” الا ان في الجسد مضغة اذا صلحت صلح الجسد كله واذا فسدت فسد الجسد
كله, الا وهي القلب ” (البخاري).
رواه البخاري في صحيحه كتاب الايمان حديث رقم 50 :
حدثنا ابو نعيم حدثنا زكرياء عن عامر قال: سمعت النعمان بن بشير يقول: سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول: ” الحلال بين، والحرام بين، وبينهما مشبهات لا يعلمها
كثير من الناس . فمن اتقى المشبهات استبرا لدينه وعرضه، ومن وقع فى الشبهات كراع
يرعى حول الحمى يوشك ان يواقعه. الا وان لكل ملك حمى، الا ان حمى الله
فى ارضه محارمه. الا وان فى الجسد مضغة اذا صلحت صلح الجسد كله، واذا فسدت
فسد الجسد كله، الا وهى القلب “.
رواه الدارمي في سننه في كتاب البيوع حديث رقم 2419:
اخبرنا ابو نعيم حدثنا زكريا عن الشعبي قال سمعت النعمان بن بشير يقول: سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول: ” الحلال بين والحرام بين، وبينهما متشابهات لا يعلمها
كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات استبرا لعرضه ودينه، ومن وقع في الشبهات وقع في
الحرام كالراعي يرعى حول الحمى فيوشك ان يواقعه، وان لكل ملك حمى الا وان حمى
الله محارمه، الا وان في الجسد مضغة اذا صلحت صلح الجسد كله، واذا فسدت فسد
الجسد كله الا وهي القلب “.
في هذا الحديث الشريف لمحة من لمحات الاعجاز العلمي؛ اذ ان اي مرض يصيب القلب
فيفسده يؤثر على سائر الجسد فيفسد؛ وذلك لان القلب يقوم بضخ الدم غير النقي غير
المؤكسد من البطين الايمن الى الرئتين حيث ينقى باكسدته, ويعود الدم المؤكسد النقي من الرئتين
الى البطين الايسر الذي يضخه الى كل اجزاء الجسم, فيمد تريليونات الخلايا المكونة لجسم الانسان
بغاز الاوكسجين والغذاء, واذا اضطربت هذه الوظيفة او اختلت وفسدت وصل هذا الفساد الى سائر
خلايا الجسد.
ويعجب القارئ لحديث رسول الله الذي يصف هذه الحقيقة بدقة فائقة فيقول صلى الله عليه
وسلم : ” الا ان في الجسد مضغة, اذا صلحت صلح الجسد كله, واذا فسدت
فسد الجسد كله, الا وهي القلب “. وهي حقيقة طبية لم يدركها علم الانسان المكتسب
حتى قام ابن النفيس باكتشاف الدورة الدموية الصغرى في القرن الهجري السابع (الثالث عشر الميلادي),
وظلت فكرته مطمورة منسية لاكثر من ثلاثة قرون حين حاول بعض الغربيين نسبتها لانفسهم فاحيوها,
وطوروها, واضافوا اليها, واصبح من الثابت علميا ان القلب اذا صلح استقامت الدورة الدموية وصلح
الجسد كله, واذا فسد القلب فسد الجسد كله, يفيد بكل هذا الحديث الشريف.
وهنا نتساءل: من علم هذا النبي الامي ذلك غير الله الخالق ؟، ومن كان يستطيع
في الجزيرة العربية ان يلم بالدورة الدموية في جسم الانسان ودور القلب فيها قبل اربعة
عشر قرنا من الزمان لو لم يكن مصدر ذلك وحي السماء؟، وما الذي كان يضطر
سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم الى الخوض في مثل هذه الامور الغيبية في زمانه
لو لم يكن واثقا من صحة المعلومة الموحى بها اليه, وواثقا من مصدرها؟.
هذا بالنسبة للقلب العضوي, تلك العضلة الكمثرية الشكل الموجودة في القفص الصدري والتي لا يزيد
حجمها عن حجم قبضة اليد, ولا يزيد وزنها في الفرد البالغ عن ثلث كيلو جرام,
وتقوم بحوالي سبعين نبضة في الدقيقة اي حوالي مائة الف نبضة في اليوم الواحد لتضخ
خمسة لترات من الدم في كل دقيقة 7200 لترا في اليوم الواحد عبر شبكة معقدة
من الشرايين والاوردة والشعيرات الدموية يبلغ طولها الاف الكيلو مترات لتوصل الدم المؤكسد الى كل
خلية حية في الجسم, وتنزع منها الدم غير المؤكسد.
ومعروف لنا اليوم انه طالما كان القلب صالحا استقامت الدورة الدموية, ونالت كل خلية حية
في الجسم حظها من الدم الذي يحمل لها الغذاء والاوكسجين, وبه يتم احتراق المواد الغذائية
وانطلاق الطاقة, واذا فسد القلب اختلت الدورة الدموية, واختل وصول الغذاء والاوكسجين الى خلايا الجسم
فيفسد.
ولكن للقلب في كتاب الله وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم وفي مفاهيم كثير
من الناس مدلول غير تلك الكتلة من اللحم الرابضة في القفص الصدري تضخ الدم الى
كافة خلايا الجسم, وهو مدلول يتعلق بالعواطف والمفاهيم, والافكار والعقائد والفهم، وركائز الاخلاق وضوابط السلوك,
وهي قضايا ليس مقرها القلب العضلي وان ارتبطت به بصورة لم يدركها الانسان بعد, ويراه
المفكرون من امثال الامام الغزالي في كيان معنوي, او لطيفة ربانية روحانية لها بهذا القلب
العضوي تعلق لا تدرك كنهه, ويرى الغزالي ان هذا القلب المعنوي هو حقيقة الانسان, وهو
الكيان المدرك العالم العارف من الانسان,وهو المخاطب والمعاقب, والمعاتب, والمطالب …, والقلب المعنوي او اللطيفة
الربانية مرتبطة بمعنى الروح وهو سر مغلق.
وبهذا المعنى ايضا نرى لمحة اعجازية في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي
نحن بصدده, فاذا صلح مركز العواطف والمفاهيم والافكار والعقائد وركائز الاخلاق وضوابط السلوك, اذا صلحت
حقيقة الانسان المدرك العالم العارف, صلح امره كله, واذا فسدت فسد امره كله.
وهنا تتضح لمحة من لمحات الاعجاز في هذا الحديث النبوي الشريف اذا اخذ على جانبه
المادي العضوي الملموس واذا اخذ على جانبه المعنوي الروحاني الغيبي فاننا نجده صحيحا دقيقا شاملا؛
فالقلب بمدلوله المادي هو قوام حياة الجسد، اذا صلح صلح الجسد كله, واذا فسد فسد
الجسد كله, والقلب بمدلوله المعنوي قوام العواطف والعقائد, والمفاهيم والافكار, وركائز الاخلاق وضوابط السلوك، فاذا
صلح صلحت كل هذه الزوايا, وبصلاحها ينصلح الجسد كله.
- ان في الجسد مضغة