جامع الادلة في تحريم شرب الخمر وبيعها من القران والحديث والاجماع
وصلى الله وسلم على سيد المرسلين محمد وعلى ءاله وصحبه الطيبين الطاهرين، وبعد،
اعلم ان شرب الخمر معصية كبيرة من اكبر الكبائر وليست هي اكبر الذنوب، لان اكبر
الذنوب على الاطلاق هو الكفر بجميع انواعه التعطيل والتشبيه والتكذيب والاشراك، ومن ذلك اعتقاد ان
الله جسم او نور بمعنى الضوء او روح او انه يشبه شيئا من المخلوقات في
وصف من الاوصاف كالحركة والانتقال والتحيز في مكان وغير ذلك فذلك كله كفر يخلد من
مات عليه في النار، والكفر هو الذنب الذي لا يغفره الله تعالى لمن مات عليه
ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء، ثم بعد الكفر ياتي قتل النفس المؤمنة التي حرم
الله الا بالحق ثم الزنا وبعد الزنا ياتي ترك الصلاة واكل الربا وشرب الخمر وكلها
من كبائر الذنوب التي يستحق صاحبها العقوبة في الاخرة ان مات ولم يتب منها لكنه
لا يخلد في النار ان مات على الايمان حتى وان كان مرتكبا لعدة انواع من
الكبائر.
ثم حرمة شرب الخمر معلومة من الدين بالضرورة فمن انكر حرمة الخمر خرج من الاسلام
لانه كذب القرءان والحديث النبوي والاجماع الا ان يكون كقريب عهد باسلام ما سمع قبل
ان عند المسلمين يحرم شرب الخمر فهذا اذا استحلها لا يكفر لكن يعلم يقال له
الخمر في دين الاسلام حرام فان رجعت وقلت هي حلال تكفر.
والخمر قد يكون من العنب او التمر او العسل او الحنطة او الشعير او الذرة
او البصل او البطاطا او التفاح او غير ذلك. فكل شراب غير العقل مع الطرب
اي مع النشوة والفرح فهو خمر ان كان من عنب او عسل او ذرة او
شعير او غير ذلك اما عصير العنب فيصير خمرا بعد الغليان من دون ان يخلط
به شىء، اما العسل والشعير والذرة والزبيب والتمر انما يصير خمرا لما يوضع فيه ماء
ثم يمكث مدة ثم يغلي اي يرتفع ويطلع منه صوت يقال له نشيش عندئذ يصير
خمرا. ثم ان العسل اذا خلط بالماء وسد فم الاناء يصير خمرا في البلاد الحارة
في ظرف خمسة ايام، اما في البلاد الباردة يتاخر، واما ان حفظ العسل في اناء
ولم يخلط بشىء وكان هذا العسل صافيا ووضع في اناء الزجاج ونحوه يبقى سنوات طويلة
من غير ان يفسد. ثم ان بعض الناس يسكرهم قليل الخمر وكثيره، وبعض الناس لا
يسكرهم الا كثيره، وكل حرام القليل والكثيركما دل على ذلك ما سنذكره من الاحاديث والادلة
الشرعية.
الدليل على حرمة شرب الخمر من القرءان:
1. ﴿يسالونك عن الخمر والميسر قل فيهما اثم كبير ومنافع للناس واثمهما اكبر من نفعهما﴾
[البقرة: من الاية219].
2. ﴿قل انما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والاثم والبغي بغير الحق
وان تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وان تقولوا على الله ما لا تعلمون﴾
[الاعراف:33].
3. ﴿يا ايها الذين امنوا انما الخمر والميسر والانصاب والازلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه
لعلكم تفلحون﴾ [المائدة:90].
وفي معنى قول الله تعالى: ﴿يا ايها الذين ءامنوا انما الخمر والميسر والانصاب والازلام رجس
من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون [90] انما يريد الشيطان ان يوقع بينكم العداوة والبغضاء
في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل انتم منتهون[91]﴾ [سورة المائدة/90-91] نقول:
﴿والميسر﴾ القمار، ﴿والانصاب﴾ نوع من الاوثان وهي حجارة يهريقون الدم عبادة لها لانها تنصب فتعبد،
﴿رجس﴾ اي نجس او خبيث مستقذر، ﴿من عمل الشيطان﴾ لانه يحمل على هذا العمل فكانه
عمله والضمير في ﴿فاجتنبوه﴾ يرجع الى الرجس او الى عمل الشيطان اي فاجتنبوا الرجس او
اجتنبوا عمل الشيطان، ﴿لعلكم تفلحون﴾ اكد تحريم الخمر والميسر من وجوه حيث صدر الجملة بانما
وقرنها بعبادة الاصنام وجعلهما رجسا من عمل الشيطان ولا ياتي منه – اي الشيطان –
الا الشر البحت، وامر بالاجتناب وجعل الاجتناب من الفلاح، واذا كان الاجتناب فلاحا كان الارتكاب
خسارا. وفي قوله تعالى ﴿انما يريد الشيطان ان يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر
ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة﴾ بيان ما يتولد من الخمر والميسر من الوبال وهو
وقوع التعادي والتباغض بين اصحاب الخمر والقمار وما يؤديان اليه من الصد عن ذكر الله
وعن مراعاة اوقات الصلاة. وخص الصلاة من بين الذكر لزيادة درجتها، فكانه قال “وعن الصلاة
خصوصا”. وقوله تعالى: ﴿فهل انتم منتهون﴾ من ابلغ ما ينهى به، كانه قيل: “قد تلي
عليكم ما فيهما من انواع الصوارف والزواجر فهل انتم مع هذه الصوارف منتهون ام انتم
على ما كنتم عليه كان لم توعظوا ولم تزجروا”. ويفهم من الاية ايضا ان القمار
من الكبائر.
فقوله تعالى ﴿فاجتنبوه﴾ مع قوله ﴿فهل انتم منتهون﴾ دليل على حرمة شرب الخمر، وقبل نزول
هاتين الاتين لم تكن الخمرة محرمة على امة محمد اي اذا كانت الى القدر الذي
لا يضر الجسم. ومع ذلك فان الانبياء لا يحثون اممهم على شرب الخمر لان ذلك
ينافي حكمة البعثة التي هي تهذيب النفوس، وقليل الخمر يؤدي الى كثيره. وما يزعم بعضهم
من ان سيدنا عيسى قال قليل من الخمر يفرح قلب الانسان فهو كذب عليه.
واما قوله تعالى ﴿يا ايها الذين ءامنوا لا تقربوا الصلاة وانتم سكارى حتى تعلموا ما
تقولون﴾ [سورة النساء/43] فهذا نزل قبل التحريم، وكذلك قوله تعالى ﴿يسئلونك عن الخمر والميسر قل
فيهما اثم كبير ومنافع للناس واثمهما اكبر من نفعهما﴾ [سورة البقرة/219] فهذا ايضا ليس تحريما،
لانهم ظلوا يشربون الخمر بعد نزول هاتين الايتين بل لما نزلت هاتان الايتان قال سيدنا
عمر رضي الله عنه “اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا” رواه ابو داود والترمذي
والنسائي وابن ماجه. ولم يفهم سيدنا عمر ولا غيره من الصحابة التحريم من هاتين الايتين،
وانقطعوا عن شربها لما نزل قوله تعالى ﴿فاجتنبوه﴾ مع قوله تعالى ﴿فهل انتم منتهون﴾ لانهم
فهموا منه التحريم القطعي. والله تعالى – تسهيلا عليهم حتى لا يكون عليهم مشقة زائدة
في الاقلاع عن شرب الخمر – انزل التحريم شيئا فشيئا. ثم لما نزل قوله تعالى
﴿فاجتنبوه﴾، مع قوله تعالى ﴿فهل انتم منتهون﴾ قال سيدنا عمر “انتهينا انتهينا” واراقوا الخمر حتى
جرت في السكك. واما قوله تعالى ﴿تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا﴾ [سورة النحل/67] فقد قال
بعضهم: السكر هو الخل وقال بعضهم هذه الاية نسخت لما نزلت ءاية التحريم.
وكما يحرم شرب الخمر يحرم بيعها ولو لغير شربها لحديث البخاري ومسلم “ان الله ورسوله
حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والاصنام“.
الدليل على حرمة شرب الخمر من الحديث:
1. عن ابن عمر عن عمر قال: نزل تحريم الخمر يوم نزل وهي من خمسة
اشياء: من العنب، والتمر، والعسل، والحنطة والشعير، والخمر ما خامر العقل” رواه البخاري ومسلم وابو
داود في سننه وابن حبان في صحيحه.
2. عن عمر بن الخطاب قال: لما نزل تحريم الخمر، قال عمر: “اللهم بين لنا
في الخمر بيانا شفاء، فنزلت الاية التي في البقرة: ﴿يسالونك عن الخمر والميسر قل فيهما
اثم كبير﴾ الاية [البقرة:219]، قال: فدعي عمر، فقرئت عليه، قال: اللهم بين لنا في الخمر
بيانا شفاء، فنزلت الاية التي في النساء: ﴿يا ايها الذين امنوا لا تقربوا الصلاة وانتم
سكارى﴾ [النساء:43] فكان منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا اقيمت الصلاة نادى: الا
لا يقربن الصلاة سكران، فدعي عمر فقرئت عليه، فقال: اللهم بين لنا في الخمر بيانا
شفاء، فنزلت هذه الاية: ﴿فهل انتم منتهون﴾ [المائدة:91]، قال عمر: انتهينا” رواه الترمذي وابو داود
والنسائي في السنن.
3. عن انس قال: “كنت ساقي القوم حيث حرمت الخمر في منزل ابي طلحة، وما
شرابنا يومئذ الا الفضيخ، فدخل علينا رجل، فقال: ان الخمر قد حرمت، ونادى منادي رسول
الله صلى الله عليه وسلم فقلنا: هذا منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم” رواه
البخاري ومسلم وابو داود في سننه.
4. عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لعن الله الخمر
وشاربها وساقيها، وبائعها ومبتاعها، وعاصرها ومعتصرها، وحاملها والمحمولة اليه” رواه الترمذي وابو داود في سننهما
وابن حبان في صحيحه واحمد في مسنده عن ابن عباس. وليس في الحديث ان الناظر
اليها ملعون كما شاع على السنة بعض العوام بل قول ذلك على الاطلاق ضلال وكفر
والعياذ بالله.
6. عن عبد الله بن عمرو: ان نبي الله صلى الله عليه وسلم نهى عن
الخمر والميسر والكوبة والغبيراء، وقال: “كل مسكر حرام” رواه ابو داود والنسائي في سننهما.
7. عن معاوية بن ابي سفيان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “اذا
شربوا الخمر فاجلدوهم، ثم ان شربوا فاجلدوهم، ثم ان شربوا فاجلدوهم، ثم ان شربوا فاجلدوهم،
ثم ان شربوا فاقتلوهم” رواه الترمذي وابو داود والنسائي في السنن وابن حبان في صحيحه.
8. عن جابر بن عبد الله يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عام
الفتح وهو بمكة: “ان الله ورسوله حرم بيع الخمر” رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابو
داود في السنن.
9. عن انس بن مالك ان رسول الله صلى الله عليه وسلم: “نهى ان يخلط
التمر بالزهو، ثم يشرب، وان ذلك عامة خمورهم يوم حرمت الخمر” رواه مسلم وابن حبان
في صحيحه.
10. عن ابي هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: “لا يزني الزاني
حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشرب وهو مؤمن” رواه البخاري ومسلم والترمذي
والنسائي وابو داود في السنن وابن حبان في صحيحه.
11. عن ابي سعيد الخدري ان النبي صلى الله عليه وسلم: “ان الله تعالى حرم
الخمر، فمن ادركته هذه الاية وعنده منها شيء فلا يشرب، ولا يبع” رواه مسلم.
12. عن ابن عباس قال: “حرمت الخمر قليلها وكثيرها، والسكر من كل شراب” رواه النسائي.
13. عن جابر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “ما اسكر كثيره فقليله
حرام” رواه النسائي وابو داود في سننه وابن حبان في صحيحه.
14. عن عائشة قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “كل مسكر حرام،
وما اسكر منه الفرق، فملء الكف منه حرام” رواه ابو داود والترمذي وابن حبان في
صحيحه، ومن طريق جابر بن عبد الله وغيره رواه ابن ماجه.
15. عن عامر بن سعد بن ابي وقاص عن ابيه ان رسول الله صلى الله
عليه وسلم نهى عن قليل ما اسكر كثيره. رواه النسائي وابن حبان في صحيحه
16. عن عائشة رضي الله عنها ان رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن
البتع فقال: “كل شراب اسكر حرام” (والبتع هو نبيذ العسل) رواه البخاري ومسلم وابو داود
والنسائي وابن ماجه والترمذي وابن حبان في صحيحه.
الدليل على حرمة شرب الخمر من اقول بعض المفسرين والعلماء:
1. قال القرطبي في تفسيره: “ولا خلاف بين علماء المسلمين ان سورة المائدة نزلت بتحريم
الخمر” اه
2. قال الخازن في تفسيره ما نصه: “(فصل: في تحريم الخمر ووعيد من شربها) اجمعت
الامة على تحريم الخمر” اه
3. وقال الطبري في تفسيره: “ثم نزلت: ﴿يا ايها الذين امنوا انما الخمر والميسر والانصاب
والازلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه﴾ ، فحرمت الخمر عند ذلك” اه
4. وقال الثعلبي في تفسيره: “فانزل الله تحريم الخمر في سورة المائدة انما الخمر والميسر
الى ينتهون وذلك بعد غزوة الاحزاب بايام فقال عمر: انتهينا يا رب” اه
5. وقال ابن عطية في تفسيره: “وانما حرمت الخمر بظواهر القران ونصوص الاحاديث واجماع الامة”
اه
6. وقال الرازي في تفسيره: “من الدلائل الدالة على ان الخمر هو المسكر ان الامة
مجمعة على ان الايات الواردة في الخمر ثلاثة، اثنان منها وردا بلفظ الخمر احدهما: هذه
الاية ﴿يسالونك عن الخمر والميسر﴾ والثانية: اية المائدة والثالثة: وردت في السكر وهو قوله: لا
تقربوا الصلاة وانتم سكارى [النساء: 43] وهذا يدل على ان المراد من الخمر هو المسكر”
اه
7. وقال البيضاوي في تفسيره: “واعلم انه سبحانه وتعالى اكد تحريم الخمر والميسر في هذه
الاية، بان صدر الجملة ب انما وقرنهما بالانصاب والازلام، وسماهما رجسا، وجعلهما من عمل الشيطان
تنبيها على ان الاشتغال بهما شر بحت او غالب، وامر بالاجتناب عن عينهما وجعله سببا
يرجى منه الفلاح، ثم قرر ذلك بان بين ما فيهما من المفاسد الدنيوية والدينية المقتضية
للتحريم فقال تعالى: ﴿انما يريد الشيطان ان يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم
عن ذكر الله وعن الصلاة فهل انتم منتهون﴾” اه
8. وقال النسفي في تفسيره: “اكد تحريم الخمر والميسر من وجوه حيث صدر الجملة بانما
وقرنهما بعبادة الاصنام ومنه الحديث شارب الخمر كعابد الوثن وجعلهما رجسا من عمل الشيطان ولا
ياتي منه الا الشر البحت وامر بالاجتناب وجعل الاجتناب من الفلاح واذا كان الاجتناب فلاحا
كان الارتكاب خسارا” اه وقال ايضا: “وانما نهاهم عما كانوا يتعاطونه من شرب الخمر واللعب
بالميسر وذكر الانصاب والازلام لتاكيد تحريم الخمر والميسر” اه
9. وقال القنوجي في تفسيره: “نزلت هذه الاية ﴿انما الخمر والميسر﴾ فصارت حراما عليهم حتى
كان يقول بعضهم ما حرم الله شيئا اشد من الخمر، وذلك لما فهموه من التشديد
فيما تضمنته هذه الاية من الزواجر، وفيما جاءت به الاحاديث الصحيحة من الوعيد لشاربها وانها
من كبائر الذنوب. وقد اجمع على ذلك المسلمون جميعا لا شك فيه ولا شبهة” اه
10. وقال النووي في شرحه على صحيح مسلم: “علة تحريم الخمر كونها تصد عن ذكر
الله وعن الصلاة وهذه العلة موجودة في جميع المسكرات فوجب طرد الحكم في الجميع” اه
11. وقال القسطلاني في شرحه على البخاري: “قد قام الاجماع على ان قليل الخمر وكثيره
حرام” اه
12. قال العمراني في البيان: “الخمر محرم والاصل فيه: الكتاب والسنة والاجماع” اه
13. وقال الخطيب الشربيني في الاقناع: “وانعقد الاجماع على تحريم الخمر” اه
14. وقال العلامة الجمل في حاشيته على شرح المنهج: “وقد تظاهرت النصوص على تحريم الخمر
وانعقد الاجماع عليها وهي من الكبائر” اه
15. وقال نجم الدين الصرصري في شرح مختصر الروضة: “وعلمنا بالاجماع وجوب تحريم الخمر واجتنابه”
اه
16. وقال البزدوي في اصوله: “فان النص اوجب تحريم الخمر لعينها” اه
والله نسال ان يحفظنا من المعاصي وان يوفقنا الى ما يحب ويرضى وسبحان الله والحمد
لله.
الحمد لله رب العالمين
- آيات الشفاء من الخمر