هل ما زالت الاسرة موضع الامان والاطمئنان بالنسبة اليهم؟ هل ما زالت المكان الذي يلجاون
اليه في الاوقات الصعبة؟ ابناؤكم كيف هي حياتهم داخل المنزل؟ واي جو يسيطر على علاقتكم؟
ان وجود اختلاف في وجهات النظر داخل الاسرة الواحدة امر طبيعي. والسبيل الى تخطي ذلك
هو اللجوء الى “الحوار”. الا ان ما يجب معرفته هو ان الحوار لا ياتي في
ليلة واحدة، انما هو سلسلة متتابعة تبدا من الاهل وتنتقل تدريجيا الى الابناء! ولا شك
في ان اصعب مرحلة هي المراهقة.. لماذا؟ متى يبدا الحوار داخل الاسرة؟ كيف يستمر؟ وما
هي مقومات نجاحه؟
تعريف الاسرة والحوار
الاسرة عبارة عن وحدة اجتماعية تتالف من عدد من الاشخاص يعيشون في المنزل نفسه، ويتقاسمون
وظائف اجتماعية مختلفة، اضافة الى اعتبارها وحدة نفسية تقوم على المشاعر الشخصية والروابط العاطفية. الحوار
هو عبارة عن تلاق مع الشخص نفسه، او مع الاشخاص الاخرين، اي هو عبارة عن
اتصال او تواصل مع النفس ومع الاخرين، لانشاء نمو سلوكي عند الفرد، وبذلك يعتبر الحوار
اداة لاكتشاف الاخر (افكاره اتجاهاته احاسيسه، مشاعره).
وتجدر الاشارة الى ان الحوار لا يقتصر على الكلام فقط ، انما يتعدى ذلك، فقد
يكون من خلال نظرة، ابتسامة، حركة، رد فعل، كتابة، قراءة…
متى يبدا الحوار داخل الاسرة؟
م
ن
ق
و
ل
ان مسالة الحوار تختلف باختلاف مراحل العمر، وما لا يعلمه البعض انه يبدا منذ تكون
الجنين في الرحم!
هذا الحوار عبارة عن رغبة الام في الحمل والانجاب، وهذا ما يدفعها الى الاهتمام بالجنين
من خلال اشباع حاجاتها، وتامين حاجات ومستلزمات الحمل والولادة، ومرحلة ما بعد الولادة، وهذا الاهتمام
يجب ان يشعر به الجنين من خلال:
محادثته ومداعبته، الاستماع الى الموسيقى الهادئة، المعاينة الصحية (فحوصات – صور اشعة).
جميع هذه الامور تعد نوعا من الحوار الايجابي في هذه المرحلة. البكاء، الصراخ، النوم، الرضاعة،
المشي .. جميع هذه الامور هي شكل من اشكال التواصل، الذي يعتبر محطة اساسية من
الحوار، وهذا ما يفسر ان الحوار لا يكون دائما بالكلام، فالكلام احد اشكال الحوار.
الحوار مع الاطفال
في مرحلة الطفولة يعتبر الحوار وسيطا بين الاهل، الاولاد، والمرحلة التي يعيشونها، اذ ان على
الاهل استثمار هذا الحوار لخلق الاندفاع والمهارات عند الطفل، وفي هذه المرحلة نشدد على ضرورة
التزام الاهل بالنصائح التربوية التي نوجهها اليهم، لا سيما ما يخص “العبارات” اذ ان الاطفال
غالبا ما يرددون كلاما طفوليا اي عبارات غير صحيحة لغويا، وهذا ما يفرح الاهل، وهنا
تكمن المشكلة!
فهذه المرحلة يجب ان تكون بمثابة تحضير للمرحلة المقبلة، وبالتالي يجب ان يكون لفظهم سليما،
واكثر ما يميز هذه المرحلة هو مبادرة الاطفال انفسهم الى اختيار الموضوع ومناقشته، وهذا يكون
اكثر متعه بالنسبة اليهم! فالطفل يمر بالعديد من المحطات، وتتميز كل محطة بمجموعة من التغيرات
والتطورات. ويعتبر عمر 3 او 4 سنوات من ابرز المحطات التي يمر بها الطفل، حيث
يبدا بطرح العديد من الاسئلة، وحقه فى الحصول على اجوبة واضحة وصادقة. تظهر اهمية الحوار
اللفظي ومعرفة كيفية استقطاب الاولاد حتى يكون الامر سهلا ومبسطا في مرحلة المراهقة.
الحوار اللفظي
يعتبر الحوار مدخلا اساسيا لبناء تربية ديموقراطية، فبالاضافة الى الراحة النفسية- الاجتماعية التي يكتسبها الفرد
فهناك ثروة من المعلومات والكلمات يختزنها ويستعملها لاحقا، وهنا تبرز اهمية الحوار اللفظي لما يؤمنه
من مهارات لفظية ونطقية اضافة الى مهارة الاستماع، والنقاش، فجميع هذه الامور لا تاتي بالفطرة،
انما يستمدها الاولاد من مناقشات الاهل وطريقة حوارهم.
الحوار مع المراهق
ان المراهقة ليست مرحلة مستقلة، انما هي امتداد للمراحل السابقة، وهذا ما يتطلب من الاهل
ابقاء نافذة الحوار مفتوحة مع ابنائهم في مختلف المراحل، والسعي الى انشاء مشاركة فعلية منذ
الصغر، وليس في هذه المرحلة فقط، غير ان هذا الامر يتوقف على مدى معرفة الاهل
ووعيهم وثقافتهم، وهذا ما نفتقده حاليا في مجتمعاتنا، اذ انه غالبا ما ياخذ الحوار مع
المراهق صفة التحقيق، في حين ان الامور وتحديدا في هذه المرحلة، يجب ان تكون عكس
ذلك!
فالتلقائية، العفوية، الصراحة، الصدق، الصداقة، وغيرها من الصفات يجب ان توجد وبشكل واضح في الحوار
مع المراهق، وهنا يبرز دور الاهل من خلال تحليهم بهذه الصفات ونقلها الى ولدهم المراهق،
والاهم من ذلك هو تحليهم بالادراك والوعي، ووضع هدف اساسي امامهم لمعرفة الافكار والمعتقدات الخاطئة،
وكذلك الخط الذي يسلكه الاولاد وبالتالي كيفية التعامل معهم، وتامين الغذاء الفكري، الروحي والاجتماعي لهم،
الى ان يصبح الاهل المكان الاكثر امانا بالنسبة اليهم.
المشاكل .. والمحاورة
ان التطرق الى مشاكل المراهقين من خلال الحوار، مبادرة جيدة من قبل الاهل، لكن ماذا
ستكون النتائج؟ فالحوار يزيل العديد من المشاكل السلوكية، النفسية، الاجتماعية التي تظهر بشكل واضح في
مرحلة المراهقة، اذ انه (الحوار) يشكل التنفس الوحيد للمراهقين، لذلك يجب ان يتحلى الاهل بقدرة
على الاقناع والاقتناع، كى لا يكون هناك حلقة ناقصة، وبالتالي عدم الوصول الى نتيجة ايجابية
ونتيجة ذلك تبرز ظاهرة انقطاع التواصل او الحوار بين الابناء والاهل، وهو امر خطير جدا،
الا انه بالرغم من ذلك نجده سائدا في المجتمعات العربية تحديدا، لذلك اتوجه الى الاهل
تحديدا بضرورة عدم قطع الحوار مع اولادهم مهما كانت الظروف والمواقف لان ذلك يعني التهرب
من واقع معين، وانقطاع الحوار هو اسوا من الحوار الذي لا يؤدي الى نتيجة وتجدر
الاشارة الى انه مع كل حوار هناك قواسم مشتركة ووجهات نظر جديدة تظهر قد تساعد
على الوصول الى نقطة مشتركة، وبذلك نورث الاولاد العديد من الصفات الحسنة، منها التسامح، الصبر،
المثابرة، التروي.. والتي بدورها لا تاتي دفعة واحدة، انما على مراحل ومن خلال عدة جلسات
حوارية داخل العائلة.
العلاقة بين الزوجين
ما هو تاثير العلاقة الزوجية على الجلسات الحوارية؟
لا شك فى ان طبيعة العلاقة الزوجية تنعكس مباشرة وبشكل واضح على حياة الابناء، تحديدا
اثناء النقاش والحوار. فاذا كان الزواج ناجحا، ويقوم على الاحترام، التبادل، الاصغاء والمناقشة، فلا بد
ان توجد هذه الصفات تلقائيا عند الاولاد، ويذلك يصبح الزوجان مثالا وقدوة يتمثل بهما الاولاد
اثناء النقاش والمحاورة، سواء داخل الاسرة او خارجها.
اهمية الحوار في بناء الشخصية
اضافة الى كل ما سبق وذكرناه من نقاط ايجابية لاهمية الحوار العائلي، لا بد ان
نسلط الضوء على فائدته في بناء الشخصية وتنميتها في مختلف ابعاده.
وبما ان العائلة هي المجتمع الصغير، فالحوار في داخلها يؤهل الطفل القدرة على الانخراط في
المجتمع الكبير، وذلك لما يكتسبه الطفل من هذه الجلسات من صفات مثالية، كالثقة بالنفس، الشخصية
الاجتماعية، الشجاعة، الجراة الخ.
تتركز اهمية الحوار الذاتي او الحوار مع النفس، باكتشاف الشخصية الداخلية للفرد بمختلف ابعادها، ويتم
ذلك من خلال طرح اسئلة في مختلف المواقف والمحطات التي يمر بها، مثلا: لماذا فعلت
ذلك؟ ماذا سافعل؟ ماذا اقول؟
ان الحوار الناجح لا ياتي من عبث، فهناك الكثير من العوامل تساعد وتساهم في انجاحه،
ومنها:
الاحترام.
الاصغاء
عدم التسرع في الاجابة.
الهدوء.
الحكمة.
الخلفية الثقافية الاجتماعية.
الموضوعية.
الصراحة – الصدق – الثقة.
الديمقراطية.
المودة والاهتمام بالاخر.
ان يكون مبنيا على اسلوب علمي