أوهام الحب
الخطبة الأولى
من الظواهر السيئة التي بدأت تروج وتنتشر في واقعنا ومجتمعنا ظاهرة مقيتة وعادة قبيحة وأوهام
شيطانية وتصرفات غربية وليست إسلامية وخيالات تخيل إلى أصحابها أنها حقيقية وهي في الحقيقية غير
حقيقية التقطها بعض شبابنا وفتياتنا من المسلسلات الغربية والقنوات الإعلامية والأفلام الغرائزية.
إنها ظاهرة التعلق والحب المذموم والعشق الوهمي.
يعلق المرء قلبه بشخص مخلوق مثله يحبه ويعشقه ويموت فيه ويخدمه بما يريد ويقدم له
ما يشاء ويلهث وراءه ويلهج لسانه بذكره ويستميت في الدفاع عنه ويحب دائما مجالسته والقرب
منه.
وربما تكون فتاة يدعي حبها ويصور لها أنه لا يرى في الوجود غيرها ويظهر لها
أن قلبه معلق بها ومتيم بحبها..
بل وللأسف الشديد موجود العكس وربما يكون بشكل أكثر وأكبر من تعلق الشباب بالفتيات وهي
تعلق بعض الفتيات ببعض الشباب والأولاد خاصة إذا كان وسيما أو أمردا.
وهذا ظاهر بشكل واضح وموجود بطريقة سافرة خاصة في الجامعات المختلطة ونراه بأنفسنا في الحدائق
والمنتزهات وعلى الشواطئ وفي صفحات الانترنت وعلى مجموعات الفيسبوك والواتساب.
بنات لا ينشرن إلا عبارات الحب ولا يظهرن على صفحاتهن إلا صور العشق وعبارات التعلق
وتجد بعضهن قد اتخذت لها خدنا وصديقا تظهر أمام صاحباتها تعلقها به وحبها له وتصرح
أمامهن بالتواصل معه والخروج هي وإياه وتخبرهن بما يدور بينها وبينه من أفعال وتصرفات وتتبجح
بذلك وتفاخر به وتعد نفسها امرأة عصرية حديثة ليست متخلفة ولا رجعية.
إنها صور مأساوية وقصص أليمة تحكي واقعا مرا يدور في مجتمعنا ويسري شره في أوساطنا
وبين بعض شبابنا وفتياتنا وطلابنا وطالباتنا.
يقول أحدهم أظهرت لبنت المحبة الخالصة والحب الصافي وكنت أتواصل معها وأتصل بها حتى وثقت
فيه وتمكن قلبها من محبتي وصارت تراني فارس أحلامها وعريس زواجها والمنقذ لها من همومها
وآلامها.
استمر بنا الحال على هذا المنوال عدة سنوات حتى أصبحت لا تخفي علي سرا من
أسرارها وأسرار أهلها وتعطيني ما أريد وتسعى في تذليل كل شيء يصعب علي وتخرج معي
بكل ثقة وطمأنينة وسرور.
إلى أن حان موعد الجد وأتى وقت زواج الصدق فكرت في أمري ونظرت في نفسي
فقلت هل أرضى بهذه الفتاة السافلة أن تكون زوجة لي وهل تستحق هذه الخائنة أن
تكون أما لأولادي وكيف سأستأمنها على بيتي ومالي وأهلي وما الذي يضمن لي أنها لا
تتواصل مع غيري كما تتواصل معي؟.
أفهم أن الوهم شيء والحقيقة شيء آخر وأن الزواج الحقيقي الجدي غير العبث والأوهام والحب
الزائف.
قال فقررت تركها وقطع الصلة بها وهي من منطقة غير المنطقة التي أسكن فيها فتركت
التواصل معها وغيرت كل وسائل الاتصال التي أملكها.
قال وفجأة رن رقم هاتفي الجديد فإذا به صوت فتاة تبكي بحرقة وتتكلم بألم فعرفت
أنها هي فأغلقت هاتفي.
بعدها علمت أنني قد خطبت على ابنة خالتي فأصيبت بحالة نفسية ومرت بأحوال مرضية قاسية
ولا تزال إلى الآن تعاني.
وهو الآن يسأل ماذا أفعل وكيف أتصرف لقد صرت أنا وهي نعيش في دوامة أليمة
وصراع نفسي مرير وبكاء مستمر أشعر أني ظلمتها وضحكت عليها ودمرت حياتها وهي أيضا تشعر
بأنني هتكت سترها وأفسدت أحلامها وأخاف أن ينالني شيء بسبب ظلمي لها وضحكي عليها هذه
هي النهاية المرة لهذه العلاقات السيئة والمحبة الوهمية الزائلة إما حالات نفسية أو أمراض عصبية
أو الخزي والفضيحة والتشهير وانكشاف العلاقة أو الإيدز والأمراض الجنسية أو السجن والسجن أدهى وأمر.
إن هذه العلاقات المحرمة سببها الأعظم ضعف محبة الله في القلب وقلة تعظيم حرماته وضعف
حبه وحب دينه ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم.
يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: ﴿ ومن الناس من يتخذ من دون الله
أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله ﴾ [البقرة: 165].
فالقلب إذا ضعف فيه حب الله واختلى من محبة الله وقل تعلقه بالخالق وتعلق بالمخلوق
ضاع وتاه وتخبط في الظلمات والمتاهات وسبح في بحار من الأوهام المغلقة والأماني الضائعة التي
يحسبها الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا أو كخيوط العنكبوت التي وصفها الله
بقوله ﴿ كمثل العنكبوت اتخذت بيتا وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون ﴾
[العنكبوت: 41].
من الأسباب التي جعلت هذه الظواهر السيئة تزداد وتنتشر: الفراغ العاطفي الذي يعيشه بعض شبابنا
وأبنائنا وبناتنا فلا يلاقون من أهلهم وآبائهم وأمهاتهم التودد والعطف والحب والحنان ولا يرون منهم
إلا الشدة والغلظة والكلام وربما الهجر والطرد والقطيعة.
فإذا وجد القلب من يشعره بالمحبة ويبادله الوفاء ويظهر له الحنان تعلق به وانصرف معه
وهذا موجود بكثرة عند النساء والبنات ذوات المشاعر الرقيقة والعواطف الجياشة وكذلك الفتية الصغار.
يقول الأقرع بن حابس، أبصرت النبي صلى الله عليه وسلم يقبل الحسن فقلت: إن لي
عشرة من الولد ما قبلت واحدا منهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه
من لا يرحم لا يرحم.
فلا بد من الرحمة بالأبناء والعطف بهم والشفقة عليهم وإظهار المودة والمحبة لهم حتى لا
يفتقروا لذلك عند أهلهم فيجدوها عند غيرهم فيكون ذلك سببا لضياعهم وانحرافهم.
تأملوا قول الله سبحانه وتعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: ﴿ فبما رحمة من الله
لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم
في الأمر ﴾ [آل عمران: 159].
فهل اقتدينا برسولنا صلى الله عليه وسلم في مراعاة عواطف أبنائنا وبناتنا وأهلنا ورفقائنا ومن
لهم حق علينا..
الخطبة الثانية
من الأسباب التي أدت إلى الانحراف العاطفي وضياع بعض الشباب والفتيات وانسياقهم وراء إقامة العلاقات
السيئة والتعلق المذموم والعشق المحرم أن يترك لهم المجال في الحديث عبر الانترنت مع من
يشاءون بلا حدود ولا شروط ولا ضوابط فيأتي البلاء من هناك ويتم التنسيق بينهم من
خلال تلك الأجهزة وبرامج التواصل ويترجم ذلك إلى أرض الواقع ويصبح حقيقة بعد أن تمت
العلاقات والاتفاقيات من خلف الشاشات وعبر الانترنت فوجدت هذه الظواهر السيئة بشكل ملفت خاصة في
هذه الفترات المتأخرة أصبح – الخور – مثلا مثالا سيئا لهذه العلاقات السيئة أولاد مع
أولاد وأولاد مع بنات وبنات مع أولاد وبنات مع بنات يظهر عليهن قلة الحياء وارتفاع
الحشمة كما أن هذه المظاهر موجودة وللأسف الشديد بين أروقة الجامعات بل تستغرب حينما تجد
عبارات الحب وكلمات العشق وأبيات المحبة وأشعار التعلق مسجلة على الجدران ومكتوبة على الأمياز والكراسي.
بل أنظر إلى كثير من العبارات المكتوبة على الدراجات النارية والسيارات لبعض الشباب تجدها عبارات
حب وعشق وجنون.
بل لو ذهب شخص إلى بعض الحدائق والمنتزهات لوجد شبابا جلوسا مع بنات كل واحد
قد انفرد بواحدة واختلى بها ويقومون بفعل بعض الحركات التي تدل على قلة الدين والحياء
وتؤكد بكل وضوح أن هذه البنت ليست زوجته إذ لو كانت زوجته لما رضي بممارسة
هذه الحركات المعوجة والتصرفات السيئة معها أمام الناس وخارج غرفة النوم ولكنه العشق وأوهام الحب
وغياب المحبة الحقيقية لله ولرسوله وللمؤمنين.
فالحذر الحذر والانتباه الانتباه لشبابنا وفتياتنا وأبنائنا وبناتنا من الوقوع في هذا المزالق الخطيرة والانحرافات
الهائلة.
يقول الله تبارك وتعالى: ﴿ زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من
الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب ﴾
[آل عمران: 14].
وعن عطاء بن أبي رباح عن أبي مسلم الخولاني قال: قلت لمعاذ بن جبل:
والله إني لأحبك لغير دنيا أرجو أن أصيبها منك ولا قرابة بيني وبينك قال: فلأي
شيء؟ قلت: لله قال: فجذب حبوتي ثم قال: أبشر إن كنت صادقا فإني سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول:
(المتحابون في الله في ظل العرش يوم لا ظل إلا ظله يغبطهم بمكانهم النبيون والشهداء
ثم قال: فخرجت فأتيت عبادة بن الصامت فحدثته بحديث معاذ فقال عبادة بن الصامت: سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عن ربه تبارك وتعالى: (حقت محبتي على المتحابين
في وحقت محبتي على المتناصحين في وحقت محبتي على المتزاورين في وحقت محبتي على المتباذلين
في وهم على منابر من نور يغبطهم النبيون والصديقون بمكانهم).
رابط الموضوع: http://www.alukah.net/sharia/0/67689/#ixzz3ZFuF8MFB