صقلية (بالإيطالية:Sicilia، تلفظ “سيشيليا”)، هي أكبر جزيرة في البحر الأبيض المتوسط، ومنطقة ذاتية الحكم في إيطاليا. الجزر الصغرى
حولها مثل الجزر الإيولية هي جزء من صقلية. اسمها الرسمي هو منطقة الحكم الذاتي الصقلية.
خلال معظم تاريخها كانت صقلية موقعا استراتيجيا حاسما. يعود ذلك في جزء كبير لأهميتها في
طرق التجارة المتوسطية.[5] اعتبرت المنطقة جزءا من ماجنا غراسيا حيث وصف شيشرون سيراكوزا بأنها أعظم
وأجمل مدينة في اليونان القديمة.[6] أرخميدس وهو أحد أعظم العلماء والرياضيين في العالم القديم صقلي
الأصل وولد في مدينة سيراكوزا.
كانت الجزيرة دولة في حد ذاتها في إحدى مراحل تاريخها. كما أن نفوذها امتد من
باليرمو على جنوب إيطاليا وصقلية ومالطا. أصبحت لاحقا جزءا من الصقليتين تحت حكم البوربون، والتي
كانت مملكة عاصمتها نابولي وضمت الجزيرة ومعظم مناطق جنوب إيطاليا. أدى توحيد إيطاليا عام 1860
إلى حل هذه المملكة وأصبحت صقلية منطقة ذات حكم ذاتي في مملكة إيطاليا. صقلية اليوم
إقليم حكم ذاتي في إيطاليا. تبلغ مساحة صقلية 25,708 كم2 لتكون بذلك أكبر الأقاليم الإيطالية
مساحة ويبلغ تعداد سكانها ما يزيد قليلا عن خمسة ملايين نسمة.
تمتلك صقلية ثقافة غنية وفريدة من نوعها وخاصة فيما يتعلق بالفنون والموسيقى والأدب والمطبخ والعمارة
واللغة، حيث كانت مهدا لبعض من أعظم الشخصيات وأكثرها تأثيرا في التاريخ. يستند الاقتصاد الصقلي
إلى حد كبير على الزراعة (البرتقال والليمون أساسا). جلب هذا الريف الإيطالي والجمال الطبيعي الصقلي
السياح بكثرة في العصر الحديث.[7] تأتي أهمية صقلية أيضا من المواقع الأثرية والقديمة مثل نكروبوليس
بانتاليكا ووادي المعابد.
تعاني السياسة والاقتصاد الصقليان من الجريمة المنظمة.[8]
سكان صقلية الأوائل هم ثلاث مجموعات محددة من الشعوب القديمة في إيطاليا. أبرزها وأقدمها شعب
سيكاني، الذين ووفقا لثوكيديدس وصلوا الجزيرة من شبه الجزيرة الإيبيرية (ربما كتلونيا).[9][10] اكتشفت أدلة تاريخية
هامة في شكل رسومات كهوف رسمها السيكاني وتغطي الفترة من نهاية حقبة العصر الجليدي حول
8000 ق.م.[11] يرتبط وصول أول البشر مع انقراض فرس النهر القزم والأفيال القزمية. يعتقد أن
الإليميين يعودون لبحر إيجة وكانوا ثاني قبيلة تهاجر إلى صقلية لتنضم للسيكانيين.[12]
رغم عدم وجود دليل على أي حرب بين القبائل، فإنه عندما استقر الإليميون في الزاوية
الشمالية الغربية من الجزيرة انتقل السيكانيون نحو الشرق. وصل السيكوليون من البر الإيطالي الرئيسي تقريبا
عام 1200 ق.م ويعتقد أنهم ليغور من ليغوريا، الأمر الذي دفع السيكانيين مرة أخرى ليستوطنوا
وسط الجزيرة.[11] من المجموعات الإيطاليقية الأخرى الصغيرة التي استوطنت الجزيرة الأوسينيون (الجزر الإيولية، ميلاتسو) والمورغيت
(مورجانتينا). هناك العديد من الدراسات حول السجلات الجينية والتي تظهر اختلاط سكان مختلف مناطق المتوسط
مع أقدم سكان صقلية. من بين هذه الشعوب المصريون والفينيقيون والإيبيريون.[13] كما استوطن الفينيقيون الجزيرة
مبكرا قبل الإغريق. كما أن الاسم باليرمو من أصل فينيقي.[14]
نحو 750 ق.م بدا الإغريق استعمار صقلية وإقامة العديد من المستوطنات الهامة. أهم تلك المستعمرات
هي سيراكيوز؛ من المستعمرات الأخرى الهامة اكراغاس وجيلا وهيميرا وسيلينوس وزانكل. استوعبت الحضارة الهلنستية الشعوب
الأصلية مثل السيكاني والسيكولي بسهولة نسبية وأصبحت المنطقة جزءا من ماجنا غراسيا كغيرها من مناطق
جنوب إيطاليا التي استعمرها الإغريق أيضا. كانت الأرض الصقلية خصبة جدا وازدهرت المزروعات الجديدة مثل
الزيتون وكروم العنب وخلقت قدرا كبيرا من التجارة المربحة؛ [15] كما انتشرت الديانة الإغريقية في
الجزيرة وبنيت العديد من المعابد عبر صقلية مثل وادي المعابد في أغريجنتو.[16]
تداخلت السياسة في الجزيرة مع السياسة اليونانية. أصبحت سيراكيوز مرغوبة من قبل الأثينيين الذين أرسلوا
الحملة الصقلية أثناء الحرب البيلوبونيسية. حصلت سيراكيوز على دعم سبارتا وكورنث، ونتيجة لذلك هزمت الحملة
الأثينية. كما دمر الجيش الأثيني وسفنه وحول الناجون إلى العبودية.[17]
بينما سيطرت سيراكيوز اليونانية على جزء كبير من صقلية، كان هناك عدد قليل المستعمرات القرطاجية
في أقصى غرب الجزيرة. عندما اشتبكت الثقافتان اندلعت الحروب البونيقية اليونانية وهي أطول الحروب في
العصور القديمة.[18] رغبت اليونان بصنع السلام مع الجمهورية الرومانية في 262 قبل الميلاد بينما سعى
الرومان إلى ضم مقاطعة صقلية كأولى أقاليم الإمبراطورية. تدخلت روما في الحرب البونيقية الأولى وهزمت
قرطاج حيث أنه في 242 قبل الميلاد أصبحت صقلية أول مقاطعة رومانية خارج شبه الجزيرة
الإيطالية.[18]
شهدت الحرب البونيقية الثانية، والتي قتل فيها أرخميدس، محاولات قرطاج للسيطرة على صقلية. لم يفلح
القرطاجيون وهذه المرة كان الرومان أكثر فتكا في إبادة الغزاة، وخلال عام 210 قبل الميلاد
أبلغ القنصل الروماني فاليريان مجلس الشيوخ في روما أنه “لا يوجد أي قرطاجي في صقلية”.[19]
حازت صقلية على مستوى من الأهمية العالية للرومان كونها كانت بمثابة مخزن حبوب الإمبراطورية. قسمت
الجزيرة إلى شطرين سيراكيوز في الشرق وليليبايوم إلى الغرب.[20] على الرغم من محاولة أغسطس إدخال
اللغة اللاتينية إلى الجزيرة فإن صقلية بقيت إلى حد كبير يونانية من الناحية الثقافية.[20] عندما
أصبح فيريس حاكم صقلية، بدأت أحوال الجزيرة بالتدهور بشدة، حيث أن شيشرون في عام 70
قبل الميلاد أدان سوء حكم فيريس في خطبه إن فيريم.[21]
استخدمت الجزيرة كقاعدة للسلطة مرات عديدة، حيث احتلها المتمردون من العبيد خلال حروب العبيد الأولى
والثانية، وسكستوس بومبيوس خلال التمرد الصقلي. ظهرت المسيحية أول مرة في صقلية بعد عام 200
م، ومنذ ذلك العام حتى عام 313 ميلادي عندما رفع قسطنطين الكبير أخيرا الحظر المفروض
على المسيحية، سقط عدد كبير من الشهداء الصقليين مثل أجاثا وكريستينا ولوسي وإيوبليوس وغيرهم الكثير.[22]
نمت المسيحية بسرعة في صقلية خلال القرنين القادمين. خدمت صقلية كمقاطعة رومانية لحوالي 700 سنة
في المجموع.[22]
مع تدهور الإمبراطورية الرومانية الغربية غزت قبيلة جرمانية تعرف باسم الفاندال صقلية عام 440 م
في عهد ملكهم غايسيريك. غزا الفنادال أيضا أجزاء من فرنسا وإسبانيا الرومانية وأدرجوا أنفسهم كقوة
مهمة في أوروبا الغربية.[23] لكنهم فقدوا هذه الممتلكات المكتسبة حديثا لصالح قبيلة جرمانية شرقية أخرى
هم القوط.[23] بدا غزو القوط الشرقيين لصقلية (و إيطاليا ككل) في إطار ثيودوريك العظيم عام
488؛ على الرغم من أن القوط كانوا من الجرمان، إلا أن ثيودوريك سعى إلى إحياء
الثقافة والحكومة الرومانية وسمح بالحرية الدينية.[24]
جرت الحرب القوطية بين القوط الشرقيين والإمبراطورية الرومانية الشرقية والتي تعرف أيضا باسم الإمبراطورية البيزنطية.
كانت صقلية الجزء الأول من إيطاليا الذي سيطر عليه الجنرال بيليساريوس بتكليف من الإمبراطور الشرقي
جستنيان الأول.[25] وفيما بعد كانت صقلية قاعدة للبيزنطيين للاستيلاء على ما تبقى من إيطاليا حيث
سقطت نابولي وروما وميلانو وعاصمة القوط الشرقيين رافينا في غضون خمس سنوات.[26] مع ذلك فإن
ملك القوط الشرقيين الجديد توتيلا قاد جيوشه إلى جنوب شبه الجزيرة الإيطالية ونجح في احتلال
صقلية عام 550. توتيلا بدوره هزم وقتل في معركة تاجيناي على يد جيو القائد البيزنطي
نارسيس عام 552.[26]
أعلن الإمبراطور جستنيان الأول صقلية مقاطعة بيزنطية عام 535، وعادت اللغة اليونانية للمرة الثانية في
تاريخ صقلية لغة للجزيرة. مع تراجع الإمبراطورية البيزنطية، تعرضت صقلية للغزو من جانب القوات الإسلامية
في عهد الخليفة عثمان بن عفان عام 652. وبحلول نهاية القرن السابع نجحوا في الاستيلاء
ميناء قرطاج المجاور مما سمح للمسلمين ببناء السفن ومنحهم قاعدة دائمة أطلقوا منها حملاتهم على
الجزيرة.[27]
قرر الإمبراطور البيزنطي كونستانس الثاني نقل عاصمته من القسطنطينية إلى سيراكيوز في صقلية عام 660،
وفي العام التالي شن هجوما من جزيرة صقلية ضد دوقية لومبارديا في بينيفينتو والتي سيطرت
حينها على معظم مناطق جنوب إيطاليا.[28] أدت الشائعات حول نقل الإمبراطور للعاصمة إلى سيراكيوز ربما
إلى اغتياله عام 668.[28] خلفه ابنه قسطنطين الرابع ونجح في قمع ثورة قام بها ميزيزيوس
في صقلية. تبلغ التقارير المعاصر أن اللغة اليونانية كانت مستخدمة على نطاق واسع في الجزيرة
خلال هذه الفترة.[29]
في عام 826، قام أيوفيميوس قائد البيزنطيين بقتل زوجته في جزيرة صقلية وأجبر راهبة على
الزواج منه. وصلت الأخبار إلى مسمع الإمبراطور مايكل الثاني وأمر الجنرال قسطنطين بإنهاء الزواج وقطع
رأس أيوفيميوس. ثار أيوفيميوس وقتل قسطنطين واحتل سيراكيوز، لكنه هزم بدوره وطرد إلى شمال أفريقيا.[30]
عرض أيوفيميوس سيادة صقلية على زيادة الله الأغلبي أمير تونس مقابل عودته إلى صقلية ومنحه
منصب جنرال. فأرسل زيادة الله الأغلبي جيشا بقيادة قاضي القيروان أسد بن الفرات[31] سنة 827.
واجه الفتح الإسلامي مقاومة شديدة واستغرقهم الأمر قرنا من الزمان لإتمام السيطرة على الجزيرة. صمدت
سيراكيوز لفترة طويلة، بينما سقطت تاورمينا عام 902، بينما خضعت كامل صقلية لجيوش المسلمين عام
965.[30]
بدا المسلمون الإصلاح الزراعي في الجزيرة والذي بدوره رفع الإنتاج وشجع نمو الحيازات الصغيرة وتراجعت
سيطرة العقارات الكبرى. كما طوروا نظم الري. قدم ابن حوقل وهو من التجار المسلمين وصفا
لباليرمو عندما زار صقلية عام 950. يوجد حي تحيط به الأسوار يدعى (ال-كاسر) “القصر” وهو
مركز باليرمو حتى يومنا هذا، مع مسجد الجمعة الكبير في موقع الكاتدرائية الرومانية اللاحقة. أما
حي (كالسا) “الخالصة” فضم قصر السلطان والحمامات ومسجدا ومكاتب الحكومة والسجن الخاص. كما سجل ابن
حوقل وجود 7,000 جزار يتاجرون في 150 محلا تجاريا.
طوال هذه الحقبة، استمرت ثورات الصقليين البيزنطيين وخصوصا في الشرق كما أعيد احتلال أجزاء من
الجزيرة قبل أن يقضى على الثورات. جلبت السلع الزراعية مثل البرتقال الليمون والفستق وقصب السكر
إلى صقلية.[23]
سمح للمسيحيين الأصليين حرية الدين كونهم من أهل الذمة لكن وجب عليهم دفع الجزية كما
كانت هناك قيود على وظائفهم ولباسهم والقدرة على المشاركة في الشؤون العامة. بدأت إمارة صقلية
بالتفتت نتيجة صراعات داخل الأسرة الحاكمة.[30] خلال ذاك الوقت كانت هناك أيضا أقلية يهودية في
الجزيرة.[32]
بحلول القرن الحادي عشر، استأجرت القوى الرئيسية الموجودة في البر الإيطالي الجنوبي مرتزقة من النورمان
الذين استولوا على صقلية من المسلمين تحت قيادة روجر الأول.[30] بعد السيطرة على بوليا وكالابريا
نجح في احتلال ميسينا بجيش قوامه 700 فارس. في عام 1068 انتصر روجر في ميسيلميري
لكن المعركة الحاسمة كانت حصار باليرمو والتي أدت عام 1072 إلى سقوط صقلية تحت سيطرة
النورمان.[33]
توفي روجر الأول في العام 1101 للميلاد. خلفه ابنه روجر الثاني والذي كان أول ملك
على صقلية. يعود النورمان الصقليون إلى سلالة هوتفيل منحدرين من الفايكنج. ذهل النورمان وأعجبوا بالثقافة
الغنية للجزيرة. اعتمد العديد من النورمان في صقلية بعضا من صفات الحكام المسلمين في اللباس
واللغة والأدب، وحتى في وجود حراس القصر المخصيين لحراسة القصر والحريم. كما تأثروا أيضا بالخلافة
المتعددة الأعراق في قرطبة. أصبح بلاط روجر الثاني المركز الأكثر إضاءة للثقافة في منطقة البحر
الأبيض المتوسط، سواء في أوروبا أو الشرق الأوسط. اجتذب هذا الدارسين والعلماء والشعراء والفنانين والحرفيين
من جميع الأنواع. تمتع المسلمون بنفوذ في عهد النورمان في صقلية، حيث عززت سيادة القانون
وعاش المسلمون واليهود واليونان البيزنطيون والنورمان معا لتشكيل مجتمع واحد. يجادل بعض المؤرخين أن بعض
المباني في تلك الفترة وحتى الآن هي الأكثر استثنائية في العالم على الإطلاق.[34]
استمرت باليرمو عاصمة للنورمان. كما نجح روجر الثاني ملك صقلية ابن روجر الأول بعد أن
خلف شقيقه سيمون كونت صقلية في نهاية المطاف إلى رفع مكانة الجزيرة إلى مملكة عام
1130، جنبا إلى جنب مع ممتلكاته الأخرى التي شملت دوقية بوليا وكالابريا والجزر المالطية.[33][35] ازدهرت
مملكة صقلية خلال هذه الفترة وأصبحت ذات قوة سياسية وأضحت بالتالي واحدة من أغنى الدول
في كل من أوروبا حتى أكثر ثراء من انكلترا.[36]
هاجرت أعداد كبيرة نوعا ما من شمال إيطاليا وكامبانيا إلى الجزيرة خلال هذه الفترة. لغويا،
انتشرت اللغة اللاتينية وأصبحت تتبع الكنيسة الرومانية الكاثوليكية، بينما كانت سابقا تحت الحكم البيزنطي مسيحية
شرقية.[37]
بعد قرن من الزمان انتهت سلالة هوتفيل النورمانية. بينما تزوجت السليلة المباشرة الأخيرة لروجر، كونستانس،
من الإمبراطور هنري السادس.[38] أدى ذلك في النهاية إلى انتقال تاج صقلية إلى أسرة هوهنشتاوفن،
وهم ألمان من شوابيا. أدى الصراع بين بيت هوهنشتاوفن والبابوية في 1266 إلى تتويج البابا
إنوسنت الرابع للدوق الأنجوفي تشارلز الأول من نابولي ملكا على صقلية ونابولي على حد سواء.[38]
أدت المعارضة القوية لطبقة الموظفين الفرنسيين بسبب سوء المعاملة وفرض الضرائب إلى ثورة الصقليين، مما
أدى في 1282 إلى التمرد المعروف باسم حرب صلاة الغروب الصقلية، والتي شهدت في نهاية
المطاف مقتل جميع السكان الفرنسيين تقريبا. تحول الصقليون خلال الحرب إلى بيتر الثالث الأراغوني صهر
آخر ملوك هوهنشتاوفن للحصول على دعمه بعد أن رفضهم البابا. نجح بيتر في السيطرة على
صقلية من الفرنسيين على الرغم من أن الفرنسيين حافظوا على مملكة نابولي. استمرت الحروب حتى
صلح كالتابيلوتا في 1302 والذي شهد تنصيب فريدريك الثالث ابن بيتر ملكا معترفا به لجزيرة
صقلية بينما اعترف بتشارلز الثاني ملكا لنابولي من قبل البابا بونيفاتشي الثامن.[38] حكمت صقلية ككيان
مستقل من قبل أقارب ملوك أراغون حتى عام 1409 حيث تبعت تاج أراغون مباشرة.[15] في
تشرين الأول / أكتوبر 1347 ظهر الموت الأسود في ميسينا أول ما ضرب في أوروبا.[39]
شهدت محاكم التفتيش الإسبانية في عام 1492 في عهد فرديناند الثاني طرد اليهود من الجزيرة.[38]
كما ضرب زلزالان شديدان شرق الجزيرة في عامي 1542 و 1693، كما أنه وقبل سنوات
قليلة من الزلزال الأخير ضرب الجزيرة طاعون شرس.[38] ذهب الزلزال عام 1693 بأرواح ما يقرب
من 60,000 شخص.[40] ظهرت أيضا ثورات خلال القرن السابع عشر ولكنها قمعت بشدة ولا سيما
ثورات باليرمو وميسينا.[15] كما أدت هجمات الأساطيل الإسلامية إلى إخلاء سواحل صقلية حتى القرن التاسع
عشر.[41][42] نقلت معاهدة أوترخت في عام 1713 صقلية لأسرة سافوي لكن ذلك لم يدم أكثر
من سبع سنوات حيث جرت مبادلة الجزيرة بجزيرة سردينيا مع الإمبراطور شارل السادس من آل
هابسبورغ النمساوي.[43]
بينما انشغل النمساويون في حرب الخلافة البولندية، نجح الأمير البوربوني كارلوس من إسبانيا في ضم
صقلية ونابولي.[44] استطاعت صقلية بداية البقاء مملكة مستقلة تحت مظلة الاتحاد الشخصي بينما حكمهما البوربون
انطلاقا من نابولي. لكن ومع بروز الإمبراطورية الفرنسية الأولى سقطت نابولي بيد جيوش نابليون بعد
معركة كامبو تينيسي ونصب نابليون ملوكا تابعين له. اضطر فرديناند الثالث بعدها إلى التراجع إلى
صقلية التي كانت لا تزال تحت السيطرة البوربونية التامة بمساعدة من الحماية البحرية البريطانية.[45]
نتيجة لذلك دخلت صقلية الحروب النابليونية والانتصار في تلك الحروب دمجت نابولي وصقلية مجددا تحت
اسم مملكة الصقليتان وتحت حكم البوربون. اندلعت الحركات الثورية الكبرى بين عامي 1820 و 1848
ضد حكومة البوربون خلال سعي صقلية للاستقلال. كانت الثورة الثانية عام 1848 ناجحة ومنحت الجزيرة
فترة من الاستقلال.[46]
في عام 1860 سيطرت حملة الألف بقيادة جوزيبي غاريبالدي على صقلية كجزء من توحيد إيطاليا.[47]
بدأت العملية في مارسالا حيث انضم الصقليون الأصليون للحملة بناء على وعود غاريبالدي بالجمهورية الإيطالية
وتحقيق المساواة بين الصقليين كما ساهموا في السيطرة جنوبي شبه الجزيرة الإيطالية. اكتمل زحف غاريبالدي
مع حصار غايتا حيث تم طرد آخر أفراد البوربون وأعلن غاريبالدي حكمه للجزيرة تحت جناح
فيكتور ايمانويل الثاني ملك سردينيا. أصبحت صقلية بعد ذلك جزءا من مملكة إيطاليا. ومع فرض
النظام ملكي لم يحصل الصقليون على الجمهورية ولا المساواة الموعودة حيث استلم مهام الشرطة الهامة
والمناصب القضائية والسياسية إيطاليون من الشمال. اندلعت ثورة ضد حكم آل سافوي في باليرمو عام
1866 مطالبة باستقلال الجزيرة. قمعت هذه الثورة بوحشية من قبل الإيطاليين في غضون أسبوع.[47]
كتب جوزيبي توماسي دي لامبيدوزا في كتابه “الفهد” أو “إل غاتوباردو” أن الصقليين نظروا إلى
توحيد إيطاليا على أنه غزو الشمال للجنوب. انهار الاقتصاد الصقلي (و الميزوجيونو الأكبر) مما أدى
إلى موجة غير مسبوقة من الهجرة.[47] برزت منظمات عمال وفلاحين تعرف باسم “فاشي سيشيلياني” وهي
جماعات يسارية انفصالية، وثارت على الحكومة المركزية التي فرضت الأحكام العرفية مرة أخرى في عام
1894.[48][49] ضرب زلزال مدمر ميسينا في 28 ديسمبر 1908 وأسفر عن مقتل أكثر من 80000
شخص.[50]
نمت المافيا التي هي اتحاد فضفاض من شبكات الجريمة المنظمة نتيجة للوضع في أواخر القرن
التاسع عشر، لكن النظام الفاشي نجح جدا في قمعها في عشرينيات القرن الماضي.[47] غزا الحلفاء
صقلية خلال الحرب العالمية الثانية في 10 يوليو 1943. نشط الحلفاء المافيا أملا في دعمها
خلال الغزو. أدى غزو الحلفاء للجزيرة إلى أزمة 25 يوليو. عموما رحب الصقليون بالحلفاء المنتصرين.[47]
تحولت إيطاليا إلى النظام الجمهوري في عام 1946 وكجزء من دستور إيطاليا أصبحت صقلية واحدة
من المناطق الخمس ذاتية الحكم في إيطاليا.[51] ساهمت كل من إصلاح الأراضي الإيطالي الجزئي والتمويل
الخاص من الحكومة الإيطالية تحت اسم “كاسا بير ايل ميزوجيونو” (تمويل للجنوب) بين 1950-1984 في
تحسين عجلة اقتصاد الجزيرة.[52][53]
تجري السياسة الصقلية في إطار ديمقراطية تمثيلية رئاسية حيث رئيس الحكومة الإقليمية هو رئيس الحكومة
ضمن نظام متعدد الأحزاب. تمارس السلطة التنفيذية من قبل الحكومة الإقليمية. بينما تناط السلطة التشريعية
في كل من الحكومة والجمعية الإقليمية الصقلية.
حركة الاستقلال الصقلية (بالإيطالية:Movimento Indipendentista Siciliano) كانت حزبا سياسيا صقليا انفصاليا نشط في الجزيرة بين 1943-1951. حصل الحزب على أفضل
نتائجه الانتخابية عام 1947، عندما فاز بمجموع 8.8% من الأصوات وتسعة نواب إقليميين.
أيد الحزب صقليون من مجموعة واسعة من الانتماءات السياسية حيث تشارك في ذلك كل من
المحافظين والاشتراكيين في وقت ما. كان الهدف الأول هو حصول صقلية على الاستقلال. ومع تحقيق
ذلك الهدف، اعتزم الحزب إدارة شؤون الجزيرة لوحده، مما أدى إلى حركة انشقاق لتأسيس أحزاب
سياسية جديدة انطلاقا من دوافع شخصية.
في انتخابات عام 1946 العامة، حصل الحزب على 0.7% من الأصوات الوطنية (8.8 ٪ من
الأصوات في صقلية) وأربعة مقاعد بما في ذلك زعيم الحركة فينوكيارو أبريلي. خلال المؤتمر عام
1947 طرد انطونيو فارفارو وهو سكرتير سابق وعضو بارز في الجناح الأيسر من الحزب بأغلبية
ولا تزال الأسباب غير معروفة. بعد هذه الأحداث أسس فارفارو حركة الاستقلاليين المنافسة والتي لم
تحقق نجاحا كبيرا وتم حلها قريبا. في الانتخابات الأولى التي عقدت في جزيرة صقلية عام
1947 حصلت حركة الاستقلال الصقلية على حوالي 9 في المئة من الأصوات والمقاعد الثمانية. مع
ذلك فقدت الحركة جميع المقاعد في أعقاب الانتخابات العامة عام 1948 والانتخابات الإقليمية عام 1951.
بعد وقت قصير من الانتخابات الأخيرة، استقال فينوكيارو أبريلي وعدة أعضاء آخرين من حركة الاستقلال
الصقلية التي دخلت نوعا من التوقف السياسي، لكن لم يتم حلها رسميا.
عرفت صقلية منذ العصور القديمة بشكلها المثلث تقريبا مما منحها الاسم تريناكريا. يفصلها عن إقليم
كالابريا الإيطالي في الشرق مضيق ميسينا. تبلغ المسافة بين الجزيرة والبر الرئيسي الإيطالي عبر مضيق
ميسينا حوالي 3 كم (2 ميل) في الشمال وحوالي 16 كم (10 ميل) في جنوب
المضيق.[54] تتميز الجزيرة بمشهد جبلي كثيف. السلاسل الجبلية الرئيسية هي نبرودي ومادوني في الشمال وبيلوريتاني
في الشمال الشرقي، بينما تعتبر الجبال الهيبليانية في الجنوب الشرقي جيولوجيا استمرارا لجبال الأبنين الإيطالية.
كانت مناجم إنا وكالتانيسيتا رائدة في إنتاج الكبريت خلال القرن التاسع عشر ولكنها تراجعت منذ
خمسينيات القرن الماضي.
صقلية والجزر الصغيرة المحيطة بها مثيرة لاهتمام خبراء البراكين. جبل إتنا الذي يقع في الجزء
الشرقي من البر الرئيسي لصقلية بارتفاع 3320 متر هو أعلى بركان نشط في أوروبا وأحد
أنشطها في العالم.
الجزر الإيولية في البحر التيراني إلى الشمال الشرقي من صقلية تحتوي معقد سترومبولي البركاني النشط
حاليا وأيضا ثلاثة براكين نائمة هي فولكانو وفولكانيلو وليباري. قبالة الساحل الجنوبي لصقلية يوجد البركان
فيردينانديا تحت الماء الذي هو جزء من بركان إيمبيدوكليس الأكبر الذي ثار آخر مرة في
1831. يقع بين ساحل أغريجنتو وجزيرة بانتيليريا (و التي هي نفسها البركان الخامد) على فليغريان
فيلدز في مضيق صقلية.
يوجد في صقلية العديد من الموائل في الغابات والأنهار. أكبر الغابات في صقلية هي بوسكو
دي كارونيا.[55] كما توجد عدة أنواع من الطيور في صقلية وفي بعض الحالات تعد صقلية
نقطة حدودية لأنواع من الحيوانات. على سبيل المثال، الغراب المقنع يوجد حتى صقلية وسردينيا وكورسيكا
ولكنه لا يوجد في المناطق الأكثر جنوبا.[56]
يشق الجزيرة عدد من الأنهار يتدفق معظمها عبر المنطقة الوسطى ويدخل البحر في جنوب الجزيرة.
يتدفق نهر سالسو عبر أجزاء من إنا وكالتانيسيتا قبل الدخول إلى البحر الأبيض المتوسط في
ميناء ليكاتا. إلى الشرق هناك نهر الكانتارا في مقاطعة ميسينا والذي ينتهي في جيارديني ناكسوس
ونهر سيميتو الذي يصب في البحر الأيوني جنوب كاتانيا. من الأنهار الهامة الأخرى في الجزيرة
تقع في الجنوب الغربي مثل بيليشي وبلاتاني.