القران شفاء ورحمة
القران والقلق
توجيه ومنهج فكر
شفاء للمجتمع
يعيد الهدوء للنفس
يشفي من الامراض
قال تعالى [ وننزل من القران ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين الا
خسارا ] (الاسراء 57)
ان القران الكريم الذي انزله الله تعالى على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ليس
فقط كتاب دين او كتاب فقه، انه كتاب جامع معجز جمع بين دفتيه كل صنوف
العلم، وكل اشكال الحكمة، وكل دروب الاخلاق والمثل العليا، وكذلك كل تصانيف الادب، وكما قال
تعالى في سورة الانعام [ ما فرطنا في الكتاب من شئ] (38)، ومن بين ما
جمع القران الكريم من علوم جمع ايضا علم الطب والشفاء، فكان حقا هدى وشفاء ورحمة
كما وصفه قائله جل وعلا [ يا ايها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء
لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين ] (يونس 57)
فالقران شفاء ورحمة لمن غمر الايمان قلوبهم وارواحهم، فاشرقت وتفتحت واقبلت في بشر وتفاؤل لتلقى
ما في القران من صفاء وطمانينة وامان، وذاقت من النعيم ما لم تعرفه قلوب وارواح
اغنى ملوك الارض. ولنستمع معا الى هذه الايات ولنر اثرها على انفسنا كتجربة حية:
[ واذا قرئ القران فاستمعوا له وانصتوا لعلكم ترحمون واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة
ودون الجهر من القول بالغدو والاصال ولا تكن من الغافلين ان الذين عند ربك لا
يستكبرون عن عبادته ويسبحونه، وله يسجدون ] (الاعراف 204 – 206)
انه حقا سد منيع يستطيع الانسان ان يحتمي به من مخاطر كل الهجمات المتتالية على
نفسه وقلبه، فيقي القلب من الامراض التي يتعرض لها كما انه ينقيه من الامراض التي
علقت به كالهوى والطمع والحسد ونزغات الشيطان والخبث والحقد..الخ، فهو كتاب ومنهج انزله رب العالمين
على قلب محمد صلى الله عليه وسلم ليكون لعباده هاديا ونذيرا وشفاء لما في الصدور.
ومن المعلوم ان ترتيل القران حسب قواعد التجويد يساعد كثيرا على استعادة الانسان لتوازنه النفسي،
فهو يعمل على تنظيم النفس مما يؤدي الى تخفيف التوتر بدرجة كبيرة، كما ان حركة
عضلات الفم المصاحبة للترتيل السليم تقلل من الشعور بالارهاق، وتكسب العقل حيوية متجددة.
قال تعالى [ وبالحق انزلناه وبالحق نزل وما ارسلناك الا مبشرا ونذيرا وقرانا فرقناه لتقراه
على الناس على مكث و نزلناه تنزيلا قل امنوا به او لا تؤمنوا ان الذين
اوتوا العلم من قبله اذا يتلى عليهم يخرون للاذقان سجدا ويقولون سبحان ربنا ان كان
وعد ربنا لمفعولا ويخرون للاذقان يبكون ويزيدهم خشوعا ] (الاسراء 105 – 109)
قال تعالى في سورة العصر: [ والعصر، ان الانسان لفي خسر، الا الذين امنوا وعملوا
الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ] ففي هذه السورة القصيرة ذات الايات الثلاث يتمثل منهج
كامل للفكر الانساني كما يريده الله عز وجل، وتبرز لنا معالم شخصية المسلم كما ارادها
الخالق، فعلى امتداد الزمان في جميع العصور، وعلى طريق حياة الانسان مع تقدم الدهر ليس
هناك الا منهج واحد، واحد فقط يربح دائما في النهاية وطريق واحد فقط هو طريق
النجاة، ذلك المنهج وذلك الطريق هما اللذان تصفهما السورة وتوضح معالمهما وكل ما وراءهما ضياع
وخسارة، فالايمان والعمل الصالح والتواصي بالحق والتواصي بالصبر هي اسس هذا المنهج ومعالم هذا الطريق،
فمن تركها فهو من الخاسرين. هكذا بكل حسم ووضوح، هكذا وبكل اشراق المعاني وبكل دقة
الالفاظ وببلاغة لا نظير لها يصل القران الى قلب الفكرة، فيهدي الى طريق التفكير الصحيح
ومنهج العمل المستقيم، وهكذا دائما داب كلمات القران في الوصول الى قلب الحقائق وجوهرها من
اقرب طريق و بابلغ الالفاظ واقلها.
ان القران الكريم يجمع قلوب المسلمين على حب الواحد القهار، ويصل بين قلوبهم وبين الباقي
الازلي الذي ابدع هذا الوجود، فيعلمهم كيف يؤمنون به بالغيب دون رؤيته، ويكتفون باثار خلقه
وابداعه على صفحة الكون الفسيح، ويعلمهم التوكل عليه في كل امورهم، ويزرع فيهم الايثار والتواد
والتراحم والترابط، فتلتقي ارواحهم وترتقي نفوسهم وتتالف قلوبهم برباط شفاف نسيجه حب الله والوجل من
قدرته سبحانه وتعالى، نسيج متراكب من الخوف والرجاء، من رقة الشعور وعلو الهمة، انها معان
عميقة يتشربها القلب المؤمن من ايات القران الكريم فتؤدي الى نمو المجتمع المسلم نموا طبيعيا
نحو القوة والنضج والتقدم المستمر
[ محمد رسول الله والذين معه اشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون
فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من اثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم
في الانجيل كزرع اخرج شطئه فازره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار
وعد الله الذين امنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة واجرا عظيما ] (الفتح 29)
كانت نتائج الابحاث التي اجريت على مجموعة من المتطوعين في الولايات المتحدة عند استماعهم الى
القران الكريم مبهرة، فقد تم تسجيل اثر مهدئ لتلاوة القران على نسبة بلغت 97 %
من مجموع الحالات، ورغم وجود نسبة كبيرة من المتطوعين لا يعرفون اللغة العربية؛ الا انه
تم رصد تغيرات فسيولوجية لا ارادية عديدة حدثت في الاجهزة العصبية لهؤلاء المتطوعين، مما ادى
الى تخفيف درجة التوتر لديهم بشكل ملحوظ.
ليس هذا فقط ، فلقد تمت تجربة دقيقة بعمل رسم تخطيطي للدماغ اثناء الاستماع الى
القران الكريم، فوجد انه مع الاستماع الى كتاب الله تنتقل الموجات الدماغية من النسق السريع
الخاص باليقظة (13 – 12) موجة / ثانية الى النسق البطيء (8 – 18) موجة
/ ثانية وهي حالة الهدوء العميق داخل النفس، وايضا شعر غير المتحدثين بالعربية بالطمانينة والراحة
والسكينة اثناء الاستماع لايات كتاب الله، رغم عدم فهمهم لمعانيه !! وهذا من اسرار القران
العظيم، وقد ازاح الرسول صلى الله عليه وسلم النقاب عن بعضها حين قال: “ما اجتمع
قوم في بيت من بيوت الله تعالى يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم الا نزلت عليهم
السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده” رواه مسلم
لا نظن ان هناك على وجه الارض من ينكر ان القران يزيل اسباب التوتر، ويضفي
على النفس السكينة والطمانينة، فهل ينحصر تاثير القران في النفوس فقط ؟ ان الله تعالى
يقول في سورة الاسراء [ وننزل من القران ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين] اذن فالقران
شفاء بشكل عام كما ذكرت الاية، ولكنه شفاء ودواء للمؤمنين المتدبرين لمعاني ايات الله، المهتدين
بهدى منه سبحانه وتعالى وبسنة النبي صلى الله عليه وسلم، اولئك المؤمنون هم الذين جاء
عنهم في سورة الانفال [ انما المؤمنون الذين اذا ذكر الله وجلت قلوبهم واذا تليت
عليهم اياته زادتهم ايمانا وعلى ربهم يتوكلون، الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون، اولئك هم
المؤمنون حقا لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم ] (الاية 2 – 4)
واذا تساءلنا كيف يكون القران شفاءا للبدن ؟ فانه من المعلوم طبيا بصورة قاطعة ان
التوتر والقلق يؤدي الى نقص في مناعة الجسم ضد كل الامراض، وانه كلما كانت الحالة
النفسية والعصبية للانسان غير مستقرة كلما كانت فرص تعرضه لهجمات الامراض اكثر،وهكذا تتضح لنا الحقيقة
جلية، فالقران شفاء بدني كما انه شفاء روحي ونفسي، لانه يعمل على اعادة توازن الجهاز
النفسي والعصبي للمؤمن باستمرار قراءته والاستماع اليه وتدبر معانيه، وبالتالي يزيد من مناعة جسمه ويؤمن
دفاعاته الداخلية، فيصبح في امان مستمر من اختراقات المرض له باذن الله، ويقاوم بتلك القوى
النورانية المتدفقة الميكروبات والجراثيم التي تهاجم في كل لحظة جسمه بضراوة في موجات متتالية رغبة
في اسقاطه في براثن المرض.