(روايه) للكاتبة : سامية احمد
(1)
فى المركز المصرى الامريكى للدراسات النفسيه والاجتماعيه والعلوم الانسانيه
سارت ساره فى طرقات المركز بخطوات سريعه غاضبه متجاهله بتجهم شديد الوجوه التى تحييها وتبتسم
لها حتى وصلت الى باب حجرة مكتب رئيسها المباشر دكتور صبرى فؤاد ..اقتحمت الباب بغضب
واغلقته خلفها وقالت بصوت يمتلئ غضبا وهى تمد يدها اليه ببعض الاوراق :
ماذا يعنى هذا؟
نظر الرجل فى الاوراق التى فى يدها ثم نظر اليها وقال بهدوء : الفاكس واضح
وليس فيه اى غموض
قالت بغضب : لن يحدث هذا ابدا ..لقد بدات هذه الدراسه .وقطعت فيها شوطا كبيرا
وانجزت نتائج جيده ولن يكملها غيرى
دكتور صبرى بهدوء مغلف بالبرود : عزيزتى ساره المركز الرئيسى فى نيويورك هو الذى كلفك
بالدراسه والمركز هو الذى يكلف الان ليلى حسن باكمالها
ساره بانفعال : وما السبب ؟ لقد قمت بعملى على اكمل وجه و لم اقصر
فى شئ وكانت الاختبارات والمقاييس نتائجها رائعه ..وبعد كل هذا تقصونى عن الدراسه؟
دكتور صبرى ببرود : عزيزتى ساره . لم لا تقولين انها ثقه فيكى وفى قدراتك
وتفريغك لعمل اكبر يحتاج لكل وقتك
ساره : كل الدراسات والابحاث التى قمت بها حتى الان لا ترقى باى حال من
الاحوال لمستوى الدراسه التى تعبت فيها ولن اترك العمل فيها مهما حدث ..لقد بدات عملا
ويجب ان انهيه ولن ينهيه غيرى
دكتور صبرى : اذكرك انك تعملين فى مؤسسه عالميه كبيره كلنا..
تركته ورحلت بعاصفه من الغضب وصفعت الباب خلفا بعد ان ادركت انه سيبدا بتكرار الاسطوانه
التى تحفظها عن ظهر قلب
دخلت مكتبها واغلقت الباب بضيق وهى تشعر بارتعاشه فى يدها جلست الى المكتب وفتحت حقيبتها
بعصبيه شديده واخرجت علبة دواء وتناولت منها كبسوله واخذت تفرك يديها اليمنى بعصبيه وهى تقول
: لن يستطيعوا ان يفعلوها .لن اسمح لهم ساريهم ما يمكن ان افعله وساكمل الدراسه
مهما حدث
غادرت المركز وركبت سيارتها الحديثه وهى فى قمة الضيق
وجلست فى السياره بتافف وملل شديد تنتظر ان يتحرك طابور السيارات الطويل الذى انضمت اليه
مكرهه بعد ان سارت بسيارتها فى شوارع القاهره المزدحمه …وضعت شريط فى كاسيت السياره لمطرب
امريكى معروف ..بدات تهدا واخذت تهز راسها بنشوه على انغام الموسيقى ..تنبهت على اصوات صفير
وضجيج ..التفتت الى الصوت فوجدت السياره التى بجوارها بها ثلاثة شبان ينظرون اليها ويصيحون ويصفرون
ويطلقون عبارات غزل مبتذله ..نظرت اليهم باشمئزاز كبير وادارت وجهها بضيق وهى تطرق بعصبيه على
المقود كانما تحاول استعجال سير طابور السيارات..والشباب الثلاثه لا يتوقفون عن مضايقتها
اخيرا تحرك طابور السيارات ..فانطلقت بالسياره بسرعه
هدات قليلا بعد ان تخلصت منهم وبدات تستمتع بالاغانى وتغنى معها
لاحظت ان هناك سياره تتبعها ..نظرت فى المراه فعرفتهم على الفور..انهم الشبان الثلاثه مره اخرى
زادت من سرعة السياره ..لكنهم طاردوها ولحقوا بها وهم يتضاحكون و يصرخون ويتارجحون بسيارتهم يمينا
ويسارا بطريقه خطره
بدات تتطور المضايقات الى الاحتكاك بالسيارات وهم يميلون بسيارتهم على سيارتها وهى تحاول الفرار منهم.
فجاه…. زادت من سرعة سيارتها وانطلقت مبتعده عنهم وبعد عدة امتار ..استدارت بالسياره بسرعه عنيفه
وعجلات السياره تصرخ حتى اصبحت فى مواجهتهم ثم اندفعت بالسياره باتجاههم بجنون
صرخ الشبان الثلاثه برعب عندما وجدوا السياره تتجه ناحيتهم كوحش مرعب مما جعلهم ينحرفون بالسياره
بحركه عنيفه ادت الى خروجهم عن الطريق ..لكنهم استطاعوا ايقافها بصعوبه
اوقفت ساره سيارتها وترجلت عائده اليهم بخطوات سريعه جريئه لتقف امامهم تماما واضعه يديها فى
خاصرتها
ترجل الثلاثه من السياره وهم يطلقون صافرات الاعجاب والانبهار وهم يتاملونها بعودها الرشيق وملابسها الضيقه
للغايه وشعرها الاسود الناعم الجميل ونظارتها الشمسيه الانيقه التى تزيد من جاذبيتها
قالت بلهجه ملؤها الغضب وبالفاظ مختلطه تتارجح بين العربيه والانجليزيه :هل انتم مجانين؟ ما هذه
التصرفات الغريبه المتخلفه؟ اذا لم تكفوا عن مضايقتى فساستدعى لكم الشرطه
لم يبدو عليهم الخوف..بل استمروا فى القاء التعبيرات المبتذله .وتطورت المضايقات الى شكل جديد تستخدم
فيه اليدين..بدات ساره تثور عليهم وتطلق الفاظا غاضبه
حتى مد احدهم يده وجذبها من ذراعها وهى تقاومه وتسبه
توقف الجميع عندما سمعوا صوت قوى عميق يقول بلهجه صارمه قاسيه : توقف
التفت الجميع الى الصوت ..واخذوا يتاملون ذلك الرجل الطويل ذواللحيه السوداء والطاقيه والجلباب الناصع البياض
وهو يضغط مسبحته فى يده والغضب يعلو وجهه السمح
نظر اليه الفتى الذى يمسك ذراعها ويبدو انه كان اجراهم وقال: ومادخلك انت يا شيخ
؟ اذهب من هنا ودعنا وشاننا
نظر اليه الرجل نظره مخيفه وهو يقول بلهجه صارمه: بل هو شانى ..ارحلوا من هنا
فورا ان كنتم تريدون النجاة
نظر الثلاثة اليه وظهر الخوف عليهم وقال احدهم : هيا بنا بسرعه يبدو انه ارهابى
نظرت اليهم ساره بدهشه وهم يرحلون بسرعه..ثم التفتت الى الرجل وتاملته بتوجس ..لكنه لم ينظر
اليها بل اعطاها ظهره وعاد بخطوات سريعه الى سيارته التى اوقفها على الجانب الاخر من
الطريق
جرت خلفه وهى تقول : انتظر .لابد ان تاتى معى الى قسم الشرطه لتشهد على
ما حدث
اجاب باقتضاب دون ان يتوقف : لا
قالت بدهشه : ماذا؟ لماذا؟
وصل الى سيارته وهى خلفه وقال بتجهم: لم يحدث شئ
قالت بغضب : كانوا يتحرشون بى وكادوا يخطفوننى وتقول لم يحدث شئ؟
قال باقتضاب : اذهبى الى حال سبيلك
قالت بعناد : يجب ان تاتى معى الى الشرطه لتحكى لهم ما حدث..لابد ان ينالوا
عقابهم
قال وهو يفتح باب سيارته : لا ..لن اذهب الى الشرطه
صرخت بغضب : هل تريدهم ان يفلتوا بفعلتهم
قال دون ان يلتفت اليها : لا .ولكنهم ليسوا وحدهم المسؤلين عما حدث
قالت بغضب : ماذا تقصد؟ اتتهمنى باننى مسئوله معهم؟
قال بهدوء : بل التمس لهم بعض العذر ..لقد استثرتيهم بملابسك هذه
قالت بتهكم : حقا..اذا انت ارهابى كما يقولون ..مازلتم تفكرون بمنطق التخلف وعصور الظلام ايهاال…
صمتت بخوف عندما التفت اليها وعلى وجهه غضب شديد
تراجعت بارتباك الى الوراء عندما بدا يتقدم منها وظلت تتراجع وهو يتقدم بسرعه حتى اصطدم
ظهرها بسيارتها التى على الجانب الاخر من الطريق
فتح باب سيارتها بعنف وقال بصوت مخيف : اذهبى من هنا
تسمرت فى مكانها تحملق فيه بذهول
فصرخ بغضب : الان
ركبت سيارتها بخوف وانطلقت بها بسرعه وجسمها ينتفض غضبا او خوفا لا تدرى
مرت عدة ايام على هذه الحادثه
لكنها لم تستطع التخلص من شعورها بالحنق والغضب لما حدث وكان اكثر ما يغضبها هو
شعورها بالخوف والارتباك امام هذا الارهابى الهمجى المتخلف
ركنت سيارتها ودخلت الى فيلتها واتجهت الى السلالم الرخاميه لتصعد الى غرفتها ..وعبرت فى طريقها
من امام حجرة مكتب ابيها ولكن قدماها تسمرتا عندما سمعت صوتا تظن انها تعرفه ..اندفعت
يدها دون تفكير تفتح الباب ..اتسعت عيناها بدهشه من اثر المفاجئه…
انه هو !!!!
الرجل ذو اللحيه السوداء الذى التقت به يوم الجمعه
لكن ملابسه كانت مختلفه ..كان يرتدى قميص وبنطال وستره انيقه
كان يتحدث مع ابيها وتوقف الحديث عندما دخلت بشكل مفاجئ
قال ابوها : تعالى يا سارة ..
ثم التفت الى ضيفه الذى خفض عينيه وادار وجهه ليتجنب النظر اليها وقال له :
ابنتى الكبرى سارة عادت من امريكا من شهرين
قال الضيف ذو اللحيه السوداء دون ان يرفع عينيه اليها : تشرفت بمعرفتك
لم ترد ..بل اخذت تتامله بتعالى وهى ترفع احدى حاجبيها لاعلى ثم قالت لابيها :
ابى …اريدك لحظه
اعتذر الاب من ضيفه وذهب خلفها… قالت بغضب عندما اصبحا بعيدين عن الغرفه: ما الذى
اتى بهذا المخلوق المتخلف الى هنا؟
الاب بصرامه ..اخفضى صوتك ..سيسمعك
قالت بانفعال : لا يهم ..يجب ان يغادر البيت حالا
الاب : ماهذا الذى تقولينه؟ انه ضيفى ..وابن افضل اصدقائى رحمه الله
قالت باستنكار: ضيفك؟ انه ارهابى بلحية سوداء
الاب بدهشه : ما هذا الهراء ..انه مهندس الديكور الذى استعنت به لتجديد الفيلا ..انه
انسان مثقف من عائله محترمه
قالت : ليس هذا مقياس ..فالدراسات والابحاث تقول ان الارهابيين من الممكن ان يكونوا من
عائلات غنيه وحاصلين على اعلى الشهادات العلميه..لقد رايته بنفسى يوم الجمعه ..انه همجى متطرف ..مهووس
متعصب لاراءه الدينيه
قال بغضب : توقفى ..انا اعرفه جيدا وتعاملت معه ..انه انسان محترم هادئ متزن وذو
خلق رفيع
قالت بعناد : لقد درست حالات كثيره مثله ..ان امثاله لا يظهر عليهم السلوك العدوانى
الا اذا وقعوا تحت نوع معين من التاثير ..وفى الغالب يكونون شديدى الذكاء ويخدعون من
حولهم ..صدقنى يا ابى ..انه سيكوباتى
الاب بانفعال : توق ….
قاطعه صوت فتح باب الغرفه فالتفت الى ضيفه الذى خرج من الغرفه قادما نحوه يبتسم
وهو يقول بلهجه شديدة التهذيب : سيدى استميحك عذرا لقد تاخرت ولابد ان ارحل
كانت ساره تتامله بدهشه وتوجس برغم انه لم ينظر اليها ابدا
قال الاب : لكننا لم نتفق بعدعلى التغييرات فى حجرة المكتب والدور العلوى
قال بصوته العميق وبلهجه مهذبه تسلل اليها بعض السخريه وعلى وجهه ابتسامه غريبه :
عفوا سيدى ساكلف خبير استشارى كبير ليشرف على العمليه …فانا لا اصلح لهذه المهمه
الاب بدهشه : كيف تقول هذا؟
قال بلهجه هادئه اتضحت فيها معالم السخريه :
لاننى ارهابى بلحية سوداء .همجى .عدوانى. متخلف. متطرف. مهووس ومتعصب لارائى الدينيه …و..احم….سيكوباتى
قال الكلمه الاخيره بلهجه لاذعة السخريه دون ان تهتز عضله واحده فى وجهه ودون ان
يدفعه الفضول الىالالتفات و رؤية تاثير ذلك على ساره
اما ساره فقد الجمتها المفاجاه والغيظ ولم تستطع الرد
حاول الاب ان يتدارك الموقف فقال بارتباك : لقد كانت تمزح
دعك من هذا..اسمع ..ستاتى غدا لتعاين الدور العلوى وتحضر المقايسه… واحضر عدتك وادواتك ورجالك وقتما
تشاء.اريدك ان تبدا فى العمل قبل نهاية هذا الاسبوع..اتفقنا؟
استدارت ساره بعصبيه واتجهت الى غرفتها بغضب واضح
وهز الضيف راسه موافقا وقال بادب مادا يده ليصافح صاحب البيت: تحت امرك..اسمح لى بالانصراف
ورحل الرجل ذو اللحية السوداء تاركا خلفه عاصفه عاتيه من الغضب فى نفس ساره
………………………………………
- ان امثاله لا يظهر عليهم السلوك العدواني الا اذا وقعو
- قراءة رواية الرجل ذو اللحية السوداء كاملة