا فيها كهل جالس على كرسي الى باب البيت المعمور ،
يدخله كل يوم سبعون الف ملك ، لا يرجعون فيه الى يوم القيامة . لم
ار رجلا اشبه بصاحبكم ،
ولا صاحبكم اشبه به منه ؛ قال : قلت : من هذا يا جبريل قال
:
هذا ابوك ابراهيم . قال : ثم دخل بي الجنة ، فرايت فيها جارية لعساء
،
فسالتها : لمن انت وقد اعجبتني حين رايتها ؛ فقالت : لزيد بن حارثة ،
فبشر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة .
حياة الرسول مولده مماته عليه
*فرض الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم ::
قال ابن اسحاق : ومن حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه ،
عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فيما بلغني :
ان جبريل لم يصعد به الى سماء من السماوات الا قالوا له حين يستاذن في
دخولها :
من هذا يا جبريل فيقول : محمد ؛ فيقولون : اوقد بعث اليه فيقول :
نعم ؛
فيقولون : حياه الله من اخ وصاحب ! حتى انتهى به الى السماء السابعة ،
ثم انتهى به الى ربه ، ففرض عليه خمسين صلاة في كل يوم .
حياة الرسول مولده مماته عليه
*موسى بن عمران عليه السلام يطلب من النبي عليه الصلاة والسلام
سؤال ربه التخفيف عن امته في امر الصلاة ::
قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فاقبلت راجعا ، فلما مررت
بموسى بن عمران ،
ونعم الصاحب كان لكم ، سالني كم فرض عليك من الصلاة فقلت : خمسين صلاة
كل يوم ؛
فقال : ان الصلاة ثقيلة ، وان امتك ضعيفة ، فارجع الى ربك ،
فاساله ان يخفف عنك وعن امتك . فرجعت فسالت ربي ان يخفف عني وعن امتي
،
فوضع عني عشرا . ثم انصرفت فمررت على موسى فقال لي مثل ذلك ؛
فرجعت فسالت ربي ، ان يخفف عني وعن امتي ، فوضع عني عشرا .
ثم انصرفت فمررت على موسى فقال لي مثل ذلك ؛ فرجعت فسالت ربي ،
فوضع عني عشرا . ثم لم يزل يقول لي مثل ذلك ، كلما رجعت اليه
،
قال : فارجع فاسال ربك ، حتى انتهيت الى ان وضع ذلك عني ،
الا خمس صلوات في كل يوم وليلة . ثم رجعت الى موسى ،
فقال لي مثل ذلك ، فقلت : قد راجعت ربي وسالته ، حتى استحييت منه
، فما انا بفاعل
.
فمن اداهن منكم ايمانا بهن ، واحتسابا لهن ، كان له اجر خمسين صلاة مكتوبة
.
في معراج رسول الله ، صلى الله عليه واله وسلم ن الى السماوات العلي ،
ومروره بالانبياء عليهم السلام ، فقد فرضت الصلاة على المسلمين ،
خمس صلوات في كل يوم وليلة ن بعد ان كانت قبل المعراج:
ركعتين في الصباح وركعتين في المساء اما عبادة الليل فكانت مقتصرة على ترتيل القران الكريم
،
وفي صبيحة الاسراء بين جبرائيل عليه السلام لرسول الله ، صلى الله عليه واله وسلم
،
كيفية الصلاة ولذلك قال ، صلى الله عليه واله وسلم :
” صلوا كما رايتموني اصلي ” كما ان جبرائيل عليه السلام ، علم رسول الله
،
صلى الله عليه واله وسلم ، اوقات الصلاة
حياة الرسول مولده مماته عليه
*غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم::
اشهر غزواته
غزوة بدر – رمضان سنة 2 ه
سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بقافلة قريش قد اقبلت من الشام الى مكة
،
وقد كان يقودها ابا سفيان بن حرب مع رجال لا يزيدون عن الاربعين .
وقد اراد الرسول عليه الصلاة والسلام الهجوم على القافلة والاستيلاء عليها
ردا لما فعله المشركون عندما هاجر المسلمون الى المدينة ، وقال لاصحابه :
” هذه عير قريش فيها اموالهم فاخرجوا اليها ” .
كان ذلك في الثالث من شهر رمضان في السنة الثانية للهجرة ،
وقد بلغ عدد المسلمين ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا ، ومعهم فرسان وسبعون بعيرا .
وترك الرسول عليه الصلاة والسلام عبد الله بن ام مكتوم واليا على المدينة .
لما علم ابو سفيان بامر النبي صلى الله عليه وسلم واصحابه
ارسل ضمضم بن عمرو الغفاري الى اهل مكة يطلب نجدتهم .
ولم وصل ضمضم الى اهل قريش صرخ فيهم قائلا : ” يا معشر قريش ،
اموالكم مع ابي سفيان عرض لها محمدا واصحابه لا ارى ان تدركوها ” .
فثار المشركون ثورة عنيفة ، وتجهزوا بتسعمائة وخمسين رجلا معهم مائة فرس ،
وسبعمائة بعير .
جاءت الاخبار الى رسول الله صلى الله عليه وسلم
ان قافلة ابي سفيان قد غيرت اتجاه طريقها ، وانه سيصلها غدا او بعد غد
.
فارسل ابو سفيان لاهل مكة بان الله قد نجى قافلته ، وانه لا حاجة للمساعدة
.
ولكن ابا جهل ثار بغضب وقال : ” والله لا نرجع حتى نرد بدرا ”
جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم اصحابه وقال لهم : ان الله انزل الاية
الكريمة التالية
: (( و اذ يعدكم الله احدى الطائفتين انهما لكم و تودون ان غير ذات
الشوكة
تكون لكم و يريد الله ان يحق الحق بكلماته و يقطع دابر الكافرين ))
فقام المقداد بن الاسود وقال : ” امض يا رسول الله لما امرك ربك ،
فوالله لا نقول لك كما قالت بنو اسرائيل لموسى :
(( قالوا يا موسى انا لن ندخلها ابدا ما داموا ليها فاذهب انت و ربك
فقاتلا انا هاهنا قاعدون ))
ولكن نقول لك : اذهب انت وربك فقاتلا انا معكما مقاتلون .
فابشر الرسول عليه الصلاة والسلام خيرا ، ثم قال :
” اشيروا علي ايها الناس ( يريد الانصار ) . ” فقام سعد بن معاذ
وقال :
” يا رسول الله ، امنا بك وصدقناك واعطيناك عهودنا فامض لما امرك الله ،
فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك
ما تخلف منا رجل واحد” فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : ” ابشروا ،
والله لكاني انظر الى مصارع القوم ” .
وصل المشركون الى بدر ونزلوا العدوة القصوى ، اما المسلمون فنزلوا بالعدوة الدنيا .
وقام المسلمون ببناء عريش للرسول صلى الله عليه وسلم على ربوة ،
واخذ لسانه يلهج بالدعاء قائلا : ” اللهم هذه قريش قد اتت بخيلائها تكذب رسولك
،
اللهم فنصرك الذي وعدتني ؟ اللهم ان تهلك هذه العصابة اليوم فلن تعبد في الارض
” . وسقط ردائه صلى الله عليه وسلم عن منكبيه ، فقال له ابو بكر
:
” يا رسول الله ، ان الله منجز ما وعدك “.
قام المسلمون بردم بئر الماء – بعد ان استولوا عليه وشربوا منه
– حتى لا يتمكن المشركون من الشرب منه . وقبل ان تبدا المعركة ،
تقدم ثلاثة من صناديد قريش وهم : عتبة بن ربيعة ، واخوه شيبة
، وولده الوليد يطلبون من يبارزهم من المسلمين . فتقدم ثلاثة من الانصار ،
فصرخ الصناديد قائلين : ” يا محمد ، اخرج الينا نظراءنا من قومنا من بني
عمنا”
فقدم الرسول عليه الصلاة والسلام عبيدة بن الحارث ، وحمزة بن عبد المطلب ،
وعلي بن ابي طالب . فبارز حمزة شيبة فقتله ، وبارز علي الوليد فقتله ،
وبارز عبيدة عتبة فجرحا بعضهما ، فهجم حمزة وعلي على عتبة فقتلاه . واشتدت رحى
الحرب ،
وحمي الوطيس . ولقد امد الله المسلمين بالملائكة تقاتل معهم .
قال تعالى : (( بلى ان تصبروا و تتقوا و ياتوكم من فورهم هذا يمددكم
ربكم
بخمسة الاف من الملائكة مسومين ))وهكذا انتهت المعركة بنصر المسلمين وهزيمة المشركين ،
حيث قتل من المشركين سبعون واسر منهم سبعون اخرون .
اما شهداء المسلمين فكانوا اربعة عشر شهيدا .
ولقد رمى المسلمون جثث المشركين في البئر ، اما الاسرى
فقد اخذ الرسول صلى الله عليه وسلم اربعة الاف 4000 درهم
عن كل اسير امتثالا لمشورة ابي بكر ، اما من كان لا يملك الفداء
فقد اعطه عشرة من غلمان المسلمين يعلمهم القراءة والكتابة .
وهكذا انتصر المسلمون انتصارا عظيما بايمانهم على المشركين الذين كفروا بالله ورسوله .
حياة الرسول مولده مماته عليه
*غزوة احد – شوال 3 ه::
شعرت قريش بمرارة الهزيمة التي لقيتها في حربها مع المسلمين في بدر ،
وارادت ان تثار لهزيمتها ، حيث استعدت لملاقاة المسلمين مرة اخرى
ليوم تمحو عنها غبار الهزيمة .
ذهب صفوان بن امية ، وعكرمة بن ابي جهل ،
وعبد الله بن ربيعة الى ابي سفيان يطلبون منه مال القافلة ليتمكنوا من تجهيز الجيش
،
ولقد كان ربح القافلة ما يقارب الخمسين الف دينار ، فوافق ابو سفيان على قتال
المسلمين ،
وراحوا يبعثون المحرضين الى القبائل لتحريض الرجال .
اجتمع من قريش ثلاثة الاف مقاتل مستصحبين بنساء يحضن الرجال عند حمي الوطيس .
وخرج الجيش حتى بلغ مكان ( ذو الحليفة ) قريبا من احد .
سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم تقدم المشركين اليهم فاستشار اصحابه ،
فقال الشيوخ : نقاتل هنا ، وقال الرجال : نخرج للقائهم .
فاخذ النبي صلى الله عليه وسلم براي الرجال .
لبس النبي صلى الله عليه وسلم حربته وخرج يريد لقاء المشركين ،
فخرج من المدينة الف رجل ، انسحب عبد الله بن ابي المنافق بثلث الجيش
قائلا : ما ندري علام نقتل انفسنا ؟
عسكر المسلمون عند جبل احد ، ووضع الرسول عليه الصلاة والسلام خطة محكمة ،
وهي انه وضع خمسين رجلا على الجبل قادهم عبد الله بن جبير ،
وامرهم الرسول عليه الصلاة والسلام بعدم التحرك سواء في الفوز او الخسارة .
وبدات المعركة ، وقاتل حمزة بن عبد المطلب قتال الابطال الموحشين ،
وكاد جبير بن مطعم قد وعد غلامه وحشيا ان يعتقه ان هو قتل حمزة .
يقول وحشي :
خرجت انظر حمزة اتربصه حتى رايته كانه الجمل الاورق يهد الناس بسيفه هدا ،
فهززت حربتي ، حتى اذا رضيت عنها دفعتها اليه فوقعت في احشائه حتى خرجت من
بين رجليه ،
وتركته واياها حتى مات . لقد كان استشهاد حمزة نكبة عظيمة على المسلمين
، الا انهم قاوموا وصمدوا امام قتال المشركين .
ولقد قاتل مصعب بن عمير عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قتل ،
وراح قاتله يجري الى قومه يخبرهم انه قتل محمدا. وراحت قريش تجر اذيال الهزيمة ثانية
،
حيث ان اللواء قد سقط على الارض تطاه الاقدام .
راى الرماة من فوق الجبل هزيمة المشركين ، وقال بعضهم : ما لنا في الوقوف
حاجة .
ونسوا وصية الرسول صلى الله عليه وسلم لهم ، فذكرهم قائدهم بها ،
فلم يكترثوا بمقولته ، وسارعوا الى جمع الغنائم . لاحظ خالد بن الوليد نزول الرماة
،
فانطلق مع بعض المشركين والتفوا حول الجبل ، وفاجئوا المسلمين من الخلف ،
فانبهر المسلمون وهرعوا مسرعين هاربين . وارتفعت راية المشركين مرة اخرى ،
فلما راها الجيش عاودوا هجومهم . ولقد رمى احد المشركين حجرا
نحو الرسول صلى الله عليه وسلم ، فكسرت رباعية الرسول عليه الصلاة والسلام ،
كما انه وقع في حفرة كان ابو عامر الراهب قد حفرها ثم غطاها بالقش والتراب
،
فشج راس النبي صلى الله عليه وسلم ، واخذ يمسح الدم قائلا :
كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم وهو يدعوهم الى ربهم !
نادى الرسول في اصحابه قائلا : هلموا الي عباد الله .. هلموا الي عباد الله
.
فاجتمع ثلاثون من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجمع جيشه ونظمه ،
ولحق بالمشركين ليقلب نصرهم هزيمة وفرحهم عزاء . فلما ابتعدوا اكثر فاكثر ..
تركهم وعاد للمدينة .
وهكذا ، ادركنا ان من خالف امر الرسول صلى الله عليه وسلم ،
فلا يحسبن نفسه ناج من مصيره الا اذا شمله الله برحمته التي وسعت كل شيء
علما .
حياة الرسول مولده مماته عليه
* غزوة مؤتة – جمادى الاولى 8 ه::
في شهر جمادى الاولى من السنة الثامنة للهجرة جهز رسول الله عليه وسل
م جيشا للقصاص ممن قتلوا الحارث بن عمير الذي كان رسول الله عليه وسلم
قد بعثه الى امير بصرى داعيا له الى الاسلام .
وامر على الجيش زيد بن حارثة ، وقال عليه الصلاة والسلام :
” ان اصيب زيد فجعفر بن ابي طالب ، وان اصيب جعفر فعبد الله بن
رواحة ،
فان اصيب عبد الله فخالد بن الوليد” .
وانطلق الجيش وبلغ عددهم ثلاثة الاف من المهاجرين والانصار .
واوصاهم الرسول عليه الصلاة والسلام بان لا يقتلوا امراة ولا صغيرا ،
ولا شيخا فانيا ولا تقطعوا شجرا ولا تهدموا بناء .
ووصل الجيش الى مكان يدعى ” معان ” في ارض الشام .
وكان هرقل قد حشد مائتي الف مقاتل لقتال المسلمين .
والتقى الجيشان غير المتكافئين عددا او عدة . وقاتل المسلمون قتال الابطال .
وصمدوا امام هذا الجيش الضخم . وقاتل زيد بن حارثة حامل اللواء حتى استشهد ،
فتولى القيادة جعفر بن ابي طالب ، وحمل اللواء بيمينه فقطعت ، ثم حمله بشماله
فقطعت ،
فاحتضنه بعضديه حتى ضربه رجل من الروم فاستشهد ، فسمي بذي الجناحين
حيث ابدله الله بيديه جناحين يطير بهما في الجنة حيث يشاء .
ثم اخذ الراية عبد الله بن رواحة وقاتل حتى استشهد .
فاخذ الراية خالد بن الوليد . واستعمل دهاءه الحربي ، حتى انحاز بالجيش ،
وانقذه من هزيمة منكرة كادت تقع . فانتهز خالد فرصة قدوم الليل فغير نظام الجيش
،
فجعل ميمنة الجيش ميسرة ، وميسرته ميمنة ، كما جعل مقدمة الجيش في المؤخرة ،
ومؤخرة الجيش في المقدمة .
فلما اطل الصباح ، انكرت الروم ما كانوا يعرفون من راياتهم ،
وسمعوا من الجلبة وقعقعة السلام ، فظنوا انهم قد جاءهم مدد .
فرعبوا وانكشفوا ، وما زال خالد يحاورهم ويداورهم ،
والمسلمون يقاتلونهم اثناء انسحابهم بضعة ايام حتى خاف الروم
ان يكون ذلك استدراجا لهم الى الصحراء . فتوقف القتال .
وهكذا تبدلت هزيمة جيش المسلمين الى نصر .
واي نصر اكبر من صمود جيش يبلغ عدده ثلاثة الاف مقاتل امام جيش عدده مائتا
الف مقاتل .
وانه لشيء نادر ان يقف جندي واحد امام سبعين من الجنود المحملين بالسلاح ،
ولكن قوة الايمان هي التي جعلت المسلمين يصمدون امام جيش العدو .
حياة الرسول مولده مماته عليه
*غزوة حنين – شوال 8 ه ::
بعد ان فتح المسلمون مكة ، انزعجت القبائل المجاورة لقريش من انتصار المسلمين على قريش.
وفزعت هوازن و ثقيف من ان تكون الضربة القادمة من نصيبهم .
وقالوا لنغز محمدا قبل ان يغزونا . واستعانت هاتان القبيلتان بالقبائل المجاورة ،
وقرروا ان يكون مالك بن عوف سيد بني هوازن قائد جيوش هذه القبائل التي ستحارب
المسلمين .
وامر رجاله ان يصطحبوا معهم النساء والاطفال والمواشي والاموال
ويجعلوهم في اخر الجيش ، حتى يستميت الرجال في الدفاع عن اموالهم واولادهم ونسائهم .
لما علم الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك خرج اليهم مع اصحابه
وكان ذلك في شهر شوال من العام الثامن للهجرة .
وكان عدد المسلمين اثني عشر الفا من المجاهدين . عشرة الف من الذين شهدوا فتح
مكة ،
والفان ممن اسلموا بعد الفتح من قريش .
ونظر المسلمون الى جيشهم الكبير فاغتروا بالكثرة وقالوا لن نغلب اليوم من قلة .
وبلغ العدو خبر خروج المسلمين اليهم فاقاموا كمينا للمسلمين عند مدخل
وادي اوطاس ( قرب الطائف ) وكان عددهم عشرين الفا .
واقبل الرسول صلى الله عليه وسلم في اصحابه حتى نزلوا بالوادي .
وكان الوقت قبيل الفجر ، والظلام يخيم على وادي حنين السحيق .
وفوجئ المسلمون بوابل من السهام تنهال عليهم من كل مكان .
فطاش صوابها ، واهتزت صفوفهم ، وفر عدد منهم .
ولما راى الرسول صلى الله عليه وسلم هزيمة المسلمين نادى فيهم يقول :
انا النبي لا كذب انا ابن عبد المطلب
وامر الرسول صلى الله عليه وسلم العباس ان ينادي في الناس ،
فقال : يا معشر الانصار، ويا معشر المهاجرين ، يا اصحاب الشجرة .
فحركت هذه الكلمات مشاعر الايمان والشجاعة في نفوس المسلمين ،
فاجابوه : لبيك يا رسول الله لبيك .
وانتظم الجيش مرة اخرى ، واشتد القتال .
واشرف الرسول صلى الله عليه وسلم على المعركة .
وما هي الا ساعة حتى انهزم المشركون ، وولوا الادبار تاركين النساء والاموال والاولاد .
واخذ المسلمون ينهمكون في تكثيف الاسرى وجمع الغنائم .
وبلغ عدد الاسرى من الكفار في ذلك اليوم ستة الاف اسير .
وهكذا تحولت الهزيمة الى نصر باذن الله تعالى .
حياة الرسول مولده مماته عليه
*غزوة الطائف – شوال 8 ه ::
بعد ان كتب الله النصر للمؤمنين في غزوة حنين ،
توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم في شوال عام 8ه قاصدا الطائف يريد فتحها
،
وانتدب لتلك المهمة خالد بن الوليد رضي الله عنه ؛ حيث جعله على مقدمة الجيش
،
وطلب منه ان يسير اولا لمحاصرتها .
وكانت قبيلة ثقيف – وهم اهل الطائف- قد حصنت مواقعها ، واعدت عدتها ،
وتهيات للقتال ، والدفاع عن ارضها.
ولما وصل رسول الله صلى الله عليه وسلم الى الطائف نزل قريبا من الحصن ،
واقام معسكره فيه ، فانتهزت ثقيف الفرصة ، واخذت توجه سهامها الى معسكر المسلمين ،
فاصابت منهم اثنا عشر رجلا ، كان منهم : عبدالله بن ابي بكر رضي الله
عنه الذي استشهد
على اثر رمية اصابت منه مقتلا.
واستمر حصار رسول الله صلى الله عليه وسلم للطائف قرابة اربعين يوما ،
تخللها العديد من المناوشات بين المسلمين والمشركين ، ورغبة في اضعاف معنويات ثقيف ،
اخذ المسلمون في تحريق نخلهم ، فناشدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يدعها
لله وللرحم ،
فاستجاب لهم ، ثم نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم :
” ايما عبد نزل من الحصن وخرج الينا فهو حر” ، فخرج منهم بضعة عشر
رجلا ،
فاعتقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ودفع كل رجل منهم الى رجل من
المسلمين
ليقوم بشانه واحتياجاته.
ولما طال الحصار ، واصيب عدد من المسلمين استشار الرسول صلى الله عليه وسلم
بعض القوم ، ثم قرر رفع الحصار والرحيل ، فعن عبد الله بن عمرو
قال :حاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم اهل الطائف ، فلم ينل منهم شيئا
،
فقال : ( انا قافلون ان شاء الله ، قال اصحابه : نرجع ولم نفتتحه
،
فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : اغدوا على القتال ، فغدوا عليه
فاصابهم جراح ،
فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : انا قافلون غدا ، فاعجبهم ذلك،
فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم )
رواه البخاري ومسلم
وهكذا عاد المسلمون من غزوة الطائف ، منتصرين وان لم يفتحوا الحصن ،
منتصرين بايمانهم ، وثباتهم ، وصبرهم ، اضافة لما حصل من استسلام بعض اهل الطائف
واسلامهم
حياة الرسول مولده مماته عليه
*غزوة ذات الرقاع – شعبان 4 ه ::
بعدما كسرت شوكة جناحين من الاحزاب : اليهود ، ومشركي مكة من قبل المسلمين ،
بقي جناح ثالث : وهم الاعراب القساة الضاربين في فيافي نجد ،
والذين ما زالوا يقومون باعمال النهب والسلب بين وقت واخر .
فاراد الرسول صلى الله عليه وسلم تاديبهم ، واخماد نار شرهم ،
ولما كانوا بدوا لا بلدة او مدينة تجمعهم ، بات لا يجدي معهم سوى حملات
التاديب والتخويف ،
فكانت غزوة ذات الرقاع .
وجرت احداث هذه الغزوة في السنة السابعة من الهجرة ،
بعد خيبر، كما رجحه ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد .
وبدات حين سمع النبي صلى الله عليه وسلم باجتماع قبائل : انمار او بني ثعلبة
،
وبني محارب من غطفان ، فاسرع بالخروج اليهم باربعمائة او سبعمائة من الصحابة ،
واستعمل على المدينة ابا ذر ، وقيل عثمان بن عفان ، وسار متوغلا في بلادهم
حتى وصل الى موضع يقال له نخل ، ولقي جمعا من غطفان ، فتوافقوا ولم
يكن بينهم قتال ،
الا انه صلى بالصحابة صلاة الخوف ، فعن جابر
قال : (خرج النبي صلى الله عليه وسلم الى ذات الرقاع من نخل ، فلقي
جمعا من غطفان ،
فلم يكن قتال ، واخاف الناس بعضهم بعضا ، فصلى النبي صلى الله عليه وسلم
ركعتي الخوف )
رواه البخاري .
وكان لكل ستة بعير يتعاقبون على ركوبه ، حتى تمزقت خفافهم
، ولفوا على ارجلهم الخرق ؛ ولذلك سميت الغزوة بذات الرقاع
، ففي الصحيحين عن ابي موسى رضي الله عنه قال :
(خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة ، ونحن ستة نفر بيننا بعير
نعتقبه ،
فنقبت اقدامنا ، ونقبت قدماي، وسقطت اظفاري ، وكنا نلف على ارجلنا الخرق ،
فسميت غزوة ذات الرقاع ؛ لما كنا نعصب من الخرق على ارجلنا) .
ومما صاحب هذه الغزوة قصة الاعرابي ، ففي البخاري ، عن جابر رضي الله عنه
قال :
(كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بذات الرقاع ، فاذا اتينا على شجرة ظليلة
تركناها للنبي
صلى الله عليه وسلم ، فجاء رجل من المشركين وسيف النبي صلى الله عليه وسلم
معلق بالشجرة ، فاخترطه فقال : تخافني ، قال : لا قال فمن يمنعك مني؟
قال: الله فتهدده اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، واقيمت الصلاة ،
فصلى بطائفة ركعتين ، ثم تاخروا وصلى بالطائفة الاخرى ركعتين ،
وكان للنبي صلى الله عليه وسلم اربع ، وللقوم ركعتان ).
وبهذا تم كسر اجنحة الاحزاب الثلاثة ، وساد الامن والسلام ربوع المنطقة ،
وبدا التمهيد لفتوح البلدان والممالك الكبيرة ، لتبليغ الاسلام ونشر الخير.
حياة الرسول مولده مماته عليه
*غزوة بني قريظه-ذي القعدة 5 ه ::
الغدر ونقض العهود والمواثيق خلق مشين ، نشا عليه اليهود ، فلا يستطيعون فراقه ،
فهم كما وصفهم الله عز وجل : { او كلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم
بل اكثرهم لا يؤمنون}
(البقرة : 100) ،
ومن كانت هذه حاله يصعب التعامل معه ، وبالتالي لا بد من استئصاله والتخلص منه
بالقتل او النفي ، حتى يبقى المجتمع نظيفا امنا .
وبنو قريظة صنف من اليهود كغيرهم ممن نقضوا العهود ، وخانوا المسلمين في اصعب الظروف
،
وتامروا مع الاحزاب ضدهم غير مكترثين بما اتفقوا عليه مع المسلمين .
فبعد انتهاء غزوة الاحزاب ورجوع الرسول صلى الله عليه وسلم الى المدينة ،
وفي نفس اليوم ياتيه الامر من جبريل بالسير الى بني قريظة ،
وهو معهم في موكب من الملائكة لزلزلة حصونهم وقذف الرعب في قلوبهم ،
فنادى النبي في اصحابه : ( لا يصلين احد العصر الا في بني قريظة)
رواه البخاري.
واعطى الرسول الراية لعلي بن ابي طالب وقدمه على الجيش ،
واستخلف على المدينة ابن ام مكتوم وخرج الرسول مع المهاجرين والانصار ،
وتحرك الجيش الاسلامي وقد بلغ ثلاثة الاف ، والخيل ثلاثين فرسا ،
وفرضوا الحصار على بني قريظة في حصونهم . وقد جرت احداث هذه الغزوة
في السنة الخامسة من الهجرة .
واشتد الحصار عليهم ، ونصحهم رئيسهم كعب بن اسد بامور منها الاسلام فلم يقبلوا منه
،
ثم بعثوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم يريدون ابا لبابة رضي الله عنه
يستشيرونه ،
وقد كان حليفا لهم ، فنصحهم بالنزول على حكم الرسول . فاستسلموا واذعنوا
وقبلوا بحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فامر باعتقال الرجال ، وجمع النساء
والذراري ،
ولما طالبت الاوس بالاحسان اليهم ، حكم فيهم رجلا منهم
وهو سعد بن معاذ الذي اصدر حكمه بان يقتل الرجال ، وتسبى النساء ،
وتقسم الاموال ، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : (لقد حكمت فيهم بحكم الله
)
متفق عليه .
وامر رسول الله فحبست النساء ، وحفرت الخنادق للرجال الذين ضربت اعناقهم ،
وقد بلغوا من الستمائة الى السبعمائة ، وقتل من النساء واحدة لقتلها رجلا من المسلمين
،
ولم يقتل من المسلمين غيره .
واسلم من اليهود نفر قبل النزول ، فحقنوا دمائهم واموالهم وذراريهم .
وقسم الرسول اموال بني قريظة بعد اخراج الخمس .
وبذلك تم الجلاء الثالث لليهود ، ولكنه يختلف عن سابقيه ، فقد تم جلاؤهم هذه
المرة الى
الخنادق استئصالا للغدر واهله ، وابعادا للخيانة واصحابها ، وهكذا تكون نهاية الظالمين الخائنين .
حياة الرسول مولده مماته عليه
*غزوة بني قينقاع – شوال 2 ه::
غزوة قينقاع يوم السبت للنصف من شوال على راس عشرين شهرا
حاصرهم النبي صلى الله عليه وسلم الى هلال ذي القعدة .
حدثني عبد الله بن جعفر ، عن الحارت بن الفضيل عن ابن كعب القرظي
قال لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، وادعته يهود كلها ،
وكتب بينه وبينها كتابا . والحق رسول الله صلى الله عليه وسلم كل قوم بحلفائهم
وجعل بينه وبينهم امانا ، وشرط عليهم شروطا ، فكان فيما شرط الا يظاهروا عليه
عدوا .
فلما اصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اصحاب بدر وقدم المدينة ،
بغت يهود وقطعت ما كان بينها وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم من العهد
فارسل رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهم فجمعهم ثم قال يا معشر يهود اسلموا
،
فوالله انكم لتعلمون اني رسول الله قبل ان يوقع الله بكم مثل وقعة قريش .
فقالوا : يا محمد لا يغرنك من لقيت ، انك قهرت قوما اغمارا .
وانا والله اصحاب الحرب ولئن قاتلتنا لتعلمن انك لم تقاتل مثلنا .
فبينا هم على ما هم عليه من اظهار العداوة ونبذ العهد جاءت امراة نزيعة
من العرب تحت رجل من الانصار الى سوق بني قينقاع ، فجلست عند صائغ في
حلي لها ،
فجاء رجل من يهود قينقاع فجلس من ورائها ولا تشعر فخل درعها الى ظهرها بشوكة
فلما قامت المراة بدت عورتها فضحكوا منها . فقام اليه رجل من المسلمين
فاتبعه فقتله فاجتمعت بنو قينقاع ، وتحايشوا فقتلوا الرجل
ونبذوا العهد الى النبي صلى الله عليه وسلم وحاربوا ، وتحصنوا في حصنهم .
فسار اليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فحاصرهم فكانوا اول من سار اليه
رسول الله صلى الله عليه وسلم واجلى يهود قينقاع وكانوا اول يهود حاربت .
حياة الرسول مولده مماته عليه
*غزوة بني النضير – ربيع الاول 4 ه ::
كان بنو النضير، وهم بطن من بطون اليهود، يسكنون في ضواحي المدينة المنورة،
ولما هاجر اليها الرسول(ص) عقد معهم صلحا على ان يكونوا على الحياد
في حربه مع مشركي قريش.
بعد انتصار المسلمين على قريش في معركة بدر الكبرى فرح بنو النضير فرحا شديدا،
وقالوا: “والله انه للنبي الذي وجدنا نعته في التوراة لا ترد له راية”،
ولكن لما هزم المسلمون يوم احد ارتابوا ونقضوا عهد رسول الله وخططوا لاغتياله.
وقد قام تحالف بين يهود بني النضير وقريش بمبادرة من اليهود الذين قدموا الى مكة
وعاهدوا قريشا على ان تكون كلمتهم واحد على الرسول، وكان مبعوث اليهود كعب بن الاشرف،
واستقبله ابو سفيان في مكة.
نزل جبرائيل واخبر الرسول بما تعاقد عليه بنو النضير وقريش،
وامره بقتل كعب بن الاشرف، الذي خان العهد، وقيل انه هجا النبي(ص) بابيات،
وقد قتله احد الاصحاب وهو محمد بن مسلم الانصاري.
ثم ساربجيشه الى بني النضير وامرهم بالجلاء عن المدينة. ولما حاول المنافقون،
وعلى راسهم عبد الله بن ابي، ان يتحالفوا مع اليهود وقالوا لهم:
“اثبتوا ونحن معكم على محمد” اصر بنو النضير على الحرب وطمعوا بالنصر،
ما حدا برسول الله الى ان يحاصرهم لمدة 21يوما، كما في بعض الروايات،
الامر الذي اضطرهم الى الاستسلام، وصالحهم رسول الله على الجلاء عن المدينة،
فقبلوا وارتحلوا الى بلدان متفرقة ،كالشام واريحا وخيبر والحيرة.
وفي سبيل تخليد تلك الواقعة، لاستخلاص الدروس والعبر منها،
انزل الله سبحانه وتعالى سورة الحشر، التي كان ابن عباس يسميها سورة بني النضير .
حياة الرسول مولده مماته عليه
*صلح الحديبية – ذي القعدة 6ه ::
خرج الرسول صلى الله عليه وسلم ، يريد العمرة ومعه الف واربعمائة من الصحابة ،
وليس معهم الا سلاح السفر ، فاحرموا بالعمرة من ذي الحليفة ،
فلما اقتربوا من مكة بلغهم ان قريشا جمعت الجموع لمقاتلتهم وصدهم عن البيت .
فلما نزل الرسول بالحديبية ارسل عثمان رضي الله عنه الى قريش
وقال له : اخبرهم انا لم نات لقتال ، وانما جئنا عمارا ، وادعهم الى
الاسلام ،
وامره ان ياتي رجالا بمكة مؤمنين ونساء مؤمنات ، فيبشرهم بالفتح ،
وان الله عز وجل مظهر دينه بمكة ، حتى لا يستخفى فيها بالايمان .
فانطلق عثمان ، فمر على قريش ، فقالوا : الى اين ؟
فقال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم ادعوكم الى الله والى الاسلام ،
ويخبركم : انه لم يات لقتال ، وانما جئنا عمارا . قالوا : قد سمعنا
ما تقول ، فانفذ الى حاجتك .
ولكن عثمان احتبسته قريش فتاخر في الرجوع الى المسلمين ،
فخاف الرسول صلى الله عليه وسلم عليه ، وخاصة بعد ان شاع انه قد قتل
،
فدعا الى البيعه ، فتبادروا اليه ، وهو تحت الشجرة ، فبايعوه على ان لا
يفروا ،
وهذه هي بيعة الرضوان التي انزل الله فيها قوله :
{ لقد رضي الله عن المؤمنين اذ يبايعونك تحت الشجرة } (سورة الفتح 18) .
وارسلت قريش عروة بن مسعود الى المسلمين فرجع الى اصحابه ،
فقال : اي قوم ، والله لقد وفدت على الملوك -كسرى ، وقيصر والنجاشي-
والله ما رايت ملكا يعظمه اصحابه كما يعظم اصحاب محمد محمدا .
والله ما انتخم نخامة الا وقعت في كف رجل منهم ، فدلك بها وجهه وجلده،
واذا امر ابتدروا امره ،
واذا توضا كادوا يقتتلون على وضوئه ، واذا تكلم خفضوا اصواتهم ،
وما يحدون اليه النظر تعظيما له ، ثم قال : وقد عرض عليكم خطة رشد
فاقبلوها .
ثم اسرعت قريش في ارسال سهيل بن عمرو لعقد الصلح ،
فلما راه النبي صلى الله عليه وسلم قال : قد سهل لكم امركم ،
اراد القوم الصلح حين بعثوا هذا الرجل ، فتكلم سهيل طويلا ثم اتفقا على قواعد
الصلح ،
وهي :
الاولى : رجوع الرسول صلى الله عليه وسلم واصحابه من عامه وعدم دخول مكة ،
واذا كان العام القادم دخلها المسلمون بسلاح الراكب ، فاقاموا بها ثلاثا .
الثانية : وضع الحرب بين الطرفين عشر سنين ، يامن فيها الناس .
الثالثة : من احب ان يدخل في عقد مع محمد وعهده دخل فيه ،
ومن احب ان يدخل في عقد مع قريش وعهدهم دخل فيه .
الرابعة : من اتى محمدا من قريش من غير اذن وليه رده اليهم ،
ومن جاء قريشا ممن مع محمد لم يرد اليه .
ثم قال الرسول صلى الله عليه وسلم : هات اكتب بيننا وبينك كتابا ،
فدعا الكاتب -وهو علي بن ابي طالب- فقال : اكتب : ،
فقال سهيل : اما الرحمن ، فما ادري ما هو ؟ ولكن اكتب : باسمك
اللهم كما كنت تكتب .
فقال المسلمون : والله لا نكتبها الا ،
فقال صلى الله عليه وسلم : اكتب : باسمك اللهم ،
ثم قال : اكتب : هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله، فقال سهيل :
والله لو نعلم انك رسول الله ما صددناك عن البيت ، ولكن اكتب محمد بن
عبد الله،
فقال : اني رسول الله ، وان كذبتموني اكتب محمد بن عبد الله، ثم تمت
كتابة الصحيفة ،
ودخلت قبيلة خزاعة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ودخلت بنو بكر
في عهد قريش .
فبينما هم كذلك اذ جاء ابو جندل بن سهيل ، وقد خرج من اسفل مكة
يرسف
-يمشي مقيدا- في قيوده ، حتى رمى بنفسه بين اظهر المسلمين ،
فقال سهيل : هذا يا محمد! اول ما اقاضيك عليه ان ترده الي ،
فقال النبي صلى الله عليه وسلم : انا لم نقض الكتاب بعد
، فقال : اذا والله لا اصالحك على شئ ابدا. فقال النبي صلى الله عليه
وسلم : فاجزه لي،
قال : ما انا بمجيزه لك . قال : بلى، فافعل، قال : ما انا
بفاعل .
قال ابو جندل : يا معشر المسلمين ! كيف ارد الى المشركين وقد جئت مسلما؟
الا ترون ما لقيت ؟ -وكان قد عذب في الله عذابا شديدا-
قال عمر بن الخطاب : والله ما شككت منذ اسلمت الا يومئذ .
فاتيت النبي صلى الله عليه وسلم ، فقلت : يا رسول الله ! الست نبي
الله ؟
قال : بلى، قلت : السنا على الحق ، وعدونا على الباطل ؟ قال :
بلى .
قلت : علام نعطى الدنية في ديننا ؟ ونرجع ولما يحكم الله بيننا وبين اعدائنا
؟
فقال : اني رسول الله ، وهو ناصري ، ولست اعصيه . قلت : الست
كنت تحدثنا :
انا ناتي البيت ، ونطوف به . قال : بلى ، افاخبرتك انك تاتيه العام
؟ قلت : لا،
قال : فانك اتيه ومطوف به . قال : فاتيت ابا بكر ، فقلت له
مثلما قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ،
ورد علي كما رد علي رسول الله صلى الله عليه وسلم سواء ، وزاد :
فاستمسك بغرزه حتى تموت، فوالله انه لعلى الحق .
فلما فرغ من قضية الكتاب ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لاصحابه :
قوموا فانحروا، ثم احلقوا، وما قام منهم رجل ، حتى قالها ثلاث مرات .
فلما لم يقم منهم احد ، قام ولم يكلم احدا منهم حتى نحر بدنه ودعا
حالقه .
فلما راوا ذلك قاموا فنحروا ، وجعل بعضهم يحلق بعضا، حتى كاد بعضهم يقتل بعضا
.
ثم جاء نسوة مؤمنات ، فانزل الله :
{يا ايها الذين امنوا اذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن}(سورة الممتحنة 10) .
وفي مرجعه صلى الله عليه وسلم : انزل الله سورة الفتح :
{انا فتحنا لك فتحا مبينا * ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تاخر
} الاية ،
فقال عمر : او فتح هو يا رسول الله ؟ قال : نعم ، قال
الصحابة : هذا لك يا رسول الله ،
فما لنا ؟ فانزل الله : {هو الذي انزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا ايمانا
مع ايمانهم}
الايتين الى قوله : {فوزا عظيما}(سورة الفتح 1-5) .
ولما رجع الى المدينة جاءه ابو بصير -رجل من قريش- مسلما ، فارسلوا في طلبه
رجلين ،
وقالوا : العهد الذي بيننا وبينك ، فدفعه الى الرجلين ، فخرجا به ، حتى
بلغا ذا الحليفة .
فنزلوا ياكلون من تمر لهم . فقال ابو بصير لاحدهما: اني ارى سيفك هذا جيدا.
فقال: اجل ، والله انه لجيد ، لقد جربت به ثم جربت ، فقال :
ارني انظر اليه ، فقتله بسيفه ،
ورجع ابو بصير الى المدينة ، فقال : يا نبي الله ! قد اوفى الله
ذمتك،
قد رددتني اليهم فانجاني الله منهم ، فقال صلى الله عليه وسلم : ويل امه
مسعر حرب ،
لو كان له احد . فلما سمع ذلك عرف انه سيرده اليهم ، فخرج حتى
اتى سيف البحر،
وتفلت منهم ابو جندل ، فلحق بابي بصير ، فلا يخرج من قريش رجل -قد
اسلم- الا لحق به ،
حتى اجتمعت منهم عصابة . فما سمعوا بعير لقريش خرجت الى الشام الا اعترضوا لها
،
فقاتلوهم واخذوا اموالهم ، فارسلت قريش الى النبي صلى الله عليه وسلم
تناشده الله والرحم ان اتاه منهم فهو امن .
وكان هذا الصلح فتحا عظيما ، ونصرا مبينا للمسلمين ، وذلك لما ترتب عليه من
منافع عظيمة ؛
حيث اعترفت قريش بالمسلمين ، وقوتهم ، وتنازلت عن صدارتها الدنيوية وزعامتها الدينية ،
ودخل الناس في دين الله وزاد عدد المسلمين ، وهدات حرب قريش للمسلمين .
حياة الرسول مولده مماته عليه
* غزوة الخندق(الاحزاب) – شوال 5 ه ::
عقد يهود بني النضير على الانتقام من النبي صلى الله عليه وسلم واصحابه
الذين اخرجوهم من ديارهم من المدينة ، وجعلوا همهم على ان يجعلوا جبهة قوية
تتصدى امام الرسول واصحابه .
انطلق زعماء بني النضير الى قريش يدعوهم الى محاربة المسلمين ،
فنجحوا في عقد اتفاق بينهما . ولم يكتف بنو النضير بتلك الاتفاقية ،
وانما انطلقوا ايضا الى بني غطفان يرغبوهم في الانضمام اليهم والى قريش ،
واغروهم بثمار السنة من نخيل خيبر اذا تم النصر بنجاح .
وهكذا انطلق جيش قوامه عشرة الاف مقاتل يقودهم ابو سفيان بن حرب ،
وذلك في السنة الخامسة من الهجرة من شهر شوال .
لما علم الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بالامر ، استشار اصحابه وقادته في الحرب
،
فاشار عليه سلمان الفارسي بحفر خندق في مشارف المدينة ،
فاستحسن الرسول والصحابة رايه ، وعملوا به .
كما ان يهود بني قريظة مدوا لهم يد المساعدة من معاول ومكاتل
بموجب العهد المكتوب بين الطرفين .
كان الرسول صلى الله عليه وسلم واصحابه يتفقدون سير العمل ،
فوجدوا صخرة كبيرة كانت عائقا امام سلمان الفارسي ، حيث كسرت المعاول الحديدية ،
فتقدم الرسول الكريم من الصخرة وقال : ” باسم الله ” فضربها فتصدعت وبرقت منها
برقة مضيئة
فقال : ” الله اكبر .. قصور الشام ورب الكعبة ” ثم ضرب ضربة اخرى
، فبرقت ثانية ،
فقال : ” الله اكبر .. قصور فارس ورب الكعبة ” .
واستطاع المسلمون انهاء حفر الخندق بعد مدة دامت شهرا من البرد وشظف العيش .
بدت طلائع جيوش المشركين مقبلة على المدينة من جهة جبل احد ،
ولكنهم فوجئوا بوجود الخندق ، حيث انهم ما كانوا متوقعين هذه المفاجاة .
لم يجد المشركون سبيلا للدخول الى المدينة ،
وبقوا ينتظرون اياما وليالي يقابلون المسلمين من غير تحرك ،
حتى جاء حيي بن اخطب الذي تسلل الى بني قريظة ،
واقنعهم بفسخ الاتفاقية بين بني قريظة والمسلمين ،
ولما علم الرسول عليه الصلاة والسلام بالامر ارسل بعض اصحابه ليتاكد من صحة ما قيل
،
فوجده صحيحا . وهكذا احيط المسلمون بالمشركين من كل حدب وصوب ، ا
لا ان الرسول صلى الله عليه وسلم واصحابه لم يياسوا من روح الله ،
لانهم كانوا على يقين بان عين الله ترعاهم .
استطاع عكرمة بن ابي جهل وعدد من المشركين التسلل الى داخل المدينة ،
الا ان عليا كان لهم بالمرصاد ، فقتل من قتل ، وهرب من هرب ،
وكان من جملة الهاربين عكرمة .
واخيرا ، جاء نصر الله للمؤمنين . فقد تفككت روابط جيش المشركين ،
وانعدمت الثقة بين اطراف القبائل ، كما ارسل الله ريحا شديدة قلعت خيامهم ،
وجرفت مؤنهم ، واطفات نيرانهم ، فدب الهلع في نفوس المشركين ، وفروا هاربين الى
مكة .
وحين اشرق الصبح ، لم يجد المسلمون احدا من جيوش العدو الحاشدة ، فازدادوا ايمانا
،
وازداد توكلهم على الله الذي لا ينسى عباده المؤمنين .
حياة الرسول مولده مماته عليه
*غزوة تبوك – رجب 9 ه ::
بعد فتح مكة ودخول الحجاز كلها في الاسلام ،
خشي العرب التابعون للروم من المسلمين في بلاد الشام من قوة الاسلام .
فقرر الروم غزو المسلمين . وجهزوا جيشا كبيرا عسكروا جنوب بلاد الشام .
وصلت الاخبار الى الرسول صلى الله عليه وسلم ، فدعا الى تجهيز جيش قوي يصد
غزو الروم .
وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم ان الظروف التي يمر بها صعبة ،
وان الايام ايام قيظ وقحط . فبعث الرجال يحثون القبائل على الاشتراك في الجيش ،
وحث الاغنياء على ان يجودوا بمالهم ،
فتبرع عثمان بن عفان بعشرة الاف دينار وتسعمائة بعير ، ومائة فرس.
كما تبرع ابو بكر الصديق بكل ماله . وتبرع عبد الرحمن بن عوف باربعين الف
دينار .
وتبرعت النساء بحليهن وزينتهن من الذهب .
و تحرك جيش المسلمين الى تبوك في شهر رجب من العام التاسع
بقيادة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وكان عددهم ثلاثين الفا تقريبا .
و اعطى الرسول صلى الله عليه وسلم اللواء لابي بكر الصديق .
وعسكر النبي صلى الله عليه وسلم بجيشه في ثنية الوداع .
وكان الحر شديدا للغاية ، وعانى المسلمون من عسرة الماء والزاد ،
حتى اضطروا لذبح ابلهم واخراج ما في كروشها فيعصرونه ويشربونه .
لذلك سميت الغزوة بغزوة العسرة .
وقضى المسلمون في تبوك حوالي عشرين يوما ،
ولكن لم يجدوا هناك احدا من الروم الذين رجعوا من حيث اتوا ،
حينما علموا بمسير الجيش المسلم الذي يؤثر الموت على الحياة .
واستشار الرسول صلى الله عليه وسلم اصحابه في مجاوزة تبوك
الى ما هو ابعد منها من ديار الشام . فاشار عليه الفاروق عمر بالعودة الى
المدينة .
فاستحسن الرسول صلى عليه وسلم رايه وعادوا الى المدينة حامدين شاكرين .
حياة الرسول مولده مماته عليه
*فتح مكة- سنة رمضان 8 ه ::
بعد صلح الحديبية انضمت قبيلة بكر لقريش ، وانضمت قبيلة خزاعة لحلف المسلمين .
وكان بين بني بكر وقبيلة خزاعة ثارات في الجاهلية ودماء ،
وذات يوم تعرضت قبيلة خزاعة لعدوان من قبيلة بكر الموالية لقريش ،
وقتلوا منهم نحو عشرين رجلا . ودخلت خزاعة الحرم للنجاة بنفسها ،
ولكن بني بكر لاحقوهم وقتلوا منهم في الحرم .
فجاء عمرو بن سالم الخزاعي الرسول صلى الله عليه وسلم يخبرهم بعدوان قبيلة بكر عليهم
،
وانشد الرسول صلى الله عليه وسلم شعرا :
يا رب اني ناشد محمدا حلف ابينا وابيه الاتلدا
انه قريش اخلفوك الموعدا ونقضوا ميثاقك المؤكدا
فانصر رسول الله نصرا اعتدا وادع عباد الله ياتوا مددا
فقال له رسول الله عليه وسلم : ” نصرت يا عمرو بن سالم ،
والله لامنعنكم مما امنع نفسي منه ”
. ودعا الله قائلا ” اللهم خذ العيون والاخبار عن قريش حتى نبغتها في بلادها
“.
وندمت قريش على مساعدتها لبني بكر ، ونقضها للعهد ،
فارسلت ابا سفيان الى المدينة ليصلح ما فسد من العهد ، ولكنه عاد خائبا الى
مكة .
واخذ رسول الله عليه وسلم يجهز الجيش للخروج الى مكة . فحضرت جموع كبيرة من
القبائل .
ولكن حدث شيء لم يكن متوقعا من صحابي .
وهو ان الصحابي حاطب بن ابي بلتعة كتب كتابا بعث به الى قريش مع امراة
،
يخبرهم بما عزم عليه رسول الله عليه وسلم ،
وامرها ان تخفي الخطاب في ضفائر شعرها حتى لا يراها احد .
فاذا الوحي ينزل على رسول الله عليه وسلم بما صنع حاطب ،
فبعث الرسول صلى الله عليه وسلم علي بن ابي طالب والزبير بن العوام ليلحقا بالمراة
.
وتم القبض عليها قبل ان تبلغ مكة ، وعثرا على الرسالة في ضفائر شعرها .
فلما عاتب النبي صلى الله عليه وسلم حاطبا اعتذر انه لم يفعل ذلك ارتدادا عن
دينه ،
ولكنه خاف ان فشل رسول الله عليه وسلم على اهله والذين يعيشون في مكة .
فقال عمر : ” يا رسول الله ، دعني اضرب عنق هذا المنافق ” .
فقال رسول الله عليه وسلم:
” انه قد شهد بدرا ، وما يدريك لعل الله قد اطلع على من شهد
بدرا
فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ” .
وكان حاطب ممن حارب مع رسول الله عليه وسلم في غزوة بدر . فعفا عنه
،
وتحرك جيش المسلمين بقيادة رسول الله عليه وسلم الى مكة
في منتصف رمضان من السنة الثامنة للهجرة . وبلغ عددهم نحو عشرة الاف مقاتل .
ووصلوا ” مر الظهران ” قريبا من مكة ، فنصبوا خيامهم ، واشعلوا عشرة الاف
شعلة نار .
فاضاء الوادي .
وهناك تقابل العباس بن عبد المطلب وابو سفيان .
فاخذه العباس الى رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال له الرسول عليه الصلاة
والسلام :
” ويحك يا ابا سفيان اما ان لك
ان تعلم ان لا اله الا الله ؟ ” .
فقال العباس : ” والله لقد ظننت ان لو كان مع الله غيره لقد اغنى
عني شيئا بعد ” .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” ويحك الم يان لك ان تعلم
اني رسول الله ؟ ”
فقال : ” اما هذه فان في النفس منها حتى الان شيئا ” .
وبعد حوار طويل دخل ابو سفيان في الاسلام .
وقال العباس : ” ان ابا سفيان يحب الفخر فاجعل له شيئا .
فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : ” من دخل دار ابي سفيان فهو امن
ومن دخل المسجد فهو امن ومن اغلق بابه فهو امن ” .
واراد الرسول صلى الله عليه وسلم ان يري ابا سفيان قوة المسلمين ،
فحبسه عند مضيق الجبل . ومرت القبائل على راياتها ، ثم مر رسول الله صلى
عليه وسلم
في كتيبته الخضراء. فقال ابو سفيان : ما لاحد بهؤلاء من قبل ولا طاقة .
ثم رجع ابو سفيان مسرعا الى مكة ، ونادى باعلى صوته : ” يا معشر
قريش ،
هذا محمد قد جاءكم فيما لا قبل لكم به . فمن دخل داري فهو امن
،
ومن اغلق عليه بابه فهو امن ، ومن دخل المسجد فهو امن “.
فهرع الناس الى دورهم والى المسجد .
واغلقوا الابواب عليهم وهم ينظرون من شقوقها وثقوبها الى جيش المسلمين ،
وقد دخل مرفوع الجباه . ودخل جيش المسلمين مكة في صباح يوم الجمعة
الموافق عشرين من رمضان من السنة الثامنة للهجرة .
ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة من اعلاها وهو يقرا قوله تعالى :
(( انا فتحنا لك فتحا مبينا ))
واستسلمت مكة ، واخذ المسلمون يهتفون في جنبات مكة واصواتهم تشق عناء السماء :
الله اكبر .. الله اكبر .
وتوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم الى الحرم ، وطاف بالكعبة ،
وامر بتحطيم الاصنام المصفوفة حولها . وكان يشير اليها وهو يقول :
(( و قل جاء الحق و زهق الباطل ان الباطل كان زهوقا ))
وبعد ان طهرت الكعبة من الاصنام امر النبي عليه الصلاة والسلام بلالا ان يؤذن فوقها
.
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” يا معشر قريش ، ما
ترون اني فاعل بكم ؟
” قالوا : ” خيرا . اخ كريم وابن اخ كريم ” . فقال عليه
الصلاة والسلام :
” اذهبوا فانتم الطلقاء”.
فما اجمل العفو عند المقدرة ، وما احلى التسامح والبعد عن الانتقام .
ولننظر ما فعل الغالبون بالمغلوبين في الحربين العالميتين في قرننا هذا ،
قرن الحضارة كما يقولون ، لنعلم الفرق ما بين الاسلام والكفر .
وهكذا ارتفعت راية الاسلام في مكة وما حولها ، وراح الناس ينعمون بتوحيد الله .
حياة الرسول مولده مماته عليه
*غزوة خيبر- محرم 7 ه ::
ما كاد رسول الله عليه وسلم يعود من صلح الحديبية ،
ويستريح بالمدينة شهرا من الزمن حتى امر بالخروج الى خيبر .
فقد كان يهود خيبر يعادون المسلمين وقد بذلوا جهدهم في جمع الاحزاب
في غزوة الخندق لمحاربة المسلمين .
وخرج رسول الله عليه الصلاة والسلام في مطلع العام السابع الهجري
في جيش تعداده الف وستمائة رجل . وكانت خيبر محصنة تحصينا قويا فيها ثمانية حصون
منفصل بعضها عن بعض .وكان يهود خيبر من اشد الطوائف اليهودية باسا واكثرها واوفرها سلاحا
.
والتقى الجمعان واقتتلوا قتالا شديدا . واليهود يستميتون في الدفاع عنها .
واستمر التراشق بينهم ست ليال .
وفي الليلة السابعة وجد عمر بن الخطاب يهوديا خارجا من الحصون
فاسره واتى به الرسول عليه الصلاة والسلام . فقال اليهودي :
ان امنتموني على نفسي ادلكم على امر منه نجاحكم. فقالوا : قد امناك فما هو
؟
فقال الرجل : ان اهل هذا الحصد قد ادركهم الياس وسيخرجون غدا لقتالكم .
فاذا فتح عليكم هذا الحصد فسالوكم على بيت فيه منجنيق ودروع وسيوف ي
سهل عليكم بها فتح بقية الحصون. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(( لاعطين الراية غدا رجلا يفتح الله عليه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ))
فبات الناس ليلتهم كل منهم يتمنى ان يعطاها . فلما اصبح الصباح قال :
” اين علي بن ابي طالب ” ؟ فقالوا : هو يا رسول الله يشتكي
عينيه . فدعاه ،
فبصق رسول الله صلى الله عليه وسلم في عينيه ودعا له فبرا باذن الله ،
فاعطاه الراية وقال له : ” والله لان يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك
من حمر النعم ” .
ولما ذهب علي بن ابي طالب اليهم خرج مرحب اليهودي يختال في سلاحه فقتله .
واحاط المسلين بالحصون ، وحمل المسلمون عليهم حملة صادقة .
فسقطت حصونهم حصنا بعد حصن . واستولى الياس على اليهود
وطلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم الصلح على ان يحقن دماءهم ،
فقبل الرسول عليه الصلاة والسلام ، وصارت ارضهم لله ولرسوله وللمسلمين .
وهكذا استولى المسلمون على خيبر ، وغنموا منها العديد من السلاح والمتاع .
وقد قتل من اليهود في هذه الغزوة ثلاثة وتسعون رجلا واستشهد من المسلمين خمسة عشر
رجلا .
وكان من بين ما غنم المسلمون منهم عدة صحف من التوراة ،
فطلب اليهود ردها فردها المسلمون اليهم . ولم يصنع الرسول عليه الصلاة والسلام
ما صنع الرومان حينما فتحوا اورشليم واحرقوا الكتب المقدسة فيها ، وداسوها بارجلهم ،
ولا ما صنع التتار حين احرقوا الكتب في بغداد وغيرها .
حياة الرسول مولده مماته عليه
* الهجرة الى الحبشة ::
الهجرة الاولى الى الحبشة
السنة الخامسة من البعثة 615 م
عز على النبى صلى الله عليه وسلم ان يرى اتباعه يتعرض بعضهم للسخرية
والازدراء وبعضهم للتعذيب والاضطهاد فاشار صلى الله عليه وسلم على اصحابه
فى السنة الخامسة من البعثة ان يتفرقوا فرارا بدينهم فسالوه اين نذهب؟
فاشار الى الحبشة المسيحية فان فيها ملكا لا يظلم احد عنده ،
فخرج بعض المسلمين اليها مخافة الفتنة وفرارا الى الله بدينهم ،
فكانت اول هجرة فى الاسلام . لقد خرج من مكة مهاجرا احد عشر رجلا واربع
نسوة منهم :
عثمان بن عفان وزوجته السيدة رقية ابنة النبى صلى الله عليه وسلم ، وعبد الرحمن
بن عوف ،
وعثمان بن مظعون ، والزبير بن العوام ، وعبد الله بن مسعود ، خرجوا متسللين
سرا
ولما وصلوا الى البحر الاحمر ركبوا سفينة اوصلتهم الى الحبشة فاقاموا فى خير جوار من
“النجاشى” وبعد ثلاثة اشهر رجعوا الى مكة ، لان الاقامة لم تتيسر لهم ، فعددهم
قليل ،
ومع بعضهم نساؤهم كما بلغ مسامعهم ان المسلمين بمكة اصبحوا بمامن
من اذى قريش بعد اسلام حمزة وعمر .
اثار الهجرة الاولى :
1- اقنعت قريش ان اتباع محمد يقابلون الصعاب بصدر رحب من اجل دينهم ،
ويفضلون ان يلحقهم كل انواع العناء فى سبيل الله ورسوله .
2- كانت مثالا باهرا فى التضحية .
3- مهدت لفكرة الهجرة الكبرى الى المدينة .
حياة الرسول مولده مماته عليه
*الهجرة الثانية الى الحبشة ::
سنة ست من البعثة 616 م
وجد المسلمون ان موقف قريش لم يتغير بل اشتد واخذ مظهرا جديدا
بلغ فى قسوته وعنفه مبلغا كبيرا ، ولذلك فكر كثير ممن هاجر الهجرة الاولى
الى الحبشة ان يعودوا اليها مرة ثانية ، كما رغب غيرهم فى مرافقتهم
لان كثرة الداخلين فى الاسلام قد افزعت قريش ودفعتها الى الاستبداد بالمسلمين ،
كما ان ما ترامى اليها من اخبار حسن الضيافة التى لقيها المسلمون فى الحبشة
قد اقلق قريش وجعلها تخشى تدخل الحبشة لحمايتهم ،
وعند ذلك يعجزون عن القضاء على المسلمين . وقد رسم المسلمون لانفسهم
خطة السير الى الحبشة واستعدوا للرحلة اليها لاقامة كريمة ينعمون فيها
بعبادة الله وحده امنين حتى ياتى نصر الله ويعم نور الاسلام ويعودوا الى اوطانهم .
ذلك املهم بلا شك ، نصر وكرامة وعزة وسيادة .
ولقد خرج فى هذه الهجرة الدينية الثانية ثلاثة وثمانون رجلا واحدى عشرة امراة ،
فوصلوا اليها واقاموا فيها مدة طويلة ، ثم عادوا بعد ان اذن الله للرسول بالهجرة
الى المدينة .
موقف قريش من المهاجرين الى الحبشة :لم يطمئن اهل مكة الى خروج المسلمين ا
لى الحبشة هذه المرة ومن اجل ذلك ارسلوا عمرو بن العاص وعمارة بن الوليد
ومعهما الهدايا النفيسة الى النجاشى كى يرد المسلمين الى مكة ، فلما دخلا عليه
قالا له : “ايها الملك ان نفرا من بنى عمنا نزلوا ارضك ،
ورغبوا عنا وعن ملتنا وجاءوا بدين ابتدعوه لا نعرفه نحن ولا انت ،
فقد بعثنا اشراف قومهم لنردهم اليهم”
حياة الرسول مولده مماته عليه
*موقف النجاشى :
قد ابى النجاشى ان يرد المسلمين الذين هاجروا اليه حتى يسمع مقالتهم
وبعث فى طلبهم ، فلما جاءوا سالهم : ما هذا الدين الذى فارقتم فيه قومكم؟
فرد عليه جعفر بن ابى طالب قائلا : ايها الملك ، كنا قوم نعبد الاصنام
وناكل الميتة
وناتى الفواحش وياكل القوى منا الضعيف فكنا على ذلك حتى بعث الله
الينا رسولا منا نعرف نسبه وصدقه وامانته . فدعانا الى الله لنوحده ونعبده ونخلع
ما كنا نعبد نحن واباؤنا من دونه من الحجارة والاوثان ، وامرنا بصدق الحديث
واداء الامانة وحسن الجوار ، ونهانا عن الفواحش وقول الزور واكل مال اليتيم ،
وامرنا ان نعبد الله ولا نشرك به شيئا واخذ يذكر لنا تعاليم الدين الجديد
فصدقنا وامنا برسالته ، فعذبنا قومنا ليردونا الى عبادة الاصنام ،
فلما ظلمونا وضيقوا علينا خرجنا الى بلادك واخترناك على سواك .
فقال النجاشى هل معك مما جاء عن الله شىء تقرؤه على؟ فقال جعفر نعم :
وتلا عليه سورة مريم من اولها الى
قوله تعالى : ” وبرا بوالدتى ولم يجعلنى جبارا شقيا (32)
والسلام على يوم ولدت ويوم اموت ويوم ابعث حيا (33) ” . سورة مريم .
فقال النجاشى ان هذا هو ما جاء به موسى وسيدنا يسوع المسيح
انطلقا فوالله لا اسلمهم ابدا . ثم عاد عمرو وصاحبه الى مكة دون ان ينجحا
فى مهمتهما .
وعاش المسلمون فى جوار النجاشى فى امن ودعة الى ما بعد الهجرة الكبرى الى المدينة
.
حياة الرسول مولده مماته عليه
*المقاطعة ::
مقاطعة قريش لبنى هاشم وبنى المطلب
كتابة الصحيفة وما تم فيها المحرم سنة سبع من البعثة – 617 م
رات قريش ان اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نزلوا بلدا اصابوا به
امنا واستقرارا ،
وان النجاشى قد منع وحمى من لجا اليه ، وان عمر قد اسلم واعلن على
الناس اسلامه ،
ولم يرض عن استخفاء المسلمين .
حياة الرسول مولده مماته عليه
*المقاطعة وكتابة الصحيفة :
وازاء ذلك كله فكرت قريش فى طريقة جديدة تفسد بها على محمد وصحبه غايتهم ،
وتقضى بها على المسلمين ومن يناصرهم ويتعصب لهم من بنى هاشم وبنى المطلب
فاتفقت على مقاطعتهم مقاطعة تامة ، فلا يتزوجون من نسائهم ولا يبيعون لهم شيئا
ولا يشترون منهم ولا يخالطونهم ولا يقبلون منهم صلحا ولا تاخذهم بهم رافة
حتى يسلموا رسول الله صلى الله عليه وسلم للقتل وسجلوا هذه القرارات
فى صحيفة ختمت باختام وعلقت فى جوف الكعبة تاكيدا لاحترامها فيكون الخروج عليها
او عدم الوفاء بما فيها بمثابة الخروج على العقيدة الموروثة .
وكانوا يعتقدون ان سياسة التجويع والمقاطعة سيكون لها من الاثر ما يحقق اغراضهم ،
وازاء تلك المقاطعة الغاشمة الجائرة انتقل كل بنى هاشم وبنى المطلب ومعهم الرسول ا
لى شعب كان يطلق عليه “شعب ابى طالب ”
بظاهر مكة يعانون الحرمان الوانا حتى بلغ من سوء حالهم ان اكلوا اوراق الاشجار
ولم يتخلف من بنى هاشم الا ابو لهب الذى اسرف فى تعصبه للاصنام ،
وفجر فى بغضه للاسلام فلم يرع للقرابة حرمة ولا للرحم مودة .
واستمرت هذه المقاطعة المروعة ثلاث سنوات متتابعة لم يجرؤ احد منهم خلالها ان يدخل مكة
.
ولقد خفف عن الرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه قسوة المقاطعة ،
انها لم تنفذ على الاشهر الحرم ثم انه كانت تصلهم فى بعض الاوقات
مساعدات سرية كالتى كان يقوم بها “حكيم بن حزام”
ابن اخى خديجة اذ كان يحمل اليها الطعام فى ظلام الليل الى حيث يقيمون فى
شعبهم .
وكذلك احس بعض القرشيين بفظاعة ما ارتكبوه من ظلم وقسوة
واتفقوا على نقض حلف المقاطعة ، ومن هؤلاء :”هشام بن عمرو القرشى”
كان ياتى بالبعير محملا بالطعام فيسير به ليلا حتى يدخله الشعب عليهم ،
و”زهير بن امية” الذى ذهب فى الصباح الى الكعبة ، فطاف بالبيت ثم نادى فى
الناس
“يا اهل مكة اناكل الطعام ونلبس الثياب وبنو هاشم وبنو المطلب هلكى؟
والله لا اقعد حتى تشق هذه الصحيفة الظالمة” وايده فى هذا الراى بعض العقلاء من
القوم ،
وجن جنون ابى جهل فى ذلك الوقت وكاد نزاع يقع لولا ان ابا جهل خاف
سوء العاقبة فلم يفعل شيئا .
*ما تم فى الصحيفة :
وعلم الرسول صلى الله عليه وسلم ان الارضة (وهى النمل الابيض)
اكلت الصحيفة ولم يبقى منها الا “باسمك اللهم”
واستبشر ابو طالب خيرا مما حصل للصحيفة وعزم على الاستفادة مما حدث لها ،
فخرج فى عدد من بنى هاشم الى الكعبة بين امل يدفعه ورجاء يترقبه
للخلاص من هذا الحصار والتخلص من هذه المحنة ،
وهناك خاطب الحاضرين من رؤساء قريش قائلا :
“قد وصلنى ان وثيقتكم قد اكلتها الحشرات ، فاكشفوا عنها حتى اذ تحقق قولى
كان عليكم ان تكفوا مقاطعتكم ، وان لم يتحقق فانى اعدكم بتسليم ابن اخى ،
فوافقه الحاضرون من رؤساء قريش على اقتراحه ،
وكشفوا عن الوثيقة فوجدوها كما قال ابو طالب قد انمحت كل الكتابة التى كانت عليها
عدا ذكر “باسمك اللهم” فتهلل وجه ابى طالب بشرا وعمت وجوه المشركين كابة ،
واخذ كثير منهم يفكر فى صمت ، وخيم عليهم حزن عميق . ثم دخل ابو
طالب بمن معه الكعبة ،
وتضرع الى الله ان يرفع اذى قريش وشرها ،
وان يكشف عن محمد واله السوء ويخلصهم من تامر قريش وعنادها ،
ثم قفل راجعا الى الشعب . وقد تشجع بهذه الحادثة هؤلاء الذين عقدوا النية على
نقض الصحيفة ،
فذهبوا الى بنى هاشم وبنى المطلب فى مكان حصارهم وطلبوا منهم
ان يرجع كل الى بيته فى مكة امنا ، وكان خروجهم فى السنة العاشرة من
البعثة
وكان خروجا عزيزا ، اذ به تاييد الرسول ايما تاييد ، وشعروا معه
بان الله يؤازر محمدا وحزبه ويخذل قريش وباطلها .
حياة الرسول مولده مماته عليه
*حالة الدعوة فى هذه الفترة : :
كانت قريش ترجو من وراء هذه المقاطعة ان يعتزل محمد قومه ليصبح وحيد
ا ويزول خطر دعوته ، ولكن الامر كان على عكس ما فهموا
فلقد ازداد المسلمون ايمانا على ايمانهم وكان النبى صلى الله عليه وسلم
فى زمن المقاطعة ينتهز فرصة اشهر الحج فيخرج لدعوة القبائل الاتية الى مكة
فذاع امر الدين الاسلامى الجديد بين العرب وقبائلها ، مما جعل الاسلام
ينتشر ذكره فى شبه الجزيرة العربية بعد ان كان حبيسا بين جبال مكة ،
فلقد رجعت وفود الحجيج الى بلادها تحمل خبر ظهور نبى اسمه محمد
يدعو الى الاسلام وترك عبادة الاصنام .
حياة الرسول مولده مماته عليه
*وفاة عمه ابى طالب والسيدة خديجة رضى الله عنها : :
لم يتمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك السلام مدة طويلة من الزمن
اذ لم تمض عدة شهور على انحلال حلف المقاطعة حتى فاجات محمدا
فى عام واحد مفاجاتان اهتز لهما قلبه : وهما موت ابى طالب ،
ومن بعده زوجته السيدة خديجة رضى الله عنها وذلك فى العام العاشر من البعثة النبوية.
حياة الرسول مولده مماته عليه
*وفاة عمه ابى طالب : :
كان ابو طالب بن عبد المطلب من اشد الناس دفاعا
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلقد صبر طويلا على مناصرته
ووقف حياته على تاييده وحمايته .
وضحى بنفسه وراحته من اجل محمد الداعى الى دين يخالف دينه ،
كما كان درع محمد صلى الله عليه وسلم عند الباس وحصنا له عندما تهم قريش
بايذائه ،
وبردا وسلاما عليه حين تشتعل نار العداوة والبغضاء .
فلما مرض واشتد به المرض وبلغ قريشا ذلك اخذ رؤساؤهم يفكرون ويتساءلون
ماذا سيكون من امرهم بعد وفاة ابى طالب؟
واخذوا يقولون ان حمزة وعمر المعروفين بشدتهما وبطشهما قد اسلما ،
ودعوة محمد قد شاعت فى قبائل قريش كلها ، فذهبوا الى ابى طالب
وقالوا له : يا ابا طالب انك منا حيث قد علمت ، وقد حضرك ما
ترى ،
وقد علمت الذى بيننا وبين ابن اخيك فادعه فخذ له منا ، وخذ لنا منه
،
ليكف عنا ولنكف عنه ، وليدعنا وديننا وندعه ودينه ،
وكانهم بذلك ارادوا ان يوسطوا ابا طالب وهو فى المرحلة الاخيرة من حياته
للتوفيق بينهم وبين محمد .
ولقد جاء محمد صلى الله عليه وسلم الى عمه ابى طالب والقوم عنده
فعرض عليه ابو طالب رغبتهم فقال صلى الله عليه وسلم :”يا عم ،
كلمة واحدة تعطونيها تملكون بها العرب وتدين لكم بها العجم”
فقال ابو جهل : نعم نعم وعشر كلمات . قال : “تقولون لا اله الا
الله وتتركون ما تعبدون من دونه”
فصفقوا بايديهم ثم قالوا : اتريد يا محمد ان تجعل الالهة الها واحدا؟
ان امرك لعجيب ، ثم قاموا ، فقال ابو طالب : “والله يا ابن اخى
ما رايتك سالتهم شططا”
وقد طمع النبى صلى الله عليه وسلم فى اسلام ابى طالب خاصة بعد ان راى
منهم ما راى ،
وبعد ان سمع منه الكلمة الحقة : “والله يا ابن اخى ما رايتك سالتهم شططا”
وتمنى النبى اسلامه فهو الذى كفله ودافع عنه الى اخر لحظة من حياته
فقال صلى الله عليه وسلم “يا عم قلها” اى الشهادة ، استحل لك بها الشفاعة
يوم القيام ،
فقال ابو طالب : لولا مخافة المنية وان تظن قريش انما قلتها جزعا من الموت
لولا ذلك لقلتها ،
ومات كافرا وقد قارب الثمانين من عمره .
وطلب الرسول صلى الله عليه وسلم الرحمة من الله سبحانه وتعالى والمغفرة لابى طالب ،
فانزل الله تعالى :
” ما كان للنبي والذين امنوا ان يستغفروا للمشركين ولو كانوا اولي قربى من بعد
م
ا تبين لهم انهم اصحاب الجحيم “. التوبة اية 113.
حياة الرسول مولده مماته عليه
*وفاة السيدة خديجة رضى الله عنها ::
توفيت السيدة خديجة زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم رضى الله عنها ،
فحزن عليها النبى حزنا شديدا ، ولا غرابة فى ذلك
فهى اول امراة صدقت النبى فيما جاء به عن ربه ،
واذهبت مخاوفه اول ما جاءه الوحى .وتفاءلت له وبه خيرا وبددت حيرته
حين ذهبت به الى ورقة بن نوفل الذى بشره بان الذى ياتيه هو ملك الوحى
الذى كان ياتى الرسل من قبله فهونت عليه كل شىء وازالت من نفسه كل خشية
.
ودفعت عنه الكثير من الاذى لما لها من الجاه فى عشيرتها بنى اسد .
وادخلت عليه السكينة والامان برقة نفسها وطهارة قلبها ، وقوة ايمانها ،
وقد استغنى الرسول صلى الله عليه وسلم بما لها ليتفرغ الى اعظم رسالة لهداية البشرية
وكفاها فخرا وشرفا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فى بعض حديثه :”
وقد امنت بى اذ كفر الناس وصدقتنى اذ كذبنى الناس ! وواستنى بمالها اذ حرمنى
الناس ،
ورزقنى الله ولدها اذ حرمنى اولاد النساء” .
حياة الرسول مولده مماته عليه
*اثر وفاة ابى طالب والسيدة خديجة رضى الله عنها ::
ولقد كان لوفاة عمه ابى طالب وهو من عرفنا موقفه
من الرسول صلى الله عليه وسلم والسيدة خديجة رضى الله عنها من الاثر
ما جعل قريشا تطمع فى الرسول ، فتتابع الاذى عليه ،
ونالت قريش منه فاشتد به الامر ورماه بعض سفهائهم بقاذورات القاها عليه
وهو فى طريقه الى بيته ، ورمى اخر التراب على راسه فرجع الى بيته
وقامت فاطمة ابنته وجعلت تغسل التراب عنه وهى تبكى فكان يقول لها :
“لا تبكى يا بنية ، فان الله مانع اباك” وتعلقت به كفار قريش مرة يتجاذبونه
ويقولون له انت الذى تريد ان تجعل الالهة الها واحدا؟ وكان صلى الله عليه وسلم
يقول: “والله ما نالت منى قريش شيئا اكره حتى مات ابو طالب” .
نقض قريش عهد الحديبية :
فى اواخر السنة الثامنة من الهجرة كان قد مضى على صلح الحديبية سنتان تقريبا ،
حافظ المتعاقدان فى اثنائهما على مواد المعاهدة التى كان من شروطها
انه من احب ان يدخل فى عقد مع قريش فليدخل فيه ،
ومن احب ان يدخل فى عقد مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فليدخل فيه
وكانت خزاعة قد انضمت الى الرسول (صلى الله عليه وسلم)
وبنو بكر دخلت فى عهد مع قريش . وكانت بينهما عداوات قديمة هدات فترات واشتعلت
اخرى ،
فلما كانت الهدنة بين المسلمين وقريش انتهزتها بنو بكر فرصة وساعدتهم جماعة من قريش ،
فهاجموا خزاعة ، وقتلوا بعضا منهم ، فلجات خزاعة الى حلفائها المسلمين
تشكو نقض قريش وبنى بكر العهد ، وارسلت وفدا الى رسول الله (صلى الله عليه
وسلم)
يخبره بما يحدث لهم ويقول :
يا رب انى ناشد محمدا حلف ابينا وابيه الاتلدا
والدا كنا وكنتم ولدا ثمت اسلمنا فلم ننزع يدا
فانصر هداك الله نصرا اعتدا وادع عباد الله ياتوا مددا
فيهم رسول الله قد تجردا ان سيم خسفا وجهه تربدا
ان قريشا اخلفوك الموعدا ونقضوا ميثاقك المؤكدا
وزعموا ان لست تدعو احدا وهم اذل واقل عددا
هم بيتونا بالوتير هجدا وقتلونا ركعا وسجدا
فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لزعيمهم عمرو بن سالم الخزاعى
:”نصرت يا عمرو بن سالم” وراى الرسول ان نقض قريش للعهد سبب قوى لفتح مكة
.
حياة الرسول مولده مماته عليه
*الاستعداد لفتح مكة : :
راى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الا يترك لقريش فرصة يتجهزون فيها للحرب
فياخذهم على حين غفلة حتى يسلموا من غير ان تراق الدماء
، لذلك اصدر الاوامر بالتعبئة العامة . واوصى الجيش باخفاء الامر حتى لا تتسرب الاخبار
الى قريش فى مكة . وفى ثمانية من رمضان من السنة الثامنة للهجرة
(الموافق يناير سنة 630 م) تحرك جيش المسلمين من المدينة الى مكة ليفتحها ،
وليضع يده على البيت الحرام الذى جعله الله مثابة للناس وامنا ،
وعلى راسه الرسول (صلى الله عليه وسلم) وهو موحد الغاية ،
وكل امله ان يدخل البيت الحرام من غير ان تراق قطرة دم واحدة ،
وفى اثناء السير انضم اليه فرق من قبيلة اسلم ومزينة وغطفان وغيرها
حتى بلغ عدده عشرة الاف، وبعد اسبوع وصلوا “مر الظهران” فعسكر المسلمون فيه.
حياة الرسول مولده مماته عليه
*ابو سفيان يستطلع الاخبار : :
وقد امر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ان يوقد كل فرد نارا
لتظهر قوة الجيش الاسلامى القريب من مكة ، فيلقى الرعب فى قلوب قريش
فتاتى صاغرة للتسليم ، وكان ابو سفيان بن حرب قد خرج يلتمس الاخبار
ويستطلع مبلغ الخطر الذى شاعت انباؤه فى مكة . وفى جنح الظلام
وعلى مقربة من نيران المسلمين لقيه العباس بن عبد المطلب فناداه ،
فوقف ابو سفيان وقال له : ما وراءك؟ قال العباس :
هذا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) اتاكم بما لا قبل لكم به .
قال ابو سفيان : فما الحيلة فداك ابى وامى؟ قال العباس : انصحك بان تركب
ورائى
(وكان يركب بغلة رسول الله) فاتيه بك واستامن لك .
واردف العباس ابا سفيان وسار به نحو خيمة رسول الله ، يقول العباس :
فلما مررت بنار عمر بن الخطاب عرف ابا سفيان ، فاسرع الى خيمة النبى
(صلى الله عليه وسلم) وطلب ان يضرب عنقه ، فقال العباس : انى قد اجرته
فقال
(صلى الله عليه وسلم) : اذهب به يا عباس الى رحلك فاذا اصبحت فاتنى به
.
فلما كان الصباح جاء العباس الى النبى (صلى الله عليه وسلم) وجرى الحديث الاتى :
– “ويحك يا ابا سفيان الم يان لك ان تعلم انه لا اله الا الله؟”
– ابو سفيان : ما احلمك واوصلك . والله قد ظننت ان لو كان مع
الله اله غيره لكان اغنى شيئا.
– الرسول (صلى الله عليه وسلم) : “ويحك يا ابا سفيان الم يان لك ان
تعلم انى رسول الله؟”
– ابو سفيان : ام هذه فوالله ان فى النفس منها حتى الان شيئا .
فتدخل العباس . وقال له : ويحك اسلم قبل ان تضرب عنقك ، فاسلم ،
فقال العباس : يا رسول الله ان ابا سفيان رجل يحب الفخر فاجعل له شيئا
،
قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) :”نعم : من دخل دار ابى سفيان فهو
امن ،
ومن اغلق بابه فهو امن ، ومن دخل المسجد فهو امن” .
حياة الرسول مولده مماته عليه
*الجيش يدخل مكة ::
وبعد ذلك امر الرسول العباس ان يقف مع ابى سفيان على الطريق الضيق المؤدى الى
مكة
حتى تمر عليه جنود المسلمين فيراها ليحدث قومه عن قوة المسلمين ،
ومرت القبائل بابى سفيان وهو يسال عنها العباس ،
حتى قال : يا عباس ما لاحد بهؤلاء قبل ولا طاقة ، واسرع الى مكة
يصيح باعلى صوته :
يا معشر قريش ، هذا محمد قد جاءكم بما لا قبل لكم به من دخل
دار ابى سفيان فهو امن ،
ومن اغلق بابه فهو امن ، ومن دخل المسجد فهو امن . وركب الرسول ناقته
القصواء
واصدر الاوامر الى قادة الجيش الا تقاتل الا اذا اكرهت على القتال ،
وساروا حتى دخلوا مكة ولم يحدث الا مناوشات خفيفة واهمها ما لاقاه خالد بن الوليد
قائد الجناح الايمن فقد قتل حوالى عشرين رجلا ممن وقفوا فى طريقه
ولم يقتل من المسلمين سوى اثنين . ولما تم للمسلمين الاستيلاء على مكة
نظر الرسول (صلى الله عليه وسلم) الى البلد الامين والى الجبال التى كان ياوى اليها
حين يشتد به اذى قريش فترقرقت فى عينيه دمعة شكرا لله
ثم سار حتى بلغ البيت الحرام فطاف به سبعا ، ثم استلم الحجر ،
وتكاثر الناس حوله فى المسجد فخطبهم وتلا عليهم
قوله تعالى : ” يا ايها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا
وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم ان الله عليم خبير ” . سورة الحجرات
اية 13 .
ثم قال : يا معشر قريش ويا اهل مكة ،
ما ترون انى فاعل بكم ؟ قالوا : خيرا ، اخ كريم وابن اخ كريم
.
قال : اذهبوا فانتم الطلقاء . وبهذه الكلمة صدر العفو العام عن اهل مكة جميعا
.
وهكذا سقط اكبر معقل للوثنية فى بلاد العرب فى 20 رمضان سنة 8 ه .
حياة الرسول مولده مماته عليه
*تطهير الكعبة من الاصنام : :
دخل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الكعبة ،
وكان بداخلها وخارجها اصنام تعبدها قريش فاخذ يشير اليها بقضيب فى يده
ويقول : “جاء الحق وزهق الباطل ان الباطل كان زهوقا”
وامر باخراجها وتحطيمها وتطهير البيت الحرام منها .
وبعد ان استتب الامن بوجه عام اخذ النبى (صلى الله عليه وسلم)
يرسل السرايا الى القبائل المجاورة لمكة يدعوها الى الاسلام
وتحطيم الاصنام فهدمت العزى ومناة وسواع ،
وبذلك ذهبت هيبة الاوثان من النفوس وزال سلطانها ،
واستنار العالم العربى بنور التوحيد الوضاء .
حياة الرسول مولده مماته عليه
*نتائج فتح مكة : :
1- قضى الاسلام على الوثنية والشرك فى اغلب جزيرة العرب ،
وانشا لها نظما وتشريعات جديدة سعدت بها وارتقت . 2
– قضى على عهد الصراع بين القبائل فانصرفت الى نشر الاسلام وتعزيزه .
حياة الرسول مولده مماته عليه
ا*لعبرة من فتح مكة ::
بعد ان تم فتح مكة ، واجتمع الناس حول رسول الله (صلى الله عليه وسلم)
،
نظر فراى منهم من ائتمروا به ليقتلوه ، ومن قاتلوه فى بدر ، وامعنوا له
العداء فى احد .
وحصروه فى غزوة الخندق ، وعذبوه واصاحبه ، نظر اليهم وهم جميعا فى قبضة يده
ا
مره نافذ فى رقابهم ، وحياتهم رهن كلمة ينطق بها ،
ومع كل هذا فقد نظر اليهم نظرة كلها عفو ورحمة قائلا لهم :
“اذهبوا فانتم الطلقاء” فكان مثلا اعلى للعالم كله فى سمو النفس ، والعفو عند المقدرة
كما ضرب المثل فى المحافظة على الدماء باصدار الاوامر الى قادة الجيوش الا تسفك دما
الا اذا اكرهت اكراها . وقد كان من اثر هذه السياسة .
ان كسب الرسول قلوب اهل مكة فاقبل على الاسلام فتيان قريش وشيوخها
ونساؤها ولم يحجم عنه الا نفر اكل الحسدقلوبهم وسيطر العناد على افئدتهم .
حياة الرسول مولده مماته عليه
*حجة الوداع ::
سنة 10 ه ، سنة 632 م
اقبل شهر ذى القعدة من السنة العاشرة للهجرة ،
ولم يكن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قد ادى فريضة الحج ،
والمسلمون فى حاجة الى من يرشدهم عمليا الى مناسكه ،
لهذا دعا الرسول (صلى الله عليه وسلم) الناس الى الحج معه ،
فاقبلوا جماعات الى المدينة حتى بلغ عددهم مائة الف او يزيدون .
وفى اليوم الخامس والعشرين من شهر ذى القعدة تحرك ركب الحجاج من المدينة
فى فرحة شاملة وامامهم الرسول (صلى الله عليه وسلم) الى بيت الله الحرام ،
فلما وصلوا “ذا الحليفة” (1) باتوا فيها وفى الصباح احرم النبى
(صلى الله عليه وسلم) واحرم المسلمون ، فنزعوا المخيط ،
ولبسوا ملابس الاحرام وتوجه الرسول (صلى الله عليه وسلم) الى الله
والمسلمون من ورائه داعين (لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ،
ان الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك) فتجاوب فى نواحى الصحراء صداها
حتى وصلوا مكة فى اليوم الرابع من ذى الحجة ، فتوجه الرسول والمسلمون الى الكعبة
،
فاستلم (صلى الله عليه وسلم) الحجر الاسود وقبله وطاف بالبيت سبعا
ثم سعى بين الصفا والمروة سبعا ، ثم ذهب الى “منى” ومنها الى جبل عرفات
،
فاقيمت له خيمة فاستراح حتى زالت الشمس ثم ركب ناقته القصواء
ونادى فى الناس بصوت مرتفع يردده من بعده “ربيعة بن امية بن خلف”
قائلا بعد ان حمد الله واثنى عليه :
“ايها الناس اسمعوا قولى هذا فانى لا ادرى لعلى لا القاكم بعد عامى هذا بهذا
الموقف ابدا”
، “ايها الناس ان دماءكم واموالكم عليكم حرام الى ان تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا
وكحرمة شهركم هذا ، وانكم ستلقون ربكم فيسالكم عن اعمالكم ، وقد بلغت ،
فمن كانت عنده امانة فليؤدها الى من ائتمنه عليها ” ، “وان كل ربا موضوع
ولكن لكم رءوس اموالكم لا تظلمون ولا تظلمون” الى ان قال : “اما بعد ايها
الناس ،
فان الشيطان قد يئس من ان يعبد بارضكم هذه ابدا ، ولكنه ان يطع فيما
سوى ذلك
فقد رضى به مما تحقرون من اعمالكم فاحذروه على دينكم” .
ايها الناس : “انما النسىء زيادة فى الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه
عاما
ليواطئوا عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله ، ويحرموا ما احل الله ،
وان الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والارض ،
ان عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا منها اربعة حرم ، ثلاثة متوالية ،
ورجب الفرد الذى بين جمادى وشعبان” ، “اما بعد ايها الناس :
فان لكم على نسائكم حقا ولهن عليكم حقا الا يوطئن فرشكم احدا تكرهونه ،
وعليهن الا ياتين بفاحشة مبينة ، فان فعلن فان الله اذن لكم ان تهجروهن فى
المضاجع
وتضربوهن ضربا غير مبرح ، فان انتهين فلهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف ،
واستوصوا بالنساء خيرا فانهن عندكم عوان (2) لا يملكن لانفسهن شيئا
وانكم اخذتموهن بامانة الله ، واستحللتم فروجهن بكلمات الله” ،
“فاعقلوا ايها الناس قولى ، فانى قد بلغت ،
وقد تركت فيكم ما ان اعتصمتم به فلن تضلوا ابدا امرا بيننا ، كتاب الله
وسنة رسوله” ،
“ايها الناس : استمعوا قولى واعقلوه : تعلمن ان كل مسلم اخ للمسلم ،
وان المسلمين اخوة ، فلا يحل لامرىء من اخيه الا ما اعطاه عن طيب نفس
منه
فلا تظلمن انفسكم” .
“اللهم قد بلغت؟” فاجاب الناس : نعم ، فقال (صلى الله عليه وسلم) : “اللهم
فاشهد” .
ثم ترك الرسول عرفات وقضى ليلة بالمزدلفة ، ثم ذهب الى منى ،
ورمى فى طريقه اليها الجمرات ، ثم نحر الهدى . وحلق راسه ،
وبذلك قد اتم حجه وعلم الناس مناسكهم ، وما فرض الله عليهم ،
ثم عاد الى المدينة بعد ان بلغ الرسالة وادى الامانة ، وبين للناس معالم الحلال
والحرام ،
واكد حرمة الدماء والاعراض والاموال ، واوصى بالنساء خيرا فى خطبته الخالدة الجامعة
واعلن عن رب العزة . قال تعالى : ” اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم
نعمتي و
رضيت لكم الاسلام دينا ” . سورة المائدة اية 3 .
حياة الرسول مولده مماته عليه
**وفاة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ::
سنة 11 ه سنة 633 م
مرض رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فى اواخر صفر سنة 11 ه واشتد عليه
المرض
حتى اغمى عليه وراسه فى حجر عائشة رضى الله عنها وكانت تدعو له بالشفاء ،
وكان يقول :”ان للموت لسكرات” قالت فاطمة لما تغشاه الكرب : واكرب ابتاه ،
فقال (صلى الله عليه وسلم) “لا كرب على ابيك بعد اليوم” .
وفى صباح يوم الاثنين الثانى عشر من ربيع الاول سنة 11 ه قبض النبى r
الى رحمة ربه
وهو فى الثالثة والستين من عمره ، قضى منها 23 سنة يجاهد فى تبليغ الرسالة
ونشر الدعوة ،
فادرك من التوفيق والنجاح ما قرت به عينه وعين البشرية .
فقد جاء بدين هو افضل الاديان واكملها ، وسن شريعة
اجمع الباحثون على انها ارقى شريعة سماوية عرفها البشر فى تاريخهم ،
واسس هيئة اجتماعية على دعائم ثابتة من الاخاء والمساواة والحرية ،
لا فضل لاحد فيها على احد الا بالتقوى .
قال تعالى : ” ان اكرمكم عند الله اتقاكم ” . سورة الحجرات اية 13
.
*اللحظات الاخيرة قبل وفاة الرسول محمدصلى الله عليه وسلم
حياة الرسول مولده مماته عليه
*وفاة النبي وما لها من اثر عجيب في القلب،،::
لحظات وفاة النبي
قبل الوفاة كانت اخر حجة للنبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع…
وبينما هو هناك ينزل قول الله عز وجل
(اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا)…
فبكى ابو بكر الصديق رضي الله عنه فقال الرسول صلى الله عليه وسلم
” ما يبكيك في الاية” فقال : “هذا نعي رسول الله عليه السلام”.
[/ورجع الرسول من حجة الوداع وقل الوفاة بتسعة ايام نزلت اخر اية في القران
(واتقوا يوما ترجعون فيه الى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون)
وبدا الوجع يظهر على الرسول صلى الله عليه وسلم فقال اريد ان ازور شهداء احد،
فراح لشهداء احد ووقف على قبور الشهداء وقال: السلام عليكم يا شهداء احد
انتم السابقون ونحن ان شاء الله بكم لاحقون واني بكم ان شاء الله لاحق
[/ وهو راجع بكى الرسول فقالوا: “ما يبكيك يا رسول الله” قال:” اشتقت لاخواني”
قالوا: “اولسنا اخوانك يا رسول الله ” قال: “لا انتم اصحابي
اما اخواني فقوم ياتون من بعدي يؤمنون بي ولا يروني”.
وقبل الوفاة بثلاث ايام بدا الوجع يشتد عليه وكان ببيت السيدة ميمونة
فقال: “اجمعوا زوجاتي” فجمعت الزوجات فقال النبي صلى الله عليه وسلم :
“اتاذنون لي ان امرض ببيت عائشة فقلن اذنا لك يا رسول الله”.
فاراد ان يقوم فما استطاع فجاء علي بن ابي طالب والفضل بن العباس
فحملوا النبي فطلعوا به من حجرة السيدة ميمونة الى حجرة السيدة عائشة
فالصحابة اول مرة يروا النبي محمول على الايادي فتجمع الصحابة
وقالوا: “مال رسول الله مال رسول الله” وتبدا الناس تتجمع بالمسجد
ويبدا المسجد يمتلا بالصحابة ويحمل النبي الى بيت عائشة
فيبدا الرسول يعرق ويعرق ويعرق
وتقول السيدة عائشة:” انا بعمري لم ارى اي انسان يعرق بهذه الكثافة
” فتاخذ يد الرسول وتمسح عرقه بيده ،( فلماذا تمسح بيده هو وليس بيدها)
تقول عائشة: “ان يد رسول الله اطيب واكرم من يدي فلذلك امسح عرقه بيده هو
وليس بيدي انا” (فهذا تقدير للنبي)
تقول السيدة عائشة فاسمعه يقول: “لا اله الا الله ان للموت لسكرات،
لا اله الا الله ان للموت لسكرات” فكثراللغط اي (بدا الصوت داخل المسجد يعلو)
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “ما هذا؟”
فقالت عائشة: “ان الناس يخافون عليك يا رسول الله” فقال: “احملوني اليهم”
فاراد ان يقوم فما استطاع، فصبوا عليه سبع قرب من الماء لكي يفيق فحمل النبي
وصعد به الى المنبر
فكانت اخر خطبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم
واخر كلمات لرسول الله صلى الله عليه وسلم واخر دعاء لرسول الله صلى الله عليه
وسلم ،
قال النبي :
“ايها الناس كانكم تخافون علي” قالوا: “نعم يا رسول الله”
فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: “ايها الناس موعدكم معي ليس الدنيا،
موعدكم معي عند الحوض، والله ولكاني انظر اليه من مقامي هذا،
ايها الناس والله ما الفقر اخشى عليكم ولكني اخشى عليكم الدنيا
ان تتنافسوها كما تنافسها اللذين من قبلكم فتهلككم كما اهلكتهم”
ثم قال صلى الله عليه وسلم: “ايها الناس الله الله بالصلاة الله الله بالصلاة”
تعني (حلفتكم بالله حافظوا على الصلاة) فظل يرددها ثم قال: “ايها الناس اتقوا الله في
النساء،
اوصيكم بالنساء خيرا” ثم قال: “ايها الناس ان عبدا خيره الله بين الدنيا
وبين ما عند الله فاختار ما عند الله” فما احد فهم من هو العبد الذي
يقصده
فقد كان يقصد نفسه ان الله خيره ولم يفهم سوى ابو بكر الصديق
وكان الصحابة معتادين عندما يتكلم الرسول يبقوا ساكتين كانه على رؤوسهم الطير
فلما سمع ابو بكر كلام الرسول فلم يتمالك نفسه فعلا نحيبه (البكاء مع الشهقة)
وفي وسط المسجد قاطع الرسول
وبدا يقول له: “فديناك بابائنا يا رسول الله فديناك بامهاتنا يا رسول الله
فديناك باولادنا يا رسول الله فديناك بازواجنا يا رسول الله فديناك باموالنا يا رسول الله”
ويردد ويردد فنظر الناس الى ابو بكر شظرا (كيف يقاطع الرسول بخطبته)
فقال الرسول: “ايها الناس فما منكم من احد كان له عندنا من فضل الا كافاناه
به
الا ابو بكر فلم استطع مكافاته فتركت مكافاته الى الله تعالى عز وجل
كل الابواب الى المسجد تسد الا ابواب ابو بكر لا يسد ابدا”
ثم بدا يدعي لهم ويقول اخر دعوات قبل الوفاة :
“اراكم الله حفظكم الله نصركم الله ثبتكم الله ايدكم الله حفظكم الله”
واخر كلمة قبل ان ينزل عن المنبر موجه للامة من على منبره
“ايها الناس اقرءوا مني السلام على من تبعني من امتي الى يوم القيامة”
وحمل مرة اخرى الى بيته.
دخل عليه وهو بالبيت عبد الرحمن ابن ابو بكر وكان بيده سواك
فظل النبي ينظر الى السواك ولم يستطع ان يقول اريد السواك
فقالت عائشة فهمت من نظرات عينيه انه يريد السواك فاخذت السواك من يد الرجل
فاستكت به (اي وضعته بفمها) لكي الينه للنبي واعطيته اياه
فكان اخر شي دخل الى جوف النبي هو ريقي”( ريق عائشة)
فتقول عائشة: “كان من فضل ربي علي انه جمع بين ريقي وريق النبي قبل ان
يموت”.
ثم دخلت ابنته فاطمة فبكت عند دخولها.
بكت لانها كانت معتادة كلما دخلت على الرسول وقف وقبلها بين عينيها
ولكنه لم يستطع الوقوف لها فقال لها الرسول: “ادني مني يا فاطمة”
فهمس لها باذنها فبكت ثم قال لها الرسول مرة ثانية: “ادني مني يا فاطمة”
فهمس لها مرة اخرى باذنها فضحكت فبعد وفاة الرسول سالوا فاطمة ”
ماذا همس لك فبكيتي وماذا همس لك فضحكت!” قالت فاطمة:
“لاول مرة قال لي يا فاطمة اني ميت الليلة. فبكيت!
ولما وجد بكائي رجع وقال لي: انت يا فاطمة اول اهلي لحاقا بي. فضحكت!”
ثم قال الرسول: “اخرجوا من عندي بالبيت ” وقال “ادني مني يا عائشة”
ونام على صدر زوجته السيدة عائشة فقالت السيدة عائشة:
“كان يرفع يده للسماء ويقول (بل الرفيق الاعلى بل الرفيق الاعلى)
فتعرف من خلال كلامه انه يخير بين حياة الدنيا او الرفيق الاعلى”.
فدخل الملك جبريل على النبي وقال: “ملك الموت بالباب
ويستاذن ان يدخل عليك وما استاذن من احد قبلك” فقال له “اذن له يا جبريل”
ودخل ملك الموت وقال: “السلام عليك يا رسول الله
ارسلني الله اخيرك بين البقاء في الدنيا وبين ان تلحق بالله
” فقال النبي: “بل الرفيق الاعلى بل الرفيق الاعلى وقف ملك الموت عند راس النبي
(كما سيقف عند راس كل واحد منا)
وقال: “ايتها الروح الطيبة روح محمد ابن عبد الله اخرجي الى رضي من الله ورضوان
ورب ر
اضي غير غضبان”
تقول السيدة عائشة: “فسقطت يد النبي وثقل راسه على صدري فقد علمت انه قد مات
” وتقول “ما ادري ما افعل فما كان مني الا ان خرجت من حجرتي الى
المسجد
حيث الصحابة وقلت
مات رسول الله مات رسول الله مات رسول الله فانفجر المسجد بالبكاء
فهذا علي ابن ابي طالب اقعد من هول الخبر،
وهذا عثمان بن عفان كالصبي ياخذ بيده يمينا ويسارا
وهذا عمر بن الخطاب قال: اذا احد قال انه قد مات ساقطع راسه بسيفي
انما ذهب للقاء ربه كما ذهب موسى للقاء ربه
اما اثبت الناس كان ابو بكر رضي الله عنه فدخل على النبي وحضنه وقال وا
خليلاه وا حبيباه
وا ابتاه وقبل النبي
وقال: طبت حيا وطبت ميتا فخرج ابو بكر رضي الله عنه الى الناس
وقال: من كان يعبد محمد فمحمد قد مات ومن كان يعبد الله فان الله باقي
حي لا يموت
- نهى الرسول الوقوف للتسليم