ان الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور انفسنا ومن سيئات اعمالنا
، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، واشهد
ان لا اله الا اله وحده لا شريك له ، شهادة حق ورضى ، واشهد
ان محمدا عبده ورسوله ، نبي العدل والهدى ، صلى الله عليه وعلى اله واصحابه
واتباعه وسلم تسليما كثيرا .. ” يا ايها الذين امنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا
يصلح لكم اعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما ”
، ” يا ايها الذين امنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله
ان الله خبير بما تعملون ” … اما بعد :
فاتقوا الله عباد الله ، وراقبوا ربكم في السر والعلن ، فهو معكم بعلمه ،
مطلع على اعمالكم واقوالكم ، فانتم محاسبون عليها ومؤاخذون بها .
امة الاسلام : ان الذنوب لهي اكبر معول لهدم الدين في النفوس ، واعظم معين
للاعداء ، الا وان من اعظم الذنوب والمعاصي التي عصي الله بها في الارض ما
جاء على لسان ذلك اليهودي الذي قال : ” اذا اراد المسلمون ان ينتصروا علينا
فلا بد ان يكون حضورهم في صلاة الفجر مثل حضورهم في صلاة الجمعة ” ،
نعم يا عباد الله ، اذا اردنا النصر والفوز على الاعداء من شياطين الانس والجن
، فيجب ان يكون حضورنا في جميع الفروض الخمسة كحضورنا في صلاة الجمعة ، هذا
ما شهدت به الاعداء ، والحق ما شهدوا به ، فلماذا يفكر الكثير من المسلمين
في الصلاة في بيوتهم دون الحضور الى مقر الصلاة وهي المساجد ، واعلم يا من
تصلي في بيتك وتهجر بيوت الله انك مهما عشت في هذه الدنيا فلا بد ان
تدخل المسجد اما حيا او ميتا ، فاحرص على دخوله حيا متذللا لله خاشعا لله
، طائعا لله ولرسوله ، قبل ان تدخله محمولا على اعناق الرجال ميتا ليصلى عليك
، فحينئذ لا ينفعك عملك ولا تجارتك ولا منصبك ولا مكسبك ولا اولادك من الله
شيئا ، واليكم هذه القصة ، هذا رجل اتاه الله قوة في جسمه وفتوة في
عضلاته ، فنسي ان الله هو القوي المتين ، كان يسمع داعي الله فلا يجيبه
، اما اذا سمع داعي الهوى والشهوات اسرع في اجابته ، وكل همه جمع المال
من اي طريق كان ، كان يعمل حمالا يحمل البضائع في الاسواق ، وذات يوم
دخل متجرا وهو يحمل بضاعة ، فسقط عليه جدار فوقع على ظهره ، فاصيب بشلل
كلي افقده القدرة على المشي والحركة فصار حيا ميتا ، قد حكم عليه بعدم الحركة
طوال الحياة ، حتى الخارج من السبيلين لا يملك اخراجهما بنفسه ، فيحتاج الى ثلاث
ساعات على الاقل لاخراجهما بعد الم عسير لا يعلمه الا الله ، وهكذا هي حياته
نكد والم وتعب ، لم يعرف المسجد يوما ، فعاقبه الله عقابا اليما ، وساله
احد الزائرين عن امنيته الان ، فقال : اتمنى ان احضر صلاة الجماعة . الان
وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين .
يا تاركا للصلاة ويا هاجرا لبيوت الله ويا مستهينا باوامر الله : هل تذكرت هادم
اللذات ومفرق الجماعات ، هل تذكرت مفارقة المال والاهل والاولاد ، هل تذكرت يوما تكون
فيه من اهل القبور ، هل تذكرت ضيقها وظلمتها ، ووحشتها وكربتها ، هل تذكرت
عذاب القبر وحياته وعقاربه ، هل تذكرت عندما يضرب الفاجر بمرزبة من حديد ويصيح صيحة
يسمعه كل الخلائق الا الانس والجن ، هل تذكرت عندما تسال في قبرك اتوفق للجواب
ام تحيد عن الصواب ، فيا ويلك كيف نسيت الموت وهو لا ينساك ، ويلك
كيف غفلت ولم يغفل عنك ، وويل لك كيف تؤثر دنياك ولا تدري غدا ما
يفعل بك ، فاعد للسؤال جوابا ، وللجواب صوابا ، واياك والتفريط في جنب الله
فالله معك يسمعك ويراك ، اياك والتسويف ، ولا تقل ما زلت في مقتبل العمر
ولسوف اتوب ، فالموت لا يعرف صغيرا ولا كبيرا ، ولا شابا ولا شيخا ،
ولا غنيا ولا فقيرا ، ولا وزيرا ولا اميرا ، ولا رجالا ولا نساء ،
” وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد ”
اما والله لو علم الانام لما خلقوا لما غفلوا وناموا
لقد خلقوا لما لو ابصرته عيون قلوبهم تاهوا وهاموا
ممات ثم قبر ثم حشر وتوبيخ واهوال عظام
فيا ايها العبد الضعيف ، يا ايها العبد الفقير الى رحمة ربه ، كم تماديت
، وكم تعاليت على ربك ، وهو القوي شديد العقاب ، الذي له ملك السموات
والارض ، الغني عن طاعتك ، من الذي سيجادل عنك في قبرك ويوم ان تحشر
وحدك ، اتركت الصلاة يائسا من رحمة الله ، انه لا يياس من روح الله
الا القوم الكافرون ، ام تركت الصلاة امنا من مكر الله ، فلا يامن مكر
الله الا القوم الخاسرون . ام هل ضمنت الجنة وامنت من النار ، ورسول الهدى
صلى الله عليه وسلم يقول : ” والله ما ادري ما يفعل بي وانا رسول
الله ” .
ايها المسلمون : الا فاعلموا ان مقام الصلاة عظيم ، وقدرها عند الله كبير ،
ولهذا فرضها وشرعها من فوق سبع سماوات ، فالصلاة هي الركن الثاني من اركان الاسلام
، وعموده الذي لا يقوم الا به ، وهي الفارقة بين الاسلام والكفر ، والفاصلة
بين الايمان والشرك ، قال صلى الله عليه وسلم ” بين الرجل وبين الكفر والشرك
ترك الصلاة ” وقال صلى الله عليه وسلم ” العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن
تركها فقد كفر ” ، وعن عبدالله بن عمرو بن العاص ، عن النبي صلى
الله عليه وسلم انه ذكر الصلاة يوما ، فقال : ” من حافظ عليها كانت
له نورا وبرهانا ونجاة يوم القيامة ، ومن لم يحافظ عليها لم تكن له نورا
ولا برهانا ولا نجاة ، وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وابي بن خلف
” ، وانما خص هؤلاء الاربعة لانهم رؤوس الكفر ، فتارك الصلاة اما ان يشغله
ماله او ملكه او رياسته او تجارته ، فمن شغله عنها جمع المال وكسبه باي
طريق ومن اي مكان وتهاون في امر الصلاة فهو مع قارون ، ومن شغله عنها
ملكه وادارته فهو مع فرعون ، ومن شغله عنها رياسته ووزارته فهو مع هامان ،
ومن شغله عنها تجارته ومحلاته وعمله من اجل كسب المال وتهاون في امر الصلاة فالنوم
والعمل افضل من الصلاة عنده فهو مع ابي بن خلف وكل اولئك ائمة الكفر والطغيان
. قال صلى الله عليه وسلم : ” ولا تتركوا الصلاة عمدا فمن تركها عمدا
متعمدا فقد خرج من الملة ” .
اخوة الايمان : ان الشيطان عدو البشرية جمعاء ، حريص كل الحرص على صرف المسلم
عن هذه الصلاة ، لان من انصرف عن صلاته فحتما سينصرف عن بقية احكام الشريعة
، وانه والله لا دين لمن لا صلاة له ، ولا حظ له في الاسلام
. ولا قدر له عند الله الملك العلام ، ان للشيطان حيلا ماكرة يمكر بها
على المسلم ، حتى يضيع عليه دينه فيقذفه في نار جهنم والعياذ بالله ، وله
طرقا عديدة يحتال بها على ضعاف الدين ، فان استطاع ان يمنع المسلم من الصلاة
بالكلية فانه يبذل لذلك كل ممكن وكل مستحيل ، وان لم يتمكن من منعه منها
احتال عليه بمنعه من الصلاة مع الجماعة ، فان لم يستطع الى ذلك سبيلا اغراه
بالتكاسل حتى يؤخرها عن وقتها ، فيحرم المسلم اجر الصلاة وتبقى عليه عقوبة تاخيرها وعمد
ذلك فيها . ان الواقع المر ، والحاضر التعيس الذي تعيشه الامة الاسلامية اليوم شاهد
على استحواذ الشيطان عليهم الا من رحم الله منهم وعصم ، والا فالغالبية العظمى ،
والكثرة الكاثرة من المسلمين تهاونوا في امر الصلاة ، وتقاصروا عن ادائها في اوقاتها ،
فما اصبرهم على النار ، ان حال المسلمين اليوم مع الصلاة حال محزنة وحال مخزية
، فقد خف ميزان الصلاة عندهم وتساهلوا في شانها ، وصار التخلف عنها امرا هينا
، بل لا يلقى له بال ، : ” رضوا بالحياة الدنيا من الاخرة ،
فما متاع الحياة الدنيا في الاخرة الا قليل ” .
عباد الله : ان البيوت والمحلات التجارية تلتصق بالمساجد وتجاورها من كل جهة وناحية ،
ومع هذه النعمة العظيمة فلا يخرج منها الى بيوت الله عز وجل الا قلة قليلة
، وبعضها لا يحضر منها احد ولا حول ولا قوة الا بالله . والعجيب ان
من يحضرون الى الصلاة لا ينكرون على المتخلفين عنها ، فكم نرى من كثرة الناس
في الاسواق والحدائق والمطاعم والملاهي وامام الشاشات وعلى الارصفة وفي الشوارع ، ولا نراهم في
اشرف البقاع واجلها ، لا نراهم في بيوت الله عز وجل ، فسبحان الله العظيم
.. كيف تساهل اولئك الناس في امور دينهم ، وغفلوا عن تحكيم شريعتهم ، وتركوا
صلاتهم ، وشمروا الى النار سواعدهم ، رضوا بان يكونوا مع الخوالف ، اتصفوا بصفات
المنافقين التي وصفهم الله بها في كتابه العظيم بتكاسلهم عن صلاة الجماعة ، قال تعالى
: ” ان المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم واذا قاموا الى الصلاة قاموا كسالى يراءون
الناس ولا يذكرون الله الا قليلا ” ، واستمع يا من تركت الصلاة ، استمع
يا من قطعت الصلة بالله ، يقول احد المغسلين للموتى : جاءتنا جنازتين احداهما لشاب
يبلغ الرابعة عشرة من عمره والاخر يبلغ الستين ، يقول : واتجه جميع المغسلين الى
ذلك الشاب لتغسيله ، فغسلناه وكفناه ووجدنا راحة وطمانينة في ذلك ، فسالنا والده عنه
، فقال : كان من المحافظين على الصلوات وخاصة صلاة الفجر ، ولم يترك صلاة
الفجر الا مرة واحدة ، عندما حضرته الوفاة قبل الصلاة ، واستطرد المغسل قائلا :
اما ذلك الطاعن في السن فقد رفض تغسيله كل المغسلين واذا برائحة كريهة تنبعث منه
، فخرج كل من في المغسلة من نتن تلك الرائحة ، ولم يبق الا انا
، فاستعنت بالله لتغسيله وعندما سالنا اهله عن حاله قالوا : كان لا يعرف جمعة
ولا جماعة . فانا لله وانا اليه راجعون .
ايها الناس : صلاة الجماعة فرض عين ، تجب في حال الصحة والمرض ، تجب
في حال الاقامة والسفر ، تجب في حال الامن والخوف ، وفي ساحات الوغى والقتال
، فلقد امر الله نبيه بالصلاة في حال الحرب ولم يعذره بتركها ، فكيف بمن
يعيش في بيته وبين اهله امنا من الخوف ، سالما من العاهات ، صلاة الجماعة
لا تسقط عن المسلم بحال ما دام عقله ثابتا . ولو عذر في تركها احد
لكان العذر لمن يقاتلون الاعداء في ساحات القتال ، قال الله تعالى : ” واذا
كنت فيهم فاقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك ولياخذوا اسلحتهم ” ولو كان هناك
عذر للتخلف عن صلاة الجماعة لاعذر الاعمى في تركها ، فقد روى مسلم في صحيحه
ان رجلا اعمى قال : يا رسول الله ، ليس لي قائد يقودني الى المسجد
، فسال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يرخص له ، فلما ولى دعاه
فقال : ” هل تسمع النداء ؟ قال : نعم ، قال : فاجب ”
وفي رواية قال : ” لا اجد لك رخصة ” . الله اكبر يا عباد
الله لم يرخص لذلك الضرير الاعمى ، بعيد الدار ، ولا قائد له ، والطريق
الى المسجد وعرة وكثيرة الهوام ، فما بالنا بمن انعم الله عليه بشتى النعم ،
نعمة البصر ، واضاءة الطرق والامن من الخوف ، والمركب الموصل الى المسجد ، فما
عذرك يا من تركت صلاة الجماعة ؟ وما حجتك امام الله ؟ ان نعم الله
عليك لا تعد ولا تحصى ومن اجلها واعظمها نعمة البصر التي بها ترى الطريق الى
بيوت الله عز وجل ، فماذا لو وضعت اعمالك في كفة ونعمة البصر في الاخرى
، ثم رجحت نعمة البصر ، فيالها من خسارة عظيمة ونهاية مؤلمة .
امة التوحيد : لما لم يعذر احد بترك صلاة الجماعة علم بالضرورة وجوبها على الاعيان
، قال صلى الله عليه وسلم : ” لقد هممت ان امر بالصلاة فتقام ،
ثم امر رجلا يصلي بالناس ثم انطلق معي برجال معهم حزم من حطب الى قوم
لا يشهدون الصلاة فاحرق بيوتهم بالنار” ] متفق عليه [ ، وقال صلى الله عليه
وسلم : ” من سمع النداء بالصلاة فلم يات فلا صلاة له الا من عذر
” وسئل ابن عباس رضي الله عنهما ما العذر ؟ قال : مرض او خوف
. وقال صلى الله عليه وسلم : ” ما من ثلاثة في قرية ولا بدو
لا تقام فيهم الصلاة الا استحوذ عليهم الشيطان فعليكم بالجماعة ، فانما ياكل الذئب من
الغنم القاصية ” [ رواه ابو داود باسناد حسن ] . فاين انتم يا من
تصلون في بيوتكم ، وتزعمون انكم جماعة ، من اين حصلتم على هذه الفتوى ،
وانى لكم هذا العلم ، الله امركم بهذا ام على الله تفترون ، ما فائدة
المساجد اذن ، اتظنون ان الله لا يعلم كثيرا مما تضمرون في نفوسكم ، الم
تسمعوا قول الله تعالى : ” في بيوت اذن الله ان ترفع ويذكر فيه اسمه
يسبح له فيها بالغدو والاصال رجال ” ، الم تسمعوا قول الله تعالى : ”
واقيموا الصلاة واتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين ” ، واين يركع الراكعون ، انهم يركعون
في بيوت الله ، طمعا في رحمة الله ، وخوفا من عقاب الله ، يقول
ابن مسعود رضي الله عنه : ” لو انكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا
المتخلف في بيته ، لتركتم سنة نبيكم ، ولو انكم تركتم سنة نبيكم لضللتم ،
ولقد رايتنا وما يتخلف عنها الا منافق معلوم النفاق ” .
معاشر المسلمين : هذا موظف يحضر الى عمله كل يوم مبكرا ، ولكنه يغيب عن
اخر يوم من ايام العمل ، فالتمس له رئيسه العذر ، وتكرر هذا الغياب ،
حتى اصبح سمة يعرف بها ذاك الموظف ، فضاق به رئيسه ذرعا ، فاستدعاه وحذره
من الغياب ، وامهله وامد له في المهلة ، ولكن الموظف تمادى في غيابه عن
اخر يوم من ايام عمله ، فقرر الرئيس فصله من عمله ، واستدعاء الهيئة الاستشارية
في العمل ، وعقد اجتماعا مغلقا ، وتمخض عن ذلك الاجتماع ، الاجماع على فصل
الموظف ، لان حضوره مبكرا كل يوم لم يشفع له بالغياب عن اخر يوم بلا
عذر ، فتم فصله من عمله . ولله المثل الاعلى ، فذاك الموظف مثل عبد
من عباد الله ، خلقه الله لطاعته ، ثم يتاخر او يترك صلاة الفجر بلا
عذر ، فما عذرك يا من تركت صلاة الفجر ، ونمت عنها ، وضبطت المنبه
على وقت العمل ، اللعمل خلقك الله ؟ ام خلقك لعبادته ، الا تستحق الطرد
والابعاد من رحمة الله ، فذاك الموظف الذي يغيب عن عمله بلا عذر ، لانت
اشد منه اثما ، واعظم منه جرما .
امة الاسلام : صلاة الفجر تلك الصلاة العظيمة المشهودة التي تشهدها ملائكة الليل والنهار ،
تلك الصلاة التي فرط فيها كثير من المسلمين اليوم ، تلك الصلاة التي تئن المساجد
من فقد المسلمين فيها ، انها الاختبار الحقيقي لقوة الايمان ، انها المحك الرئيسي لحب
الرحمن ، فاين اهل الفرش والاسرة عنها ، انهم يغطون في نوم عميق والمنادي ينادي
” الصلاة خير من النوم ” ولسان حالهم يقول النوم خير من الصلاة ، والنبي
صلى الله عليه وسلم يقول : ” بشر المشائين في الظلم الى المساجد بالنور التام
يوم القيامة ” [ رواه ابو داود والترمذي وصححه الالباني ] لقد اثروا النوم على
الصلاة ، الله امرهم بها فلم يذعنوا للامر ولم يستيقنوا للخبر ، عصوا ربهم وتمردوا
عن طاعته وعبادته ، واسمع يا من احببت النوم على الصلاة ، اسمع يا من
اثرت الفراش الوثير على بيوت الله يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ” انه
اتاني الليلة اتيان وانهما قالا لي انطلق ، واني انطلقت معهما ، وانا اتينا على
رجل مضطجع واذا اخر قائم على راسه بصخرة ، واذا هو يهوي بالصخرة لراسه فيثلغ
راسه اي يفلق راسه فيتدهده الحجر اي يتدحرج فياخذه ، فلا يرجع اليه حتى يصح
راسه كما كان ، ثم يعود عليه فيفعل به مثل ما فعل في المرة الاولى
” قال : قلت لهما : اني رايت الليلة عجبا ، فما هذا الذي رايت
، قالا لي : اما الرجل الذي اتيت عليه يثلغ راسه بالحجر ، فانه الرجل
ينام عن الصلاة المكتوبة ” [ رواه البخاري ] ، فاين رجال التعليم ، واين
الاباء ، واين الشباب ، واين الامهات ، واين البنين والبنات ، عن هذا الحديث
العظيم ، فهل يستوي من يمشي في الظلم الى المساجد ومن هو نائم وراقد ،
والله لا يستويان ابدا : ” فريق في الجنة وفريق في السعير ” قال صلى
الله عليه وسلم : ” ليس صلاة اثقل على المنافقين من صلاة الفجر والعشاء ،
ولو يعلمون ما فيهما من الاجر لاتوهما ولو حبوا ” [ متفق عليه ] ،يقول
احد المغسلين للموتى : وقد جيء بميت يحمله ابوه واخوانه ودخلنا لتغسيله فبدانا بتجريده من
ملابسه ، فاذا هو جثة نقلبها بايدينا ، ولقد اعطاه الله بياضا ناصعا في بشرته
، وبينما نحن نقلب الجثة ، وفجاة وبدون مقدمات انقلب لونه كانه فحمة سوداء ،
فتجمدت يداي وشخصت عيناي خوفا وفزعا ، فخرجت من مكان التغسيل وانا خائف مذعور ،
فسالت ابوه : ما شان هذا الشاب ، فقال : انه كان لا يصلي ،
يقول المغسل : فقلت له خذوا ميتكم فغسلوه ، فرفض المغسل ان يغسله ، ورفض
الامام ان يصلي عليه ، انا لله وانا اليه راجعون . لا اله الا الله
! لا يغسل ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين ، فماذا يفعل به
؟ يذهب به الى الصحراء ويحفر له حفرة ويقذف فيها ويهال عليه التراب حتى لا
يؤذي المسلمين برائحته . فاي نهاية سيئة لهذا العبد ، قال الله تعالى : ”
ولا تصل على احد مات منهم ابدا ولا تقم على قبره انهم كفروا بالله ورسوله
وماتوا وهم فاسقون ” ، ” فويل للمصلين * الذين هم عن صلاتهم ساهون ”
.
الله الله بالصلاة ايها الشباب والرجال ، الله الله بالصلاة يا اماء الله يا نساء
الامة ، اوصيكم ونفسي بالمحافظة عليها ، فلقد فرطتم كثيرا ، وتماديتم مليا ، وعصيتم
كثيرا ، ونمتم طويلا ، وقد حان اوان العودة الى الله تعالى ، فالاحداث اليوم
لا تنبئ بخير ، والواقع اليوم خطير ، فاذا لم تعودوا الى الله اليوم فمتى
ستعودون ، فاحرصوا على الصلاة فهي مفتاح كل خير ، وهي السبيل الموصل لرضوان الله
تعالى ، ومن تركها فقد قطع صلته بالله ، فاتقوا الله ايها المسلمون وادوا هذه
الفريضة العظيمة وفق شرع الله تعالى ، وفي بيوت الله عز وجل ، ” حافظوا
على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين ” . بارك الله لي ولكم في القران
العظيم ، ونفعني واياكم بما فيه من الايات والذكر الحكيم ، وجعلني واياكم من المتبعين
لسنة سيد المرسلين . اقول قولي هذا واستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم من كل
ذنب فاستغفروه وتوبوا اليه انه هو الغفور الرحيم .
الحمد لله على احسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، واشهد ان لا اله
الا الله وحده لا شريك له تعظيما لشانه ، واشهد ان محمدا عبده ورسوله الداعي
الى رضوانه ، صلى الله عليه وسلم وعلى اله واصحابه والانبياء اخوانه … اما بعد
:
فيا ايها المسلمون : كم هم الذين يتهاونون بصلاة الجمعة فلا يصلونها ظنا منهم بعدم
وجوبها وتكاسلا عن اتيانها بسبب السهر والنوم الطويل ، والله تعالى يقول : ” يا
ايها الذين امنوا اذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا الى ذكر الله وذروا البيع
ذلكم خير لكم ان كنتم تعلمون ” ، وقال صلى الله عليه وسلم : ”
لينتهين اقوام عن ودعهم الجمعات او ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين ”
] رواه مسلم [ . وقال صلى الله عليه وسلم : ” من ترك ثلاث
جمع تهاونا طبع الله على قلبه ” ] رواه احمد واهل السنن [ . وقال
صلى الله عليه وسلم : ” لقد هممت ان امر رجلا يصلي بالناس ، ثم
احرق على رجال يتخلفون عن الجمعة بيوتهم ” [ رواه مسلم ] ، فالله الله
ايها المسلمون بالمحافظة على الصلاة والاهتمام بها فهي الفارقة بين الاسلام والكفر والشرك ، قال
ابن حزم ، جاء عن عمر بن الخطاب وعبدالرحمن بن عوف ومعاذ بن جبل وابي
هريرة وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم ” ان من ترك صلاة فرض واحدة متعمدا
حتى يخرج وقتها فهو كافر مرتد ” . نعوذ بالله من الحور بعد الكور .
اي من النقصان بعد الزيادة .
ايها المسلمون : اختم هذه الخطبة برسالة ابعثها لكل من يتصدق في سبيل الله ،
ولكل من يصوم النهار ، ولكل بار بوالديه ، ولكل رحيم بالمساكين ، ولكل من
يحسن الى الجار ، ولكل من يفعل الخير ، ويعين المسلمين على نوائب الدهر وهو
تارك للصلاة ، ابعث له هذه الرسالة مقدما له احر التعازي في ضياع تلك الاعمال
هباء منثورا ، وذهابها سرابا بقيعة ، فلا تنفعه اعمال الخير كلها ما كان مضيعا
للصلاة مفرطا فيها ، فان سالت عن مصيرها في الدنيا فيقول الله تعالى : ”
ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الاخرة من نصيب ” ،
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ” ان الله لا يظلم مؤمنا حسنة ،
يعطى بها في الدنيا ويجزى بها في الاخرة ، واما الكافر فيطعم بحسنات ما عمل
بها لله في الدنيا ، حتى اذا افضى الى الاخرة لم تكن له حسنة يجزى
بها ” [ اخرجه مسلم واحمد ] ، فيا تارك الصلاة هذا هو مصير اعمالك
في الدنيا ، واما في الاخرة فيجيبك ربك سبحانه وتعالى بقوله : ” وقدمنا الى
ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا ” ، فيا تاركا للصلاة اين انت عن
جموع المصلين من المسلمين ، واين جبهتك من جباه الراكعين الساجدين ، واين قلبك من
قلوب الخائفين من ربهم والوجلين ، اما تستحي ان يطيع الله حيوان وجماد لا عقل
له ، وتعصيه انت بما كرمك الله من العقل ، اتسجد الحجارة والشجر والدواب لله
تعالى ، وترفض ذلك انت ، الم تسمع قول الله تعالى : ” الم تر
ان الله يسجد له من في السموات ومن في الارض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر
والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب” ، فاحذر ان تكون ممن حق عليهم
العذاب ، فتخسر الدنيا والاخرة ، وذلك والله هو الخسران المبين ، الم يان لقلبك
ان يخشع لذكر الله وما نزل من الحق ، اما ان لنفسك ان تتذكر نعم
الله عليها ، اما علمت ان الله خلقك واوجدك لتعبده ، لا لتعصيه وتخالف امره
، ” ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا وله عذاب مهين ”
، فهل بعد هذا البيان من عذر للفتيات والفتيان ، والشباب والشيبان ، وهل بعد
هذا الحديث من عذر للذكور والاناث . فما حجتك يا تارك الصلاة امام الله ؟
ما جوابك اذا سئلت عن سبب تركك للجمع والجماعات ؟ ! فالويل لك ان لم
توفق للجواب الصواب ، هذا وصلوا وسلموا على النذير البشير والسراج المنير نبينا محمد بن
عبد الله ، فقد امركم الله بذلك في محكم التنزيل فقال جل شانه ” ان
الله وملائكته يصلون على النبي يا ايها الذين امنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ” اللهم
صل وسلم وزد وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد وعلى اله واصحابه والتابعين ومن تبعهم
باحسان الى يوم الدين وعنا معهم بمنك وكرمك واحسانك يا اكرم الاكرمين . اللهم انصر
الاسلام والمسلمين ، واذل الشرك والمشركين ، ودمر اعداء الدين ، واجعل هذا البلد امنا
مطمئنا وسائر بلاد المسلمين ، اللهم انصر اخواننا المسلمين المظلومين المستضعفين في كل مكان الذين
يجاهدون اعداءك ويحبون اولياءك ، اللهم انصرهم على من ظلمهم ، اللهم انصرهم على من
بغى عليهم ، اللهم قو شوكتهم ، اللهم كن لهم عونا ومعينا ، وناصرا وظهيرا
، اللهم ثبت اقدامهم وسدد رميهم واحم حوزتهم ، اللهم كثر عددهم وعدتهم ، اللهم
زلزل الارض تحت اقدام اعدائهم ، اللهم عليك باعداء الاسلام والمسلمين ، اللهم احصهم عددا
واقتلهم بددا ولا تبق منهم احدا ، اللهم عليك بهم فانهم لا يعجزونك ، اللهم
خذهم اخذ عزيز مقتدر ، اللهم خذهم اخذا وبيلا ، اللهم من عاونهم وساندهم فادر
الدائرة عليه واجعله غنيمة للمسلمين يا ذا الجلال والاكرام ، اللهم اهد شباب المسلمين ،
اللهم رد ضالهم اليك ردا جميلا ، اللهم جنبهم رفقاء السوء والفساد يا رب العالمين
، ربنا اتنا في الدنيا حسنة ، وفي الاخرة حسنة وقنا عذاب النار . سبحانك
رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين ، واقم الصلاة ..
ان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ، ولذكر الله اكبر والله يعلم ما تصنعون .