الناس تحسدك دائما على شيء لا يستحق الحسد؛ لان متاعهم هو سقوط متاعك، حتى على
الغربة يحسدونك، كانما التشرد مكسب وعليك ان تدفع ضريبته نقدا وحقدا.
فالغربة يا رجل فاجعة يتم ادراكها على مراحل, ولا يستكمل الوعي بها الا بانغلاق ذلك
التابوت على اسئلتك التي بقيت مفتوحة عمرا باكمله، ولن تكون هنا يومها لتعرف كم كنت
غريبا قبل ذلك؟ ولا كم ستصبح منفيا بعد الان؟
هل يعلم الصحب اني بعد فرقتهم
ابيت ارعى نجوم اليل سهرانا
اقضي الزمان ولا اقضي به وطرا
واقطع الدهر اشواقا واشجانا
ولا قريب اذا اصبحت في حزن
ان الغريب حزين حيثما كانا
من اقوال ابي عبد الله الكلثومي النحوي
تقول سعاد ما تغرد طائر
على فنن الا وانت كئيب
اجارتنا انا غريبان ههنا
وكل غريب للغريب نسيب
اجارتنا ان الغريب وان غدت
عليه غوادي الصالحات غريب
اجارتنا من يغترب يلقى للاذى
نوائب تقذي عينه فيشيب
يحن الى اوطانه وفؤاده له
بين احناء الضلوع وجيب
من اقوال المبرد
جسمي معي غير ان الروح عندكم
فالجسم في غربة والروح في وطن
فليعجب الناس مني ان لي بدنا
لا روح فيه ولي روح بلا بدن.
يا قلبي لا تحزن ولا تغرق في الظلام.. فالنور هناك..
قادم.. ها هو .. تكبر هالته اكثر قاوم وكن صادقا اكثر..
واثقا اكثر.. فلا شيء سينقذك.. الا حلمك وصدقك
واخلاصك لله ولنفسك وروحك وذاتك…
اصعب شيء يواجهك في هذه الحياة عندما تحس انك غريب…
انك صادق والصدق عيب… انك حالم والحلم عار…
انك طيب والطيبة سذاجة… انك محب
والمحبة دروشة.. بنظر الاخرين …
انك متامل… حساس… ومتفان في المحبة، ويجدها الاخرون قيما
انقرضت.. اندثرت منذ زمن، وينظرون اليك نظرات استهزاء… وتحس انك قادم
من عالم اخر، ومحكوم عليك ان تعيش هنا.. وتبدا بالبحث عن هدف… عن حلم..
يبقيك على قيد الحياة
الفراق… حزن كلهيب الشمس يبخر الذكريات من القلب ليسمو بها
الى عليائها فتجيبه العيون بنثر مائها.. لتطفئ لهيب الذكريات ..
الفراق… نار ليس لها حدود.. لا يحسه الا من اكتوى بناره..
الفراق… لسانه الدموع.. وحديثه الصمت.. ونظره يجوب السماء..
الفراق.. هو القاتل الصامت.. والقاهر الميت.. والجرح الذي لا يبرا.. والداء الحامل لدوائه ..
الفراق… كالحب تعجز الحروف عن وصفه وان ابينى تفرقا..
الفراق.. كالعين الجارية التي بعد ما اخضر محيطها نضبت …
عند الفراق.. اجعل لعينيك الكلام فسيقرا من احبك سوادها.. واجعل وداعك لوحة من المشاعر يستميت
الفنانون لرسمها ولا يستطيعون…
فهذا اخر ما سيسجله الزمن في رصيدكما.. وبعد الفراق.. لا تنتظر بزوغ القمر لتشكوا له
الم البعاد.. لانه سيغيب ليرمي ما حمله،
ويعود لنا قمرا جديدا.. ولا تقف امام البحر لتهيج امواجه، وتزيد على مائه من دموعك؛
لانه سيرمي بهمك في قاع ليس له قرار، ويعود لنا بحرا هادئا من جديد.
وهذه هي سنة الكون… يوم يحملك ويوم تحمله.