مواضيع للرجال للنساء

صراحة راحة

صراحة راحة 20160819 4598 1

صراحة راحة 20160819 4598

معنى الصراحة
في اللغة: الوضوح، والخلوص من الالتواء.
وفي الاصطلاح: اظهار الشخص ما تنطوي عليه نفسه من غير تحريف ولا مواربة؛ بحيث تكون
افكاره واضحة جلية، وبحيث توافق افعاله اقواله (الخلق الكامل 3/464).

لماذا الصراحة والوضوح من اخلاق الكبار؟

لان الصراحة تعني قول الحق والصدق، وقد يكون ذلك في غير مصلحتك، ولا يقدر على
هذا الا الكبار اصحاب النفوس الكبيرة، ولان الصراحة تعني الاعتراف بالخطا في بعض الاحيان، وهذا
ما لا يقدر عليه الا الكبار الذين لديهم الشجاعة الادبية الكافية لمواجهة الاخرين بخطئهم.

ولان الصراحة تعني تحمل المسئولية الكاملة عن كلمة ينطق بها الانسان، وهذا ايضا لا يصدر
الا عن الكبار.

ولان الصراحة تعني عدم مداهنة الكبراء ومنافقتهم، بل تعني احيانا الاصطدام معهم والتصدي لهم، واظهار
مفاسدهم واخطائهم، وهذا ما لا يطيقه الا الكبار.

فالصراحة والوضوح من اخلاق الكبار واصحاب النفوس الكبيرة؛ لانهم الوحيدون القادرون على قول الحق، وامتلاك
الشجاعة التي يواجهون بها الاخرين، فيلجمون انفسهم عن قول المداراة او المجاملة في غير الحق.

واقرب مسافة بين نقطتين هو الخط المستقيم الواصل بينهما؛ واحيانا ما يلجا البعض الى تحوير
الكلام وعرضه على الاخر بطريقة غامضة مبهمة؛ رغبة في الحصول على معلومات اكثر من محدثه
تشبع فضوله وحب استطلاعه؛ فهو يسعى الى ارباك من يحدثه، ويصيبه بنوع من البلبلة حتى
يضطره الى اخراج كل ما في جعبته، محاولا ايهامه بانه يعلم كل شيء ولديه تفاصيل
كل شيء.

وعلى الجانب الاخر، فان من يعامل هذه المعاملة يحاول ايضا المراوغة والمناورة اثناء الحديث، محاولا
الهروب من زلات اللسان، والخروج باقل قدر من الاخطاء، واحداث نوع من التشتيت لمحدثه من
خلال الردود الدبلوماسية التي فيها مداراة وتورية.

وغالبا ما تكون عبارات هذا الحديث تحمل الكثير من التاويلات، وتتسم بالمداراة والغموض، ويتحول هذا
الحديث الى مجموعة من الالغاز التي تحتاج الى حاذق لفكها ومحلل ليتاولها.

الصراحة ضرورة
من هنا نستطيع ان ندرك اهمية الصراحة والوضوح وقيمتها في حديثنا، وانها- اي الصراحة والوضوح-
تكفينا مئونة التعب والجهد في الحصول على المعلومة الصحيحة والصريحة المباشرة، كما انها تقضي على
القيل والقال، واحاديث النفس التي يتصيدها الشيطان ويكبرها لدينا؛ فمثلا عند حدوث مثل هذه الاحاديث
تكثر التساؤلات:
ماذا يقصد بقوله هذا؟
هل يقصد اهانتي؟
هل يريد ان يحرجني؟
ماذا؟ وكيف؟ ولماذا؟

وغيرها من علامات الاستفهام التي قد ينساق الشخص وراءها فتوقعه فيما حرم الله؛ رغبة في
ارضاء نفسه واراحتها من هم الشك والتفكير جراء ما سمعت من غموض في الحديث!!.

بيد ان هذا السلوك لدى البعض اصبح لازمة من لوازم الكلام في احاديثهم، واصبح عدم
الاستمرار فيه يمثل عبئا صعبا عليهم، وفي حاجة الى جهاد مرير حتى يتركوه.

وفي ظل غياب الصراحة والوضوح في احاديث الناس مع بعضهم البعض، فلا تتعجب اخي القارئ
عندما ترى البغضاء قد انتشرت اوصالها بين الناس، وكثر التنافر والتناحر وضرب بجذوره في العلاقات
الانسانية.

من شيم الكبار
ان الصراحة والوضوح من شيم اصحاب النفوس الكبيرة التي تحترم نفسها فتابى عليها الا القول
بالحقيقة والبعد عن الالغاز والغموض؛ فاصحاب النفوس الكبيرة فقط هم الذين لا يابهون بالاخرين، فلا
يضطرهم مركز او يجبرهم سلطان على ان يقولوا غير الحقيقة في صراحة ووضوح.

فاصحاب النفوس الكبيرة والمتصفون باخلاق الكبار لا يعترفون بالالغاز في الفاظهم، ويرفضون النفاق باشكاله والوانه،
ولا يستخدمون التقية او التورية في احاديثهم، بل الصراحة والوضوح، والصفاء والنقاء، ولا شيء غيرهما.

دفع شبهة
يظن البعض ان الصراحة والوضوح تعني سوء الادب مع الاخر او الخروج عن اطر اللياقة
واللطف في الحديث، ويظن البعض ان الصراحة والوضوح تعني التشهير والتجريح، واثارة الفتن من خلال
النقد غير البناء ونشر عيوب ومساوئ الاخرين.

وفي الحقيقة ان خلق الصراحة والوضوح بريء من ذلك الفهم القاصر؛ ذلك ان الصراحة والوضوح
لا يختلف عليهما عاقل في ان النفس تميل اليهما، وترتاح لمن يتحدث بهما، حتى وان
سبب لها ذلك بعض الحرج.

تحمل الصراحة
واصحاب النفوس الكبيرة هم كذلك المؤهلون لتحمل صراحة محدثيهم، ويقدرون ذلك جيدا، فلا يغضبون ولا
تتغير وجوههم، فيحملهم ذلك على معاداتهم او خصامهم ومقاطعتهم وتحديهم، او مقابلة صراحتهم بالتهكم عليهم
والاساءة لهم؛ ذلك ان اصحاب النفوس الكبيرة يجعلون من رسول الله- صلى الله عليه وسلم-
قدوة لهم؛ فلا يابهون اين موقع نفوسهم؛ فالاصل ان يكونوا على سنة نبيهم في تقبل
صراحة الاخرين.

روى ان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- نسي فصلى ركعتين بدلا من اربع، فيقول
له ذو اليدين- بكل ادب-: يا نبي الله.. انسيت ام قصرت؟. فقال- صلى الله عليه
وسلم-:”لم انس ولم تقصر”.

عندئذ تدخل الصحابة الحاضرون بكل صراحة ووضوح وفي ادب كامل ايضا: “بل نسيت يا رسول
الله”، فلم يتغير عليهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- او يغضب لصراحتهم وقال: “صدق
ذو اليدين”، فقام فصلى ركعتين، ثم سلم ثم كبر فسجد مثل سجوده او اطول، ثم
رفع راسه وكبر، ثم وضع مثل سجوده او اطول، ثم رفع راسه وكبر” (صحيح البخاري-
ح رقم: 5591).

صراحة الفاروق
البعض منا اليوم يبالغ في المجاملات، خاصة مع الشخصيات العامة واصحاب المراكز العليا والمسئولين والرؤساء،
وتزداد المجاملة وضوحا وظهورا اذا كانت لا تتعدى حيز الكلمات والاقوال، وتقل كلما دخلت في
نطاق الاداء العملي.

وصراحة صحابة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ليست لها حدود؛ فالنفاق لا يعرف لقلوبهم
طريقا، والمداراة في الحق لا تعرف الى حديثهم سبيلا، انها الصراحة والوضوح التي تربوا عليهما،
والتي اعتقد ان البعض في وقتنا الحاضر يمكنه ان يعلن لمديره الظالم عن حبه له
وهو يتمنى لو لم يكن موجودا!!.

فيا لصراحة الفاروق الذي اعلن حقيقة لم تستقر في قلبه بعد، ولكنها واقعة في نفسه،
فعبر عن مشاعره كما هي دون زيادة او نقصان وفي صراحة ووضوح، وتجاه من؟!.. تجاه
رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: “والله لانت يا رسول الله احب الي من كل
شيء الا نفسي”!!.

انظر اخي القارئ الى هذه الصراحة التي تجلت في حديثه.. انه ينقل مشاعره واحاسيسه، ولكن
لا تعجب؛ انه الفاروق، وانها الشجاعة الادبية والوضوح في الحديث.

حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ابن لهيعة عن زهرة بن معبد عن جده قال: كنا
مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو اخذ بيد عمر بن الخطاب رضي الله عنه
فقال والله لانت يا رسول الله احب الي من كل شيء الا نفسي فقال النبي
صلى الله عليه وسلم “لا يؤمن احدكم حتى اكون عنده احب اليه من نفسه” قال
عمر: فلانت الان والله احب الي من نفسي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
“الان يا عمر ” (مسند الامام احمد- ح رقم: 17355).

الصراحة والاستوثاق
بعضنا اليوم يمنعه الحياء من الاستوثاق من كلام اشكل عليه استيعابه، او يتحرج من الاستفسار
عن امر صعب عليه فهمه من محدثه، خاصة اذا كان ذلك المتحدث صاحب مركز او
سلطان، او ذا مكانة ووجاهة.

اخي القارئ.. عد بذاكرتك الى الوراء، واترك لخيالك العنان، وعش معي بقلبك وعقلك وجوارحك، واحجز
لنفسك مقعدا ضمن الحضور في هذا المجلس المصيري: بين رسول الله- صلى الله عليه وسلم-
والانصار فيما يعرف في كتب السيرة ببيعة العقبة؛ فها هو رسول الله- صلى الله عليه
وسلم- يجتمع بهم لاخذ العهد والميثاق، فيقول رجل بعد ان تعرض بنود البيعة، ويعبر عن
حقيقة لا تزال في نفسه منها شيء، ويحتاج الى المزيد من الاستوثاق والتوضيح، ولسان حاله
يقول: “لماذا اخفي شيئا في نفسي؟! لماذا لا اجلي الامر حتى لا يدخل القلق والشك
والارتياب الى قلبي؟!”.

يقول ذلك الصحابي: “يا رسول الله.. ان بيننا وبين الرجال حبالا- يعني اليهود- وانا قاطعوها،
فهل عسيت ان فعلنا ذلك ثم اظهرك الله ان ترجع الى قومك وتدعنا؟”.

يا سبحان الله.. كم يغضب الكثيرون اذا استفهمت منهم او حاولت الاستيضاح، وقد تتهم بفقدان
الثقة في القيادة: اين الجندية؟! اين.. اين؟!

لقد كان الرد الحاني من رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الذي تبسم ثم قال:
بل الدم الدم، والهدم الهدم؛ انا منكم وانتم مني؛ احارب من حاربتم، واسالم من سالمتم”
(مسند الامام احمد ح رقم: 15237).

لا تغضب ممن يصارحونك
راينا في المثال السابق كيف ان النبي- صلى الله عليه وسلم- لم ينكر على الصحابي
حق الاستفهام او الاستيضاح رغم انه يحمل بعض علامات الريب والشك والخوف من التنصل منهم
او مجافاتهم، ورغم عظمة من يبرم العقد، وانه صاحب المقام الرفيع، والنبي الموحى اليه من
رب العالمين، الا اننا لاحظنا تبسمه- صلى الله عليه وسلم- التي بعث من خلالها برسالة
الى كل اصحاب الوجاهة والمكانة والرؤساء والمدراء والمسئولين- وهم غالبا من يحزنون من صراحة من
حولهم ويتضجرون من صدقهم ووضوحهم- كانت رسالة لهم جميعا: لا تغضبوا.. لا تحزنوا؛ فالصراحة والوضوح
افضل من الغش والخداع والنفاق”.

وكما كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان صحابته رضوان الله عليهم؛ فلقد قام
رجل يامر الخليفة عمر بن الخطاب بالتقوى، فيعترض بعض الحاضرين، فيقول الفاروق: “دعوه فليقلها؛ لا
خير فيكم ان لم تقولوها، ولا خير فينا ان لم نقبلها”.

الشجاعة الادبية
مستوى الايمان في نفس كل مؤمن هو الدافع الحقيقي للتحدث بصراحة ووضوح؛ ذلك ان الايمان
الراسخ في القلب يقف حائلا وسدا منيعا امام وساوس النفس الضعيفة التي تحاول ان تتجمل
او تتزين بقول غير الحقيقة؛ فقد كان كعب ابن مالك- رضي الله عنه- احد المخلفين
عن غزوة تبوك (غزوة العسرة)، وقد كان ذا لسان فصيح وحجة بليغة، ومنطق في الحوار،
وقد كان يستطيع ان يختلق عذرا كما اختلق غيره ممن تخلفوا، غير ان ايمانه الحق
بربه وشجاعته الادبية ومروءته الواضحة ابت الا ان يقول الحق، ويتحدث في صراحة ووضوح.

يقول الصحابي الجليل كعب ابن مالك- رضي الله عنه-: “فجئت امشي حتى جلست بين يديه-
اي رسول الله صلى الله عليه وسلم- فقال لي: “ما خلفك؟”، قال: قلت: يا رسول
الله.. اني والله لو جلست عند غيرك من اهل الدنيا لرايت اني ساخرج من سخطه
بعذر؛ لقد اعطيت جدلا. والله ما كان لي من عذر، والله ما كنت قط اقوى
ولا ايسر مني حين تخلفت عنك.

فاين- اخي القارئ- من يعترف بخطئه اليوم؟! كم عددهم؟! وكم نسبتهم ممن يتعللون باعذار وما
هي باعذار؟!؛ يريدون ان يتنصلوا من خلالها بعهودهم ومواثيقهم واتفاقاتهم التي قطعوها على انفسهم!!.

انظر اخي القارئ الى شجاعة الصحابي الجليل والتي يفتقدها الكثيرون الان، والذين يدفعهم الحرج الى
قول لا اقول الكذب، ولكن اقول المداراة والتورية، والتي يستخدمها البعض في غير موضعها؛ خوفا
من الحرج او الظهور بمظهر الهارب.

التحذير من لحن القول
والبعض قد اتاهم الله فصاحة في اللسان، وبيانا في القول، ومنطقا في الجدل؛ فهم يستطيعون
ايهام السامع بمعنى يقصده ولا يقصدونه، فهم يعرضون ببعض الكلمات التي تحمل معنيين: احدهما قريب،
وهو المقصود، والاخر بعيد، وهو غير مقصود، فيضلون الناس عن الحقيقة، مستغلين بذلك المعاريض في
غير موضعها، وفي ذلك حذر النبي- صلى الله عليه وسلم- هذا الصنف من استغلال فصاحته
وبيانه ومنطقه في الجدل من تضليل الاخر.

حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن هشام بن عروة عن ابيه عن زينب
عن ام سلمة رضي الله عنها: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “انكم
تختصمون الي، ولعل بعضكم الحن بحجته من بعض، فمن قضيت له بحق اخيه شيئا بقوله
فانما اقطع له قطعة من النار فلا ياخذها” (صحيح البخاري- ح رقم: 2483).

كبرت خيانة
وتاكيدا على هذا المعنى فان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عد من يسلك هذا
النهج ويتبع هذا السبيل في حديثه مع اخيه من الخيانة التي يجب على المسلم ان
يبتعد عن الاتصاف بها او التخلق بها: عن نواس بن سمعان قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم:”كبرت خيانة تحدث اخاك حديثا هو لك مصدق وانت به كاذب” (مسند
الامام احمد- ح رقم: 16977).

لمن يكرهون الصراحة
اما الذين يكرهون الصراحة ويغضبون من الوضوح ويحزنون ممن يقول لهم الحقيقة، نقول لهؤلاء ان
بامكان محدثيكم ان يداروكم ظاهرا ويمقتونكم باطنا؛ ان يظهروا لكم الموالاة والتبعة والمحبة، ويبطنون لكم
المكائد والدسائس، ان بامكانهم ان يبشوا في وجوهكم، ولكن تلعنكم قلوبهم، يقول ابو الدرداء: “انا
لنكشر في وجوه اقوام وان قلوبنا لتلعنهم”.

فايهم احب اليك؟!.. صديق صادق صريح؟! ام منافق خادع ماكر يماريك في قولك وفعلك في
الحق والباطل؟!.

القران والصراحة
كثيرا ما يريد احدنا ان يستريح في بيته دون ان يقلقه هاتف او يزعجه زائر؛
يريد ان يجلس مع اهل بيته يلاعبهم ويلاعبونه، وفجاة ودون اي مقدمات يطرق الباب زائر،
وحينئذ تتعرض الراحة للانقطاع، او التسامر مع الابناء للانتهاء.
هل يتهرب من زائره؟! هل يكذب ويخرج له احد الابناء ليقول له ان ابي ليس
بالداخل؟!.
وللقران هنا كلمته وموقفه العظيم الذي يربي الزائر كما يربي المزور؛ انه يعطي الرخصة للمزور
ان يعتذر؛ ان يقول وبكل صراحة ووضوح: “من فضلك ارجع؛ ليس عندي المقدرة على استقبالك
الان”!!؛ ظروفي لا تسمح لاستضافتك”.

وهو في نفس الوقت يربي الزائر على حسن استقبالها؛ فهو خير لك ولمن تزوره ﴿وان
قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو ازكى لكم﴾ (النور: من الاية 28).

  • صراحه
السابق
مطابخ خشمونيوم
التالي
الثوب الفلسطيني