ثمة علاقة بين الحب والكره.. ولربما هي علاقة متواطئة على نبض مشاعرنا وتموهات خلايانا، تجاه
الأحاسيس الأخرى التي تطوق رغباتنا في مساحة العاطفة المشروعة لنا، والتكيف الإنساني مع أو ضد
الأشياء من حولنا!
وإلا ما معنى أن نحب اليوم، ونكره في اليوم التالي، أو تمازجهما في أيامنا المتعاقبة،
فالحب للأشياء، لجميع الأشياء التي تتكاثف في رؤية العين ومن ثم العقل تأتي هكذا فجأة..
فنندفع في حدود إمكانياتنا للاستماتة من أجل أشيائنا التي نحب، ونعادي من نعادي في سبيلها،
ونقف سدا منيعا أمام من يحاول الاقتراب من هذه الأشياء العزيزة على قلوبنا، ونحارب بكل
ما أوتينا من قوة مادية ومعنوية للحفاظ على هذا الحب الفجائي!
وعلى النقيض تماما، وفي لحظة ما، نجد أن أشياءنا العزيزة، فقدت معزتها، وكل الحب الذي
دغدغ مشاعرنا لفترة، لم يكن حقيقيا، واستحواذه كان وهما مخمليا، سعدنا بملامسته، أو خيالا عشناه
بمحض إرادتنا، أو اعتقادا أحبكنا تفاصيله بلهفة الحنين للود ومشتقاته في زحمة إحباطاتنا! إنها لحظة
مريرة حين نكتشف الوجه الآخر للأشياء التي نصبت شباكها وغلفت أرواحنا بحب مؤقت! ونرثي أنفسنا
بعزاء حسن نوايانا كالعادة!
حينها تنتابنا حالة مزاجية مشدوهة تعكس هذا الحب رأسا على عقب، فيطل الكره، والكره إحساس
كسير، لايظهر، نخشى أن نواجه به الآخرين، وحتى لو كانت المواجهة مع من نكره! عكس
الحب تماما، فنحن إن أحببنا نظهر هذا الحب، ولو بأبسط التعابير.. وبين تلاطم الحب والكره
نحاول أن نداري وجه الكره، وإخفاءه باتقان، خلف ذبذبة ذهنية مرهقة، ضاغطة على أعصابنا وعلى
كل ذرة في كياننا، كيلا يصل هذا الإحساس الدميم إلى إحساس من نكره، والكراهية شيء
خفي لانعرف كنهه، كالحب تماما! لأنه في بعض الأحيان يبزغ في خفايا الروح حب، يصعب
علينا أن نظهره، حتى ولو تيسرت الإمكانيات لإظهاره! إذن الحب والكره حالة تغدو في بعض
الأحيان مربكة، وهما لايتناقضان إلا في الممارسة الواقعية ولكنهما رغم هذا التناقض يسكنان مكانا واحدا،
مقره النفس البشرية، وكلاهما مزيج من الشعور المبهم، يصعب على المرء منا تحديده، وإن استطعنا
تحديده، لايمكن أن نبقيه طويلا في دواخلنا، سواء كان هذا التحديد شعورا بالحب أو الكره!
فما أحببناه في لحظة ما، قد نكرهه في لحظة أخرى، وما حسبناه كرها في فترة
ماضية، قد يستهوينا حاضرا، وبين هذه وهذه المشاعر المحتدمة في نوازعنا، لا أحد منا يستطيع
الفصل بين الحب والكره!