فاعلة خير
لم يكلفها احد بشيء. شيء بداخلها دفعها الى ما قامت به. لعله شعور الامومة او
شعور الانسانية. لبست ثيابها، سوت حجابها، وجرت عربة الخضار الحديدية بدولابين التي عادة ما تضع
فيها مشترياتها من السوق.
لم يكن يومها هذا عاديا. انتظرت طويلا قبله، على ما يبدو، قبل ان تقدم على
خطوتها هذه. السيدة الخمسينية، التي بدت مؤمنة بما تفعل، سحبت عربتها وراحت تجوب الزاروب الذي
تسكنه في احد الشوارع البيروتية كي تجمع ما تيسر من الاغطية والفرش الاسفنجية الخفيفة. لم
تكن تشرح كثيرا. اكتفت بالقول انها تفعل ذلك من اجل اطفال اللاجئين السوريين.
تعاطف الجيران مع قضيتها. كانهم كانوا ينتظرونها ان تصل. صار كل منزل يمدها بغطاء او
اثنين. احدى الجارات، عندما فتحت لها باب المنزل، اصرت عليها بان تدخل وتجفف نفسها قبل
متابعة المهمة التي سخرت نفسها لاجلها. كانت تعتصر من شدة المطر الذي نزل فوق راسها.
مع ذلك، لم تقبل الدعوة الكريمة. فلا وقت لتضيعه. اكتفت بتغيير غطاء راسها باخر استعارته
من جارتها صاحبة الدعوة واعدة ان تعيده لصاحبته في اقرب فرصة. لم يردعها صقيع ولا
مطر عن المتابعة. كانت تعلم ان كل دقيقة مهمة. كل دقيقة قد تحمل دفئا مرتجى
او حرارة متاخرة لقلب صغير.
ويبدو ان حالة السيدة تركت اثرا وسط جيران الحي فقرروا المشاركة معها في مبادرتها الانسانية.
هب مراهقان يساعدانها في حمل الاغطية التي صار وزنها يزداد مع مرور الوقت. وهي عندما
رات ذلك، ازداد حماسها وصارت اللمعة اكثر اشعاعا في عينيها.
بعض المبادرات قد تكون ذات فائدة كبيرة، ولو محدودة. حتى لو لم تسمع بها وزارة
الشؤون الاجتماعية ومنظمات الاغاثة الدولية.
***
لا نعلم متى تلملم العاصفة نفسها وترحل بعيدا. كان يمكن للثلج ان يكون جميلا. كان
يمكن لبياضه ان يكون متعة للنظر وفرحة للقلب. لكن الطبيعة نفسها باتت قاسية مثل البشر
على الضعفاء من الناس، لا سيما اولئك الذين يسكنون في خيمة. الصقيع قاس، لاذع، مؤذ.
يغرز في الجلد كنصل السكين ويتوغل عميقا نحو العظم فيجمده.
اسالوا اهل المخيمات.
***
تقول صديقة ناشطة ان المبادرات الافتراضية عبر مواقع التواصل لا تنفع بانقاذ الناس. المبادرات تحتاج
الى حراك حقيقي في الشارع وليس في الشاشات. حراك لا يكون افتراضيا. وتشبه صديقة اخرى
الاصدقاء الفيسبوكيين الكثر بالنقود الكثيرة.. لكن في لعبة “مونوبولي”.