Warning: file_put_contents(/home/cuteecc/public_html/wp-content/cache/489763647-672d8d2909c633.50703193.tmp): Failed to open stream: No space left on device in /home/cuteecc/public_html/wp-content/object-cache.php on line 803
Warning: rename(/home/cuteecc/public_html/wp-content/cache/489763647-672d8d2909c633.50703193.tmp,/home/cuteecc/public_html/wp-content/cache/900/wp-opcache-63713366102b469e32142af0172bd283.php): No such file or directory in /home/cuteecc/public_html/wp-content/object-cache.php on line 812
العتبة: دلالتها.. ودورها التاريخي
العتبة في اللغة هي اسكفة الباب، والاسكفة هي خشبةالبابالتي يوطا عليها، وعلى وجه التفصيل قيل: او هي الخشبة العليا، وكل مرقاة. وفي الهندسة:
العتبة هي جسم محمول على دعامتين او اكثر. وقد تشمل العتبةالبابالعليا والسفلى من محل موطئ القدم.
ثم ما لبث العرف ان منح هذه العتبة في استعمالها لقصور الملوك ومداخل بيوتهم شيئا
من الاحترام ازدادت اهميته بمرور السنوات، ولم يزل البعض من قبائل العراق، الى الان، حين
تريد ان تلوذ او تلجا الى زعيم او كبير من رجال القوم.. تعمد الى باب
مضيفه او داره فتشد نفسها اليه وتقبل عتبته.
ويذهب التاريخ الى ان تقبيل العتبة قد جرى لاول مرة على (باب النوبي) ببغداد، وهو
من ابواب دار الحكومة العباسية منذ عام 447 ه/1055م. قال ياقوت الحموي في تعريف (الحريم)
وابوابه من دار الحكومة العباسية: ثم باب البدرية، ثم باب النوبي وعنده باب العتبة التي
تقبلها الرسل والملوك اذا قدموا بغداد. (1)
وقد ذكر ان الملك الرحيم اخر امراء دولة الديلم قد قبض عليه طغرلبك السلجوقي، فخلصه
منه القائم بامر الله العباسي، فلما وصل الى عتبة (باب النوبي) قبلها شكرا لله، فصار
ذلك سنة بعده. (2)
وبشان الاضرحة المقدسة للنبي وائمة الهدى صلوات الله عليه وعليهم وهم انوار الله، ورسل الخير،
وصفوة الخلق طهارة وعفة وعلما وتقى كانت ابوابهم وعتباتهم (ومنها عتبة المولى علي بن موسى
الرضا عليه السلام) احق بمثل تلك المراسيم التي اعتبرت فيما بعد طقوسا مقدسة، فاقبل محبو
اهل البيت سلام الله عليهم والموالون لهم على تلك العتبات المشرفة، يولونها عناية اكبر، وقدسية
اسمى تنبعث من اعماق قلوبهم وايمانهم. ثم توسعوا في عرفهم، فسموا الاضرحة كلها باسم العتبات،
واصبح اسم العتبة اكثر شمولا واعم بمقتضى ما جرى عليه الاصطلاح والعرف.
ثم اصبحت العتبات المقدسة من المواضيع المهمة ذات العلاقة الصميمية بالاسلام والمسلمين، وبالثقافة العامة التي
يعنى بها العلماء والادباء والمفكرون والمؤرخون عناية كبيرة، وذلك لما لكل عتبة من هذه العتبات
ومن بينها عتبة الامام الرضا صلوات الله عليه من الاثر الكبير في حياة الاسلام والمسلمين،
وتاريخ العرب والقوميات المسلمة الاخرى، وفي العلوم والمعارف والاداب والفنون.
فالعتبة.. منذ ان اصبحت (عتبة) في عرف المسلمين واصطلاحهم، لم تزل مصدرا من مصادر التاريخ
الاسلامي الواسع، اذ بفضلها وفضل مدارسها توسعت دائرة الفقه الاسلامي، وبفضلها كثرت التفاسير للقران الكريم،
والشروح للاحاديث الشريفة، وتوفرت النصوص الدينية، وتركزت الاسس القويمة لمعظم العلوم التي نشات في بيئات
المسلمين.
وبفضل الحلقات العلمية وانشاء الحوزات الدينية وفتح ابواب المدارسات والمباحثات داخل العتبات المقدسة.. كان احياء
العلوم، وحفظ الاداب، وصيانة اللغة، وجمع اوراق التاريخ، ورصف الثقافة الاسلامية طوال هذه القرون. حتى
حوت تلك العتبات الشريفة والمشاهد المعظمة كنوزا من المخطوطات والكتب العلمية المهمة، وصانتها عن يد
الغزو المغولي واعمال العنف التي كانت تجتاح البلدان الاسلامية في العصور المظلمة.
هذا.. فضلا عما كان ينصب حول هذه العتبات الكريمة من عصارة لمختلف الثمرات المعرفية والثقافات
العلمية التي حملها المسلمون من جميع اقطار الارض وهم يحجون مكة المكرمة، ويطوفون بالمدينة المنورة،
ويزورون النجف الاشرف وكربلاء والكاظمية وسامراء ومشهد الرضا عليه السلام، بل ويقيم الكثير منهم في
هذه العتبات دارسا وباحثا، او مجاورا، ليقضي بقية عمره هناك.
وكان من نتائج الهجرة لاجل مواصلة المدارسة والبحث والتحقيق.. ان اخذت كل عتبة من تلك
العتبات المقدسة نصيبا، فترشحت عنها انهار من التاليف والدواوين والتراجم، وكان البناء والريازة والخط وفن
النقش في تطور لافت وازدهار كبير. هذا، بالاضافة الى ما انبعث من العتبات من قواعد
للفلسفة الروحية، والعلوم الاخلاقية، وما اختصت به من اجواء عبادية تفضي الى طلب الكمال وتدعو
الى السمو والرفعة من خلال تلاوة القران والدعاء والزيارة والمناجاة.
ان العتبات المشرفة بتاريخها الشامخ، وما حوته من كنوز العلم والفن والادب، لم تكن جديرة
بالاستطلاع واتخاذها مشهدا تاريخيا او موسوعة كبيرة فحسب، وانما هي في منتهى الضرورة للعالم الاسلامي
ان يتعرف على ادوارها واثارها في حياة الرسالة وحياة الامة، فهي تعد من مفاخرها، ومنه
تاريخ العتبة الرضوية المقدسة.
فلابد اذن من ان ندخل اجنحتها بقلب منشرح، وعقل مستنير، وعين باصرة؛ لنرى ما تنطوي
عليه من اصالة عميقة وسر عظيم يحوي الايمان والتقوى والعلم والعمل الصالح، والولاء والمحبة لاهل
البيت النبوي الكريم.