مواضيع للرجال للنساء

رواية الملعونة pdf

رواية الملعونة Pdf 20160818 6307 1

رواية الملعونة Pdf 20160818 6307

رواية الملعونة

رواية رومانسية جريئة

اتمنى تعجبكم
البداية
تشابة الاسماء والاحداث بالواقع مجرد صدفة ، قد تعني كل شيء ، وقد لا تعني
شيئا .
لذا لا تبحثوا عن الواقع في الخيال .

الملعونة بقلم الكاتبة سعودية اميرة المضحي

جريدة اليوم
همسات من قلبي
………………………

عيني لم تنساك بعد …وقلبي لم ينساك بعد
مازلت محفورا على عمري
مازلت مزروعا على جفني
تشبه الريحان والياسمين
واشجار العنب والتين
جميل .. طاهر.. وشهي
مازال اسمك مكتوب على جبيني
ومرسوم بالوشم على كتفي
وقلبك ينبض في قلبي ورائحتك تعطرني
يا رجلا يسكن في قلبي ..

كاميليا الناصر
هذه الرسالة الاولى .. والبقية تاتي
…………………………………..

الفصل الاول

بلع ريقه .. ورجفة عنيفة تجتاح قلبه وهو يسترق السمع لكلامها وشكواها بعد منتصف الليل
، صوتها يشبه خرير الماء في ينبوع صب في قلبه مباشرة .
كيف يكون للصوت تاثير على قلب الانسان وروحه و جسده .
شعر بانه سيغمى عليه وهي تقول بصوتها الرقيق :
– اريده قريب منا ويستمع لمشاكلنا .. هو مشغول باستمرار ولا يريدنا ان نزعجه ..
قليل الكلام ولا يتحدث معنا الا في الامور التي تهمه .. وبرغم انشغاله في عمله
الا ان سلطته وقسوته لا تفارقنا .. وقوانينه يريدها قائمة دون الالتفات لنا .

تجمدت يده واحس بنبضات قلبه تتسارع ، وسال نفسه (من تكون هذه الشاكية في ساعات
الفجر الاولى ؟).
تردد امام كلمات صاحبة الصوت الرقيق . هل يستمع اكثر ، ام يغلق السماعة وكانه
لم يسمع شيئا . احس بضرورة اغلاق السماعة فورا فالحديث يبدو خاصا والاستماع له ليس
اخلاقيا ويتعارض مع مبادئه . وعندما اراد ذلك جاء صوتها من جديد ، وقالت بعد
تنهيدة عميقة:

_ امره يحيرني فهو يلبي لنا حاجتنا دائما ويوفر لنا كل ما نريد .. نعيش
برفاهية تحسدنا عليها الكثيرات .. انا لا افهم والدي .. هو غاضب وعنيد معظم الوقت
.. عنفني بصوته المرتفع وصراخه وهددني بالضرب لو اتصلت ب”ناهد” .. منذ ان بدات بالكتابة
في الجريدة ونشرت اسمها ووالدي جن جنونه .. يقول بانها ثورية ومتمردة وتفتعل ازمة للسعوديات
.

– اقطعي علاقتك بها .
اطلقت من قلبها اهة حزينة وقالت :
– لا استطيع .. هي قادرة دائما على احتوائي ولا اتردد ابدا في اخبارها اي
شيء وبرغم السنوات الست التي تفصلنا الا اننا صديقتين حميمتين .. هي كاتبة مثقفة و
محترمة ولها عدد من القصص و الكتب التي تجمع فيها مقالاتها .. هي بعيدة عن
التهم التي يلصقها والدي بها .. ولا تعمل على سلخ الفتاة السعودية من جلدها كما
يقول .. يريدها ان تكتب في الدين والحجاب و الشجرة و اسبوع المرور .. يريدني
ان اقطع علاقتي بها لانها اختارت العيش بكرامة بعيدا عن زوجها وذنبها الوحيد انها كاتبة
و مطلقة .

اغلق “عماد” سماعة الهاتف ببطء وراح يسترجع كلمات صاحبة الصوت الرقيق ، صوتها كعزف ناي
شجي تغلغل في اعماق روحه . فكر من تكون ؟ .. لابد انها مقربة جدا
لاخته “نسرين” لتبثها امورا خاصة وعائلية وتشتكي لها من سلطة والدها .

فتح نافذة غرفته المطلة على الكورنيش ، وبقي للحظات يراقب سيارات المارة مازالت الحركة مستمرة
ونشطة في مدينة القطيف والسيارات تتحرك في جميع الاتجاهات اغمض عينيه وفي لحظة قرر الخروج
من المنزل في هذا الوقت نزل بسرعة وقطع الشارع ليلاقي البحر في الليل شعر باحساس
غريب وهو يخلع حذائه وماء البحر يغسل قدميه ، والهواء الحار يداعب قسمات وجهه ويحرك
خصلات شعره الاسود الناعم
.

تنهد واغمض عينيه واستنشق الهواء بعمق وهو يسترجع كلمات صاحبة الصوت الرقيق وعقله يحاول كشف
هويتها ، هي صديقة لنسرين ولابنة عمه “امل” ايضا لان صداقتهما مشتركة ، وهما تتحدثان
عن صديقاتهن دائما هناك “كاميليا” صديقتهما من الطفولة ، و”سماح” التي تعرفنا عليها في المرحلة
الثانوية ، وهناك شقيقة خطيبته السابقة ولكن العلاقة بينهما انتهت بعد ان فسخ الخطوبة قبل
ثلاث سنوات واصبح في هذه الحالة من ضجر والوحدة .فبقدر ما انجذب ل “سوسن” بشدة
عندما راها اول مرة بقدر ما كرهها عندما اصبحت خطيبته . كان يشعر بالسوء من
تلك المرحلة وخصوصا عندما اتهمه صديقه “ماجد” بالاستهتار وهو بعيد عنه كليا، فلطالما كان جادا
ورصينا الا انه لم يستطيع ان يستمر مع سوسن اكثر من شهر ، فتح عينيه
على صوت بوق سيارة مارة في الشارع وتمنى لو يصرخ بقوة تعادل صوته فربما يستيقظ
فيه شيء ما ويغير حياته الرتيبة.
عاد لمنزلة والاثر الذي تركته فيه صاحبة الصوت الرقيق يحيره ، يا لهذه الفيزياء اللعينة
، ما الذي احدثه فيه ولماذا احب صوتها ؟.
كان لرنين صوتها اثرا في رو حه ولا يعرف لماذا تخيل وجه ماجد يقول له
بيت من الشعر الشهير ( يا قوم اذني لبعض الحي عاشقة والاذن تعشق قبل العين
احيانا ). العشق مرة واحدة ، وهو اعلى درجات الحب واخطرها ، ومن اين سياتيه
الحب وهو منطوي على نفسه وسال نفسه لماذا لم يدق قلبه لاحد بعد ؟.
لو كان تزوج بطريقة تقليدية
فربما يشعر بالسعادة مع امراة ما كان مدركا ومقتنعا
في قراره نفسه بان الوقت قد حان ليلقي بنفسه بين يدي امراة تحتويه وتحبه لذاته
فقط، وان كان لا يعترف بذلك علنا فكر في حياته فهو احد ابناء عائلة عريقة
ومعروفة بالتجارة والمال والثراء ابا عن الجد يعيش في فيلا فخمة وكبيرة في حي “المجيدية”،
ويمتلك احداث السيارات التي يسعى لتبديلها سنويا للمحافظة على وجاهة العائلة كما تطلب منه امه
ذلك يحسده الكل على ما يملك ، رغم كونه لا يملك صديقا يستطيع الاتصال به
في منتصف الليل.
*******
اشعل الضوء الخافت واستلقى على سريره وتدثر بلحافه الفاخر وراح ينظر لغرفته تحت ظلال الضوء
الصفر الخفيف الذي يضفي جوا من الدفء على الغرفة الواسعة و الجميلة باثاث خشبي وطلاء
جدار اصفر دافئ وستائر مخملية داكنة ، وجميع مستلزمات الرفاهية فيها ، ولكنها لا تهمه
مادام لا يشعر بالسعادة ، تنهد وسرعان ما نهض بسرعة ووضع في مشغل الاقراص اسطوانة
لجارة القمر ، وبدا صوتها يشيع في ارجاء الغرفة ..

“تسال علي كتير وبتحبني
بعرف هالحكي.. حافظة هالحكي
كل الحكي حلو .. ومع انه حلو
ليش بيضلو احساس يقلي لا
في شيء بدو يصير .. في شيء عم بيصير ”
استلقى على السرير لكن عينيه لم تغمضان . احس بانه في حاجة لشيء ما ،
فهذه الليلة ليست ككل الليلة ، هناك شيء ما يشعر به وقلبه يدق بايقاع جديد
ومختلف . شعر بالحاجة للحديث مع احد ، من يسمعه في هذا الوقت المتاخر ؟
لمن يشكو ولمن يتحدث ؟ فكر باخته الكبرى “ندى” ..لابد انها نائمة بجانب زوجها .
كم كنا صديقين وشقيين وكثيري الشجار لكنهما يتصالحان بسرعة .
وكثيرا ما يجعلان امهما تفقد اعصابها بسبب شجاراتهما الدائمة ، ورغم ذلك كان كل واحد
منهما داعم للاخر ومحامي عنه امام والديهما . مازال يتذكر الضرب بالحذاء بحذائها وكانت المرة
الوحيدة التي يتذكر فيها بانها ضربته ، اما ابوه فلم يمد يده عليه هو واخواته
ابدا.

تذكر شقيقه “علاء” الشعلة المشعة بالسعادة و التفاؤل والحيوية والذي يشكل معه ثنائيا اخويا رائعا
انطفا قبل عشر سنوات وبسرعة كبيرة تنقلت الصور في راسه لتعيد امام عينيه صورة علاء
وهو جثة هامدة بلا حراك والدم يغطي راسه ووجهه بعد ان انتشله بنفسه من بين
يدي زميله الذي تشاجر معه وارداه قتيلا امام باب منزلهم القديم في “القلعة” شعر بالاسى
وهو يتذكر بكاء امه كلما دخلت ترتب غرفته التي اصرت على اعدادها له في المنزل
الجديد بعد وفاته باشهر.
********************************
استيقظ صباحا على صوت المنبه . غسل وجهه وحلق ذقنه ،وارتدى ملابسه الانيقة. بذلة كحلية
اللون وقميص ابيض وربطة عنق بالوان مبهجة ، وقف امام المراة ووضع القليل من العطر
وابتسم عندما تذكر صديقه الذي يتهمه بالبعد عن التقاليد ، ابتداء باللباس والناهية لا يعرفها
.
كان صاحبه يحاول اقناعه باستمرار بلبس الثوب والغترة التقليدية ، ويجيبه دائما بانه يرتدي ما
يعجبه ويناسبه ، لا ما يرضي الناس وتراث البلد . اغمض عينيه فجاة وهو يستحضر
كلمات صاحبة الصوت الرقيق ، وعاود تلاوة الافكار نفسها في راسه وهو يفكر بصديقات اخته
.
شارك والديه تناول الافطار واكل التوست المحمصة بالزبدة التي اعدتها له امه وهي تتحلطم من
عدم جدية نسرين في المذاكرة ورغبتها الفاترة بالالتحاق بكلية الطب اكدت على زوجها الصامت للمرة
الالف ضرورة البحث عن واسطة جيدة ليقوم باللازم ، وانهت كلامها له ببعض الاتهامات الضمنية
باللامبالاة والانشغال عن البيت وعدم الاهتمام بدارسة ابنته. ظل والده صامتا واكتفى بنظرة حياديه .
هو هادئ وصامت ، ترك قيادة دفة الاسرة لزوجته التي تتهمه بالسلبية ولا تجرؤ ان
تقول بان شخصيته ضعيفة امام شخصيتها .
اخذ حقيبته وخرج متجها الى الشركة . شركة “الغانم” للاسمنت ومواد البناء والخرسانة الجاهزة التي
اسسها والده وعمه سويا بجدهما وكدهما حتى كونا اسما قويا في سوق المحلية ، وكونا
ثروة مالية يعتزان بها من الشركة والمصنع التابع لها ، اضافة الى محطات البنزين التي
يمتلكونها . كان يرغب بدراسة ادارة الاعمال في كاليفورنيا ولكن والده لم يحبذ ذلك بعد
وفاة علاء ، فوافقه ودرس في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن بالرغم من اعتراض امه
، وبعد تخرجه من كلية الادارة استلم ادارة الشركة يدا بيد مع ابن عمه وزوج
اخته فيصل ، وتفرغ والده وعمه للعمل سويا في الاستثمار بجميع مجالاته تاركين ادارة الشركة
للشابين الطموحين ليكملا المسيرة . قاد سيارته وهو يستمع لاغنية السيدة فيروز ..

“كنا نتلاقى من عشية
ونقعد على الجسر العتيق
وتنزل على السهل الضباب
تمحي المدى وتحمي الطريق
ما حدا يعرف بمطرحنا
غير السماء وورق تشرين..”
كان يحب فيروز واغانيها وصوته وشموخها ، ويردد دائما بان الغناء مباح لها فقط وحرامه
على الجميع ، ويحتفظ بجميع اسطوانتها واشرطتها يستمع لها في السيارة والمنزل . لم يكن
يستمع لاي مطربة اخرى ودائما يردد بانها مطربة النخبة ولعامة الناس مطربيهم ، فالطبقية موجودة
في كل شيء حتى في الغناء والموسيقى . لم يكن مؤمنا خالصا بالطبقية الاجتماعية رغم
اعترافه بها ، وربما اعترافه ناتج من كونه ولد لعائله عريقة من عائلات القلعة القطيفية
ساهمت امه في جعلها مميزه اجتماعيا

الفصل الثاني
تمددت كاميليا على سريرها وهي تفكر بما حدث في منزل صديقتها وتشعر بالندم لما قالته
عن شقيقها . لم تتخيل ان عفويتها قد توقعها يوما بمشكلة مع نسرين التي ظلت
منزعجة برغم ما كان في جلستهما من ضحك ورقص وغناء .احست بالضيق الشديد وتنهدت عينيها
العسليتين بالدموع وسال خط الكحل الملازم لعينيها وهي تسترجع نظرات عماد لها .
نظراته كانت غريبة وكانه يريد ان يعريها من ملابسها واقنعتها ويرى جوهر حقيقتها . قضت
وقتها وهي على سريرها بعباءتها وحقيبة يدها .
جاءت اختها “شذى” التي تصغرها بعام واحد . جلست بجانبها واندهشت عندما وجدتها مغمضة العينين
والدموع تسيل على خديها ممتزجة بالكحل الاسود . سالتها بقلق عما حدث ، ففتحت عينيها
ومسحت دموعها بطرف اصبعها وراحت تخبرها بما حدث.
ذهبت مع صديقاتها الى منزل امل وهناك قابلت عماد شقيق نسرين الذي لم تره منذ
فترة طويلة .تنبهت لوجوده ، وخصها بنظرات ملفتة وغريبة . التقت عينيها بعينيه السوداويين وافترسها
من اعلى راسها مبتدءا بعينيها العسليتين وحتى اسفل قدميها غير ابه بوجود احد .
-شعرت بالانزعاج واخبرت الجميع بذلك الا ان امل ونسرين دافعتا
عنه ..و..
توقفت عن الكلام ودموعها تخنقها . مسحتها بيديها واكملت تخبر اختها بردة فعل نسرين التي
تضايقت منها واصبح الجو متوترا برغم محاولات سماح وامل جعل الامور طبيعية.وبختها اختها من تبعات
لسانها الفلتان ، فاغمضت عينيها وهي تشعر بشيء ما فد حصل لها من جراء نظراته
القوية . احست بان نظراته وعينيه السوداويين افقدتها صوابها . عينيه اخترقتاها واشعرتها بالدوار ،
فلم تكن نظراته عابرة . كانت مليئة بالفضول والرغبة واشياء لا تعرفها ، ومازال راسها
يدور كلما تذكرت كيف نظر لها بعمق وكانه يستشفها من الداخل.
جلست على مكتبها وهي تعيد رسم صورته امام عينيها.
وسيم وشعره الاسود مصفف بطريقة انيقة ، عينيه سوداويين وغامضتين وساحرتين وحاجبيه طويلين وكثيفين وشاربه
محفوف باناقة.كانت دائما تراه رجلا وهي طفلة لكنها لم تعد تلك الطفلة او الفتاة الصغيرة
.
وضعت شريط ” نجوى كرم ” في مسجلتها..
“عم بيقولوا انو غيابك قادر انو يتعبني
صحح معلومات اصحابك غيابك بدو يموتني”

ونجوى تختم اغنيتها تنهدت كاميليا وهي تفكر بنسرين الغاضبة ، وقررت ان تتصل بها وتعتذر
لها . ستخبرها بانها لا تقصد الاساءة لاخيها ولكنها تكلمت بعفوية وصراحة دون نية سيئة
. امسكت بهاتفها واتصلت بها فلم تجبها ، شعرت بالاسف لما قالته عن عماد فهي
لا تريد ان تتاثر صداقتهما.
قضت وقتها في الحديث مع اختها عن القليل الذي تعرفانه عن عماد ولا تعرف لماذا
اصبحت فجاة تتوق للحديث عنه وتذكر كل صوره القديمة في ذاكرتها.فكرت به ، لماذا نظر
اليها بهذه الطريقة فهي ليست المرة الاولى التي يراها فيها . راها قبلا مرات عديدة
، وهو يعرفها وكثيرا ما ركبت معه في سيارته واوصلها مع نسرين الى منزل امل,واصطحبها
مرة الى المدرسة المتوسطة ليحضرن شهادتهن عندما تخرجن.
كما انها ركبت معه بصحبة خطيبته السابقة الذي اقيمت حفلة خطوبتهما بعد امتحانات العام الدراسي
الاول في المرحلة الثانوية.
يومها ظلت تراقب لحظات السكوت بينهما واستغربت رؤيتها لخطيبين مغلفان بالصمت . هي مازالت تتذكر
يوم خطوبتهما , ذهبت مع نسرين وامل لمركز التجميل وقمن ثلاثتهن بحف حواجبهن لاول مرة.ذهبت
لمنزل خطيبته السابقة ورقصت مع صديقاتها على انغام الموسيقى الصاخبة .
وهو يعرفها فلماذا لم يهتم بالنظر اليها بهذه الطريقة قبلا , وهل كانت في نظره
طفلة.
تذكرت عينيه ونظراته ، لم تكن عابرة ، او نهمة كالتي تجدها في عيون الشباب
الجائعة. كانت معتادة على مضايفة الشباب لها ولصديقاتها في الاسواق و الاماكن العامة ، يلاحقونهم
ويرمون الاوراق الصغيرة المحتوية على ارقام هواتفهم .او يتبعونهم وهن يسرن في الشارع مع السائق
ولم يؤثر بها ذلك ، لكن عماد كان مختلفا فنظراته القوية اخترقت قلبها المحصن وجعلتها
تذرف الدموع وتفكر به وبنظراته طوال الليل .
كانت اقلهن جراة وعندما ذهبت مرة مع سماح الى احد المجمعات ولحق بهما شابان من
محل لاخر ، وطلبت سماح لهما رجال الامن من داخل المحل وجاءوا واقتادهما الى مقر
الشرطة في المجمع.خافت جدا عندما طلب منهما رجل الامن التوقيع على بعض الاوراق من اجل
استكمال التحقيق معهما رسميا وايصال الامر لهيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر فرفضت خوفا من
والدها لو بلغه الامر وخوفا من رجال الهيئة

اشعلت شمعة معطرة وهي تفكر ولم تشعر بالراحة الا بعد ان اتصلت بنسرين واعتذرت منها
.
لم تكن نسرين غاضبة بقدر ما كانت مندهشة فشقيقها يمثل لها قيمة وامثولة خاصة ولا
تستطيع اساءة التفكير به ولو بشيء بسيط .ولهذا انتظرت عودته للمنزل وتحدثت معه واستفزته عندما
شبهت نظراته بنظرات الذئاب الذين يرتادون الاسواق والمجمعات بحثا عن الفتيات .
صوب عليها عينيه السوداويين واعلن لها البراءة من جهل الشباب وسطحيته ، ودافع عن نفسه
فهو صاحب روح وقلب وعقل ومبادئ مطبوعة بفكر وثقافة خاصة كونها بنفسه.
ظلت كاميليا تتقلب في فراشها تفكر بعماد ونظراته الساحرة ، ولا تعلم بانه يتقلب في
فراشة ايضا ويفكر بها .
احتلت تفكيره منذ ان سمع صوتها عبر الهاتف تلك الليلة بالصدفة واطلق عليها صاحبة الصوت
الرقيق .
بذل جهدا ليكشف هويتها وعندما عرفها ذهب متعمدا لبيت عمه ليراها ويرى كيف اصبحت بعد
سنوات ، ومنذ ان راها وصورتها لا تفارق خياله .
يتذكرها وهي تدخل امامهمن باب منزل عمه ، وكم هي جميلة وحبة الخال مستقرة بهدوء
وسعادة في زاوية فمها.. وعينيها الذابحتين ..وبشرتها المشرقة البراقة بسمرة شفافة .
ظل يفكر بتلك الفتاة الصغيرة التي كبرت فجاة وبدت اجمل .
لم يكن قادرا على النوم بعد ان راها ، كانت مختلفة عن الصورة التي رسمها
لها في مخيلته معتمدا على صورتها وصورة قديمة يحتفظ بها في ذاكرته .
لم يعرف لماذا احس بان قلبه سيخرج من صدره عندما راها .

الفصل الثالث
” اخر ايام الصيفية والصبية شوية شوية وصلت ع ساحة ميس الريم وانقطعت فيها العربية

اخر ايام المشاوير في غيمة زرقة وبرد كتير
وحدي منسية بساحة رمادية انا والليل وغنية
تاخرنا وشو طالع بالايد حبيبي وسبقتنا المواعيد
انا لو فيي زورك بعيني وعمرها ما تمشي العربية ”
اوقف سيارته في حديقة منزلهم الكبيرة وظل ينتظر انتهاء الاغنية حتى يترجل فهو لا يحب
ان ينقطع صوت فيروز . كان ينوي شرب كوب من الشاي واخذ الاوراق التي يحتاجها
قبل الذهاب الى البنك . لكن لقاءه بنسرين عند البوابة غير مساره . نزع نظارته
الشمسية عن عينيه وسالها :
– الى اين تذهبين ؟

اخبرته بانها تريد الذهاب لمنزل كاميليا لاخذ بعض الاوراق المهمة في الفيزياء ونسخها في القرطاسية
، فابتسمت عينيه فهذه فرصة جيدة لرؤية كاميليا او لسماع خبر عنها . طلب منها
ان تركب معه ليوصلها بنفسه لكنها رفضت فهي ستذهب الى محل الاشرطة الغنائية مع صديقتها
في “سوق مياس” ابتلع ريقه قبل ان يبدا في الكذب وقال :
_ سيذهب السائق الى المطبعة ليحضر اوراقا خاصة بي ولن يعود قبل ساعة .

ركبت نسرين بجانب اخيها الذي ارتسمت على وجهه ابتسامة رضا لم تفهم مغزاها وهو يستمع
لصوت فيروز . كان سعيدا فالفرصة مواتية لرؤيتها من جديد وبدون ان يتدخل كما فعل
في منزل عمه .
توقف امام منزل كاميليا بواجهته الحجرية الانيقة في حي “الخامسة” وقلبه يرقص فرحا . ظل
ينتظر ظهورها واثناء اغماض جفنيه خرجت من باب المنزل هي تمسك بحقيبتها . اقتربت من
السيارة بتردد فالسيارة التي امامها ليست سيارة السائق ، والجالس اما المقود هو عماد بكل
جاذبيته ورجولته. احست بقلبها يرتعش بين اضلاعها وقدميها ثقيلتين ولا تستطيع تحريكهما ونسرين تلوح لها
بيدها . بقيت ساكنة وعماد يترجل من سيارته ويفتح لها الباب الخلفي بكل احترام .
تفادت النظر اليه وركبت ، فحرك السيارة وهو يستمع باصغاء شديد للحديث الدائر بين اخته
وبينها ، قالت نسرين :
– اين الاوراق ؟ اريد رؤيتهم .

اخرجت كاميليا الاوراق من حقيبتها واعطتها لنسرين وعبر مراة السيارة التقت عينيها العسليتين بعيني عماد
السوداويين ، فاشاحت وجهها عنه وهي تشعر بالدوار من عمق نظراته وعينيه اللتين جعلتاها تسرح
وتفكر دونما سبب ، وسالتها نسرين :
– هل ستذكرين اليوم ؟
رطبت شفتيها بلسانها وقالت :
– اليوم الاربعاء وانا اريد ان ارتاح بعد اسبوع شاق من المذاكرة و الامتحانات لذا
سانام الليلة مبكرا وغدا اذاكر.

سكتت كاميليا وهي تفكر .. لماذا يرتعش قلبها ويخفق بهذه الطريقة ؟.
ماذا حدث لهذا القلب الصغير عند راته وهي تشعر بان دنيا جميلة وخاصة جمعتها مع
عماد لدقائق. ما هذا الشعور والانجذاب له ؟ كانت خائفة ودقات قلبها تزيد النار اضطراما
في قلبها الذي صانته دائما وعينت عينيها حارسين مكلفين بحراسته حتى لا يستسلم لاحد بسهولة
ونصبت عقلها حاكما يطيعه القلب والعينين . ولكن اين هي هذه السلطة القوية.
لم تكن موجودة وهي تسترق النظر لعماد بين لحظة واخرى وتتذكر كلام معلمة الدين وهي
تحذرهن من النظر المباشر للرجل الاجنبي فهي تسبب الفتنة ، واي رجل تنظر اليه الان
. انه عماد الذي لم يكن يعني لها شيئا في الماضي ، والذي حضرت حفلة
خطوبته ورقصت مشاركة نسرين فرحتها ، وشاركتها دموعها عندما قرر الانفصال عن سوسن . ظلت
ساكتة في السيارة البادرة وصوت فيروز يعطي دفئا وحياة ..

“كان الزمان وكان في دكانة بالفي
وبنيات وصبيان نيجي نلعب عالمي
يبقى حنا السكران قاعد خلف الدكان
يغني وتحزن بنت الجيران
اوعي تنسيني وتذكري حن السكران”

اوقف عماد سيارته امام المكتبة الذهبية واعطته نسرين الاوراق وطلبت منه ان ينسخها لها ولامل
ولسماح . وعندما ترجل من السيارة قالت كاميليا لصديقتها موبخة :
– لماذا لم تخبرني بانك ستاتي مع شقيقك ؟ .. انت تحرجينني.
استدارت نسرين الى الخلف وقالت :
– لقد ارسل السائق الى المطبعة .. لذا اصطحبني هو.

جاء عماد واعطى اخته الاوراق وطلبت منه التوجه الى سوق مياس ، قلب القطيف التجاري
، ففيه البنوك ومحلات الصاغة (بائعو الذهب) ، والاجهزة الالكترونية والازياء والاقمشة والعطور والتجميل والساعات
. هز راسه موافقا وعينيه في المراة تراقب كاميليا التي تتحاشاه وتنظر الى الشارع. تنهدت
بقوة وهي تشعر بانها خائرة القوى وسيغمى عليها وتترجاه في سرها بان يتوقف عن النظر
اليها بعينيه القاتلتين .اوقف سيارته في المواقف وذهبت اخته وصديقتها لشراء شريط “نجوى كرم ”
الجديد وظل هو يراقب الناس. النساء المتشحات بالسواد يخرجن من محل ويدخلن اخر ، بعضهن
يقف امام البسطات التي تبيع البخور والعطور المقلدة , وبعضهن في سوق “ام عشرة” حيث
كل شيء يباع بعشرة ريالات , وعدد من فتيات يقفن امام نافذة محل الاشرطة الغنائية
حيث دخولهن ممنوع , والاكثرية يدخلن المجمع التجاري القريب . ظل يراقب الناس وكانه يزور
المكان لاول مرة ,وانهى تاملاته عندما جاءت اخته و كاميليا وركبتا السيارة متوجهين لمنزل سماح
وهما تناقشان اغاني “نجوى” الجديدة.

ظلت كاميليا تنظر اليه من العين الزجاجية في الباب حتى اختفى من امام عينيها وقلبها
يخفق بقوة . اسرعت تصعد الدرج لتخبر اختها شذى بما حدث، والسعادة المختلطة باحاسيس كثيرة
ظاهرة على محياها ، بدت مرتبكة وسعيدة وخائفة ، وفي الصالة العلوية التقت بوالدها يخرج
من غرفته وبيده بعض الاوراق وما ان راها حتى سالها بوجهه العابس :
– هل نسخت الاوراق التي تريدينها ؟
هزت راسها ايجابا، فسالها :
– ومع من ذهبت؟
-مع نسرين.
وسالت والدها:
-ومتى سياتي سائقنا ؟.. سافر منذ اكثر من شهر ولم يعد بعد .
زم شفتيه وطلب منها ان تتدبر امورها مع صديقتها وهو سيستمر باصطحابها مع اختها للمدرسة
وختم حديثه :
– نحن نعيش في عوز بسبب سفر السائق المفاجئ .. ماتت امه وتورطنا لا اعرف
متى سيسمحون لكن بالقيادة لنرتاح ونتفرغ لاعمالنا .
سالته باستغراب :
– وهل ستوافق ؟
– نحن البلد الوحيد الذي تمنع النساء فيه من القيادة .. ومع الضوابط سيصبح كل
شيء بخير فلسنا وحدنا المسلمين .
بلعت كاميليا ريقها ودخلت غرفتها وقلبها مازال ينبض بقوة، لم تكن تفكر بحديث والدها رغم
انها مناصرة للمراة في انتزاع جميع حقوقها ، وكانت ابنة خالها تقول لها دائما بان
التغيير يجب ان يبدا بالنساء انفسهن فاذا لم يطالبن بحقوقهن وينتزعها فلن يقدمها لهن احد
على صينية من الذهب .
كانت مشغولة بعماد ولقائها به وتشعر بان والدها سمع نبضات قلبها وكشف امرها . هي
منجذبة لشاب ، وهذا ما لن يتسامح به مهما حدث .
لم ترد التفكير في الامر اكثر وقالت لاختها بصوت منخفض :
– لقد رايته يا شذى .. لقد اوصلنا عماد الى المكتبة ومن ثم الى سوق
مياس .. لقد نظر الي بطريقة غريبة .. احسست بان قلبي سيتوقف عندما تقابلت عيوننا
عبر مراه السيارة .. اه لو رايته كيف يتكلم وكيف فتح لي باب السيارة بكل
ادب وذوق لا يمكن ان تجديه في شاب سعودي ابدا فهو لا يفتح الباب لاحد
الا اذا كان خائفا على الباب .
تنهدت واردف تقول :
– اشعر باني ثملة من نظرات عينيه .. يا لهما من عينين لم ارى مثلهما
في حياتي .. هو مميز في كل شيء حتى في ادق تفاصيله .. يضع في
خنصر يده اليمنى خاتما به حجر كريم احمر اللون لا اعرف ما هو .. لابد
انني موعودة به .. وسيكون هذا الرجل لي .. وهذا وعد على نفسي .

طلبت منها شذى ان تتمهل قليلا وذكرتها بانها في القطيف فهي مقتنعة بان الحب في
هذه المدينة مصيره احد امرين . اما ان يموت في قلب المحب بدون ان يعبر
عنه ، او مشنوقا بحكم الظروف والمجتمع والناس هي لا تعيش في مدينة رومانسية واهلها
يتمتعون برقة المشاعر . بل على العكس ، الحب والعاطفة ورقة المشاعر هي عيب وقلة
ادب وكلام فاضي .
انفعلت كاميليا وقالت لاخيها :
– لاتهمني القطيف .. وهل كتب الله علي ان اتزوج من رجل لا اعرفه ومغطى
بملابسه ومظهره الكاذب الذي يخفي سيئاته وعيوبه .. لما لا اتزوج برجل اعرفه وارتاح له
واحبه .. لن اتزوج برجل ( خبط لزق ) ولا اكشف الا بعد الزواج ولن
يسمح لنا بتصحيح هذا الخطا بسهولة .
– واو .. قوية .
– ساختار الرجل الذي اريده ..

كانت تدافع عن شيء لا تدري ما هو ، وعن علاقة لا تعرفها ولم تدخلها
بعد . رغم تايدها للتعارف قبل الزواج فهو الطريقة الصحيحة لاكتشاف طبيعة الاخر ، ولا
تحبذ التعارف بعد الزواج او الملكة ( عقد القران ) ففسخ هذا المشروع صعب وله
ثمن محسوب في حياة الشاب والفتاة بنفس القيمة .
عاد عماد واخته لمنزلهما وجدا امهما جالسة مع ندى وابنتها ، شربوا الشاي وبعد ان
صعدت نسرين لغرفتها لتذاكر ، ظل هو يتحدث مع امه واخته .

سالهما عن الزواج عندما يقارب الفرق بين الزوجين تسع او ثمان سنوات ، فتفكيره وانجذابه
بكاميليا خلال الايام الفائتة جعله يفكر بها كامراة تعيش بجانبه ، وبالتاكيد ستكون زوجته .

اجابت امه عن سؤاله بان الفارق في العمر ليس مهما وضربت له مثلا فوالده يكبرها
بعشرة اعوام وزواجها ناجح .. سالته اخته باهتمام :
– ولماذا تسال ؟.. هل هناك فتاة ما في راسك ؟
سكت عماد محرجا واضطر لتلفيق كذبة فمنذ عرف كاميليا وهو يكذب فقال :
– هناك شاب اعرفه وسيتزوج من فتاة تصغره بثمان سنوات .. وانا احسست بان الفارق
كبيرة بينهما .
قالت ندى وهي تسكت لها الشاي :
– المهم هو التفاهم وان كان الفارق عشرين سنة .. وانت متى تفكر بالزواج ؟

ابتسم والسعادة تشع من عينيه وقال :
– ربما اقول لكم باني قررت الزواج في الايام القادمة .. سافكر بالموضوع جديا .

شربت امه رشفة من الشاي وقالت له بنظرة فاحصة :
– عليها ان تكون من عائلة مرموقة وابنة هامور قطيفي.
ابتسم وطلب من امه ان تدعو له بالتوفيق اثناء صلاتها ، فهو يشعر بالخوف من
السعادة التي يعيشها الان . دائما يدفع ضريبة باهظة للفرح ويحزن بشدة بعد ذلك .
بقدر ما كان سعيدا بخطوبته من سوسن بقدر ما كان الحزن والتعاسة تنتظره عندما قرر
الانفصال عنها .
وعندما تخرج من الثانوية بنسبة مرتفعة وفرح بشدة لانه سيدرس في امريكا قتل علاء في
اليوم التالي وبقي هنا واكمل دراسته في الظهران . وافقته امه وطلبت منه التفكير بجدية
، قالت له :
– ما الذي ينقصك يا ولدي ؟ .. لديك الشركة تحت يدك ولديك قطعة ارض
كبيرة وقريبة منا وتستطيع البناء عليها في اي وقت .. واذا اردت ان تسكن معنا
فالعين اوسع لك من البيت .. كما ان سوسن ستتزوج في نهاية الصيف وسيشمت بنا
اهلها .. لو اطعتني وتزوجت بسرعة لكان لك طفل يمشي واخر على كتفك الان .

توجه عماد لغرفته تاركا امه واخته مذهولتين من كلامه عن الزواج بهذه الايجابية ، فلقد
تعودتا منه التافف والانزعاج والرفض المسبق في الكلام عن هذا الامر ، اما الان فهو
سعيد وعينيه تبشران بفرح وزهو لم يعيشه منذ فترة طويلة . سعيد بالاحساس الذي دغدغ
قلبه منذ ان سمع صوت كاميليا واحبه ، وراها واحبها اكثر ، واحب قربها وعلاقتها
المميزة باخته وعائلته . سعيد بتفكيره وانشغاله بها وبرغبته لرؤيتها ولسماع صوتها . لقد عرف
ما يريد من لحظة واحدة وهاهو نصيبه قريب منه . هو محظوظ لانه عرف ما
يريد في لحظات ولم يحتاج للعمر كله ليعرف غايته . اتصل بماجد وراح يتفلسف عليه
ويشرح له نظرية النصيب والحياة والزواج من المراة المناسبة ، وضحك عندما قال لها صديقه
( حتى في الفلسفة والهذرة .. فتش عن المراة )

*********

قلبت الصفحة بعد ان عجزت عن حل المسالة الفيزيائية وهي مشغولة الفكر بعماد . تريد
معرفة ما وراء نظراته لها في اللقاء الاول في منزل امل ولقاءهما الثاني في السيارة
. كثيرا ما تعانقت نظراتهما في ثواني قليلة جعلتها خارج حدود الزمان و المكان .
كان قلبها يدق بقوة في السيارة وهي قريبة منه يفصلهما ظهر المعقد . تراه عن
قرب وتشم رائحة عطره . كم كان انيقا ببذلته البنية وقميصه الازرق ، وكم كان
لطيفا وهو يفتح لها باب السيارة بكل لباقة تنهدت وبدات تكتب ..
” انت تشغل تفكيري
افكر بك رغما عني
ارى وحهك الجميل امامي
عينيك السوداويين تحاصرني
ولا ادري لماذا ؟
اسمك لا يبرح لساني
اصبح اسمك اغنياتي
اناديك باسمك دائما
وانادي الجميع باسمك
ولا ادري لماذا ؟؟..”

كتبت هذه الكلمات في الدفتر الذي تحل فيه المسائل الفيزيائية . تعودت كتابة ابيات شعرية
في اي ورقة تكون بين يديها ، فكتبها ودفاترها الدراسية مليئة بالكثير من الخواطر والذكريات
و الاحلام وابيات شعرية متنوعة واغنيات نجوى كرم . وما تكتبه هي تجمعه بين فترة
واخرى في دفتر خاص لا يعلم بوجوده احد فهي تعتبره كتابا خاصا بها ولذكرياتها فقط
. قرات ما كتبته بصوت هامس وارادت ان تكمل ولم تستطيع فرمت بالقلم وبالدفتر ارضا
. اغمضت عينيها واسندت راسها الى الوراء وهي تقول لنفسها ( كفى .. تعبت من
التفكير واريد التركيز في المذاكرة .. ما الذي يحدث لي ؟.. لا استطيع سوى التفكير
به وترديد اسمه في سري ) .
جاءت شذى وراتها جالسة خلف مكتبها الصغير وراسها بين يديها ، فسالتها بقلق اذا ما
كانت متعبة . ظلت ساكتة ولم ترد على اسئلة اختها فعاودت سؤالها :
– هل انت مرهقة ؟.. ما رايك باخذ قسط من الراحة تعالي معي لنشرب كوبا
من الشاي لنجدد نشاطنا فانا تعبت من المذاكرة ايضا .
رفعت كاميليا راسها وقالت :
– وهل انا اذاكر لكي اخذ قسطا من الراحة ؟ .. منذ ساعات وانا في
الدرس نفسه .

نهضت من كرسيها وتناولت دفترها وقلمها من الارض ووضعتها على الطاولة وهي تشعر بالتعب وكان
راسها سينفجر من التفكير . نظرت لنفسها في المراة بصمت وبدات بوضع القليل من الكريم
المرطب على وجهها وشذى تطمئنها :
– لم يبقى على انتهاء الامتحانات سوى يومين وكل شيء سيكون على ما يرام وستحصلين
على نسبة عالية بعون الله .. والواسطة موجودة.

نزلت مع اختها الى المطبخ الواسع المطل على الصالة واعدتا الشاي وجلستا . سكبت كاميليا
لها الشاي ووضعت عددا من مكعبات السكر لم تعرف عددها وقالت وهي تذوبها بالملعقة :

– منذ اكثر من اسبوعين وانا افكر به .. لا يفارق مخيلتي وانا اذاكر وانا
اكل .. وانا اجيب على اسئلة الامتحان في المدرسة .. حتى وانا نائمة احلم به
.
سالتها باستغراب :
– وبمن تفكرين ؟
وبنبرة غاضبة اجابت اختها :
– من غير عماد .. احاول ان اقصية عن تفكيري ولكني لا استطيع .
كانت تشعر بالضعف كلما تذكرت عينيه ، فتنفست بعمق واكملت تقول :
– انا مدركة بان حياتي بعد ذلك اليوم في منزل امل ليست كحياتي قبله ..
مر اكثر من اسبوعين وما زالت نظراته وعينيه السوداويين تلاحقاني .. انا لا اعرف ما
الذي يجري لي .
تلفتت شذى حولها وطلبت من اختها ان لا تتكلم في هذا الموضوع في المطبخ فلو
سمعها احد والديها ستحدث كارثة فهذا الكلام لا يقال الا في غرف النوم . شربت
كاميليا رشفة من الشاي الساخن وقالت لاختها :
– انا في امتحانات الثانوية العامة وافكر برجل يكبرني بثمان سنوات لمجرد نظر لي بطريقة
ساحرة .. انا هبلة بامتياز .
لم تكن تريد اكمال الحديث فضميرها يؤنبها لان ذهنها مشتت وعبثا تحاول التركيز في المذاكرة
، فسكتت وطلبت من اختها تاجيل الحديث عن عماد لما بعد الامتحانات .

*******
عماد الذي احس الجميع بتغيره حتى ان صديقه ماجد حاصره عدة مرات ليخبره عن سبب
تغيره وعدم الخروج معه الى المقهى كالسابق فجاء لزيارته في منزله وجلس معه في المجلس
الداخلي المجهز بجلسة عربية فخمة ومريحة . جلبت الخادمة الشاي الفاكهة والمكسرات وبدءا يتحدثان وهما
يشاهدا التلفزيون بصوت منخفض جدا ، قال عماد لصاحبة بحماس :
– انت تعرف باني امتلك قطعة ارض كبيرة في ” المجيدية”و قريبة من منزل والدي
سابدا ببنائها و ساتزوج .. الفكرة تشغلني هذه الايام .
ساله ماجد وهو يتناول حبة خوخ وبدا يقطعها اذا ما كان ينوي الزواج باحدى قريباته
فقال من خارج العائلة بالتاكيد .. مد له صديقه بقطعة خوخ وساله :
– وما الذي غير رايك ؟ .. لقد كنت رافضا للفكرة في الامس القريب والان
اراك متحمسا بشدة ؟

اراد ان يقول له بانه وجد الفتاة التي خفق لها قلبه منذ ان سمع صوتها
صدفة ، وعندما راها احس بانه مشدود لها بطريقة عجيبة لكن لسانه لم ينطق ليخبره.
يريد البوح للعالم باسره بما يحتاج قلبه من مشاعر ولدت في قلبه منذ مدة ،
ولكن حرصه الشديد على كاميليا منعه وفضل ان تبقى مختبئة في قلبه حتى ياتي الوقت
المناسب ليعلنها ملكة على عرش حياته وبمرسوم ملكي يذيعه على الجميع . ابتسم وقال له
:
– الزواج له وقته المناسب .. واظن بان الوقت قد حان .. انه النصيب
ربت ماجد على كتفه وقال مبتسما ومشجعا في الوقت ذاته :
– ادخل الدنيا .. صدقني ان الحياة مع امراة شيء ممتع فمعها ستكتشف عالما جديدا
وهو عالم المراة الغريب والجميل .. لها شخصية غريبة لن تفهمها ابدا ولن تعرف ماذا
تريد منك .. ولن ترضيها ولو فرشت لها الشوارع ورودا ورياحين .. ومع ذلك فهي
حنونة ورقيقة واذا غضبت منك تحتاج الى الكثير من الجهد لارضائها فعليك ان تشبع غنجها
وتدللها وتحبه دائما .
ضحك ومن ثم اكمل حديثه :
– سمعت احدهم يقول بان الرجل بحاجة للزواج من الف امراة لكي يفهم طبيعة الانثى..
اما المراة فهي بحاجة لرجل واحد لتفهم كل الرجال .. كما ان الامام علي قال
ان المراة عقرب حلو اللبسة ..اي حلوة المعاشرة .

ضحك من قلبه وهو يستمع لصديقة المستمر بالحديث عن المراة وعن عوالمها واسرارها والكثير من
الحكايات . وودعه بعد ان تناول العشاء معه ثم ذهب لغرفة اخته نسرين ليتحدث معها
قليلا فربما ياتي الحديث بسيرة كاميليا . طرق الباب ولم تجبه فانتظر قليلا ثم دخل
ولم يجد احدا مع ان انوار الغرفة مضاءة ، وعندما هم بالخروج لمح هاتفها الجوال
ملقى على السرير فاقترب منه بخطى بطيئة ومد يده بتردد وبسرعة بدا بالبحث عن اسم
كاميليا في قائمة الاسماء وسرعان ما وجده . دون الرقم على ورقة صغيرة ووضع الهاتف
مكانه وخرج بسرعة متوجها لغرفته وظل يتامل الرقم وهو يفكر .. ( هل اتصل بها
؟ .. واذا اتصلت .. ماذا ساقول ؟ .. واخبرها باني سميتها صاحبة الصوت الرقيق
لاني لم اعرفها واني فعلت المستحيل لاكشف هويتها واعرف المزيد عنها .. هي بالتاكيد ستندهش
من اتصالي وربما تسيء التفكير بي .. وربما تقفل الخط عندما اخبرها من اكون ..
لن اتصل بها لكني ساحتفظ بالرقم ).

ظل يفكر بكاميليا والحيرة تجذبه في كل الاتجاهات وتعرض له جميع الاحتمالات والافكار والحلول حتى
غط في نوم عميق . اغمض عينيه وفتحهما بسرعة ، لم يكن مصدقا ، فربما
يتهيا ، يتخيل ، او يحلم . كانت واقفة امامه وقطرات الماء الباردة الخارجة من
فتحات رشاش الماء تغني بنعومة على جسدها الممشوق وهي تستحم . شعرها البني الداكن المبلل
منسدل على ظهرها وهو يراقبها وهي لا تراه . يراقبها بسعادة وهي تغمر ليفتها الطرية
بالصابون والماء وتفرك بها بشرة جسمها الناعمة ، وفقاعات الصابون الملونة والفراشات الرقيقة تطير من
حولها . نهض من مكانه واقترب منها لم تلتفت اليه . كانت تغني بصوت منخفض
وهي تمرر ليفتها على ساقيها وبطنها وذراعيها بانسيابية . كلمها بهمس لم تسمعه . مد
يده ليلمسها باصابعه وهو يشعر بنشوى بالغة وكانه مراهق يري انثى عارية لاول مرة ،
لكن اطراف اصابعه لمست الرغوة فقط واختفت هي من امام عينيه . فتح عينيه على
غرفته المظلمة ونهض بسرعة وتوجه للحمام . فتح الباب فربما يراها تستحم حقا ، لكنه
وجد الحمام خاليا فابتسم وهو يشعر بالاسف لان ما حصل كان حلما فقط وعاد لسريره
ونام

الفصل الرابع
انتهت الامتحانات ولم يبقى سوى انتظار ظهور النتائج في الصفحة المحلية بعد ايام .هذا ما
كانت تفكر به كاميليا والذنب يلازمها لانشغالها بعماد طيلة الامتحانات .كانت تخشى ان تنخفض نسبتها
المئوية ولا تقبل في جامعة الملك فيصل كما ان والدها رفض فكرة دراستها في الرياض
او جدة عندما ناقشته بالامر . كانت تخشى ان لا تقبل في الجامعة وتضطر للدراسة
في كليات البنات وتقضي مستقبلها في دراسة الرياضيات او الفيزياء .ولكنها اقتنعت بان النسبة المئوية
ليست بتلك الاهمية على قبولها فالواسطة اهم من اي شيء اخر.

اخرجها رنين هاتفها الجوال من افكارها .كانت سماح هي المتصلة وتريد ان تذهب معها لزيارة
الطبيبة النسائية في مجمع العيادات الطبية فمنذ شهرين والميعاد الشهري متاخر .حاولت ان تطمئنها بان
السبب هو قلق الامتحانات بالتاكيد لكن سماح اصرت على الذهاب فوافقت على الذهاب معها .
في السيارة اعترفت لها بانها تخشى ان تكون حاملا فهي تقابل خطيبها بين فترة والاخر
بعد عقد قرانها دون علم والديها واشقائها . اجرت الطبيبة فحوصها وكانت النتيجة ايجابية فهي
حامل منذ اكثر من شهرين .بكت سماح ولم تستطيع العودة لمنزلها فدعت لاجتماع طارئ مع
بقية الصديقات في منزل امل وبختها بعنف وكذلك نسرين و كاميليا وطلبن منها ان تخبر
خطيبها اولا وليشارك في مواجهة الامر . جلس يحدثان في الامر وساد الجو الكابة عندما
بدات سماح تنشج بالبكاء وامل تحسب لها شهور الحمل عندما تتزوج ، ستكون في الشهر
الرابع وسينكشف امرها بالتاكيد ،ولن تتمكن من اخفاء الامر على عائلتها .
كان اجتماعهن كئيبا على غير العادة ، فهن كن دائما يستمتعن بمشاهدة الافلام او يغنين
ويرقصن ، واحيانا يخترن موضوعا تعليق بحقوقهن المسلوبة ويناقشن فيه، كالسفر وتصريح ولي الامر ،
واختيار شريك الحياة ، وقيادة السيارة ، الا ان احاديثهن في الفترة الماضية انصبت على
الاستعداد لزواج سماح . لم تستمتع كاميليا بجو الاجتماع فقد كان حزينا وجعلهن يناقشن قضية
الزواج مع وقف التنفيذ الذي عانت منها الكثيرات وها هي صديقهن احدى ضحاياه،وقررن ان يجتمعن
في اليوم التالي فربما تتحسن حالة سماح النفسية ويعتدل مزاجها

*****

جلست كاميليا في غرفتها قلقة وخائفة وسعيدة وحزينة ، كانت مضطربة المشاعر والافكار ، مشغولة
التفكير فجزء من افكارها في نتائج الامتحانات ، وجزء مع سماح وحملها ، والجزء الاكبر
مع من سرق عقلها وقلبها فجاة . لم تكن تؤمن بالحب من اول نظره فهي
لم تجده الا في الافلام الهندية ولكنها لم تفهم ما احدثته نظرات عماد . هل
احبته من النظرة الاولى ؟.. لا .. لم يكن حبا ، ربما هو اعجاب ،
او انجذاب او (حاجه كده) لا تعرفها . ربما يكون حبا ، فلم يكن ذلك
اللقاء هو الاول ولا النظرة الاولى فهي تعرفه منذ طفولتها . ولكن لماذا لم تفكر
به قبلا وبنفس الطريقة .لماذا الان تتوق لرؤيته لتامل ملامح وجهه وعينيه . خطرت ببالها
اخبار ناهد بالامر لترشدها واجلت ذلك عندما اتصلت بها نسرين تدعوها لجلسة فضفضة , فذهبت
لامها الجالسة في المطبخ وهي تخبز كعكة التمر اللذيذة ، جلست على الطاولة واخبرتها بانها
ستذهب لمنزل نسرين ، فطلبت منها ان تستاذن من والدها قبل ان تخرج . تاففت
فقالت لها امها :
– اخبريه يا ابنتي فانا لا اريد مشاكل معه .. لو خرجت بدون علمه سيوبخني
وانا لست ناقصة .. وربما يظن بانك ذهبت لزيارة ناهد.

شعرت بفرح يغمرها ولاول مرة تضع نصب عينيها هدفا اخر من زيارتها لنسرين ،فربما ترى
عماد .شعرت بالتوتر قليلا ولكنها سرعان ما اخمدته وبدات تصفف شعرها وتضع الكحل الاسود والقليل
من احمر الشفاه البراق ، وزادت جرعة عطرها . تساءلت عن سبب لفتها عليه ،
وعن زينتها التي ارادت لفت نظره بها ، ارتدت عباءتها ودعت ربها ان تراه ولو
من بعيد . ارادت ان تفتنه او تثير في نفسه عاطفة ما . ابتسمت امام
المراة وشعرت بان نيتها شيطانية . لم ترد ان يكون حلما في خيالها ولا تطاوله
بيدها .لابد ان تدير راسه وتتاكد من نظراته .

كان عماد جالسا مع والديه واخته وزوجها بعد ان تناولا الغذاء ككل يوم جمعة .رجف
قلبه بقوة عندما طلبت اخته منهم الانتقال لمجلس الرجال قبل وصول صديقاتها ، وراح يخطط
بطريقة ما تمكنه من رؤية كاميليا التي جاءت بصحبة شذى وسماح واستقبلتهن نسرين في غرفة
استقبال النساء المطلة على الصالة الكبيرة .
جلسن يتحدثن عن دراستهن فقالت كاميليا:
– والدي يريد مني الالتحاق بالحقل الطبي وانا ايضا اريد ذلك .. , وافكر جديا
بالمختبرات الطبية .. لكني خائفة فادائي في الامتحانات لم يكن بمستوى الذي اطمع اليه .

قالت امل :
– رئيس التحرير في جريدة ” اليوم” صديق لاخي .. لذا ساطلب منه ان يخبرنا
بالنتائج وقت ظهورها وخصوصا بان الاشاعة المنتشرة هذه السنة بان الاسماء ستعلن مع التقدير ومجموع
الدرجات .
اومات نسرين معلنة موافقتها ، وقالت كاميليا وهي تضحك :
– ارجوكم ..انا صديقتكم المخلصة .. تذكروني وطمانوني فاعصابي لا تحتمل .

ضحكت نسرين واخبرتهن بان ما يحدث لها هو الادهى فوالدتها تصر على التحاقها بكلية الطب
رغما عنها وهي لا تستطيع مخالفتها .ووالدها سيبذل المستحيل من اجل تحقيق ذلك وهو مستعد
لدفع اي مبلغ لاي شخص يساعد في ذلك . تحدثن وظلت سماح صامته فلا شيء
يهمها ، لا معدل ولا الجامعات والواسطات وتشعر بتفاهة حديث صديقاتها .كان لديها همها الاكبر
، حملها وحفل زفاف الذي اصبح في خبر كان فوالديها الغيا كل ما كنت تستعد
له منذ عام .
لقد اصبحت امراة وصديقتها مازلن يناقشن مواضيع لا تهمها وتقدمت عنهن بكثير .

ظل عماد حائر لا يريد الخروج من المنزل وكاميليا موجودة ، وهي قريبة منه ولا
يستطيع ان يراها . صعد لغرفته واستحم وهو يفكر بها .لبس ملابسه ، بنطلون وقميص
ابيض اللون وشعره مصفف بطريقة انيقة .جلس ينظر الى نفسه في المراة وهو ممسك بالورقة
التي كتب عليها رقم هاتفها وسرعان ما خباها في جيبه عندما جاءت امه . جلست
على السرير وقالت له بابتسامه :
_ اراك متغيرا هذه الايام .. ما الذي بحدث لك ؟
ابتسم وقال برضا :
– ما يحدث بانني قررت ان اغير مجرى حياتي الرتيبة ..وربما في الاسابيع القادمة اطلب
منك الذهاب لخطبة الفتاة .
ارادت ان تستدرجه فسالته :
-واي فتاة ؟.. اراهن بانك تعرف ولا تريد اخباري..الست امك ؟.. لماذا لا تصارحني .

ضحك وطمانها بانه سيجد الفتاة المناسبة له ولها وسيطلب منها ان تذهب وتخطبها . تركته
في غرفته فاخذ محفظته وخرج ، مشى بخطوات بطيئة نحو المصعد الكهربائي وراها وهي تصعد
الدرج ، نظر لها مبتسما وهي مطاطئه راسها وخائفة ان يرى احد ملامح وجهها التي
تغيرت عندما راته .
لم يشعر بوجود احد معها ، رجع خطوتين الى الوراء وراها تشيح بوجهها عنه وتدخل
غرفة نسرين .

****
في المقهى القريب من شاطئ الدمام بجلستها العربية المفتوحة ، الناس جالسون يشربون الشاي ،
والمشروبات الباردة ، والبعض يدخن الشيشة وبغضهم يستمتع بالوجبات الخفيفة المقدمة رغم الجو الحار ،
وصوت فيروز يصدح بكبرياء وعزه ..

” اعطني الناي وغني فالغناء سر الوجود
وانين الناي يبقى بعد ان يغني الوجود
هل اتخذت الغاب مثلي منزلا دون القصور
فتتبعت السواقي وتسلقت الصخور
هل تحممت بعطر وتنشفت بنور
وشربت الفجر خمرا في كؤوس من اثير ”

جلس عماد مع فيصل وماجد في المقهى يشربون القهوة التركية وهم يتحدثون ، كان عماد
يشرب فنجان القهوة دفعة واحد ويطلب غيره وهو مشغول الفكر ولا يشاركهما احاديثهما الا بابتسامة
تائهة لا تدل على شيء .
لاحظ صاحباه شروده ، فقد كان يستمع لفيروز بصمت والابتسامة تعلو وجهه وفجاة نطق بطرب
:
– اه .. كم انت عظيمة يا فيروز.
ضحك ماجد وقال له :
– ما بك ؟.. ارى ان هذه الاغنية اطربتك بشدة .
اكمل يمازحه:
– هل قطعوا سرك في لبنان ؟ .. لقد اثرت على العاملين هنا فاصبحوا يضعون
اغنيات فيروز اذا جئت تسهر هنا .
قال فيصل بابتسامة وهو يغمز لماجد :
– لا اعرف ما الذي حل بابن عمي المسكين .
خاطبة ماجد ممازحا:
– الا تمل من فيروز .. استمع لغيرها يا اخي .
تحسس شاربه وقال بابتسامه :
– الطبقة موجودة في كل شيء حتى في الغناء والذي يستمع لفيروز يختلف عن الذي
يستمع للطقاقات .

اغاظهما فضحكا وعاد هو لصمته وشروده وصاحبيه يتحدثان ويضحكان .ظل مشغول الفكر طوال الوقت وحتى
عندما خرج من المقهى مشى بسيارته بدون هدى . قطع شارع الخليج ذهابا وايابا مرتين
وهو شارد الذهن .
ذهب الى جزيرة المرجان وجد المكان خال ومظلم لا اثر به لاحد والنور القادم من
اضواء الشارع والسيارات يبعث القليل من الضوء.
ترجل من السيارة ومشى بخطى بطيئة نحو البحر ، تخطى حاجز الصخر الكبيرة والتقط حجر
صغير رماه بقوة . تنهد وصورة كاميليا تظهر امام عينيه ، واحس بالحاجة لسماع صوتها
وللحديث معها . عاد لمنزله والقى نفسه على السرير وهو ممسك بهاتفه ، قال في
نفسه (لو يمكنني الحديث معها .. لو استطيع ان اتصل بها واخبرها باني اقضي ليلي
سهرا منذ رايت عينيها .. وحياتي انقلبت راسا على عقب).
ظهرت فجاة ووقف من بعيد ، كانت هي بكل تاكيد ، عينيها والكحل الاسود والرموش
السواء الطويلة ، وحبة الخال الناعمة .
اقترب منها اكثر وامواج البحر تفصله عنها .. ورجل مخيف يريد الاقتراب منها .. كانت
خائفة وتلك الصخرة ستسقط عليها من اعلى المنحدر الجبلي ..اراد ان يتكلم لكنه لم يستطع
..اراد ان يحذرها او يومئ لها ولم يتمكن .. طلبت منه المساعدة ولم يلبيها ..
كانت ترجوه بدموع حارة وهو صامت ويديه مكبلتين .. وفجاة سقط هو في الماء وسقطت
الحجارة من فوقه وظل يعوم في الماء .
استيقظ عماد من النوم فزعا ، وتلفت في الغرفة وعرف بان ما راه كان حلما
مزعجا ولا بد ان كاميليا نائمة في منزلها براحة .نهض من سريره وهو يستعيذ بالله
. نظر الى الساعة وهي تشير الى الثالثة فجرا ، خرج من غرفته ومر بغرفة
نسرين وسمع صوت التلفزيون عال جدا .
دخل واثار النعاس والانزعاج ظاهر عليه فسالته امل باندهاش :
– الم تنم بعد ؟
لوى فمه واخبرهما بانه نام واستيقظ مذعورا بسبب حلم مزعج ، وسالهما:
– وانتما ما الذي تفعلانه في هذا الوقت ؟
اجابته اخته :
– كنا ننتظر اتصال فيصل .. واتصل بنا قبل ساعتين واخبرنا باننا نجحنا بتقدير جيد
جدا والمعدلات لم يعلن عنها .. وسيبدا التسجيل في الجامعةالاسبوع المقبل .

********

استلقت كاميليا على سريرها تراقب الشمعة التي اشعلتها وهي تفكر بعماد وتتساءل عن انجذابها له
. ماذا لو كانت مخطئة ودقة قلبها له مجرد اعجاب بشاب بمواصفاته .ربما كانت تتخيل
نظراته التي تحاصرها ، وهو لم يعتمد النظر اليها ذلك اليوم وانها الفت كل هذه
الحكاية وصدقتها .ربما لم تكن موعودة به وكل ما حدث لها مجرد صدفة . ربما
نظراته وسحرها هي من توهمتها ، كانت نظرات عادية وهي من جعل منها نظرات ساحرة
. ربما كانت تتخيل كل هذه الحكاية وتختلق كل ما حدث كاي فتاة سعودية بلهاء
سرعان ما تفسر نظرة الشاب العادية لها بانها حب وغرام وتنسج قصة حب خرافية تتمناها
او تحلم بها. جل ما كانت تخشاه هو ان تكون فتاة واهمة فسرت نظرات عابرة
لرجل له عينين سوداويين قويتين واسرتين لخيال وقصة ورواية من تاليفها .
وربما وقعت في فخ نظراته ونجح في اصطيادها بمحاولة اظهار نفسه بالصورة الذي راته فيها
. نهضت واقتربت من الشمعة ولهبها يتراقص فنفخت فيها بفمها وعادت الى سريرها . تقلبت
وهي تفكر به ، وتمنت لو تعرف ما الذي يدور في خلده عنها . هل
لفتت انتباهه وكيف يفكر بها . تمنت لو تكون بين يديها قوة خارقة تستطيع الدخول
من خلالها الى قلبه ومعرفة ما يدور فيه .لو يخبرها عن قلبه منجم او ساحر
او عالم فلك ليفك لها سر نظراته القوية والساحرة وليكشف لها الغيب المختبئ وراءه ووراء
جاذبيته واندفاعها نحوه.

الفصل الخامس
( ما به هذا الرقم يتكرر في هاتفي ..من يتصل بي؟ ..سارد عليه هذه المرة
) ، هذا ما كنت تفكر به كاميليا وهي جالسة في غرفتها وممسكة بهاتفها تنظر
الى الرقم المجهول في قائمة المكالمات التي لم يرد عليها .فكرت باخبار اختها فذهبت اليها
وعلامات الحيرة ترتسم على وجهها ،قالت لها:
– لدي رقم يتكرر منذ ثلاثة ايام ..نفس الرقم ونفس الوقت .. في التاسعة مساءا

– قد يكون خطا ..احقريه .
هزت كتفيها بلامبالاة لكنها التفتت بسرعة الى هاتفها الذي رن يعلمها باستلام رسالة نصية ،
وقراتها فضول ..( مساء الخير كاميليا ..اتصلت بك عدة مرات ولسوء الحظ لم تجيبني ..اود
الحديث معك بامر هام وساتصل في تمام العاشرة .. شكرا) .وضعت يدها على فمها وقالت
لاختها باستغراب :
– انه يعرف اسمي ..لقد ارسل رسالة هذه المرة ..من يكون يا ربي ؟
اخذت شذى الهاتف وقرات الرسالة وقالت لاختها :
-الساعة الان تشير الى التاسعة والربع ..بقي خمس واربعون دقيقة ..اجيبي لنعرف من المتصل .

مرت خمس واربعون دقيقة وكانها خمس واربعون سنة ،مرت بثقلها وطول شهورها وايامها السوداء والبيضاء
والملونة . كانت تنظر الى الساعة كل حين وتمنت لو كانت لها سلطة على الوقت
لاجبرته على المرور بمشيئتها ، وعلى هذا الحال مرت الدقائق والساعة الان تشير الى تمام
العاشرة . اقتربت شذى من اختها وظلتا تترقبان الاتصال ورن الهاتف وظهر الرقم المجهول على
الشاشة . ترددت كاميليا في الاجابة وتحت اصرار اختها اجابت :
– الو
– مساء الخير كاميليا .. الف مبروك لنجاحك ونيلك شهادة الثانوية . بلعت ريقها وهي
تفكر بهذا الصوت الذي سمعته قبل الان سالته بتحفظ شديد عن هويته فقال:
– عذرا .. نسيت ان اعرفك بنفسي ..انا عماد الغانم .. شقيق نسرين. سكتت وكان
احد سكب عليها ماءا باردا ، كانت مندهشة وعينيها الواسعتين تدلان على ذلك . ظلت
صامتة وعماد ساكت ايضا ثم قالت له بعد لحظات :
– وماذا تريد ؟ ..لماذا تتصل بي؟
اعتذر على جراته بالاتصال بها وقال :
– صدقيني رقم هاتفك بحوزتي منذ مدة وانا متردد في الاتصال .. اخشى فهمك الخاطئ
لي .
وبنبرة غاضبة سالته :
– من اعطاك رقم هاتفي ؟.. ولماذا تتصل بي ؟
سكت مترددا ثم قال :
– اخذت الرقم من هاتف اختي دون ان تدري .. انا لست عابثا ومن حقي
ان اتكلم ويجب ان تصغي لي.
ظلت كاميليا ساكتة وعماد مسترسل في الكلام :
– لقد سمعت صوتك صدفة عبر الهاتف .. وصدقني باني لم انم ليلتها ونغمة صوتك
ترن في اذني .. تعمدت الذهاب لمنزل عمي عندما عرفت بذهابك ..اردت ان ارى صاحبة
الصوت الذي تغلغل في اعماق روحي .. ومنذ ذلك اليوم وانا مشدود لك بقوة لا
اجد لها تفسيرا .. سكنت في ايامي واصبحت حياتي جميلة .
تنهد وظلت ساكتة ومذهولة ولا تعرف ما الذي تقوله امام كلماته التي تسللت الى قلبها
بدون ممانعة . احست بصدقه ولم تجد خيارا سوى ذلك ، لكنها قالت :
– وما الذي تريده مني الان ؟
– انا عازم على اخبار والدي بالامر لكي اتقدم لخطبتك ..واثرت الاتصال بك اولا فربما
تكونين مرتبطة او لك راي اخر..كما ان فارق السن اقلقني ..ارجوك اجيبيني واعلمي بان هذا
الحديث الذي دار بيننا لن يعرف به مخلوق .. نحن على ابواب الالفين وليس من
المعقول ان اذهب لخطبة فتاة كما خطب جدي جدتي .
ظلت ساكتة للحظات فسالها :
– هل انت مرتبطة ؟
لم تتمكن من الكلام وقلبها يدق بقوة عجيبة ، وبصعوبة نطقت واخبرته بانها غير مرتبطة
، وبسرعة لا مت نفسها لانها تجيب على سؤال رجل اتصل وقال لها بانه مشدود
لها ويريد الزواج منها وهي صدقته . لكنها احست بسعادة وهو يقول :
– هذا من حسن حظي .
لم تنطق بكلمة فتابع حديثه بثقة :
– ستجدين في كل ما تتمنيه .. لن تجدي من يحبك مثلي .. انا الصديق
الذي ستجدين معه نفسك كلما احتجت اليه والذي سيقف بجانبك دائما ..والحبيب الذي ستشعرين بعاطفته
وحبه وتعتمدين عليه في كل الاحوال .
ترددت ثم قالت له رغم فرحتها باتصاله :
– انت تتكلم بثقة ..هل انا مضطرة لتصديقك ؟
استغرب كلامها فقال لها بانفعال حاول ان يخفيه :
– قلبي دلني عليك واظنه صادق ..لا تستغربي اندفاعي نحوك فانا لا اعرف ما الذي
يحدث لي ..انه النصيب .
لم تعرف ماذا تقول امام كلماته التي اخترقت اذنيها ووصلت لقبلها مباشرة ، لكنها اثرت
صده حتى لا يظنها فتاة خفيفة تذوب امام اول كلمة تسمعها من شاب . قالت
له باختصار :
– لست مضطرة لان اصدق كلامك .. اعذرني علي ان انهي المكالمة .
تنهد بغضب لصدها ثم قال :
– لن اخبرك باني صادق فهذا يجب ان تكشفيه بنفسك ..اسف لازعاجك وسامحيني على اتصالي
.. مع السلامة .

شعرت بانها خائرة القوى وكانها ريشة او ورقة تحركها الرياح في كل الاتجاهات . رمت
نفسها على السرير وهي تقول لاختها بانها لا تصدق ما يحصل لها فلابد ان تعيش
في حلم . قرصت شذى خذها وسالتها عما يريده عماد منها فاجابتها :
– لست مجنونة ولا مهووسة ولا موهومة .. لم اكن وحدي مشغولة الفكر .
سالتها اختها عما قاله لها فقالت :
– حصل على رقم هاتفي من جوال نسرين وبقي مترددا لفترة .. هذا فقط .

امسكت شذى بيد اختها بقوة وقالت :
– هل بدات تخفين عني امورك؟ مضت اكثر من ربع ساعة وانت ممسكة بالجوال وهذا
ما قاله فقط ..؟
– قال بانه يريد ان يمضي عمره معي .. ويريد ان يتقدم لخطبتي .
سالتها اذا ما كانت اخته تعرف بالامر فقالت :
– لا اظن ذلك فلقد وعدني بان مخلوقا لن يعرف بحديثنا .. لا اريد ان
يسيء احد التفكير بي حتى انني اخبرته باني لست مضطرة لصديق كلامه.

حذرتها اختها فقد يكون متلاعبا ، وسجل مكالمتها ليقوم بامر ما في نفسه ، فهي
لا تستبعد شيئا عن اولاد ابليس ، لكن كاميليا دافعت عنه فهي تعرف بانه مختلف
عن الجميع .
-عماد غير .. هو عاقل ورزين .
قالت ذلك دون ان تخفي حماسها لمعرفته عن قرب، لتعرف ماذا في قلبه وعقله وافكاره
فلن تكتفي بحب عينيه . تخيلت نفسها تعيش قصة حب معه . كانت متلهفة لمعرفته
اكثر ، بيد ان لهفتها لم تبدد خوفها من ان تكون واحدة ممن يتحدث عنهم
الناس ، كم هو بشع ان تصبح فتاة حديث المجتمع والناس في القطيف . سيروون
قصتها مع حبيبها وسيحرفونها وسيغيرونها وسيضيفون عليها احداثا لم تحدث . تخاف ان تعرف صديقتها
بذلك وينتقدانها كما ينتقدن سماح التي تعرفت على خطيبها في احدى منتديات الانترنت ومن ثم
قابلته عدة مرات وهما الان خطيبين وسيتزوجان قريبا وسينجبان طفلهما الاول.

ظلت كاميليا تتحدث مع اختها بشان عماد واتصاله المفاجئ حتى جاءت امهما تدعوها لتناول العشاء
وتتذمر من جلوسهما في غرفهما معظم الوقت واردفت :
– هيا تعالا معي لتناول العشاء فوالدكما وعمكما ينتظران .
قالت شذى بتذمر :
– اف .. عمي عبد العزيز هنا .
حذرتها امها :
– احفظي لسانك يا ابنتي وهذا عمك الكبير والوحيد ..وكوني لبقة في الحديث عنه حتى
لا يغضب والدك منا
تبادلت كاميليا وشذى النظرات وتبعتا امهما التي توجهت الى المطبخ لتساعداها . وضعت كاميليا الاطباق
على طاولة التقديم وبدات تدفعها الى غرفة الطعام وشذى تتبعها ، رتبتا الاطباق وبعدها ذهبت
الام تدعو زوجها الجالس مع اخيه يتحدثان بموضوعات تتعلق بعملها . تفادت كاميليا النظر لوالدها
الاتي بصحبة عمها وشقيقها الصغيرة (هديل ) وسلمت على عمها وتبعتها شذى ايضا . رحبت
بهما العم عبد العزيز بابتسامة:
– اهلا بابنتي اخي ..وزوجتي ولدي ايضا
والفت عبد العزيز لاخيه واكمل يقول :
– ها يا احمد ماذا تقول ؟ .. كاميليا زوجة لناصر وشذى زوجة لرائد ..
بنات العائلة لا يخرجن من العائلة ابدا .
ضحك الاخوين بسعادة ، لكن احمد دعاه للجلوس على المائدة وقال له بانه موافق شريطة
ان يتم الزواج بعد ان تنهي كاميليا دراستها الجامعية بنجاح وتتخرج وكذلك شذى ايضا.قال العم
لاخيه :
– وما رايك بالخطوبة اذن الزواج حالما تنتهي كاميليا من دراستها . فابني ناصر سيسافر
اخيرا لينال الماجستير في امريكا بعد اشهر .. انت تعرف بانه طموح وقد عرضت عليه
الشركة السفر للدراسة منذ السنوات لكنه رفض .. والان غير رايه والنجاح لا يكتمل بدون
الدراسة لذا سيسافر وانا شجعته على ذلك.
هز راسه وقال :
– لكل حادث حديث .
– اخشى ان تخطب كاميليا لشخص اخر اثناء غياب ولدي .. فالكلام قد يتغير لاحقا.

وعده بان كاميليا ستكون لناصر مهما طال غيابه ، وضحكا بسعادة وكانهما قد انجزا الاتفاق
على صفقة رابحة. تضايقت كاميليا من كلام والدها وعمها وبان الضيق على ملامح وجهها وهي
تراهما ياكلان بسعادة . ظلت ساكتة وهي ممسكة بالملعقة تفكر في سرها ولا تعرف ماذا
تفعل (ما هذا الذي يحدث لي يا ربي ؟ .. يتصل بي عماد ويخبرني بمشاعره
نحوي وبانه يريد الزواج مني وفي الليلة ذاتها يتفق والدي وعمي على بيعي وشرائي ولكن
بالدافع المؤجل .. وبدون اي اعتبار لي وكان ليست لي اي علاقة بالموضوع). رمت الملعقة
على الصحن الفارغ بقوة فاحدثت صوتا ونهضت بسرعة وسط اندهاش الجميع ، ولحقت بها شذى
.

جلست على سريرها والدموع تفيض من عينيها ، قالت لشذى بانفعال :
– يتفقان على كل شيء وبدون ان يسالاني رايي بالامر .. لماذا يحدث لي هذا
في اليوم الذي يتصل بي عماد ويخبرني بانه يريد الزواج بي ؟.. يريدان تزويجي بالمنحط
ناصر .
جاءت الام فسكتت كاميليا لكن الدموع استمرت في التدفق من عينيها العسليتين ، احتضنتها وطمانتها
بهدوء :
– لا احد يستطيع ان يزوجك رغما عنك يا حبيبتي .. كما ان والدك قال
لعمك بانه لا زواج ولا خطوبة قبل ان تنهي دراستك .. وهذا الكلام سابق لاوانه
.
قالت لامها وهي تبكي بانها لن تتزوج من ناصر لا الان ، ولا بعد الف
سنة فهو يكبرها باربعة عشر عاما وسبق له الزواج مرتين وعندما تنهي دراستها سيكون قد
بلغ الاربعين . ضمتها امها لصدها ومسحت دموعها وطلبت منها ان تتصرف وكان شيئا لم
يحدث ، وخرجت .
مسحت كاميليا دموعها وبدات تعدل الكحل الذي خربته الدموع ، وقالت شذى :
-ماذا اقول لعماد لو اتصل بي .. فهو سيخبر امه وسيطلب منها التقدم لخطبتي باسرع
وقت .. وماذا سيرد عليه ابي ؟ .. وربما يرفضه .
– اطلبي منه ان ينتظر .. واذا كان من الذين يقولون كلاما لمجرد الكلام فليذهب
بالف سلامة .

تنهدت وهي تفكر بعماد . هل سينتظرها اربع او خمس سنوات فخلال ايام تتغير امور
كثيرة في حياة الانسان وقلبه ..فماذا يحدث خلال سنوات ؟.
قالت لها شذى بان هذا اكبر اختبار لصدقه وحسن نواياه واقتنعت بذلك .

الفصل السادس

( لا احد اتحدث معه ولا احد ابوح له بما افكر .. لماذا لا استطيع
اخبار ماجد او فيصل باني وجدتها .. ما الذي يمنعني ؟ .. هل اخبر امي
واختي ؟.. هما لن تعودا قبل الفجر فهذا حالهما منذ ان بدات الاجازة …ساخبرها باني
اريد الزواج .. متى تعود امي لاخبرها فهذا ما تتمناه وستفرح بكل تاكيد ).
هذا ما كان يفكر به عماد وهو مستلق على سريره ، ادار التلفزيون وبدا يقلب
المحطات بحثا عما يشاهده ، لكن عبثا فالليل قد انتصف ولا شيء يبث غير الاخبار
والاغاني والبرامج المملة . اطفا التلفزيون وقام يبحث بين اسطوانات فيروز التي يرتبها في حامل
اسطوانات انيق ويحتفظ ببعضها في سيارته .ادار الجهاز واستلقى على سريره وبدا يستمع ..

نحنا والقمر جيران بيتو خلف تلالنا
بيطلع من قبالنا يسمع الالحان ..
نحنا والقمر جيران عارف مواعدنا
وتارك بقرميدنا اجمل الالوان..

فتح عينيه في الرابعة فجرا وامه تربت على كتفه وتوقظه ، فلقد نام بمبلابسه والغرفة
مضاءة ومشغل الاسطوانات مازال يصدح بصوت جارة القمر . اخبرها بانه ينتظرها ولم يخبرها بالسبب
. وبعد ان صلى الفجر استلقى على سريره وهو يفكر كاميليا وكيف سيفاتح امه بموضوع
خطبتها ، لابد انها ستساله لماذا اختارها بالذات ، حتى نسرين وامل ستستغربان ذلك .
فكر باجابة يقولها لهن ، سيقول بانه يريد الزواج باحدى صديقات نسرين وعندما تعدد له
نسرين صديقتها سيختار كاميليا من بينهن ليوهمن بانه لا يعرفها قبلا . نام على افكاره
لكن الوقت قصير جدا فسرعان ما رن الجوال يعلمه بضرورة الاستيقاظ للعمل .

اخبره فيصل بانه تحدث مع الدكتور عبد الكريم ، ووعد بمساعدته في تسهيل قبول نسرين
وامل ، فطلب من ابن عمه الانتظار فلديه شخص يعزه ويود مساعدته في تسجيل اخته
. مضت ساعات الدوام مثقلة بالعمل والمواعيد وهو مشغول البال يفكر ويخطط . كيف سيخر
والديه ، ومتى يحدد موعد الزواج ويفكر في السكن وبناء الارض التي يمتلكها . خرج
من الشركة عائدا الى المنزل وفي الطريق خطرت بباله فكرة الاتصال بكاميليا ليسالها عن التخصص
الذي تريده برغم الغضب الذي اعتراه في الحديث اليتيم الذي جرى بينهما عندما قالت له
بانها ليست مضطرة لتصديقه . عذرها فهي لا تستطيع ان تظهر له تجاوبها وانجذابها له
في هذا المجتمع الفضائحي المحافظ . فكر بان اتصاله بها سيثبت لها جديته وحسن نواياه
. ازدادت دقات قلبه وهو يستمع لرنة الهاتف .. الاولى والثانية والثالثة . كان خائفا
من ان لا ترد عليه لكنها اجابته :
-الو .
تنفس الصعداء وهو يسمع صوتها ، فسالها بلهفة ممتزجة بالحذر :
– مرحبا .. كيف حالك كاميليا .
اجابت باقتضاب :
-بخير والحمد الله .
لم يحبذ اخبارها عن مشاعره وعن الغضب الذي يعتريه كلما تذكر ما قالته ، فقد
كانت اول مرة يتصل بفتاة انجذب لها وتصده. قال لها بتحفظ :
– اعذريني على الازعاج .. ولكن ..
بلع ريقه وسكت ، شعر بانه غير قادر على الكلام امام صمتها فتنفس بعمق واستجمع
جراته وسالها :
– اريد معرفة التخصص الذي ترغبين بدراسته ؟
سالته باستغراب :
– ولماذا ؟
– تعرفين بان القبول في جامعة الملك فيصل ليس سهلا .. لذا نحن سنتدخل في
اتمام الامر والباقي على الله ..اود ان احقق لك امنية تحملين بها فما يسعدك يسعدني
بكل تاكيد .
– شكرا .. لدى والدي واسطة جيدة .
– زيادة الخير خيرين .
اضطرت لاخباره بانها تريد دراسة المختبرات الطبية وسكتت ، لكنه لم يستطيع لجم عنان مشاعره
فقال لها بنبره مفعمه بالشوق والصدق :
-ربما لاتشعرين بما يشتعل في قلبي من عاطفة اشعر بها للمرة الاولى في حياتي ..
لا اعرف سببها والى ما تهدف .. الى اني سعيد جدا
لم يرد ان يقول لها بانه يحبها رغم ايمانه العميق بذلك ، فكلمة الحب لها
وقت وزمان وظروف معينة لم تات بعد ، تذكر كلام ماجد بان الاعتراف بالحب يحتاج
الى معاملة ( حكومية طويلة ومعقدة ) . سكتت كاميليا والدهشة من كلام عماد منعتها
من التنفس براحة فبدا نفسها مضطربا وهي تستمع لحديثه المسترسل :
– كنت افكر بك البارحة طوال الليل وظلت انتظر والدتي حتى تعود من حفل الزواج
الذي تحضره وغفوت قبل وصولها .. ساخبرها اليوم .
ظلت كاميليا ساكتة وهي ترتعش رعشة غريبة ، ليست رعشة خوف او برد انما رعشة
مختلفة ، فباغتها بسؤاله :
– كاميليا .. هل تسمعينني ؟
– نعم بالتاكيد .. ولكن ..
احس بارتباكها فقال :
– ولكن ماذا ؟!
– لا تتقدم لخطبتي الان .. دعنا نؤجل الامر قليلا.
انتفض وقال بخوف :
– ولماذا .. ما الذي حدث ؟
احس بانه مشتت بين ما تقوله وبين قيادة فاوقف سيارته في جانب الطريق . قالت
له:
– والدي يرفض فكرة الزواج قبل انهاء دراستي الجامعية .. وهذا مبدا عنده ولا يمكن
ان يغير رايه .. هو يرفض الخطوبة ايضا فلقد رفض خطوبتي لابن عمي رغم اقتناعه
به كزوج مثالي لي .
حاول ان يقنعها بان رفض والدها لابن عمها لا يمنعه من المحاولة ، ولكنها فضلت
ان لا تعرضه لموقف محرج . سكت للحظات ثم سالها :
– وانا .. ماذا علي ان افعل ؟
اخبرته بالحقيقة التي ستفيدها لتتيقن من صدق نواياه :
– ساقول لك ما قاله والدي لعمي .. انتظرني حتى اتخرج من الجامعة .. صدقني
هذا افضل .
– انتظرك !؟ .. ولكن .. من هو ابن عمك ؟
– لا عليك منه .. عليك من المبدا نفسه ووالدي لن يغير كلامه .
سادت لحظات صمت بدت طويلة قطعته تنهيدة خيبة اطلقها من صدره وتابع الصمت حتى قالت
كاميليا :
– انا لا اجبرك على انتظاري فالامر يعود لك.
ارتفع صوته وهو يرى المرور تقترب منه :
– بالطبع سانتظرك .. انا لم اصدق بانني وجدت الفتاة التي اريدها شريكة لحياتي وهذا
لم احصل عليه بسهولة .
طلب منها ان يظلا على اتصال، فهو يريد سماع صوتها واخبارها والاقتراب منها والتعرف على
شخصيتها فهما قد زرعا نبتة صغيرة في تربة صالحة وهذه النبتة تحتاج الى العناية والماء
والغذاء ، وختم كلامه :
– دعيني اتعرف عليك اكثر .
اعجبها كلامه فلطالما كانت قضية اختيار الشريك المناسب قضيتها وتاثرت بها وتبنتها منذ طلاق ناهد
.

**********
تافف وهو يفكر بالسنوات التي ستفصله عن كاميليا ، اربع سنوات بكامل شهورها وايامها وساعاتها
ودقائقها وثوانيها . فرك جبينه باصبعه وفكرة انها تكذب بشان ابن عمها تنخر في عقله
.لكنه تراجع عن ذلك بسرعة فلو انها لا تريده فلا داعي لتجيب على اتصاله .
وفجاة توقف عن التفكير لان باب غرفته يطرق . دخلت امه وهي ممسكة بكاس من
الماء ، جلست بجانبه وقالت له :
– اخبرني والدك بان فيصل تحدث مع احد معارفه من اجل التحاق نسرين وامل بالجامعة
.
هز راسه وطمانها بثقة بان كل شيء سيكون على ما يرام فالرجل نافذ وواسطته جيدة
. شربت سميرة رشفة من الماء ووضعت الكاس جانبا وقالت :
– اذا ظهرت النتيجة والتحقت نسرين بكلية الطب ساقيم حفلة كبيرة
كان ذهنه مشغول بكاميليا وامر تاجيل الخطوبة فلوى فمه وقال :
– جيد
عضت سميرة على شفتيها وقالت لابنها بحنق :
– ولماذا تتكلم معي بدون نفس ؟
اوما راسه نافيا ذلك ، فسالته اذا كان سيخرج مع ماجد الليلة فهي تعرف بانه
لا يحب الذهاب لمكتب والده كثيرا . تنهد بقوة واجابها :
– مزاجي سيء ولا يسمح لي برؤية احد .
رمت امه بكاس الماء الذي بيدها وتساقط على رخام الغرفة وتحول الى شظايا متناثرة وقالت
لابنها بغضب :
– ولماذا لا يسمح لك مزاجك؟ ..انت لا تعجبني ابدا وتتصرف وكانك مريض نفسيا.
تنهدت واردفت والدموع تملا عينيها :
– انا تجاوزت اكبر معضلة صادفتني في حياتي كلها .. عندما قتل علاء احسست بان
الدنيا بالنسبة لي انتهت وباني لن ارى يوما سعيدا لبقية عمري ..ظلت خمس سنوات وانا
اتعذب وعندما اعدم ذلك البائس احسست بالراحة وتجاوزت هذه المحنة بقوتي وصمودي .. عشر سنوات
مضت وانا مازالت اتذكر كل شيء وكانه حدث البارحة لكني يجب ان استمر في الحياة
من اجل اولادي وزوجي ..وهذا لا يمنعني من تذكر علاء والبكاء عليه يوما ..وانت مازلت
مكتئبا لانفصالك عن امراة ستتزوج بعد مدة وجيزه.

لم يتمكن من الرد على كلام امه فظل ساكتا وهو يرى دموعها بدات تترقرق من
عينيها السوداويين التي ورث سوداهما عنها ، واكملت تقول :
– لا تحاول ايهامي بان انفصالك عن سوسن ليس سببا لحالتك هذه
اقترب منها وضمها اليه وهي تبكي على صدره ، فقال لها متاثرا :
– كوني متاكدة بان سوسن لا تعنيني البتة .
مسح دموعها بيديه وقال لها مطمئنا :
– لا تقلقي علي وساتزوج بفتاة افضل منها ولكن ليس الان ..سابدا ببناء المنزل وساؤثثه
ومن ثم ساخطب الفتاة المناسبة ونتزوج بدون تاخير .
زمت شفتيها وسالته:
– ومتى ؟
ابتسم وقال :
-ربما احتاج لاربع سنوات ليكون كل شيء جاهزا .
– انت تستطيع ان تنتهي من ذلك قبل اربع سنوات ..فلما الانتظار ؟
قبل يدها واجابها :
– وهل تظنين باني سابني منزلا عاديا ؟!.. سيكون منزلي تحفة فنية تخطف الانظار ..اريده
اجمل بيوت القطيف لذا يحتاج وقت طويل .
هزت راسها واخبرته بانها ستخرج مع زوجة عمه وستطلب من الخادمة ان تاتي لتنظيف الزجاج
المتناثر . خرجت امه فاقفل الباب وامسك بهاتفه ليتحدث مع كاميليا ولكنها لم ترد ،
فبقي يتساءل ..لمذا لا ترد ؟ ومع من كانت تتحدث قبل قليل ؟ .. هل
تشعر بالذي يشعر به وهو جالس لا يعرف ماذا يفعل ؟

*****
نالت كاميليا مباركة ناهد التي تلت عليها ما قاله جبران خليل جبران (اذا اوما الحب
اليكم فاتبعوه ، وان كان وعر المسالك ، زلق المنحدر . واذا بسط عليكم جناحه
فاسلموا له القياد ، وان جرحكم سيفه المستور بين قوادمه ) . فكرت بعماد وبالسنوات
التي ستفصلهما ، وتخشى ان تاخذه هذه السنوات بعيدا عنها فليس بينهما رابط او وعد
، فهي سمعت عن الكثير من العلاقات التي دامت اقواها سنة . ودائما ما تكون
علاقة عبثية قائمة على التسلية والفراغ القاتل لفتاة وشاب لا يجدا ما يفعلاه في حياتهما
. لم تسمع بعلاقة حب حقيقة . علاقة صادقة بين قلبي عاشقين تحلم بها اي
فتاة وتعرف بانها لن تجدها وفي الاخر ستزوج بطريقة تقليدية بكل تاكيد . لم تكن
مدركة لما تشعر به ولا التفكير الذي يسيطر عليها ليلا ونهارا . وفجاة فكرت بوالدها
العصبي المزاج الذي يخفي طيبته عنهم . ماذا لو عرف بانها تتحدث مع شاب فماذا
ستكون ردة فعله . لو عرف ان بنات القطيف اللاتي لهن علاقات مع شباب ازددن
واحدة . لم ترد ان تتخيل ما الذي يمكن ان يفعله بها وتوقفت عن التفكير
عندما وصلت نسرين وخرجت معها .

قضت وقتا طويلا مع امل ونسرين في التسوق ولم تذهب سماح المتازمة بسبب موقف عائلتها
واخوتها من حملها . عادت الى المنزل قبل ان ينتصف الليل فغدا ستذهب الى الجامعة
للتسجيل وسيصطحبها والدها بنفسه .جلست في غرفتها الزهرية اللون كاحلامها التي اصطبغت باللون ذاته عندما
رات عماد لاول مرة ، قالت لاختها وهي ترتب اوراقها في ملف اخضر :
– لقد اخبرت عماد بان والدي رفض خطوبتي بابن عمي قبل ان انهي دراستي الجامعية
.. وعليه ان ينتظرني اذا كان جادا فيما يقول .
تنهدت واردفت:
– انا لااعرف ماذا افعل ؟..بقيت افكر به وانا مع نسرين وامل ..صورته لا تفارق
مخيلتي ..ماذا لو عرفت نسرين بما بيننا ؟

اقتربت شذى منها وحذرتها من اخبارهما فهما ستنتقدانها بكل تاكيد فدائما ما كانتا توبخان سماح
لعدم تحفظها في علاقتها مع خطيبها . حتى كاميليا كانت مثلهما بالامس القريب ولكن عماد
غير كل افكارها . رتبت اوراقها وكتبت موافقة ولي الامر مطلوبة ووقعتها نيابة عن والدها
وهي تشعر بالسخافة . رن هاتفها وكان عماد هو المتصل ، كانت متلهفة على الرد،
فردت:
-الو
جاءها صوته مفعما باللهفة والقلق فلقد اتصل بها مرتين ولم تجبه ، قال لها :

– اين كنت يا كاميليا؟
ابتسمت وهي تستشعر قلقه عليها ، فسكت للحظة ومن ثم قال :
-هل تفكرين بي كم افكر بك؟..لا اعرف ما الذي يحصل لي منذ ذلك اليوم الذي
سمعت فيه صوتك بالصدفة . لا بد انني موعود بك.
كانت تصغي له وهو مسترسل في الكلام :
– سانتظرك حتى تنهي دراستك ..ولن اضيع الوقت فلدي قطعة ارض قريبة من منزل والدي
و سابدا بالتخطيط لبنائها ومن ثم تاثيثها لتكون جاهزة ونتزوج بعد تخرجك مباشرة .. هل
انت موافقة ؟
وافقته وهي تتذكر ناهد عندما قالت لها ( عيشي لك يومين حلوين ) ، وبتردد
طلبت منه ان لا يخبر احد بشانها وان تبقى سرا في حياته لا يعلم به
احد ، وسكتت للحظة ومن ثم قالت له بانها تقصد نسرين وامل .
-اه..عماد غير..كامل والصلاة على محمد.
تنهدت وقالت ذلك لاختها بعد ان انهت حديثهما معه ، فسالتها شذى :
– ليش غير ؟
راحت تشرح لاختها ما تقصده ، فسالتها بفذلكة :
– ما هي طموحات اي شاب قطيفي ؟
– فلوس ..سيارة..مغازلة البنات ..والزواج من قطة مغمضة تطيعه حتى لو طلب منها ان ترمي
نفسها في البحر .
وافقتها وزادت على ذلك بان الشاب ايا كان ، يقضي فترة المغازلة في القطيف وضواحيها
اذا كان فقيرا ، واذا ظروفه احسن بقليل تجده يتابط ذراع الروسيات في البحرين ودبي
، ويمشي بثوبه وغترته ومعه شقراء بتنورة قصيرة تشاركه العشاء والسهرة والفراش . وتجدينهم في
القاهرة والمغرب ودمشق وبيروت ايضا واذا كان ثريا فيسافر الى لندن و(ادجوار رود ) يغص
بهم ، الى ان وصل الايدز القطيف ببركتهم . اغمضت شذى عينيها وقالت بقرف:
– وع .. الله يغربلهم .
– لهذا انا احب عماد ومتمسكة به .. نبيل ونظيف ورومانسي..وانا استحق واحد مثله .

اذا الرجل المطوع افضل ؟
– كلا .. فهذا يعرف الكثيرات ولكن بزواج المتعة ..تجدينه يتنقل من امراة مطلقة لاخرى
ارملة بموجب ورقة يكتبها له شيخ ..واه من الشيوخ ومن ورائهم .
قاطعتها بانفعال : – لا الصايعين ولا المطوعين .. والحل ؟
– ان نتعرف على النصف الاخر جيدا قبل الارتباط به..اعرفيه وافهميه واحبيه .. علمونا ان
الرجل هو العدو علينا الابتعاد عنه وهنا مربط الفرس.
كانت كاميليا مقتنعة بان سياسة الفصل التام بين الجنسين المفروضة هي سبب المشاكل العائلية والزوجية
والحياة العامة . فالرجل لا يعرف بمن سيتزوج سوى صورة عارضة ازياء جميلة راها قبل
عقد قران . والمراة تتزوج برجل بمواصفات عنترة بن شداد وتكتشف لاحقا ان قلبه قلب
بعوضة . لقد ابعدوا المراة وهمشوها وظلموها عندما قرروا ان يكون صوتها ووجهها واسمها وعملها
ووجودها في الحياة العامة عورة .
الفصل السابع

استيقظ عماد من نومه ، صلى وبدل ملابسه وتوجه للصالة لم يجد احد . اتصل
بامه فاخبرته بانها بصحبة زوجة عمه في منزل احدى الصديقات ، وبعدها ستذهبان لمنزل عمته
فلقد رجع “عصام وريم ” من كندا فجر اليوم وطلبت منه ان ياتي لرؤية عمته
التي قرت عينيها بعودة ولديها التوام . راح يبعث في جواله وارسل لكاميليا رسالة نصية
(اصبحت الحياة في نظري جميلة منذ اعتلائك عرش قلبي ..ايامي رائعة منذ رايتك ..واصبح لعمري
ثمن غالي ) . ذهب مع ماجد الى سوق السمك فهو يحب شراء سمك الهامور
والكنعد الطازج ، ومن ثم دعه ليذهب لمنزل عمته . استقبلته عمته بعناق حار وعاتبته
على عدم زيارتها ، لكنه استطاع التملص منها بحجة انشغاله بالعمل . جلس يتحدث مع
عصام الذي استاذنه لاستقبال احد اصدقاءه ، فامضى الوقت يتحدث مع ريم مما لفت نظر
امه التي لم تخف اعجابها بريم خريجة كلية الطب من اعرق جامعات كندا.

قضى بعض الوقت في منزل عمته ومن ثم عاد مع امه التي ابدت له رغبتها
الملحة في قبول نسرين في كلية الطب ، وتذكر ردة فعلها عندما تراجع عن السفر
للدراسة في امريكا بعد مقتل علاء ، كانت غاضبة ومصدومة وحزينة ويومها اتهمت والده بانه
من حرضه على التراجع . خشي ان يتكرر الامر ولكن بصورة مختلفة قليلا فوالده يرفض
خروج نسرين من المنطقة الشرقية للدراسة .ابتسم عماد وطمانها :
– سيكون كل شيء على ما يرام .. ونسرين اجابت على اسئلة امتحان القبول بطريقة
جيدة .
تنهدت سميرة وقالت:
– لا تاخذ كلامها على محمل الجد ..لقد كانت تقول بانها تجيب على اسئلة الامتحانات
الثانوية بشكل جيد ومن ثم تكون نسبتها اربعة وثمانون بالمائة فقط ..وامل لا تفرق عنها
كثيرا .. كاميليا احرزت ثمانية وثمانون ..وسماح المشغولة بخطيبها تفوقت عليهن واحرزت ثلاثة وتسعون .

استاذن امه وصعد لغرفته ليتصل بكاميليا ردت بصوتها الرقيق ، فقال لها بسعادة لم تخلو
من العتب :
– الم تر الرسالة التي ارسلتها .
اعجبتها كلماته وشعرت بان لها موسيقى رائعة ، واكثر ما اعجبها هو اعتلائها عرش قلبه
، فسالته بدلال :
– وماهي مدة اعتلائي العرش ؟
– انت الملكة ..وهواك سلطان علي وعلى قلبي مدى الحياة ..منذ العام 1999 وحتى النهاية.

تحدثا عن بداية تعارفهما وكيف جمعت بينهما الصدفة . ضحكت وسالته ما الذي جذبه لصوتها
تلك الليلة بالذات وهي صديقة اخته منذ الطفولة .عرفها طفلة وفتاة مراهقة واحبها شابة صغيرة
تصغره بثمان سنوات . سالها اذا ما لفت انتباهها قبلا فقالت له بعفويتها المعهودة بانها
لم تفكر به كرجل يوما وربما فارق السن هو السبب . فعندما كانت طفلة كان
مراهقا ،وكبرت وهي لا تراه كثيرا رغم ترددها الدائم على منزل والده . عندما نظر
اليها تلك الليلة بتامل بان واضحا في نظراته التي اغضبتها احست بان شيئا ما قد
تغير فيها وانجذابها له كان قويا . قالت له:
– جذبتني عيناك السوداويين وقوتهما وشخصيتك الرصينة وثقتك بنفسك ..لطالما احببت الارتباط برجل رزين ولم
احلم بمن يكرني بعامين او ثلاثة ويكون مراهقا بعد .
كان يود ان يقول لها بانه يحبها لكنه وجد صعوبة في قولها صريحة ، فلم
يقلها لاحد ابدا .بدا حدثيه:
– اشعر براحة وانا اتحدث معك ..
بلع ريقه ثم قال:
– انا ..
توقف للحظات قبل ان يتم عبارته ، ثم قال:
– انا احبك.
شهقت كاميليا ولكن بصمت. شعرت بانها تحلق في السماء وتطير بغير جناحين ، لم تسمع
ما قاله لها بعد ذلك .انهت حديثها وركضت الى اختها تخبرها بالحدث الاهم . اعترف
لها عماد بحبه ، وهي الان لا تعرف ما الذي تحسه نحوه . تتوق لرؤيته
ولعناق عينيه فهو صاحب اجمل عينين سوداويين راتهما في حياتها . ربما تحبه ولكنها ظلت
تشك ولذا طلبت من ناهد الاتصال به واختباره . وعندما نجح في الاختبار بعدم قبوله
دعوة ناهد للتعارف واغلق الخط فرحت كثيرا . طارت من السعادة عندما اتصل بها يخبرها
بقدومه ليحضر لها شيئا لم يخبرها ماهيته . اختارت له وقتا يكون فيه والديها خارج
المنزل وطلبت من الخادمة ان تفتح له الباب . كانت سعيدة بهديته ، قنينة عطر
“الور” من شانيل ، وباقة من ورود الكاميليا البيضاء كتب على البطاقة المرفقة (الكاميليا ملكة
الورود وانت ملكة حياتي ..احبك كثيرا وعلى الوعد سابقى ).

شعرت بمصداقيته ونبله عندما قبلت مع صديقتها في كلية العلوم الطبية لدراسة مختبرات ، لم
تكن قادرة على التعبير عن سعادتها فقد وفى بوعده .لابد انها موعودة به وبان السعادة
ستعيشها بجانبه . شغلت المسجلة التي اذاعت لها صوت نجوى كرم في ارجاء غرفتها وراحت
ترقص بفرح امام المراة حتى تعبت .

“كنت صغيرة وكان يوصيني بيي
صرت كبيرة وعم بمشي ع الوصية
اذا بعشق ..بعشق مضبوط
ما بغلط لو بدي اموت
سموني الوفية..”

اتصلت به تشكره والامتنان يغمرها . شعرت بانها تحبه وتجرب طعما لم تذقه قبلا وتحسه
تحت لسانها كطعم العسل . لم تغمض عينيها من السعادة وظلت تتحدث مع اختها حتى
وقت متاخر ولم تنم الا بعد شروق الشمس . استيقظت ظهرا على اتصال امل تخبرها
بذهابهن الى منزل سماح لوداعها ففجر الغد تسافر . كان الوداع كئيبا وسماح حزينة وتشعر
بالنقمة على الدنيا كلها ، ابتداء باخوتها ونهاية بالمجتمع باكمله فلو عرف احد بحملها لاصبحت
حديث الناس.

الفصل الثامن

جامعة فيصل ، حلم الصديقات الثلاث نسرين وامل وكاميليا . ظلت نسرين معهما ولم تفلح
محاولات امها في جعلها تدرس الطب خارج المملكة . افتقدن سماح بعد ان سافرت مع
زوجها الى “ميتشغان” للدراسة . اصبحن ثلاثة فقط كما كن قبل ان يتعرفن عليها في
الصف الثاني ثانوي . ارتبطت بهن كثيرا خلال العامين الماضيين وما ان ابتعدت حتى خف
وهج هذه الصداقة . كانت تتصل بهن بين وقت واخر وسرعان ما تناقصت مكالماتها تدريجيا
حتى انقطعت بعد مرور ستة اشهر على سفرها .

احست كاميليا بالغربة في عالم منفتح ومختلف عن المدرسة ووجودها مع صديقتيها خفف من وطاة
هذا الشعور عليها . بدات تتغير يوما عن يوم ونسرين وامل لاحظتا تغيرها وقالتا لها
عدة مرات (نرى عينيك ترقصان يا ملعونة والسبب اما الحب ،او الهبل ). كانت تتساءل
دائما وهل ترقص العينين على ايقاعات القلب ؟ .. يا لهاتين العينين الفاضحتين والثرثارتين .
اخبرتا الجميع دون اذن صاحبتها بما حدث في ذلك القلب الصغير، لم تكونا امينتين عليها
وعلى قلبها ابدا . كانت تتساءل باستمرار ، ما الذي حدث لها وكيف غزا عماد
قلبها واقتحمه بهذه السهولة . لماذا لم تقاومه كما يقوم ابناء الوطن الاوفياء الغزاة الغاشمين
. كيف وصل لقلبها وعقلها واحتلهما ورفع راياته على حياتها بهذه السرعة. ما هي قدرة
اسلحته التي لم تستطيع التصدي لها فهو لم يستخدم غير اللطف واللباقة وجاذبيته العجيبة وعينين
سوداويين غامضتين واسرتين .

توطدت علاقتها بعماد اكثر ، واصبح يتصل بها مرتين يوميا في اليوم يخبرها عن يومياته
وعن عمله وعن حياته التي تغيرت منذ سمع صوتها لاول مرة، وتخبره هي عن دراستها
ومحاضراتها . كان يجلب لها الكتب الدراسية الغير متوفرة في المكتبات المحلية يطلبها من الرياض
او الاردن واحيانا من امريكا لاخته وابنة عمه ولها. وسرعان ما زادت عدد المكالمات وبدا
يخبرها عن حياته وافكاره وخططه المستقبلية . كانا يتحدثان عن نفسيهما وشخصيتهما . تعرفت عليه
اكثر واخبرته عن حياتها ووالديها واختيها .فهي ابنة عائلة نصف متحررة كعائلته بالنسبة لعموم مجتمع
القطيف المغلق ابو وجه ووجه ، تبيح امور ولا تغفر امورا اخرى . والدها احد
وكلاء الاجهزة الالكترونية يسمح لها بالخروج مع سائقها لاي مكان تريده وحدها او مع اختها
او مع صديقتيها حسب مزاجه . يسمح لها بكشف وجهها والتنزه في الاسواق والذهاب الى
المطاعم والمقاهي التي بدات تنتشر في الخبر و الدمام ، ولا يسالها عن مكان ذهابها
. والدها المتفتح في الكثير من الامور ، لن يغفر لها لو تعرفت على احدهم
وارتبطت به باي علاقة مهما كانت . كان يحذرها دائما من العلاقات المختلطة وخاصة بعد
التحاقها بكلية العلوم الطبية وهو مجال تحتك فيه بالرجال العاملين في الحقل الطبي،ويردد على مسمعها
هي واختها بان الذئب لا يؤتمن على الغنم ابدا . كانت دائما ما تفكر بان
والدها لو عرف بشان اتصالاتها بعماد لاخرجها من الجامعة وحبسها في المنزل .
احبت دودي (عماد) كثيرا كما تحب ان تدلله ، من شدة تاثرها بقصة حب الاميرة
ديانا والمصري عماد الفايد والتي ادت لمقتلها . لم تكن سعيدة فقط بوجوده في حياتها
، بل كانت منتشية والسعادة لا تستوعب ما تشعر به . كانت تحبه كل يوم
اكثر كلما اثبت لها صدق نواياه وجديته معها وابعد عنها طيفا من شكوكها الطبيعية التي
تنتاب اي فتاة تتعرف على شاب في مجتمع مغلق بشبكة حديدية اكلها صدا ابهرها برقته
ورجولته وتفتحه لم تستطيع غير الوثوق به وتصديقه ولم يبقى في عقلها اي نوع من
الشكوك . كيف تشك به وهو الذي ساعدها في القبول في الجامعة . وعندما اخبرته
عن بيت الاحلام الذي تريد العيش فيه ، ارادت بيت اسطوري على هيئة بنائين متداخلين
تفصلها حديقة داخلية ووافقها وذهب لاستشارة العديد من المهندسين لتنفيذ هذه الفكرة وكان مستعدا لجلب
مهندسين من الخارج لو لزم الامر.

احبته بطريقة لم تتخيلها ولا تستوعبها ولا تصدقها . لم يطرا على بالها بانها ستحب
رجلا يوما ما بهذا القدر. كانت متيقنة بانها ستتزوج من رجل تعرفه منذ ان يتقدم
لخطبتها ، وان عرفته قبلا فستراه بالصورة المثالية التي يحاول اي شاب سعودي رسمها لنفسه
. رجل طموح ومثالي يقدر المراة ويقدس الحياة الزوجية وتنكشف صورته الحقيقة المختلفة مع الوقت
. في فترة الخطوبة سيختار صورة السوبرمان صاحب البطولات الخارقة والقدرات العجيبة في الحياة والمواقف
، والشهم والنبيل والمستعد بالتضحية بحياته من اجل حبيبته .او الدون جوان صاحب العلاقات الكثيرة
ترتمي الفتيات بين قدميه وهو يختارها من بينهن كقصة حب سخيفة لم يسمع عن غيرها
في حياته . كانت تتمنى ان تحظى على الاقل بالمثالي وتحبه منذ ان يتقدم لخطبتها
كما كانت ترى البنات التي تعرفهن ، حيث يصبح اسمه الحبيب منذ اول يوم تراه
فيه . وبعد عقد القران تنشا قصة حب خرافية وغريبة بين يوم وليلة ، وترغم
نفسها على التصرف كعاشقة في فترة الخطوبة . كانت تكره صاحب البطولات المزيفة كما تكره
اللاهث وراء النساء . كانت مؤمنة بان قصص الحب الحالمة التي تشاهدها في الافلام وتقرا
عنها في الروايات لا يمكن ان توجد في السعودية وفي القطيف تحديدا.

اشد ما تكره الزواج برجل ازدواجي كغالبية الرجال الذي يظنون انفسهم حراسا للفضيلة . يثابرون
على صلاة الجمعة ، ويحرمون الغناء ، ويلوكوا عرض الفتيات كل حسب هواه ويتحكموا بلباسهن
، فمنهم من يرفض عباءة الكتف ومنهم من يرفض كشف الوجه ، او عمل الفتاة
المختلط بحجة العادات والتقاليد التي يجب ان تداس بحذاء ذو كعب عالي برايها . وما
ان يصبحوا في الخارج تجدهم يتلذذون الشرب في المراقص ، وينثرون الورد على اجساد الراقصات
، ويلعبون القمار في الكازينوهات ويرتادوا الفنادق المشبوهة ، حتى عندما يسافرون الى سوريا لزيارة
السيدة زينب نهارا تكون للسهرات والحفلات نصيب في الزيارة ايضا ولكن في اخر الليل ،
بعد ان ينام الدين والعادات والتقاليد المطبقة على النساء فقط داخل البلد .

كانت تشك بوجود حب في بلادها ، تشك بوجود مشاعر تجتاح قلب الانسان وتغير افكاره
وحياته . مشاعر قوية وغير مفهومة كالتي اصابتها منذ رات عماد في ذلك اليوم .
لم تدرك وقتها بانه الرجل الذي سيلغى كل افكارها القديمة وسيحيل كفرها بالحب الى ايمان
لا تشوبه شائبة من الشك ، فهو سحر لم تستطيع فهمه وتفسيره وفكه . وعندما
فاجاها باولى هداياه عطر “الور ” وعبرت له عن اعجابها به اصبح يضيفه لاي هدية
اخرى يجلبها . لديها العديد من زجاجات العطر واخرها احضرها في علبة انيقة ضمت زجاجات
العطر وساعة ثمينة اخرجتهما من بين اوراق الورد الملونة في تلك اللعبة . بدت متغيرة
، ساهمة وابتسامة الحب البلهاء تزين وجهها دائما ، وتتحدث طويلا عبر الجوال وكلما اتصلتا
بها صديقتها تخبرها النغمة بانها تتحدث . كانت سعيدة وتغني لفيروز دائما وهي التي تحب
نجوى كرم بصوتها الجبلي ومواويلها وعنفوانها ، وكثيرا ما سالتاها صديقاتها ان كانت تعرف احدا
، او تحب احدا ..تنفي ذلك ولكن انفعالاتها وتصرفاتها تكذبانها على الدوام . اصرت على
جعل علاقتها بعماد سرية ليكون لها طابعا خاصا . لم تخبر احدا غير ناهد التي
باركت لها هذا الحب لم ترد اكتساب سمعة سيئة كالبنات اللاتي يتفاخرن بمعرفتهن فلان وعلان
.او تسجيل نفسها في موسوعة زميلتهن سعاد الذي تجمع فيها اسم كل فتاة بخويها او
صاحبها .ارادت جعل حبها مثالا جيدا لما يجب ان يكون عليه الحب في القطيف والسعودية
، فليست كل العلاقات عبثية ومصيرها الفشل او الوقوع في الاخطاء وتجاوز الخطوط الحمراء .
كانت فرحة لان حبها طاهر وهي تغالب نفسها ولهفتها لحبيبها وترفض لقاءه في اي مكان
عام.

الفصل التاسع
يوم شتائي بارد من ايام شهر فبراير والسماء ملبدة بالغيوم وكاميليا جالسة مع صديقاتها بسعادة
في كافتيريا الجامعة المتواجدة في الطابق الثاني من المطعم . نظرت الى الطالبات وهن يتحركن
في جميع الاتجاهات ويدخلن الى المباني المختلفة بعد ان بدات السماء تلقي بالقليل من قطرات
المطر المنعشة . احتست الشاي الساخن الذي تتلذذ به شتاءا وقالت بابتسامة :
– هذا اول شتاء لنا في الجامعة ..واريد ان امشي تحت هذا المطر المنعش
– ستبتلين ..وربما تمرضين ايضا .
وضعت دفترها واقلامها في حقيبتها وقالت لهما بابتسامة وهي تنظر لنفسها في المراة بان المطر
لا يبللها . وضعت القليل من عطر “الور” خلف اذنيها ونزلت بسرعة لتستمتع بهذه الزخة
المنعشة من قطرات المطر . وحالما ابتعدت عنها شربت امل رشفة من الشاي وقالت لنسرين
بتعجب:
-لا يبللها المطر .. بعلمي انها لا تحب كل ما هو شتائي .. هي غربية
الاطوار وتخفي عنا شيئا ما .
وافقتها نسرين وذكرتها بان عماد ولد في يوم ممطر ولذا هو يحب الخروج تحت زخات
المطر الخفيفة والمنعشة دائما يقول بان المطر لا يبلله . كانت متاكدة وهي تقول :

-اصبحت الاحظ عينيها وهما سعيدتين والحب هو السبب .. ولكن تحب من يا ترى ؟..
فهي لا تطيق ابناء عمها ..حتى ناصر الذي يريد الزواج بها ..وليست لها اي قرابة
اخرى واشقاء ناهد كلهم كبار ومتزوجون ..اراهن بانها واقعة في حب احدهم .

ظلت كاميليا تتمشى وحدها والسماء ترشها بقطرات مطر خفيفة وهي تفكر بعماد وقلبها يرقص من
حبها له . كانت سعيدة ولا تجرؤ على البوح بمشاعرها الصادقة لصديقتيها المقربتين ، وتود
لو تصرخ تحت المطر بذلك دون ان يعتبرها احد مجنونة . توقفت السماء فجاة عن
انعاشها بقطرات المطر ، فنظرت الى ساعة يدها المشيرة الى العاشرة وهو وقت المحاضرة .
مشت ببطء متجهة نحو المبنى الرئيسي . استوقفتها امل ونسرين اللتين جاءتا خلفها بسرعة ،
وقالت لها امل بخبث :
– لقد تبلل شعرك ..لم اعهدك تحبين المطر هكذا !
ابتسمت وقالت وفي عينيها بريق خاص :
– انا احب المطر وكنت اتمنى لو ولدتني امي في يوم ممطر .

تبادلت نسرين وامل النظرات باندهاش ،ورفعت كاميليا شعرها البني الداكن وذهبت معها الى القاعة بعد
ان خبات صورة عماد في قلبها بدلا من عينيها حتى لا يراه احد. تذكرت كيف
كان ينظر لها عندما كانت في سيارته وصوت فيروز يصدح بسعادة ، وراحت تدندن :

– كان الزمان وكان في دكانة بالفي ..وبنيات وصبيان نجي نلعب ع المي.
فتحت ذراعها لعناق لفحة هواء باردة وهي تغني :
– لالالا لا ..لالالا لا اوعى تنسيني وتذكري حنا السكران.
تبادلت نسرين وامل النظرات باستغراب من تصرف صديقتها ، فسالتها امل :
– ومنذ متى تحبين فيروز وتغنين لها ؟.. وحنا السكران بعد .
ضحكت واجابتها :
– احبها من زمان .
ابتسمت امل وقالت بمكر :
– بعلمي تحبين نجوى كرم ..ولم تكوني تغنين غير “ما بسمحلك “و”روح روحي “ومؤخرا “عيون
قلبي” ..ستغضب منك نجوى كثيرا . ظلت كاميليا ساكتة وعلى وجهها ابتسامة غامضة ، فضحكت
نسرين وقالت:
– يا لعينة انت متغيرة وتخفين عنا شيئا ما.
وراحت كاميليا تكمل دندنتها بنشوى:
– حلوة فبيت الجيران راحت في ليلة عيد ..وانهدت الدكان واتعمر بيت جديد.. وبعدو حنا
السكران على حيطان النسيان .. عم بيصور بنت الجيران.
امسكت نسرين بذراعها وقالت :
– دعينا نذهب للمحاضرة فالدكتورة جويرية لا تتاخر ..بلا حنا السكران بلا خرابيط.

جلست في اخر القاعة وهي تردد اسم عماد في قلبها . تحبه وتراه جاد في
حبها ولا تستطيع التشكيك في صدقه، كانت تحبه كثيرا وتتساءل دائما اذا كان يحبها بالقدر
الذي تحبه هي او اقل او ربما اكثر . عماد الذي اخبرها بانه يراها حبيبية
وزوجته وام اولاده ، وشرع في بناء المنزل الذي ارادته . كانت فرحة سعيدة جدا
لموافقته على فكرتها ووعدها بتنفيذها بلا تردد.تاكدت من حبه لها وهي سعيدة بهذا الحب ودائما
تتساءل عندما تنفرد بنفسها ليلا على الوسادة (الهذا الدرجة تكون
الحياة كريمة معي فتمنحني رجلا يحبني بهذا القدر؟!..ومنذ وعده لي بانتظاري حتى انتهاء دراستي وهو
لا يتواني عن الاتصال بي والسؤال عني ومساعداتي بالقدر الذي يمكنه بعيدا عن عيون جميع
الناس . اه يا عماد .. كم انت رجل نبيل وكم احبك وفخورة بك ..
لم تتوانى عن بناء منزل الزوجية الذي اردته انا ولا روابط رسمية بيننا ..الروابط التي
يعترف بها الناس وانا متاكدة ان ما بيني وبينك اقوى من كل الروابط فبيننا حب
كبير لم اقرا عنه ولم اسمع عنه قبلا .. وهذا يكفي )

تنبهت والدكتورة جويرية تناديها وتطلب منها الاجابة على سؤال طرحته . تلعثمت وسكتت بخجل والدكتورة
تقول لها بلهجتها السودانية المحببة :
– الظاهر انك وصلت للغريقة ..وانا عمالة اشرح من الصبح وانت مو معايا .
احست بخجل وزميلاتها ينظرن اليها وهن يضحكن ، فعماد اخذ الجزء الاكبر من تفكيرها .

الفصل العاشر.
“عندي ثقة فيك.. عندي امل فيك
وبكفي شو بدك يعني اكثر بعد فيك ؟!
عندي حلم فيك .. عندي ولع فيك
وبكفي شو بدك انو يعني موت فيك ؟!”

استلقت كاميليا على سريرها بعد منتصف الليل تستمتع للاسطوانة التي اهداها اياها عماد . كانت
تفكر بما قاله لها البارحة في مكالمتها الرابعة او الخامسة او ربما اكثر فهي غير
متاكدة من عدد المكالمات بيتهما في اليوم والليلة . طلب منها اللقاء بعيدا عن اتفاقهما
بالاكتفاء بالهاتف كرابطة الوصل الوحيدة . قال لها بشوق بالغ ( ارجوك وافقي ودعينا نلتقي
في اي مكان عام كاي متحابين على هذه الارض..لن اكلك ولن اخطفك)

ترددت كثيرا ، كانت تريد لقاءه والخوف يمنعها . تخاف من والدها لو علم عن
علاقتها به فماذا سيفعل . تخاف من المغامرة والدخول في متاهة اللقاءات العاطفية ، وتذكرت
ما قاله احد رجال الدين في احدى محاضراته عن هذا الموضوع . قال بان الحب
كعاطفة ومشاعر قلبية امر مباح ، ويصبح محرما عندما يتحول الى افعال وممارسات ، كلمسة
اليد والقبلة والعناق فربما يؤدي الى ارتكاب معصية لا تحمد عقبها . كانت تريد لحبهما
ان يبقى طاهرا وحلالا بلا ريبة . ولكن بلوغ هذا الحب عامة الاول اصبح عماد
يطلب منها اللقاء في الاماكن العامة ولو مرة كل شهر ،فرؤيتها من بعيد عند باب
البيت او في السيارة لا تكفيه .
ظلت تفكر بنشوى في هذه العاطفة التي تتملكها نحو عماد وتجهل كيف بدات واثرت بها
بهذه القوة حتى اخرجها عمادها من دوامة الافكار باتصاله . اجابته وهي مستلقية على فراشها
وعينيها تتجولان في جدار غرفتها الزهرية ، قالت له بنعومة :
– كنت افكر بك.
– اخبرني حدسي ولذا اتصلت بك .
ضحكت وسالته :
– ومنذ متى حدسك يخبرك عني ؟
سكت للحظات مترددا فيما يود قوله . كان مشتاقا لرؤيتها فطلب منها ملاقاته في اي
مكان هي تريده ، واقترح عليها تناول العشاء في احد المطاعم العائلية او احد المقاهي
في الخبر فرفضت بحجة المسافة ، وعندما عرض عليها اللقاء في مطعم المجمع التجاري على
الاقل سالته بدلال :
– وكيف نذهب سويا ؟!
حاول اقناعها فراح يخبرها بان جلساته العائلية هادئة وسينتظرها في مواقف السيارات وتاتي في الموعد
ويدخلا سويا . سكتت فقال لها:
– لا تعتذري حبيبتي ..سانتظرك مساء الغد في الساعة الثامنة.
لم تنم تلك الليلة وهي تفكر بعماد وبلقائهما الاول وتخاف لو راها احد او علم
والدها باي طريقة فهو قادر على ذبحها . اوصلها سائقها قبل الموعد وجلست تنتظره في
سيارتها . كان قلبها يدق بقوة وهي تنتظره وتفكر في والدها لو عرف بانها جالسة
في هذا المكان لتواعد حبيبها ، تنتظر عمادها الذي افقدها صوابها . اقصت والدها عن
افكارها وفتحت حقيبتها واخرجت المراة وراحت تصحح الكحل الاسود ، وتضع على شفتيها احمر الشفاه
اللامع . رشت القليل من عطر “الور ” على جانبي حجابها وفي معصميها . جاء
عماد على الموعد فترجلت من سيارتها لاستقباله والدخول معه في قسم العائلات في الطابق الثاني
من المجمع. كانا صامتين وساكنين واول ما فعله هو الامساك بيدها برقة اظهرت حبه و
اشتياقه لها ، فمنذ اكثر من سنة وهو لا يراها سوى من بعيد في منزلهم
، واحيانا تمر عدة ايام لا يراها فيضطر الى انتظارها بالقرب من منزلهم ليراها وهي
تهبط من السيارة وتدخل متظاهرة بعدم رؤيتها له.تذكرت كلام الشيخ ، وارادت ان تبعد يديها
عن يديه ولكنها لم تستطيع . شعرت بانها معه مسيرة لا مخيرة . قال لها
بابتسامة :
– انا احبك كاميليا.. وسعيد جدا لوجودنا معا.
اكتفت بابتسامة خجولة فقال لها وعينيه السوداويين تتفحصان وجهها بشوق:
– انت جميلة جدا .
وبصوت منخفض وخجول قالت:
– دودي ..وكانك تراني لاول مرة .
كانت هذه اول مرة يراها بهذا القرب بعد سنة وعدة اشهر . بدت عينيها ذابحتين
والكحل يعطي نظراتها عمقا خاصا . توقفت عن الكلام للحظة والابتسامة تعلو وجهه ثم قال:

– عندما سمعت صوتك لاول مرة رسمت لك صورة مختلفة ..وعندما عرفت بانك كاميليا تذكرتك
وانت طفلة ..انت الان اجمل بكثير . استرسل في غزله:
– وحبة الخال في زاوية فمك تقتلني .. انت تبدين كقطعة سكر .

هددته بدلال بانه ستخرج من المطعم اذا واصل كلامه وغزاله الذي لم يفتعله ويقوله بتلقائية
.. سكت وهو يتفحص وجهها الحبيب بلهفة ، ويمسك بيدها بحب ورقة ، وعندما رفع
يده وقربها لشفتيه ليقبلها ، سحبت يدها فهذا ما كانت تخشاه . لمسات وقبلات ويصبح
الحب الطاهر الذي تتفاخر به نوع اخر . قال لها بابتسامة :
– حتى لو لم تسمحي لي بطبع قبلة على يدك الناعمة فانا اضمك واعانقك بعيني.

وجاء النادل يجلب لهما الكولا المثلجة وقطعتين من الكعك . بسط عماد يده على الطاولة
فامعنت النظر ليده ولفت نظرها اصبعه الخنصر المزين بخاتم فضي به حجر احمر اللون .
سالته :
– خاتمك جميل .. ما لسم هذا الحجر الكريم ؟
اجابها وهو يحرك خاتمه المزين بالياقوت الاحمر الذي يلبسه دائما ويتفاءل به، ويعتقد بانه يقوي
القلب ويعدل المزاج كما قال ارسطو فطلبت منه بدلال واحد مثله . ابتسم وقال:
– غدا اذهب لزوج عمتي فهو تاجر مجوهرات كبير والاحجار الكريمة تخصصه وساشتري لك اجود
حجر ياقوت واصوغه خاتما جميلا ليدك الحبيبة .
وبمزيد من الدلال اكملت :
– اريده في خنصر يدي اليمنى ليتصل بخاتمك واحدثه ويخبرني عنك.
ضحكت واردفت ممازحة :
– وليتجسس عليك وينتقل لي اخبارك ايضا .
قال لها بحماس :
– امهليني يومين فقط ويكون الخاتم على باب منزلك.
ضحكت وقالت :
– شكرا..

طلب منها ان لا تشكره فلها فضل كبير عليه . اصبحت حياته جميلة منذ ان
سكنت فيها ،واصبح ينام دون ان تبتلعه دوامة الافكار والتفكير في الماضي والهموم والاحزان .
عندما يضع راسه ليلا على الوسادة لا يفكر الا بالمستقبل وهي بجانبه . ضحك واردف
:
– اتخيل نفسي انام على سرير وانت بقربي وبعد دقائق يبكي احد اطفالنا ..واحيانا اتخيل
نفسي عائدا من الشركة وانت في استقبالي.
اغمضت عينيها للحظة وفتحتهما عندما اودع يديها بين يديه ورجف قلبها وهو يضغط عليها ،
وسالها بابتسامة وهو يلثم يديها بشفتيه :
– كم طفلا ستنجبين لي؟
اخرجت يديها من بين يديه بلطف ،وقالت له بانها تتمنى ان تنجب ثلاثة صبية وجميعهم
يشبهونه ولهم عينيه السوداويين وشعره الفاحم الحريري ، وشخصيته الجذابة ولطفه ولباقته . ابتسم ومرر
اصابعه في شعره وقال:
– انا اريدهم فتيات ليشبهنك.. ولهن عينيك الذابحتين ورقتك .وساكون اسعد رجل في الدنيا اذا
استيقظت من النوم ورايتك مباشرة والصغيرات يلعبن هنا وهناك.
ضحكت وسالته :
– والحل ؟.. بنات ام صبيان .
– ثلاث بنات وثلاث صبيان لنتعادل.
ضحكت وهي تقول له بان هذا مستحيل . كان مفتونا بها وهي تضحك امامه وتتحدث
ولم تشعر بالوقت وهو يمر بسرعة . وعندما اتصلت بها اختها تعلمها بضرورة عودتها الى
المنزل ، استاذنته . خرجا سويا من المطعم وكانهما زوجين او خطبين امام الناس ،
وخارج المجمع افترقا . ركبت سيارتها وذهبت، وركب سيارته ومشى خلفها الى ان وصلت الى
بيتها بسلام.

*****
ظلت ذكريات اللقاء الاول بكل لحظاته الجميلة في ذاكرة كاميليا ولا تريد لها مفارقة خيالها
. صورة عماد وعينيه ويده القوية وكلماته وحبه . بعد ليلتين احضر لها الخاتم مصحوب
بالورود البيضاء وعطر ” الور ” وضعت الخاتم في خنصر يدها واتصلت به تشكره فهذا
الخاتم هو اثمن هدية تلقتها في حياتها . استلقت على السرير وهي تحدثه والسعادة تغمرها
. اغمضت عينيها وقلبها يخفق بقوة وهي تستمع لصوته وهو يقول لها بانه يحبها حتى
الموت . فتحت عينيها ووجدته بجانبها وعلى سريرها في غرفتها الزهرية والشموع المضاءة في كل
زاوية .ظلت ساكتة بذهول ويده تلثم وجهها . كانت يده ففي اصبعه خاتمه الياقوتي ،
وعينيه السوداويين هما نفسهما .ارادت ان تساله كيف دخل اليها وهي في منزل والديها ولم
تستطع . ظلت ساكتة ولم تنبس ببنت شفة وعماد يقترب منها اكثر.اصبح قريبا ، وتشعر
بدفء انفاسه ، وتستنشق عطره ورجولته ولطفه . مد يده اسفل وسادتها واخرج منها تفاحة
. ظلت ساكتة بذهول وهو يقربها لشفتيها ويدعوها لتاكل منها . عندما نطقت وحذرته بانهما
سيطردان من الجنة . لم يبالي ودعاها مجددا لتاكل منها ، فرضخت لطلبه .قضمت التفاحة
وهو يقضمها من جانبها الاخر ، وفجاة احست بانها تهوي من السماء السابعة . صرخت
بقوة واستيقظت فزعة . لم تجد عماد بجانبها ولم تجد الشموع في غرفتها فلقد كان
حلم .

الفصل 11

سنتين من الصدفة والوعد انقضتا واواصر الحب تقوى وتكبر بين كاميليا وعماد ، الان هو
يحبها اكثر ومتعلق بها اكثر ويريدها قريبة منه على الدوام . يريد ان يلقاها باستمرار
ليبثها حبه وشوقه ، لكنها ترفض وتطلب منه الاكتفاء بوصل الهاتف بعد اللقاءات المعدودة لهما
في مطعم المجمع التجاري على فترات متباعدة .
لم يلتقيا منذ ما يزيد على شهرين عندما لمحت كاميليا احدى زميلاتها تدخل المطعم الذي
كانت فيه مع عماد وخافت بان تكون قد راتها معه فهي تخشى على حبها ان
تشوبه شائبة ،او تنالها تهمة او شائعة في شخصها او سمعتها . تخاف ان تلوكها
افواه القطيفيين المعتادة على مضغ الفتيات وبصق شرفهن ، فالمجتمع بمجمله مهما اختلف تياراته وثقافته
مجتمع فضائحي وهذه القصص لها نصيب كبير في احاديثهم ومناقشاتهم واجتماعاتهم فليس لديهم ما يتحدثون
عنه سوى الحديث عن الناس والفتيات خاصة .
طلب منها ملاقاته ليقدم لها هدية بمناسبة عيد ميلادها ، ورفضت فاضطر لوضع الهدية في
كيس ورقي انيق ووضعه امام باب منزلها عصر ذلك اليوم وتسللت هي واخذتها دون ان
يلحظها احد . كانت الهدية عبارة عن زجاجة عطر”الور”وقرطين ماسيين رائعين ، جعلاها تعيد التفكير
بلقائه في اي مكان عام من جديد.
عرض عليها اللقاء في القلعة الترفيهية فرفضت ، فلقد سمعت الكثير من القصص التي تحدث
هناك ، اتفقا على الذهاب الى المطعم التجاري . استمتعت بشرب العصير وهو يحدثها عن
البيت ، واخرج لها كتالوج جلبة من محل الادوات الصحية لتختار السيراميك واطقم الحمام والمغاسل
. اختارت ما اعجبها وقالت له:
– سيصبح البيت تحفة فنية فخمة .
هز راسه وقال بثقة :
– هذا ما يقوله المهندس ايضا .. لقد عرض علي فكرة استقدام رسام ايطالي ليرسم
لوحات جميلة في اسقف المنزل بالكامل .. ما رايك بالفكرة ؟
– مدهشة .. ولكنها مكلفة بالتاكيد .
– انا عماد الغانم .
– بدات تتفاخر بعائلتك !
ضحك وقال:
– من حقي ان اعيش بسعادة مع قطعة السكر التي احبها في بيت يليق بها
ويرضيها .
ضحكت وهو يخبرها بانه سيشتري جميع اجهزة المنزل من محلات والدها المنتشرة في المنطقة الشرقية
. ثم اخبرها بنيته شراء مزرعة فلطالما احب الطبيعة والهدوء , والمزرعة ستصبح مكانا جيدا
للاستجمام والضيافة . تلفتت لساعتها فقد اتفقت مع امها ان لا تتاخر فهي استاذنتها بالخروج
الى القرطاسية لنسخ محاضرة هامة للامتحان .
عادت لبيتها واضاءت الشمعة المعطرة وادخلت شريط نجوى كرم في المسجل ، وبدات نجوى تصدح
بصوتها ..
” يا عيون قلبي كيف بدي نام
لمحة بصر هالعمر واللي بحب ما بينلام
هالكون صار صغير حملني حبيبي وطير
على عالم تاني يكون كلو غرام ”

ظلت تفكر بعماد وهي ممسكة بالمحاضرة وتعرف بانها ستحصل على علامة منخفضة فهي ساهمة طوال
محاضرات الكيمياء الحيوية وخصوصا عندما تلقي المحاضرة الدكتورة منى بهدوئها الغريب فتنام احيانا ، واذا
ظلت مستيقظة فيكون عقلها وتفكيرها معه.

*****
اشترى عماد مزرعة في “الجيش” احدى قرى القطيف الجميلة . كانت مزرعة ببعض انواع النخيل
كالخلاص والخنيزي والغرى ، وعدد من شجر الكنار واللوز واشجار الليمون والكثير من اشجار الزينة
. بها استراحة مجهزة بغرفتين نوم وحمامين ومطبخ صغير ومجلس كبير به جلسة عربية انيقة
وغرفتين للحارس والعاملين . بها اسطبل صغير للخيول كان صاحب المزرعة الاول يربي فيه ثلاثة
خيول عربية اصلية اشتراهم مع المزرعة وقرر الاشراف على تربيتهم والعناية بهم واكتساب هواية جديدة.
اصبح يقضي وقت فراغه في المزرعة بهدوء وبعيدا عن الناس والعمل ، وينام هناك نهاية
الاسبوع ويتمتع بامتطاء الخيل والعناية بهم رغم كونه لم يفعل ذلك قبلا ، وكثيرا ما
يزوره ماجد ويتسلى معه . تغيرت حياته الرتيبة ، اصبح فيها امراة يفكر بها على
الدوام ، يحبها ويرى فيها زوجته وشريكه في مشوار الحياة ، وعمله وهذه المزرعة التي
يستريح فيها نهاية الاسبوع .

ذات نهار ربيعي مشمس جلس في استراحة مزرعته يراقب الحقول عبر النافذة والعمال يقومون بري
الاشجار والمزروعات في الصباح الباكر من يوم الجمعة ، وتناول فطوره الذي اعده بنفسه ،
فاصوليا حمراء مع الفلفل الاسود وعصير الليمون والخبز وعددا من حبات الرطب التي قطفها بنفسه
. شعر بالهدوء وقمة التصالح مع نفسه واصوات الطيور هي وحدها المسموعة في هذا المكان
البعيد عن ضوضاء المدينة . خرج يتمشى بين اشجار الليمون وهو يفكر في السنتين اللتين
انقضتا سريعا ، سنتين من الانجازات على الصعيدين العاطفي والعملي .ظل يفكر بكاميليا التي كانت
منذ البداية حافزا مهما له في كل جوانب حياته ، جعلته متفائلا وسعيدا ولا يهدا
ليلا ونهارا من العمل والتخطيط والتفكير بالمستقبل ، وكما يقول الجميع بانه رجع لسابق عهده
ولكنهم لا يعرفون السبب.

احس بشوق كبير لصاحبة الصوت الرقيق . ظل ينتظر الوقت ليتقدم اكثر ويتصل بها ،
وعندما اشارت الساعة الى العاشرة اتصل بها ليقول لها عما يشعر به في تلك اللحظة
. رن الهاتف الرنة الاولى والثانية والثالثة والرابعة وبعد الخامسة استيقظت من نومها واجابته .
قال لها بشوق :
– احبك كثيرا .. ولا اعتقد بوجود رجل على الارض يحب امراة كما احبك انا
.
ضحكت بسعادة وقالت وهي تتثاءب:
– صباح الخير دودي.
– صباح النور يا قطعة السكر ..انا جالس وحدي في المزرعة وليس لدي ما افعله
غير التفكير بك.
عاتبته بدلال لانها تعرف بان عائلته ستذهب لزيارته في المزرعة ولم يدعوها ، واغلقت السماعة
بعد ان طلبت منه ان ينتظر قدوم نسرين فستجلب له رسالة منها . ظل ينتظر
والديه واخته في المزرعة على احر من الجمر ويحصل على رسالتها . اراد ان يتحايل
على الوقت ليمر بسرعة فاشرف على العمال وهم يضعون ثمار الليمون والرطب الناضجة في صناديق
فلينية لياخذها معه مساءا ويوزعها على عائلته ، ثم ذهب لاسطبل الخيول وامتطى احب هذه
الخيول الى نفسه ، الخيل الاصلية السمراء اللون بشعر وذيل اشقر وراح يتمشى في ارجاء
المزرعة .

في الواحدة ظهرا لمح سيارة والده العائلية تدخل من بوابة المزرعة ويقودها السائق فاتجه نحوها
. حيا والديه الذين نزلا من السيارة ولمح كاميليا جاءت بصحبة نسرين وامل ولم يكن
مصدقا بانها فعلا امام عينيه فهي لم تخبره بقدومها عندما اتصل بها صباحا .
ارتسمت الابتسامة على وجهه وهو يحاول ان يخفي اثر المفاجاة السارة ، وبسرعة نزلت كاميليا
وهي تخفي عينيها بنظارتها الشمسية ومرت بجواره دون ان تلتفت اليه . لم يكن مستغربا
من قدومها مع عائلته فهي صديقة مقربة لاخته ولابنة عمه ولكنها تعمدت عدم اخباره.اقتربت منه
امل ونسرين تتحدثان معه وتطلبان منه ان يساعدهما على امتطاء الخيل لاحقا ، واقتربت منهم
كاميليا وهي مازالت تتحاشى النظر لعينيه دخلن الاستراحة بينما هو يتحدث مع احد العمال ،
وامه مع الخادمة تستعدان لتجهيز الطعام .

جلسوا سويا على الارض حول السفرة لتناول الطعام كبسة اللحم ، ونسرين توزع صحون السلطة
، وعماد يقطع البطيخ وكاميليا تسترق النظر اليه . لم تاكل كثيرا واكتفت بعدد قليل
من ملاعق الارز ، ومن ثم اكلت السلطة والبطيخ .اعد عماد الشاي وسكب للجميع .
شرب وهو يتحدث مع والده الذي احتسى كوبه ونام مباشرة . استند عماد على احد
المساند ممدا رجليه على الارض ، وممسكا بالجريدة وعينيه على كاميليا الجالسة بين امه واخته
وابنة عمه يتحدثون بصوت منخفض ، فظنهن يتحدثن بامور نسائية لا يجب ان يسمعها ،او
حش (نميمة) من الوزن الثقيل على احد . نهض وخرج من الاستراحة وعيني كاميليا وراءه
، فلحقت به امل تطلب منه ان يحضر الفرس ويساعدهن في ركوبها

خرجت كاميليا مع نسرين وامل خارج الاستراحة ينتظرن قدوم عماد، لكنها احست بالغيرة من امل
لقربها من عماد وهي تمازحه وتحدثه عن الفارسية . ولا تعرف كيف طرا ببالها لحظة
بان امل تحمل في قلبها عاطفة ما نحوه ، وربما تحبه ايضا وتتمنى الزواج به
. اقترحت على صديقتيها المشي بين اشجار الليمون المتقاربة .ارادت الابتعاد عنه حتى لا يرى
وجهها واثار الغيرة واضحة عليه .غطت عينيها بنظارتها الشمسية عندما احست بدمعه تتارجح على رمشيها
، وعندما سمعن صهيل الخيل خرجن من بين الاشجار ووقفن عند نخلة متوسطة الطول وجاء
عماد . امتطت نسرين الفرس بمساعدة عماد ، وابتعدا تاركين كاميليا تتحدث مع امل ،
وبعد دقائق عادا لنقطة الانطلاق حيث نزلت نسرين واقتربت امل من الفرس وركبت وسار عماد
معها .

ابتعد تاركا كاميليا تغلي غيرة لا تستطيع الافصاح عنها ، فهي لا تريد احد ان
يقترب منه .اخذت نفسا عميقا وهي تقول في سرها ( هذا الرجل لي ولا اسمح
لاحد ان يقترب منه) ، وبعد دقائق عادات امل وعماد خلفها ممسكا بلجام الفرس .
دعتها لركوب الفرس فاجابت بنبرة غاضبة بانها لا تحب الحيوانات . قالت جملتها واستدارت لنسرين
وامل وطلبت منهما المشي بين الاشجار، وذهبن مبتعدين عن عماد الذي امتطى الفرس واتجه للاسطبل
ثم عاد الى الاستراحة ليجلس بصحبةامه .وعندما بدات الشمس تستعد للغروب استاذنها للخروج لرؤية الشمس
وهي تذوب بين احضان السماء ، كان يعشق غروب الشمس ومنظر شروقها ويرى فيهما اعجازا
الهيا كبيرا . خرج يتمشى ببطء ويراقب الشمس الغاربة وتفكيره محصور بكاميليا . احس بان
حبه لها ليس عاديا وبان قلبه الصغير يحمل
حبا كبيرا ولهفة يشعر بها للمرة الاولى في حياته . تمنى لو يصرخ باسمها ويسمعه
الجميع ويعرفون بحبه، تمنى لو يذهب اليها ويضمها بين ذراعيه لتذوب بين احضانه كما تذوب
الشمس بين احضان السماء امام اعين الناس جميعا بدون خجل .

عاد لمنزله بعد يوم ممتع قضاه في مزرعته وما اسعده اكثر هو المفاجاة السارة التي
اعدتها له كاميليا عندما جاءت مع عائلته . تناول عشاءه مع والديه وصعد لغرفته وبدا
يستعد للنوم ، وقبل ان ينام امسك بالهاتف ليحادث كاميليا ، كان يريد اخبارها بانه
غارق في حبها حتى اذنيه ، لكن لهجتها في الحديث بدت متغيرة . لم تكن
قادرة على منع نفسها من الشعور بالغيرة رغم اقتناعها بان عماد وامل كالاشقاء تماما .
اخبرته بذلك وطمانها واكد لها بان امل مثل نسرين وندى تماما واستسلم للنوم بعد حديث
طويل . استيقظ خائفا قبل شروق الشمس بلحظات عندما راى كاميليا في المنام تتمشى على
شاطئ البحر والامواج تفصلها عنه وهي تهرب من رجل بشع المنظر ،كانت تناديه وتطلب مساعدته
وهي تبكي بحرقة وهو لا يستطيع مساعدتها وبعدها سقطت الحجارة من فوقه . بلع ريقه
وتعوذ من الشيطان ونهض من السرير وشرب كوبا من الماء وعاد الى سريره مجددا وهو
يفكر بهذا الحلم الذي يراه للمرة الثالثة ويتكرر بنفس تفاصيله .
الفصل 12

استيقظت كاميليا من نومها قرابة الخامسة عصرا ، غسلت وجهها بالماء البارد ووضعت الكريم المرطب
برفق. كانت تنتظر اتصال عماد بعد ما ينتهي من زيارة المهندس المشرف على التصميم المنزل
داخليا . اخرجت من حقيبتها محاضرة مادة الاحياء الدقيقة وبدات تقراها وهي تتذكر صورة الدكتور
عبد الرحمن وهالة الرعب التي يحيط بها نفسه . كان يخيفهن ويهددهن بانهن لن يتمكن
من الاجابة على اسئلته في الامتحان ، وحالما رن هاتفها وعماد هو المتصل القت المحاضرة
جانبا واجابته . اخبرها باتفاقه مع المهندس في تاثيث المنزل بطابع ايطالي كلاسيكي بفخامة فوافقته
. حدثا ككل يوم وطلب منها ملاقاته فاعتذرت برصانة وذكرته بانهما يعيشان في القطيف وليسا
في باريس . سالها عن الفرق بين الحب في القطيف وباريس ، فاخبرته بان الفرنسيين
هم اكثر شعوب الارض حرية في التعبير عن مشاعرهم ، والسعوديين اقلهم . لم يقتنع
بكلامها فالحب بالنسبة له لا يتاثر بالجنسية . قالت له بعفوية:
– لقد زرت باريس مرة وانا في المرحلة المتوسطة وذهلت عندما رايت عاشقان يتطارحان الغرام
تحت ظل شجرة في احدى الحدائق وودت لو طلبت لهما الشرطة .
لم يكن عماد يحب السفر كثيرا . زار القاهرة وسوريا وبيروت مع عائلته ، وقبرص
واثينا في طفولته .اصبح السفر مع عائلته هو الافضل بالنسبة اليه ، فسمعة الرجال السعوديين
الذين يسافرون لوحدهم بالخارج سيئة ويعتبرها تهمة لا يريد ان تلتصق به ، كان يذهب
الى دبي للمشاركة في الاستثمارات العقارية والمالية بين وقت واخر.سكت للحظات وتذكر الموضوع الذي كانا
يتحدثان به قبل الحديث عن السفر ، فسالها:
– ولماذا لا تودين لقائي ؟
بلعت ريقها وقالت:
– هربا من عيون المتلصصين ..فهم .. يعتقلون الحب .. وربما يغتالونه ايضا .
سكت للحظة وهو يفكر بما قالته واحس بان عبارتها قاسية ، واكملت :
-انها الحقيقة ولذا اريد ان اجعل حبنا سرا .. يقولون بان اصعب حب هو الذي
لا تستطيع البوح به .. في مدينتنا هو عيب وقلة ادب وعلينا ان نخفيه .

فلحت هذه المرة في التملص من لقاءه برغم اشتياقها اليه . تريد من هذا الحب
ان يكبر اكثر ويبقى حرا وطاهرا ونقيا . لا تريده كالحب الذي تسمع عنه .
شاب مراهق يلقي برقم هاتفه في ورقة على مجموعة فتيات واي واحدة تلتقطه وتحادثه تكون
حبيبته .او حب فتاة تعجب بشاب يدرس معها كما يحصل لزميلاتها وتختاره حبيبا وتبدا قصة
حب بائسة تحسدها عليها طالبات الاقسام النظرية وكليات البنات اللاتي ضاعت من بين ايديهن فرصة
التعرف بشاب قد يصبح زوج المستقبل . حبها لعماد مختلف فلقد التقت عيونهما وارواحهما في
نقطة واحدة ، كنقطة التقاء السماء بالبحر .

كان عماد في طريق عودته الى المنزل عندما اتصل بكاميليا مباشرة واخبرته بانها ستذهب مع
شذى الى المكتبة لشراء جهازي كمبيوتر محمول لكل منهما . عرض عليها فكرة الذهاب الى
هناك ليراها فرفضت لانها ستمر بنسرين وستذهب معها . تنهد واكتفى ببعض التوصيات بشان مواصفات
الجهاز المناسبة وانهى المكالمة وفكرة الذهاب لرؤيتها هناك تداعب تفكيره . سيذهب واذا راته نسرين
وسالته سيلفق لها اي اجابة . حسم امره وذهب الى المكتبة الواقعة في كورنيش الدمام
.اوقف سيارته في الموقف ودخل متجها بسرعة لقسم الكمبيوتر.
بحث عنها بعينيه وهو يصطنع النظر باهتمام لبعض الاجهزة المعروضة وينتقل من جهاز لاخر حتى
وجدها وهي تتحدث مع احد الموظفين الفلبينيين وبصحبتها نسرين وشذى . اقترب منهن اكثر وراح
يسال احد الموظفين عن برنامج حماية جيد للكمبيوتر . التفتت كل من نسرين وكاميليا له
في اللحظة ذاتها ابتسم وهو يتصنع المفاجاة . سال اخته اذا ما كانت بحاجة لشيء
ما فاخبرته بانها جاءت من اجل كاميليا التي اشاحت بوجهها عنه وذهبت مع اخته لقسم
المحاسبة . اشترى البرنامج الذي سال عنه ودفع ثمنه وخرج دون ان يحظى بكلمة او
نظرة.
عاد لمنزله وجلس على مكتبه وهو ينتظر اتصالها . لم ينم كالمعتاد ولم يقرا جريدته
وظل ينتظرها . اتصلت به في التاسعة ووبخته للحاقه بها فهو لم يجد فرصة مناسبة
ليكلمها وسرعان ما هربت منه عندما راته . اعتذر منها فهو لم يتمكن من لجم
عنان نفسه عن الذهاب الى المكان الذي توجد فيه ليراها ولو للحظة .اخبرها بانه يحبها
ومستعد لرؤيتها حتى لو كانت ثانية واحدة . ظل يتحدث معها حتى نام دون ان
يتناول غذاءه وعشاءه .
الفصل 13

تمددت كاميليا على سريرها في غرفتها المظلمة ، ونور الشمعة المعطرة برائحة الخزامى تبعث بضوء
خافت ورائحة عطرة تركت اثرها في ارجاء الغرفة . كانت تفكر بعماد وكيف ستسافر عنه
وتتركه لاسبوعين . تمنت لو ان هذا السفر يلغى لاي سبب. تمنت لو يتاخروا عن
موعد الطائرة وتقلع عنهم لتبقى هنا ولا تبتعد عنه ابدا ، حتى ولم تراه فيكفي
بان تحسه قريبا منها وتجمعهما مدينة واحدة . لم تتخيل انها ستسافر خارج البلاد بعيدة
عنها وتفصلها عنه الاف الاميال ، وكيف ستقضي اربعة عشر يوما في مدينة العشق والرومانسية
وحبيبها بعيد عنها . ستحسد باريس بالتاكيد وعشاقها ياتوها من كل مكان وهي وحيدة ومن
تحبه سيبقى بعيدا عنها . احست تلك الليلة بانها لا تحبه فالحب قليل ، وهي
تعشقه ومجنونه بهواه لدرجة لا تصدقها .

تلك الليلة بالذات اقرت واعترفت بخشوع وطمانينة امام نفسها وامام شمعة التي تراقص لهيبها بسبب
لفحات هواء المكيف بانها تحب عماد بشكل يخرق حدود الطبيعة . حب هي لم تتوقعه
ولم تفكر به . حب خارج عن المالوف كمن تحبه تماما فهو رجل غير عادي
في كل شيء ، بتفكيره وباخلاقه ونبله . ظلت تنتظر اتصاله وهي تعد الساعات المتبقية
لها قبل ان تقلع الطائرة في التاسعة صباحا . ظلت تنتظر اتصاله والوقت يتقدم والشمس
توشك ان تشرق . نهضت من سريرها ورفعت ستارة نافذتها لتنظر الى الشمس وهي تبعث
نورها تدريجيا على كل الدنيا.وعندما فقدت الامل في اتصاله بها امسكت بهاتفها واتصلت به عدة
مرات ولم يجبها . تساءلت اذا ما كان نائما ، ولكن كيف يستطيع النوم بدون
سماع صوتها وخصوصا انها مسافرة للخارج .

رجعت الى فرشفها وظلت تتقلب وهي تراقب الشمعة التي بدات تذوب تدريجيا . احست بقبلها
يذوب مثلها والقلق بدا يزداد في نفسها .. تتساءل عن سبب عياب عماد وعدم اتصاله
وهو الذي لم يفعلها يوما . ثلاث سنوات وهو يتصل بها صباحا ، وبين المحاضرات
، وبعد عودتها من الجامعة وقبل ان تنام .

ظلت يقظة حتى استيقظ الجميع فرحين بالسفر لقضاء اجازة الصيف في باريس بعد انقطاع السفر
منذ خمس سنوات . جاءتها الصغيرة هديل تدعوها لتناول الفطور معهم . لم تكن كاميليا
قادرة على التفكير بالاكل وهي لا تعرف عن عماد منذ الامس . ذهبت الى غرفة
شذى بقلقها ، وقالت لها والدموع مترددة في الخروج من عينيها المتعبتين من السهر :

– هذه المرة الاولى التي يتصرف معي بهذه الطريقة ..انا خائفة ولا اعرف ما الذي
حدث له ؟..اخشى ان مكروها قد اصابه.

اقترحت شذى عليها الاتصال بنسرين فاذا كان عماد مصابا باذى لا سمح الله ستخبرها ،واتصلت
بها وردت عليها بمرحها المعتاد واخبرتها بانها في المنزل تشاهد فيلما مع امل . تمنت
لو تسالها عن عماد لتطمان عليه ولكنها لا تستطيع فهي لا تعلم شيئا عن علاقتها
به . مضت الساعة الاخيرة بسرعة وبدات تستعد للخروج وهي تنتظر لهاتفها كل حين لتتاكد
من عدم وجود مكالمات لم يرد عليها ، فربما اتصل بها عماد وهي لم تنتبه
. ركبت السيارة وتوجهوا الى مطار الدمام وبدا والدها باجراءات السفر وهي وامها واختيها جالسات
على المقاعد ، وفجاة رن هاتفها فاخرجته بسرعة من حقيبتها الا ان المتصلة كانت امل
. تحدثت معها ومع نسرين وبدات تنتظر اتصال عماد فقد كان اخر حديث بينهما عصر
الامس .

ذهبت مع عائلتها الى صالة المسافرين وجلسوا ينتظرون موعد ركوب الطائرة ، وهي مازلت مشغولة
الفكر فاخرجت هاتفها ولتصلت بعماد لم يرد ايضا . ركبت الطائرة وجلست بجانب شذى في
الجانب ايمن من الطائرة ، والديها وهديل في المقاعد الوسطى ، وبدا المضيف بطلب من
الركاب ربط احزمة الامان واغلاق جميع اجهزة الجوال ، فاغلقت هاتفها مرغمة بعد ان يئست
من اتصال عماد

مضت ساعة على اقلاع الطائرة وكاميليا مازالت قلقة وتفكر بعماد وتحاول ايجاد مبرر لتصرفه الغريب
معها ، وبعد قليل جاء المضيف يوزع عليهم سماعات الاذن والصحف فاخذت منه نسخة من
جريدة اليوم علها تمنع نفسها من التفكير ولو قليلا . قرات الصفحة الاولى فقط ووضعتها
في جيب الكرسي الذي امامها . وضعت سماعة الاذن وراحت تتسلى بسماع الاغاني ، وعندما
بثت اغنية السيدة فيروز ، تذكرت عماد الذي فاجاها بهذا الجفاء . دعت ربها ان
يكون بخير ونذرت بالاستغفار الف مرة ان كان عماد يخير ولم يهجرها .
” بعدك على بالي يا قمر الحلوين
يا سهر بتشرين يا ذهب الغالي
بعدك على بالي يا حلو يا مغرور
يا حبق ومنتور على سطح العالي”

تذكرته رغما عنها والدمعة الحائرة مازالت ترقص بين رمشيها حتى غفت ، واستيقظت على صوت
شذى وهي تعلمها بنزول الطائرة في مطار بيروت قبل اكمال الرحلة الى باريس. امضت ساعتين
مع عائلتها في صالة الانتظار بالتفكير والقلق بعكس اختها التي ظلت تبحث عن فنان او
فنانة للتصوير معهم .جلست ساهمة وافكارها في القطيف تسال عن عماد وعن سبب الجفاء المفاجئ
. هبت مسرعة من مقعدها واختها تقترب منها وتقول لها بانها رات نجوى كرم في
صالة كبار الشخصيات ، وابتسمت والديها واختها يضحكون عليها فلقد شربت المقلب بسهولة . مضت
الدقائق الاخيرة وهاهم الان يستعدون لركوب الطائرة من جديد متجهين الى باريس . دخلت الطائرة
واعطت المضيفة تذكرة الصعود لتدلها على مقعدها . مشت قليلا الى الداخل راته يجلس في
مقعد خلفها باربعة مقاعد ينظر اليها بابتسامته وبجاذبيته وسحره . لم تكن مصدقة بانها تراه
الان في الطائرة بعد طول الانتظار والقلق والحيرة والخوف من اصابته بمكروه . تمنت لو
تضربه باي شيء بعد ما فعله لكنها لا تستطيع حتى اطالة النظر له والديها بقربها
. كانت تريد ان تعرف كيف لحق بها ولماذا لم تراه في مطار الدمام .
لم تعرف بانه كاد يجن عندما لم يراها وعائلتها على متن الطائرة المغادرة من الدمام
فلقد اراد ان يفاجئها وخاف ان ينقلب السحر على الساحر . ظل قلقا وتنفس الصعداء
عندما لمحها في صالة الانتظار في مطار بيروت بعد ان خفت زحمة المسافرين .

هبطت الطائرة في مطار ” شارل ديغول” في باريس ، وركبت كاميليا مع عائلتها في
سيارة اجرة متوجهين للفندق وكانت الشمس توشك على الغروب . تشتت نظرها بين باريس المفعمة
بالحركة والممتدة على ضفاف نهر السين الذي يقسمها لضفتين ، وبين عماد الذي يتبعهم بسيارة
اجرة اخرى. خافت ان ينتبه لها والدها ، فسخرت عينيها للنظر الى شوارع باريس الفسيحة
ومعالمها السياحية وجسورها ومنتزهاتها وابنيتها الفخمة والعريقة . وصلت مع عائلتها الى “فندق كوست” القابع
في شارع ” سانت اونوريه ” الواقع على مسافة قصيرة من ساحة ” الفاندوم” الانيقة
في ذلك الحي المحاط بالمتاجر الفخمة .

دخلت الى الجناح الذي حجزه والدها والمكون من صالة وغرفتين نوم وشرفة صغيرة تطل على
الشارع . رتبت ملابسها في الدولاب مع شذى وفرحتا لان هديل ستنام مع والديها ولن
تزعجهما . كانت تريد الاتصال بعماد لتتحدث معه ولتعرف اذا ما كان سيقيم معهم في
الفندق ذاته فهي لمحته وهو ينزل حقيبته من سيارة الاجرة ويتوجه الى موظف الاستقبال .
ظلت مع اختها تتحدثان في غرفتهما حتى اتصل بها عماد . كادت تطير من الفرح
وهي تسمع صوته ، قال لها بدفء بانه فعل المستحيل لكي يكون قريبا منها ويقطن
في الغرفة الملاصقة لجناحهم . ضحكت بدلال وقالت له:
– فاجاتني .. وحتى هذه اللحظة لست مصدقة بانك معي في باريس .
– جئت لاعلن لك حبي.. ومن اعلى برج ايفل ساصرخ امام الناس جميعا باني احب
كاميليا الناصر .. وساجدد وعدي لك فانت الملكة وهواك سلطان على قلبي.
سالته عن مدة اقامته فهي تعرف بانه لا يحب السفر ، اخبرها بانه سيبقى لاسبوع
فلديه الكثير من العمل كما ان رحلته لم يكن مخططا لها . سالها بشوق :

– هل ستخرجون لتناول العشاء في الخارج ؟..اريد ان اراك.
– والدي متعب قليلا ويفضل تناول العشاء في مطعم الفندق .. وغدا سنبدا جولتنا في
المدينة.
وعدها بان تجده اقرب من ظلها اليها فهو سيتبعها لاي مكان تزوره. وعندما نزلت مع
عائلتها الى المطعم وجدته امامها يراقبها وهي خائفة ان يكتشف والدها امرهما .
انتصف ليل باريس وكاميليا مازالت يقظة تفكر بعماد وهي مستلقية على سريرها . شعرت بسعادة
تغمرها للحاقه بها ، كانت واثقة من ان الشوق والحب هما الدافع . رن هاتفها
الجوال واتصل بها من تفكر به يطلب منها ملاقاته في بهو الفندق . رفضت في
بادئ الامر وسرعان ما رضخت لالحاحه ، وبعد ان تاكدت من نوم والديها وشقيقتيها وضعت
الحجاب المزركش على راسها ولبست عباءتها التي قررت الاستغناء عنها في باريس فلم تحبذ ان
يراها بملابس النوم . توجهت ببطء اللصوص نحو باب الجناح وقلبها يخفق بقوة وكانها ترتكب
جريمة وسيحكم عليها بالاعدام عندما يفتضح امرها . وما ان فتحت الباب وتقدمت خطوة واحدة
خارج الجناح الخاص بهم حتى راته امامها يقف على بعد خطوات يمسك بورود بيضاء .
اقترب منها واعطاها اياها ، قال لها بابتسامة :
– حتى ورود الكاميليا الباريسية ..انت اجمل منها . شكرته بابتسامة حب ممزوجة بالوجل ،
وقالت له هامسة :
-سادخل الان ..انا خائفة وقلبي ينبض بقوة ..اشعر بان صوته مسموع في باريس كلها .

حاول ان يقاوم نفسه وهو يرغب بضمها اليه ، فاقترب منها وامسك بكتفيها وقال لها
برقة :
– انا احبك .. وتعبت من طول الانتظار.
كان وجهه قريبا منها ولاول مرة تراه بهذا القرب . راحت تتامل عينيه السوداويين وهما
تتفحصان وجهها بشوق وتشعر بحرارة انفاسه . اغمضت عينيها وهو يقترب منها اكثر ويلثم وجنتيها
برقة . شعرت بانها ستفقد الوعي وهو يقبل زاوية فمها بشغف ، فابتعدت عنه بسرعة
ودخلت واقفلت الباب بدون ان تنطق بكلمة وتودعه .

استلقت على سريرها وغطت نفسها باللحاف وهي تتذكر نفسها بين يديه وكيف قطف منها اول
قبلة . لم يعد حبهما طاهرا كما قال الشيخ ،و لكنها اصرت على ان حبهما
طاهر رغما عن الشيخ والمجتمع ورغما عن الدنيا باسرها ، ما دامت هي مقتنعة بانها
لم تخطئ . خبات الورود تحت لحافها واغمضت عينيها لتجبرهما على النوم بعد هذه المفاجاة
والورود والقبلة .

يتببع ..

  • العدو والحبيب
  • تحميل رواية الملعونة كامله pdf
  • رواية الصديقه الملعونه
  • من شدة حماسها بالرقص كانت هتقلع هدومها
السابق
مقولات عن الحزن
التالي
قناة القيثارة