عن حبة وسواء ابني خالد رضي الله عنه أنهما أتيا رسول الله صلي الله عليه
وسلم وهو يعمل عملا يبني بناء ، فلما فرغ دعانا فقال : ” لا تنافسا
في الرزق ما تهزهزت رءوسكما ، فإن الإنسان يلده أمه أحمر ليس عليه قشر ،
ثم يعطيه الله ويرزقه ” .
أخي المسلم : في هذه ” الوصية ” يطمئن النبي صلي الله عليه وسلم الناس
بأن الرزق يبد الله تعالى وحده فإذا أيقن الإنسان بذلك ، فرغ قلبه لعبادة ربه
، وأزاح عن كاهله كابوس هم الرزق ، وجعل الهموم هما واحدا ، هم واحدا
، هم مرضاة ربه . والآيات والأحاديث في هذا المعني كثيرة منها :
قوله تعالى : ” وفي السماء رزقكم وما توعدون J فورب السماء والأرض إنه لحق
مثل ما أنكم تتطقون “.
قال الحسن رحمه الله تعالى في هذه الآية : بلغني أن النبي صلي الله عليه
وسلم قال :” قاتل الله أقواما أقسم لهم ربهم بنفسه ثم لم يصدقوه !
قال الله تعالى : ” فورب السماء والأرض إنه لحق ” .
وقال الأصمعي : ” أقبلت ذات مرة من مسجد البصرة فلطلع أعرابي جاف على قعود
له متقلدا سيفه و بيده قوسه فدنا و سلم و قال : ممن الرجل ؟
قلت : من بني أصمع .
قال : أنت الأصمعي ؟
قلت : نعم .
قال : ومن أين أقبلت ؟
قلت : من موضع يتلى فيه كلام الرحمن .
قال : وللرحمن كلام يتلوه الآدميون ؟
قلت : نعم .
قال : فاتل على منه شيئا .
فقرأت ” والذاريات ذروا ” إلى قوله ” وفي السماء رزقكم وما توعدون ” .
فقال : يا أصمعي حسبك !! .
ثم قام إلى ناقته فنحرها وقطعها بجلدها ، وقال : أعني على توزيعها ، ففرقناها
على من أقبل وأدبر ، ثم عمد إلى سيفه وقوسه فكسرهما ووضعها تحت الرحل وولى
نحو البادية وهو يقول :” وفي السماء رزقكم وما توعدون ” .
فمقت نفسي ولمتها ، ثم حججت مع ” الرشيد ” ، فبينما أنا أطرف إذا
أنا بصوت رقيق ، فالتفت فإذا أنا بالأعرابي وهو ناحل مصفر ، فسلم على وأخذ
بيدي وقال : اتل على كلام الرحمن ، وأجلسني من وراء المقام فقرأت : ”
والذاريات ” حتى وصلت إلى قوله تعالى : ” وفي السماء رزقكم وما توعدون ”
فقال الأعرابي : لقد وجدنا ما وعدنا الرحمن حقا ، وقال : وهل غير هذا
؟
قلت : نعم ، يقول الله تبارك وتعالى : ” فورب السماء والأرض إنه لحق
مثل ما أنكم تنطقون ” .
قال : فصاح الأعرابي وقال: يا سبحان الله ! من الذي أغضب الجليل حتى حلف
! ألم يصدقوه في قوله حتى ألجئوه إلى اليمين ؟ فقالها ثلاثا وخرجت بها نفسه
!!!.
وقوله تعالى : ” وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها
ومستودعها كل في كتاب مبين ” . أخبر سبحانه وتعالى في هذه الآية برزق الجميع
، والدابة كل حيوان يدب والرزق حقيقة ما يتغذى به الحي ، ويكون فيه بقاء
روحه ونماء جسده . قيل لحاتم الأصم : من أين تأكل ؟
فقال : من عند الله .
فقيل له : الله ينزل لك دنانير ودراهم من السماء ؟
فقال : كأن ماله إلا السماء ! يا هذا الأرض له والسماء له ، فإن
لم يؤتني رزقي من السماء ساقه لي من الأرض وأنشد :
ورازق هذا الخلق في العسر واليسر | وكيف أخاف الفقر والله رازقي | |
وللضب في البيداء والحوت في البحر | تكفل بالأرزاق للخلق كلهم |
وذكر الترمذى الحكيم في ” نوادر الأصول ” بإسناده عن زيد بن أسلم : أن
الأشعريين أبا موسى وأبا ومالك وأبا عامر في نفر منهم ، لما هاجروا وقدموا على
رسول الله صلي الله عليه وسلم في ذلك وقد أرملوا من الزاد ، فأرسلوا رجلا
منهم إلى رسول الله صلي الله عليه وسلم يسأله ، فلما انتهى إلى الباب رسول
الله صلي الله عليه وسلم سمعه يقرا هذه الآية : ” وما من دابة في
الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين ” . فقال
الرجل : ما الأشعريون بأهون الدواب على الله بأهون الدواب على الله . فرجع ولم
يدخل على رسول الله صلي الله عليه وسلم فقال لأصحابه: أبشروا أتاكم الغوث ، ولا
يظنون إلا أنه قد كلم رسول الله صلي الله عليه وسلم فوعده ، فبينما هم
كذلك إذ أتاهم رجلان يحملان قصعة بينهما مملوءة خبزا ولحما فأكلوا منها ما شاءوا ،
ثم قال بعضهم لبعض : لو أنا رددنا هذا الطعام إلى رسول الله صلي الله
عليه وسلم ليقضي به حاجته . فقالوا للرجلين : اذهبا بهذا الطعام إلى رسول الله
صلي الله عليه وسلم فإنا قد قضينا منه حاجتنا ، ثم إنهم أتوا رسول الله
صلي الله عليه وسلم فقالوا : يا رسول الله ما رأينا طعاما أكثر ولا أطيب
من طعام أرسلت به . قال : ” ما أرسلت إليكم طعاما ” . فأخبروه
أنهم أرسلوا صاحبهم ، فسأله رسول الله عليه وسلم فأخبره ما صنع ، وما قال
لهم . فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم : ” ذلك شيء رزقكموه الله
” .