رواية عندما تنحني الجبال

 

صورة-1

 



رفعت نانسى راسها من فوق ركبتيها .. و تاملت بعينين خاليتين من التعبير قطرات المطر الخفيفه التي اخذت تهطل برفق بينما هى جالسه علي الدرج الخلفى للبيت الكبير الذي و لدت فية و عاشت ما يقرب العشرين عاما .. فحين كان الصوت العذب للشيخ المنبعث من داخل البيت و هو يتلو ايات قرانيه يتردد عبر المكبرات الصوتيه .. تري .. هل السماء تبكى عوضا عنها ؟ .. فقد جفت ما قيها و انعدمت قدرتها علي البكاء .. و احتارت فامرها .. هل تعتبر ذلك قوه منها و صلابه فو ضعها الصعب ؟ .. ام تلوم نفسها و تعتبرها خيانة لذكري ابيها الذي ما ت منذ يومين بازمه قلبيه مفاجئه ؟


( نانسى )


لم تمنح حنان التي تعمل لدي العائله منذ سنوات اي جواب .. الا ان الاخيره كانت تدرك تماما بان مخدومتها تستمع اليها جيدا .. تمتمت :- المقرئ يتساءل ان كان بامكانة الانصراف .. فهو يتلو القران منذ ساعات و صاله الاستقبال فارغة


كبتت نانسى و خزه الالم فصدرها .. توفى و الدها .. و لم يحضر اي انسان الي جنازتة .. اي من اصدقاءة او شركاءة ..او من الاشخاص الذين امضو حياتهم يتزلفون الية طلبا لرضاة .. اي من موظفية او جيرانة .. لقد اكتشفوا جميعا بعد و فاتة انهم ربما نسوا جميع ما قدمة لهم فحياتة من تضحيات و عطايا .. هو الان مجرم فنظر الجميع لا يستحق حتي مجرد قراءه الفاتحه علي قبرة .. نهضت قائله بحزم :- فليستمر فالقراءه حتي اطلب منة انا التوقف


دخلت الي المنزل بخطوات حازمه .. لقد بكت كثيرا منذ سقط و الدها ميتا .. بكت حتي لم يعد لديها ما يكفى من الطاقه لمزيد من البكاء .. و بعدين ادركت بان البكاء لن ينفعها .. و لن ينفع الشخصين الاخرين اللذين بقيا تحت عهدتها .. صعدت بخطوات رشيقه الي الطابق العلوى .. لتصادف احدي الخادمات جالسه فالزاويه تبكى بمرارة


فصرخت بها بعنف :- لا اريد بكاءا فهذا المنزل .. هل تسمعين ؟


استدارت لتجد عددا من الخدم ينظرون اليها فصاحت :- ان رايت احدا منكم يبكى فساطردة من ذلك المنزل فالحال


لم تحتمل نظرات الشفقه التي ارتسمت فاعينهم .. مما دفعها لان تدخل الي غرفتها و تصفق الباب خلفها بعنف و تتساءل .. تري هل يعلمون ؟


هل يعلمون بانهم سيغادرون ذلك البيت قريبا فجميع الاحوال ؟ بل انها هى و عائلتها سيغادرون بلا رجعه ؟


سيغادرون المنزل الذي عاشوا فية لسنوات مستمتعين برفاهيتة .. المنزل الذي بناة و الدها لاجل امها عندما تزوجها منذ و احد و عشرين سنه ..


بدون و عى منها التقطت احدي زجاجات العطر الثمينه المرصوفه علي منضده الزينه .. و القتها علي الجدار بكل ما تملك من قوه غير مباليه بتحطمها .. و بالشظايا الصغيره التي تناثرت فجميع انحاء الغرفه .. نظرت الي نفسها فالمراه لاهثه .. و ذهلت امام الفتاه التي و جدت نفسها تنظر الي صورتها .. بشرتها التي كانت دائما ذهبيه متورده .. كانت شاحبه و صفراء .. و عيناها بلونهما الحشيشى الاخضر .. و التان كانتا دائما مشرقتين و مليئتين بالحياة .. كانتا ذابلتين و ربما احاطت بهما الهالات السوداء .. اغمضت عينيها بقوه .. لن ينفعها الحزن الان .. و لن يساعدها الالم علي متابعه حياتها .. لقد تعلمت الان بان الصديق الحقيقى هو من يبقي و قت الازمات .. و ربما اكتشفت الان بانها لم تمتلك يوما اصدقاء .. الكل كان يتزلف اليها و يتقرب منها و من عائلتها طمعا فمصالح ما ديه او اجتماعيه .. ادركت الان بانها لا ممكن ان تثق باحد … لانة لا و جود للقلب الصادق الوفى .. عليها ان تعتمد علي نفسها فقط .


خرجت من غرفتها .. و دخلت الي الغرفه المجاوره .. و ما ان و قعت عيناها علي المشهد الماثل امامها حتي اختفت صلابتها .. و ظهر التاثر فعينيها


كانت امها .. المراه الحسناء التي بالكاد تجاوزت الاربعين بقليل .. تجلس علي سريرها الكبير .. بينما دفنت فتاه فالخامسه عشره راسها بين احضانها .. تبكى بمرارة


رفعت امها عينيها اليها .. فلاحظت نانسى ذبول و جهها الرائع .. و الخصلات البيضاء التي تخللت شعرها الفاتح اللون و التي لم تكن موجوده سابقا .. مدت يدها اليها فاندفعت نانسى تعانق امها بدورها بقوه .. امضت ثوانى و هى تستمد الحنان من صدرها الدافئ .. قبل ان تعتدل قائله :- اطمئنى يا اماة .. سيصبح ككل شيء علي ما يرام


لقد كان امها صغيره جدا جدا عندما و قعت فحب سلمان راشد .. الشاب الطموح الوسيم صاحب الطموح الكبير.. و الذي نجح اثناء فتره قصيره بان يحقق ثروه طائله .. و ان يمنح حبيبتة الحسناء سلسله العائله العريقه .. الحياة المرفهه التي تستحقها .. و ان يمنح طفلتية جميع ما لم يستطع الحصول علية فطفولتة .. لقد كان ابا مثاليا .. و زوجا مثاليا .. كان يقول لنانسى باستمرار ان جميع هذة الاموال لا تساوى شيئا اذا لم يتمتع الانسان بالكرامه و الكبرياء .. و انها مهما حدث يجب الا تفرط بكبريائها .. و كان ان اتهم سلمان راشد منذ اسابيع بتورطة باعمال غير قانونيه .. و بان اموالة كلها كانت نتيجه مشاريع ممنوعه .. ففضل ان يلقي حتفة بازمه قلبيه علي حياة المذله و السجن


نظرت الي و جة امها الحزين .. كانت تبدو اكبر من عمرها بسبب الحزن و المرض الذي لم يتركها منذ اكتشفت حقيقه زوجها الحبيب ..وقعت عينا نانسى علي صوره صغيره لابيها الي جانب السرير .. كان و سيما و بشوشا .. لم تكن الابتسامه تغادر و جهة .. تذكرت ملامحة عندما اقتحمت الشرطه البيت .. و و اجهة الضابط بالتهم الموجهه الية .. شحب و جهة .. و اختفت ابتسامتة .. و خلال التحقيق .. قضي نحبة فالسجن قبل حتي يحدد موعد المحاكمة


تمتمت الام :- توقفى عن البكاء يا لينا .. علينا ان نتحدث


رفعت لينا و جهها الصغير المغطي بالدموع.. و ربما تهدل شعرها الفضى حول و جهها .. فكرت نانسى بانها صغيره جدا جدا علي ذلك العذاب .. هتفت الام :- انتما ناضجتان الان و ليس من حقى ان اخفى عنكما اي شيء .. لقد كان و الدكما رجلا رائعا …ابا صالحا .. و ربما احببناة بقوه و احبنا بجنون .. و بذل جميع جهدة لاسعادنا .. و لكن لا و جود للانسان المثالى و الكامل .. لقد ارتكب سلمان الكثير من الاخطاء فحياتة .. و قبل و فاتة صارحنى بان جميع الاتهامات التي و جهت ضدة كانت صحيحة


اغمضت نانسى عينيها بقوه بينما سدت لينا اذنيها بكفيها و هى تصيح :- توقفى يا امى .. ارجوك


و لكنها لم تتوقف بل اكملت بقوه :- من حقكما ان تعلما ذلك .. و ان تعرفا بان و الدكما ربما سلك طريقا خاطئا ليمنحنا حياة مرفهه .. و لكن الحقيقه هى اننى كنت اتمني لو اننا عشنا فغرفه حقيره .. و لقينا من الفقر و يلاتة علي ان يحدث ما حدث .. اريدكما ان تفهما ذلك و الا تنسياة علي الاطلاق .. ان لقمه بالحلال هى اروع من جميع اموال الدنيا بالحرام


عادت لينا تبكى مجددا .. فاخذت الام نفسا عميقا و هى تقول :- بالرغم من جميع ما فعلة .. اريد منكما ان تستمرا فحبة .. و فتذكر انه كان افضل اب فالكون .. و انه ما كان ابدا ليسبب لكما الاذي .. لقد فعل ما فعلة ظنا منة بانة يوفر لكما السعاده .. و لكننى متاكده بانة لو عرف بما سيحصل للعن نفسة الف مره قبل ان يقوم به


صمتت لثوانى قبل ان تقول :- كما تعلمان .. كل ممتلكات و الدكما ربما صودرت .. حتي ذلك المنزل لم يعد لنا .. و علينا ان نغادرة اثناء فتره محدده .. لذلك .. اريد ان يصبح لديكما فكره عما ينتظرنا فالمرحله القادمه .. و هى لن تكون سهله علي الاطلاق .. سنضطر خلالها للتخلى عن جميع ما اعتدنا علية من رفاهيه .. علينا ان نتوقع الاسوا


تمتمت نانسى :- لا تقلقى يا اماة .. لن نخذلك


ارتفعت طرقات مهذبه علي الباب .. و صوت حنان يقول :- انسه نانسى .. السيد ما هر فالاسفل يطلب مقابلتك


اعتدلت نانسى قائله :- استاذنك يا امى .. ساقابل ما هر


تمتمت امها :- بلغية تحياتى .. و شكرى علي زيارته


القت نانسى نظره عابره علي نفسها فالمراه .. و مررت اصابعها بسرعه بين خصلات شعرها الذهبى الناعم .. بعدها مطت شفتيها بضيق .. لكم تبدو بائسة


بينما هى تنزل الدرج .. تمكنت من رؤيه ما هر .. صديقها و زميل دراستها يقف فالصاله .. يتامل اللوحه الجداريه الكبيره التي دفع و الدها مبلغا كبيرا للحصول عليها


ما هر هو الصديق الحقيقى الذي بقى لها .. و الذي لم يتركها منذ علم بقصه و الدها .. منذ عرفتة اول مره فسنتها الجامعيه الاولي .. ادركت معدنة الثمين و صدقة و نبل اخلاقة .. عندما راها تنزل .. استدار اليها و تناول كفها الرقيقه و شد عليها برفق قائلا :- كيف حالك يا نانسى ؟


تمتمت :- بخير .. شكرا لك


دعتة للدخول الي احدي القاعات الخاليه .. فلاحظت محاولاتة الجاهده لتحاشى التقاء عينيهما خشيه ان تري الاشفاق فعينية .. ان كان هنالك من يفهمها حقا فهو ما هر


سالها :- كيف حال السيده مريم ؟


:- امى بخير .. ما زالت تحت تاثير الصدمه .. و لكنها بخير .. و تشكرك علي لطفك


ساد صمت طويل بينهما دون ان يجد احدهما ما يقال .. نظر ما هر حولة متاملا الصاله الفاخره الاثاث .. و معالم الثراء الموزعه فجميع زواياها .. لابد انه هو الاخر يعرف .. فالبلد كلة يعرف بان املاك سلمان راشد اللص الكبير ربما صودرت جميعها .. تمتمت فجاه :- ساعود للمواظبه علي الدوام فالكلية


اتسعت عيناة بدون تصديق .. لقد امتنعت عن الذهاب الي الجامعه منذ القى القبض علي و الدها .. و تمزيق الصحف لسيرتة شر تمزيق .. قال بقلق :- هل انت متاكده ؟


قالت بجفاف :- ما من داعى لبقائى فالبيت .. هل تنتظر منى ان اعتزل الناس الي الابد ؟ لقد حان الوقت لان اتابع حياتى .


بدا التفكير العميق فعينية البنيتين قبل ان يقول :- انصحك بان تعيدى النظر فقرارك ذلك يا نانسي


عقدت حاجبيها :- ما ذا تعنى ؟


قال بهدوء :- اري انه من الاروع ان تنتظرى لبعض الوقت قبل العوده الي الجامعه .. حتي ينسي الناس قصه و الدك علي الاقل


شعرت بغصه الم تخنقها .. لطالما كان ما هر صريحا .. صريحا بشكل مؤلم احيانا .. و لكن قد ذلك ما يدفعها للثقه بة .. انه لا يعرف الزيف او الكذب .. يقول فورا ما يفكر بة دون اهتمام لاراء الاخرين


اوضح كلامة قائلا :- يجب ان تعرفى حقيقه الوضع الان فالكليه يا نانسى .. لا سيره للطلاب او الاساتذه الا قصه و الدك .. ان موجه من الجنون تجتاحهم .. لا تنسى بان اعداءك كثر فالكلية


نعم .. هى تعرف ذلك جيدا .. لطالما كانت نانسى سلمان راشد الاسم الاكثر شهره فالكليه .. لقد كانت الطالبه الاكثر شعبيه بشخصيتها القويه و غرورها الذي يميزها .. لطالما كانت علاقتها بزملائها علاقه تفوق و استعلاء .. لم لا ؟ .. لقد كانت دائما الاروع .. الاحلى .. الاكثر اناقه ..الاكثر تفوقا فالدراسه .. كما كانت علاقتها بالاساتذه و ثيقه بسبب علمهم باهميه و الدها .. الكل كان حريصا علي رضاها .. بالتاكيد .. ليس كلهم


تمتمت بحنق :- هل تعنى باننى يجب ان اهرب و اختبئ عن الناس كالفار الجبان ؟ اقسم علي ان ذلك ما يرغبون جميعا بحصولة .. و لكن لا .. لست انا من تهرب من و اقعها .. ساعود الي الكليه كما كنت و اروع .. لاثبت للجميع باننى مهما حدث فساظل نانسى راشد .. و لن اسمح لاى منهم بان يتجرا على بكلمة


تنهد ما هر و هو يقول :- اعرف باننى لن استطيع تغيير رايك يا نانسى .. و لكن تاكدى باننى ساقف دائما الي جانبك


تمتمت :- اعرف ذلك يا ما هر .. و اشكرك علي اهتمامك بي


صافحتة بقوه عندما نهض ليغادر .. التقت عيناهما و هو يقول :- هل اراك فالغد اذن ؟


ابتسمت قائله :- فمكاننا المعتاد


منحها ابتسامه تقدير لشجاعتها قبل ان يغادر البيت .. بينما القت هى نفسها علي المقعد و هى تزفر بقوة


هى تعلم جيدا بان ما ينتظرها فالغد ليس سهلا .. ليس سهلا بالمرة


و لكنها لن تكون نانسى راشد لو لم تثبت للجميع بانها ليست بحاجه لدعم و الدها كى تنتصب شامخه فو جة الصعاب

  • رواية عندما تنحني الجبال فيس بوك
  • رواية عندما تنحني الجبال كاملة
  • روايه عندما تنحني الجبال


رواية عندما تنحني الجبال