مواضيع للرجال للنساء

الشكوى لغير الله

الشكوى لغير الله 20160820 4346 1

الشكوى لغير الله 20160820 4346

السؤال

فضيلة الشيخ الموفق عبد الرحمن السحيم – انعم الله عليكم –

وبركاته

سمعت في احد المقاطع الوعظية توصية بالشكوى لله تعالى خاصة في السجود ، وان يخبر
المؤمن ربه بكل حكايته ويشكو له، وان الله تعالى لن يرد احدا يفعل مثل ذلك
. وفي المقطع حث على ترك الشكوى للناس او اخبارهم بما يبتليهم الله به

فهل ورد في الكتاب او السنة النهي عن الشكوى لغير الله تعالى ؟

وهل شكوى العبد لغير الله فيه تقليل من توقير الله تعالى لربه او علمه بعظمته
سبحانه ؟

وهل الانبياء والصالحون كانوا يكتمون ما يبتليهم الله به ويشكون لربهم فقط ؟

واذا تكرمتم فضيلة الشيخ – اسال الله ان يزيدكم علما ونورا – ان توجهوا اهل
البلاء بكلمة، حيث انهم قد يطول باحدهم البلاء وربما سمع مثل ذلك المقطع ثم اشتكى
لربه همه في سجوده واطال السجود ولكنه لا يرى اثرا لاجابة دعائه فربما افتتن وظن
بربه السوء

فكيف يجاب عن مثل ذلك ؟

شكر الله لكم فضيلة الشيخ عبد الرحمن واعلى الله درجاتكم في الجنات ونولكم الله الرفعة
في اخراكم ودنياكم واجزل لكم من فيوض رحماته وسابغ عطاياه واحسانه ولا ابقى الله لكم
حاجة الا قضاها وهو راض عنكم وسخرها في رضاه .

الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

امين ، ولك بمثل ما دعوت .

 

اولا : ينبغي ان يعلم انه ليس كل داع يستجاب له ؛ اذ لا يستجاب
لمن كان عنده شيء من موانع اجابة الدعاء ، الا ان يكون مضطرا .

ومن ذلك :

ان يدعو الانسان دعاء من يجرب : هل يستجاب له او لا ؟

والمسلم مامور بان يدعو بالحاح وان يعزم المسالة .

 

او يدعو وقلبه في واد اخر ! كمن يدعو الله ، وقلبه يلتفت الى احد
من البشر يامل فيه ويؤمل ان يقضي له حاجاته ، وان يلبي له مطالبه !

وهذا فيه سوء ادب مع الله ، كيف يسجد بين يدي الله ، او يرفع
يديه ، وقلبه متعلق بمخلوق ضعيف ، لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا ولا موتا
ولا حياة ولا نشورا ؟

 

ومتى ما خلا الانسان من موانع اجابة الدعاء ، وسال الله بصدق ، فانه لا
يكاد يرد دعاؤه .

ولذلك يستجاب للمضطر ؛ لان قلبه يتعلق بالله ، وينقطع امله ورجاؤه بالمخلوقين .

 

قال ابن مسعود رضي الله عنه : لا يسمع الله من مسمع ، ولا مراء
، ولا لاعب ، الا داع دعا يثبت من قلبه .

قال مالك بن الحارث : كان ربيع ياتي علقمة . قال : فاتاه ولم يكن
ثمة ، فجاء رجل فقال : الا تعجبون من الناس وكثرة دعائهم وقلة اجابتهم ؟
فقال ربيع : تدرون لم ذاك ؟ ان الله لا يقبل الا الناخلة من الدعاء
، والذي لا اله غيره لا يسمع الله من مسمع ولا مرائي ولا لاعب ولا
داع الا داع دعا بتثبت من قلبه .

قال يحيى بن معاذ : من جمع الله عليه قلبه في الدعاء لم يرده .

قال ابن القيم معلقا على قوله : اذا اجتمع عليه قلبه ، وصدقت ضرورته وفاقته
، وقوي رجاؤه ، فلا يكاد يرد دعاؤه .

 

ثانيا : ينبغي ان يعلم ان الله قد يستجيب لبعض عباده مباشرة ، وقد يدخر
الاجابة لبعض عباده الى يوم القيامة ، وقد يصرف عن بعض عباده شرا ، فيكون
خيرا له من اجابة الدعاء .

قال عليه الصلاة والسلام : قال عليه الصلاة والسلام : ما من مسلم يدعو بدعوة
ليس فيها اثم، ولا قطيعة رحم ، الا اعطاه الله بها احدى ثلاث : اما
ان تعجل له دعوته ، واما ان يدخرها له في الاخرة ، واما ان يصرف
عنه من السوء مثلها . قالوا : اذا نكثر ، قال : الله اكثر .
رواه الامام احمد . وهو حديث صحيح .

 

ثالثا : قد يؤخر الله عز وجل اجابة الدعاء لحكم يعلمها سبحانه وتعالى ، ومن
ذلك :

ان يكون في التاخير خير ، وذلك لعظم الاجر ، ورفعة الدرجات ، وحصول العاقبة
التي يحمدها صاحبها في الدنيا وفي الاخرة .

وقد يشدد في البلاء على انسان لزيادة ايمانه ، ولكي ترتفع درجاته في الاخرة .

قال عليه الصلاة والسلام : ان من اشد الناس بلاء الانبياء ، ثم الذين يلونهم
، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم . رواه الامام احمد والنسائي في الكبرى
.

وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الاخر : اي الناس اشد بلاء
؟ قال : الانبياء ، ثم الصالحون ، ثم الامثل فالامثل . رواه الامام احمد
والترمذي

فقد لبث نبي الله ايوب عليه الصلاة والسلام في البلاء  ثمان عشرة سنة ، ثم
فرج الله عنه .

وذكر غير واحد من المفسرين ان بين دعوة موسى عليه الصلاة والسلام على فرعون وقومه
، وبين قول الله عز وجل  لهما : (قد اجيبت دعوتكما) : اربعين سنة !

 

وقد لبث نبينا صلى الله عليه وسلم ومن معه من المؤمنين في الحصار في الشعب
ثلاث سنين .

 

رابعا : ما يتعلق بالشكوى ، فليست كل شكوى مذمومة ، وانما يذم ما يكون
على سبيل الجزع والتسخط .

قال سفيان بن عيينة رحمه الله : من اظهر الشكوى الى الخلق وهو راض بقضاء
الله لا يكون ذلك جزعا .

 

وقد وردت الشكوى في القران وفي السنة .

اما في القران ففي قوله تعالى : (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها)
قالت عائشة رضي الله عنها : تبارك الذي اوعى سمعه كل شيء ، اني لاسمع
كلام خولة بنت ثعلبة ، ويخفى علي بعضه ، وهي تشتكي زوجها الى رسول الله
صلى الله عليه وسلم ، وهي تقول : يا رسول الله ، اكل شبابي ،
ونثرت له بطني ، حتى اذا كبرت سني ، وانقطع ولدي ، ظاهر مني ،
اللهم اني اشكو اليك . قالت : فما برحت حتى نزل جبريل بهذه الاية :
(قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها) .

 

وكما قيل :

ولا بد من شكوى لذي مروءة  *** يواسيك او يسليك او يتوجع

 

السابق
حلوة القريوش
التالي
موعد الاحوال