هل الحب حلال او حرام ؟
يقول الله سبحانه {قل ان كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم }
ال عمران : 31 ، ويقول النبى صلى الله عليه وسلم فيما رواه اصحاب السنن
عن حبه لعائشة رضى الله عنها “اللهم هذا قسمى فيما املك ، فلا تلمنى فيما
تملك ولا املك ” ويقول فيما رواه مالك فى الموطا ” قال الله تعالى :
وجبت محبتى للمتحابين فى ، والمتجالسين فى، والمتزاورين فى” ويقول فيما رواه مسلم “الارواح جنود
مجندة، ما تعارف منها ائتلف ” .
الحب فى دنيا الناس تعلق قلبى يحس معه المحب لذة وراحة، وهو غذاء للروح ،
وشبع للغريزة ، ورى للعاطفة ، افرده بالتاليف كثير من العلماء الاجلاء .
ومن جهة حكمه فانه يعطى حكم ما تعلق به القلب فى موضوعه والغرض منه ،
فمنه حب الصالحين ، وحب الوالد لاولاده ، وحب الزوجين ، وحب الاصدقاء ، وحب
الولد لوالديه ، والطالب لمعلمه ، وحب الطبيعة والمناظر الخلابة والاصوات الحسنة وكل شىء جميل
.
ومن هنا قال العلماء : قد يكون الحب واجبا ، كحب الله ورسوله ، وقد
يكون مندوبا كحب الصالحين ، وقد يكون حراما كحب الخمر ولجنس المحرم .
واكثر ما يسال الناس عنه هو الحب بين الجنسين ، وبخاصة بين الشباب ، فقد
يكون حبا قلبيا اى عاطفيا، وقد يكون حبا شهويا جنسيا، والفرق بينهما دقيق ، وقد
يتلازمان ، ومهما يكن من شىء فان الحب بنوعيه قد يولد سريعا من نظرة عابرة،
بل قد يكون متولدا من فكر او ذكر على الغيب دون مشاهدة ، وهنا قد
يزول وقد يبقى ويشتد ان تكرر او طال السبب المولد له . وقد يولد الحب
بعد تكرر سببه او طول امده ، وهذا ما يظهر فيه فعل الانسان وقصده واختياره
.
ومن هنا لابد من معرفة السبب المولد للحب ، فان كان من النوع الاول الحادث
من نظر الفجاة او الخاطر وحديث النفس العابر فهو امر لا تسلم منه الطبيعة البشرية
، وقد يدخل تحت الاضطرار فلا يحكم عليه بحل ولا حرمة .
وان كان من النوع الثانى الذى تكرر سببه او طالت مدته فهو حرام بسبب حرمة
السبب المؤدى له . واذا تمكن الحب من القلب بسبب اضطر اليه ، فان ادى
الى محرم كخلوة باجنبية او مصافحة او كلام مثير او انشغال عن واجب كان حراما
، وان خلا من ذلك فلا حرمة فيه .
والحب الذى يتولد من طول فكر او على الغيب عند الاستغراق فى تقويم صفات المحبوب
ان ادى الى محرم كان حراما ، والا كان حلالا، وما تولد عن نظرة متعمدة
او محادثة او ما اشبه ذلك من الممنوعات فهو غالبا يسلم الى محرمات متلاحقة ،
وبالتالى يكون حراما فوق ان سببه محرم .
وعلى كل حال فاحذر الشباب من الجنسين ان يورطوا انفسهم فى الوقوع فى خضم العواطف
والشهوات الجنسية، فان بحر الحب عميق متلاطم الامواج شديد المخاطر، لا يسلم منه الا قوى
شديد بعقله وخلقه ودينه ، وقل من وقع فى اسره ان يفلت منه ، والعوامل
التى تفك اسره تضعف كثيرا امام جبروت العاطفة المشبوبة والشهوة الجامحة .
وبهذه المناسبة طرح هذا السؤال : انا فتاة من اسرة متدينة، ولكن شعرت بقلبى يشد
الى شاب توسمت فيه كل خير، ولا ادرى ان كان يشعر نحوى بما اشعر به
، فهل هذا الحب يتنافى مع الدين ؟ ان الحب اذا لم يتعد دائرة الاعجاب
ولم تكن معه محرمات فصاحبه معذور، ولكن اذا تطور وتخطى الحدود فهنا يكون الحظر والمنع.
واذا كان للفتاة ان تحب من يبادلها ذلك والتزمت الحدود الشرعية فقد ينتهى نهاية سعيدة
بالزواج ، واذا كان للزوجة ان تحب فليكن حبها لزوجها واولادها ، الى جانب حبها
لاهلها، لكن لا يجوز ان يتعلق قلبها بشخص اجنبى غير زوجها ، تعلقا يثير الغريزة،
فقد يؤدى الى النفور من الزوج والسعى الى التفلت من سلطانه بطريق مشروع او غير
مشروع ، والطريق المشروع هو الطلاق مع التضحية بما لها من حقوق ، وهو ما
يسمى بالخلع ، فقد جاءت امراة ثابت بن قيس ابن شماس -وهى حبيبة بنت سهل
او جميلة بنت سلول -الى النبى صلى الله عليه وسلم تقول له : ان زوجها
لا تعيب عليه فى خلق ولا دين ، ولكنها تكره الكفر فى الاسلام ، لانها
لا تحبه لدمامته ، وقد جاء فى بعض الروايات انها راته فى جماعة من الناس
فاذا هو اشدهم سوادا ، واقصرهم قامة ، واقبحهم وجها ، فردت اليه الحديقة التى
دفعها اليها مهرا وطلقها . رواه البخارى وغيره .
اما ان تستجيب الزوجة الى صوت قلبها وغريزتها عن غير هذا الطريق فهو الخيانة الكبرى
التى جعل الاسلام عقوبتها الاعدام فى اشنع صوره، وهى الرجم بالحجارة حتى تموت .
فلتتق الله الزوجة، . ولا تترك قلبها يتعلق بغير زوجها تعلقا عاطفيا، ولتحذر ان تذكر
اسم من تحب او تتحدث عنه او تظهر لزوجها اى ميل نحوه ، حتى لو
كان الميل اعجابا بخلق ، فان الزوج يغار ان يكون فى حياة زوجته انسان ا
خر مهما كان شانه ، والله سبحانه جعل من صفات الحور العين ، لتكمل متعة
الرجال بهن ، عدم التطلع الى غير ازواجهن فقال فيهن {فيهن قاصرات الطرف لم يطمثهن
انس قبلهم ولا جان} الرحمن : 56 ، وقال تعالى {حور مقصورات فى الخيام }
الرحمن : 77 ، وذلك لتحقق الزوجة قول الله تعالى {ومن اياته ان خلق لكم
من انفسكم ازواجا لتسكنوا اليها وجعل بينكم مودة ورحمة} الروم : 21 .
وانتهز هذه الفرصة واقول للفتاة غير المتزوجة ، اذا ربطت علاقة الحب بين فتى وفتاة
واتفقا على الزواج ينبغى ان يكون ذلك بعلم اولياء الامور، لانهم يعرفون مصلحتهما اكثر، ولان
الفتى والفتاة تدفعهما العاطفة الجارفة دون تعقل او روية او نظر بعيد الى الاثار المترتبة
على ذلك ، فلابد من مساعدة اهل الطرفين ، للاطمئنان على المصير وتقديم النصح اللازم
، مع التنبيه الى التزام كل الاداب الشرعية حتى يتم العقد، فربما لا تكون النهاية
زواجا فتكون الشائعات والاتهامات .
والدين لا يوافق على حب لا تلتزم فيه الحدود .