رفعت امراة عمران وجهها الى السماء وهي حامل وقالت :”يا رب ، لقد نذرت لك
ما في بطني، ساجعله في خدمة البيت المقدس ليعبدك ليلا ونهارا.” ومرت الشهور، ووضعت مريم
بنتا، فرفعت امراة عمران راسها الى السماء، وقالت : “رب اني وضعتها انثى ، والله
اعلم بما وضعت وليس الذكر كالانثى، واني سميتها مريم.” ثم ضمت ابنتها الى صدرها ،
وقالت :”رب احفظها وابناءها من الشيطان.”، وعندما استطاعت امراة عمران ان تنهض بعد الولادة خرجت
بمريم الى البيت المقدس لتسلمها الى العباد المقيمين فيه، ولتجعلها خادمة من خدام المسجد.
كانت ام مريم ابنة امام المتعبدين ببيت المقدس، وكان نبي الله زكريا زوج اختها، لذلك
اراد زكريا ان ياخذ مريم عندما ذهبت بها امها الى المعبد . وبالفعل اخذ زكريا
مريم وكفلها وتعهد بتربيتها.
كبرت مريم في رعاية زوج خالتها زكريا، وكان قد خصص لها مكان في محراب المعبد
لا يدخله سواها فكانت مريم تعبد الله فيه ليلا و نهارا، واشتهرت بالصلاح والتقوى كما
كانت اعبد اهل زمانها فكان الملائكة يزرونها في مكان عبادتها ويعطوها فاكهة لم ير مثلها.
وذات يوم قالت الملائكة لمريم :”ان الله اختارك من بين النساء لتاتي بولد عظيم ،
وسيكون هذا الولد نبيا شريفا، يكلم الناس وهو في مهده ، ويدعوهم الى عبادة الله
وحده، فاكثري من عبادة الله لتستحقي هذه النعمة” فقالت مريم :”كيف يكون لي ولد وليس
لي زوج؟!” فقالت الملائكة ان الله قادر، فاذا قضى امرا، فانما يقول له كن فيكون.”
وفي يوم خرجت مريم لقضاء ضرورة ، وانفردت وحدها شرقي بيت المقدس ، وبينما هي
وحيدة وجدت رجلا امامها ، فقالت له :”من انت؟”
فقال الرجل: “اني ملك، وقد بعثني الله اليك لاهب لك غلاما زكيا.”
فقالت مريم: “كيف يكون لي ولد وانا شريفة طاهرة؟”
فقال الملك :”لقد وعد ربك بان يعطيك غلاما من غير زوج، وسيجعله الله علامة ودليلا
على كمال قدرته فانه قد خلق ادم من غير ابوين وسيخلق ابنك من غير اب.”
عندما شعرت مريم بالام الوضع ذهبت الى جذع نخلة واسندت ظهرها اليه، واخذت تتخيل ما
سيقوله الناس عنها عنما تعود اليهم وعلى يدها طفل، وتقول: ” يا ليتني مت قبل
هذا، وكنت نسيا منسيا”. عندئذ سمعت مريم صوت الطفل يناديها ويتحدث اليها : “لا تحزني،
فهزي اليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا ، فكلي واشربي وقرى عينا ، فاما
ترين من البشر احدا فقولي : انى نذرت للرحمن صوما فلن اكلم اليوم انسيا”.
فقامت مريم وحملت ابنها ، وعندما راها الناس وهي تحمل عيسى قالوا لها: “لقد فعلت
امرا عظيما منكرا، وما كنا نظن ان تفعلي ذلك”.
فاشارت مريم الى رضيعها ولم تفتح فمها بكلمة، فقالوا لها: “كيف نكلم من كان في
المهد صبيا؟”
نظر الناس الى بعضهم واخذوا يتغامزون ، فاذا بالطفل يفاجئهم بالكلام، ويقول “اني عبد الله،
اتاني الكتاب وجعلني نبيا، وجعلني مباركا اينما كنت، واوصاني بالصلاة والزكاة مادمت حيا، وبرا بوالدتي
ولم يجعلني جبارا شقيا، والسلام على يوم ولدت ويوم اموت، ويوم ابعث حيا.
كبر عيسى وصار يلعب مع الاولاد، وكان عيسى يخبر الاولاد بما خبات لهم امهاتهم، والاولاد
يجدون ما يخبرهم به عيسى صحيحا، فاحبه الاولاد، وتعجبت الامهات من مقدرته على معرفة الغيب.
ثم امر الله عيسى ان يدعو الناس الى عبادته ، فخرج عيسى عليه السلام الى
بني اسرائيل، وقال لهم:” اني رسول الله الكريم، ادعوكم الى طاعته، وقد جئت لكم بمعجزة.”
فقالوا له:” وما هذه المعجزة؟” ، قال لهم عيسى: ” اخلق لكم من الطين كهيئة
الطير، فانفخ فيه فيكون طيرا باذن الله، وابرئ الاكمه والابرص واحي الموتى باذن الله، وانبئكم
بما تاكلون وما تدخرون في بيوتكم.”
فقال بنو اسرائيل:” انك لا تستطيع ان تفعل ذلك.”
فقال عيسى:”وان فعلته تؤمنوا بي وتصدقوني؟”
فقال الناس:”نعم نصدقك.”
فاخذ عيسى قطعة من الطين وجعلها على شكل طير ثم نفخ فيه ، فدبت الروح
فيه وطار، وتقدم رجل اعمى الى عيسى ، فمرر يده على عينه ، ففتح الرجل
عنه ، وراى النور والناس الذين حوله ، وذهب عيسى الى قبر وامر الميت ان
يقوم باذن الله ، فقام الميت وخرج من القبر. وانتظر عيسى ان يصدقه بني اسرائيل
، ولكنهم قالوا له:” انك سحرتنا ولن نصدقك ابدا!!”
لم يياس عيسى عليه السلام من بني اسرائيل، واخذ يدعوهم الى عبادة الله، وقال لهم:”يا
بني اسرائيل اني رسول الله اليكم، مصدقا لما بين يدي من التوراة ، ومبشرا برسول
ياتي من بعدي اسمه احمد.” فكان الناس يقولون له انه ساحر وانهم لن يصدقوه.
فقال عيسى:” من انصاري الى الله ؟” ، فقال الحواريون:”نحن انصار الله، امنا بالله، واشهد
بانا مسلمون.”
ذات يوم خرج عيسى والحواريون حوله، فلما راه اليهود قالوا:” جاء الساحر ابن الساحرة”، فقال
لهم عيسى:”يا قوم اني رسول الله اليكم.”، فشتموه وقذفوه بالحجارة ، فقال لهم:”يا معشر اليهود،
ان الله يكرهكم.” فارتفعت اصوات الناس:”اقتلوه، اقتلوه.”
فاخذه الحواريون ودخلوا به بيتا من بيوتهم ، ولكن بنو اسرائيل هجموا على البيت وكسروا
بابه ، وامسكوا باحد اصحابه وهم يظنون انه عيسى، واخذوا يصيحون اصلبوه ثم اخذوه، وجاءوا
بخشبة وصلبوه عليها، واخذوا يقذفونه بالحجارة حتى مات المصلوب وهو يتعذب.
انصرف بنو اسرائيل وهم يعتقدون انهم صلبوا عيسى بن مريم، وترك عيسى بني اسرائيل وسار
يفكر فيما فعلوه ، وفيما هو سائر يفكر اذ قال الله له:” يا عيسى اني
متوفيك ورافعك الي ، ومطهرك من الذين كفروا، وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا الى
يوم القيامة “.