مواضيع للرجال للنساء

الثقافة الاجتماعية

بالصور الثقافة الاجتماعية

بالصور الثقافة الاجتماعية

الثقافة الاجتماعية
بين القانون الأرضي والقانون السماوي
لكل إنسان ثقافة دينية أو دنيوية، ورثها أو اكتسبها من مجتمعه، أو اخترعها، وثقافات الأفراد
تتجمع حتى تعطي لونا خاصا للمجموع، ثم تتجمع ثقافات الجماعات في وحدة أكبر، وتتغير اللون
إلى المتوسط بين تلك الألوان، وهكذا تتجمع الوحدات الكبرى في وحدة جامعة، تعد تلك ثقافة
المجتمع، مثلا: إذا اجتمعت عائلة كرمها مأة في مأة وعائلة كرمها عشرون في المأة، وعائلة
كرمها ثلاثون في المأة، كان المجتمع من هذه العوائل كرمهم خمسون في المأة، فإذا اجتمعت
وحدة كبرى بين هذه المجموعة، ومجموعة أخرى كرمهم عشرة في المائة، كان الاجتماع كرمه ثلاثون
في المائة.
وكذلك الحال في الثقافة، والصناعة، والأخلاق، والشجاعة وغيرها، ولذا كان في الثقافة الاجتماعية جهات اجتماع
وجهات اختلاف، وكلما كبرت الوحدة الجامعة، كان الرقي أكبر، حيث أن الفضائل في الأفراد والجماعات
تجد متنفسا أكثر وظهورا اقوى، ولذا حيث جمع الإسلام بين الشعوب المختلفة من عرب وفرس
وقبط وهند وغيرهم، وصلت الأمة الإسلامية إلى أكبر قدر من النضج في مختلف ثقافات الحياة.

لكن إنما يكون ذلك إذا توفر مناخ الحرية الكاملة للأفراد، وإلا لم تكن حصيلة الاجتماع
الكبير إلا التأخر، فإن الثقافة بحاجة إلى تحرك وانتشار وهما لا يتوافران في مناخ الحرية،
وكذلك ما يتبع الثقافة، من فروسية، وصناعة، وزراعة، وتجارة وغيرها.
ثم الثقافة مادية ومعنوية، فالمادية ما يرتبط بالجسد، والمعنوية ما يرتبط بالنظام والعقيدة ونحوهما، وكلتاهما
في عرض واحد أما قول جماعة من الماديين بأن [الاقتصاد] هو البناء التحتي للدين والأخلاق
والأنظمة وغيرها مما هي في نظرهم بناء فوقي فهو قول خال عن الدليل، بل قام
الدليل على خلافه.
والفرد في الاجتماع، وكذلك في الجماعة المترابطة في وحدة منظمة واحدة له:
1 مكانة.
2 عمل اجتماعي.
(فالأول): عبارة عما له في الاجتماع من الشخصية الموجبة لاحترامه، ولسهولة نفوذ أوامره، وهذه المكانة
الاجتماعية، تابعة للمال والسلاح، والعلم، والعشيرة ونحوها، والإيمان، والأخلاق، والأعمال، وأحيانا الجسد كالإنسان الجميل أو
الإنسان القوي البنية.
بينما (الثاني): عبارة عن ما يزاوله الشخص من الأعمال، وكلما كان عمل الإنسان أكثر وأحسن
كما وكيفا زاد ذلك، في مكانته الاجتماعية.
الكفاءة ميزان التقدم
ثم في المجتمع الصالح تكون الكفاءة والحرية ميزان التقدم [فكل امرئ بما كسب رهين] [وأن
ليس للإنسان إلا ما سعى] [والناس مسلطون على أموالهم وأنفسهم] ولذا تكون السيادة والمال وغيرهما
منقسمة بين المجتمع، والاجتماع في مثل هذا المجتمع يأخذ في التحرك.
بينما في المجتمع الطبقي المنحرف، تستولي طبقة على الناس، فهم طبقة والناس طبقة، والكفاءات تسحق
والحريات تسلب، والطبقة الحاكمة هي كل شيء، بيدها المال والسلاح والسيادة، أو الطبقة الحاكمة تتحالف
مع الأثرياء ليكون بيدهما كل شيء، والمال دولة، وسائر الناس طبقة مطحونة، كما نجد في
الحال الحاضر، مثال الأول في الشرق، ومثال الثاني في الغرب.
التحرك الأفقي والعمودي للمجتمع
قد تقدم أن الاجتماع يأخذ في التحرك، إذا كان المجتمع صالحا، والتحرك على نحوين:
(الأول): التحرك الأفقي، بأن يغير الفرد مكانته الاجتماعية إلى مكانة مماثلة كان يخرج من جمعية
ليدخل في جمعية أخرى، حيث مكانته فيهما متساوية.
(الثاني): التحرك العمودي، وذلك [صعودا] حيث أن الحرية والكفاءة توجبان صعود الفرد إلى المكانة اللائقة
به في أعلى درجات الاجتماع، أو [نزولا] حيث أن توفر الكفاءة في غير الصاعد، يوجب
أن يصعد، فيخلي الصاعد مكانه للأكثر كفاءة بينما هو ينزل إلى المستوى اللائق به، ولذا
تكون المجتمعات الراقية في حال تحرك دائم وصعود ونزول، بخلاف المجمعات المتأخرة حيث أنها في
حال جمود وركود.
والاجتماع بالنسبة إلى تحرك الأفراد أفقيا أو عموديا على ثلاثة أقسام:
(الأول): الاجتماع المنغلق الذي لا يسمح للتحرك لوجود الاستبداد المطلق الكابت للناس عن الحركة، والكبت
يكون بالقتل والتعذيب والسجن والمصادرة، وتلفيق التهم، وفي مثل هذا المجتمع تموت المواهب، وتقبر الحريات.

(والثاني): الاجتماع المنفتح، وهو بعكس الأول، وعلامة هذا المجتمع حرية الصحافة والتجارة والثقافة والإعلام والتحرك
في مختلف أبعاد الحياة والحاكم فيه كسائر الأفراد ينتقد علنا، ويحاسب على كل ما عمله،
وفي مثل هذا المجتمع تتفتق المواهب، ويتقدم الاجتماع بكفاءاته إلى الأمام.
(الثالث): الاجتماع المتوسط بين الاجتماعين، فلا استبداد إلا نصفيا، ولا حريات إلا في الجملة، وهذا
الاجتماع، أسبابه مأخوذة من الاجتماعين السابقين، كل ف الجملة، كما أن علائمه وآثاره، بين الأمرين.

وحيث كانت مزايا الاجتماعات الثلاثة، على ما ذكر ف(المنطلق) يتقدم على القسمين الآخرين دائما، بينما
(المنبثق) منهما يتقدم على (المنغلق) أبدا… وقد كان هذا من أسباب تقدم بلاد الإسلام على
بلاد العالم أبان ظهور الإسلام، حيث كانت بلاد العالم منغلقة، وبلاد الإسلام منطلقة… كما أن
بنفس هذا السبب تقدمت البلاد الصناعية، على بلاد الإسلام في هذه الحقبة من التاريخ، إذ
أن تلك البلاد منبثقة، بنما بلاد الإسلام أصبحت منغلقة.
ثم إن التغيير الاجتماعي يحدث أول ما يحدث في مؤسسة من مؤسسات الاجتماع، ثم ينتقل
إلى مؤسسة ثانية وثالثة، وهكذا حتى يشمل كل الاجتماع، سواء كان ذلك في طرف الصعود
أو النزول، مثلا: إذا نشطت المؤسسات الدينية إيمانا وأخلاقا وعلما، سرى النشاط إلى المؤسسات الثقافية،
ومنها يسري إلى المؤسسات الصناعية، وهكذا حتى يعم المجتمع الإيمان الصحيح والأخلاق الفاضلة والعلم الوفير،
وإذا جمدت المؤسسة الحكومية بأن صارت ديكتاتورية جمدت المؤسسات التابعة، ثم المستقلة، ثم يسري الجمود
إلى الجماعات والأفراد، وينزل الاجتماع، فإن الانطلاق والجمود مثلهما مثل الماء، يتطلب تساوي السطوح.
ثم إنه قد يقوم جماعة من الناس ضد الدولة فيسمون في المنطق الإسلامي [بالخوارج] وفي
المصطلح حالا [بالمنشقين] فإن أرادوا الانفصال سموا [بالانفصاليين] فإن تمكنت الجماعة التي قامت ضد الدولة
من إسقاط الدولة سموا [بالثوار] وقد يطلق الثوار على مطلق الخوارج والمنشقين، وإن لم تتمكن
من إسقاط الدولة سموا في منطق تلك الدولة [بالمتمردين، والعصاة] وإذا كان الذين قاموا ضد
الدولة هم أغلبية الناس سموا [بالثائرين] وسمي عملهم إذا أسقطوا الدولة [ثورة] ثم إذا استقر
الحكم للثوريين، وقام جمع ضد الثورة لإعادة الحكومة السابقة، أو تشكيل حكومة جديدة سمي عملهم
ذلك [بالثورة المضادة].
وقد لا تكون [الثورة] في البعد الحكومي، بل في البعد الاجتماعي بأن أراد الناهضون تحسين
الوضع الاجتماعي، أو الصناعي، أو الزراعي، أو الثقافي، أو السياسي، فإن مثل هذه النهضات تسمى
بأسامي أهدافها، فيقال: [الثورة الاجتماعية] أو [الصناعية] والى آخره.
نظرة على الانقلابات العسكرية
أما كيف نجد الانقلابات العسكرية في البلاد المتخلفة، ولا نجدها في العالمين الشرقي والغربي؟ فذلك
لأن البلاد المتخلفة ومنها بلاد الإسلام في الحال الحاضر فيها تخلف في جميع أبعاد الحياة،
من ناحية، ومن ناحية ثانية فهي تحت نير الاستعمار المباشر، أو غير المباشر، وكثيرا ما
يتغلب استعمار على استعمار في تبديل الحكام، أو يريد الاستعمار السابق تبديل وجوه عملائه، ليكونوا
أرضى للشعب، أو يريد أرباحا أكثر مما لا يسمح العملاء السابقون له بذلك، فيقوم المستعمر
بواسطة جماعة من عملائه بالانقلاب في غياب من الوعي الجماهيري، ورشد الأمة.
ولذا كان اللازم على المفكرين تنوير الأمة وتوعيتها حتى لا يقع فيها انقلاب، كما أن
اللازم بيان: أن كل الانقلابات التي وقعت في العالم الثالث بما فيها العالم الإسلامي كانت
من ولائد الاستعمار، مهما أظهر عمال الانقلاب أنفسهم بمظهر النظافة والطهارة والإخلاص.
والدليل على ذلك، أنك لا تجد في أي من تلك الانقلابات تحسينا في حالة الشعب،
بل بالعكس كانت كلها سببا لإجراء سيل من الدماء، وملا السجون وتعذيب الأبرياء، وانتهاك أعراض
النساء والأولاد، ومصادرة الأموال، وتشريد الآمنين، وتحطيم بقايا الحريات، وإلى آخره.
وقد ذكرنا في المقدمة الطريق إلى نجاة المسلمين من براثن المستعمرين وعملائهم.
أما أنه كيف لا تقع الانقلابات العسكرية في البلاد الشرقية والغربية؟
أما في البلاد الشرقية فلأن الديكتاتورية الحاكمة تقمع كل احتمال معارضة بأبشع أنواع القمع، فمثلا،
في عهد ستالين قتل من الفلاحين زهاء خمسة ملايين في تطبيق نظام المزارع الجماعية، ووصل
عدد السجناء والمبعدين إلى معسكرات الاعتقال في سيبيريا إلى أكثر من عشرين مليون، والأمر وإن
خف بعد ستالين، إلا أن الحال كذلك إلى الآن: حكومة بوليسية، وكبت وخنق والبلد سجن
كبير، والناس يقتلون ويسجنون بالشك والوهم، ويجبرون على الاعترافات على أنفسهم في إثر تعذ يبات
شديدة وأعمال شاقة، وقد قتلوا من المسلمين أكثر من خمسة ملايين عند استيلائهم على الجمهوريات
الست الإسلامية… وبعد أن مات [ماوتسي تونغ] ظهر أن قتلاه أكثر من عشرين مليون… وفي
كوبا نصف مليون سجين من تسعة ملايين هم مجموع أفراد البلد، وهكذا، وفي مثل هذه
الأجواء من غير المرتقب الانقلاب أو الثورة.
وأما في البلاد الغربية، فإن الدعاية المكذوبة وشيئا من الحرية المخدرة وبعض الرفاه النسبي، والضبط
البوليسي الشديد لعدم بروز أعمال العنف، أوجب عدم الانقلاب والثورة.
بين حكم السماء وحكم الأرض
وإذا قامت دولة إسلامية حسب موازين الكتاب والسنة، ومثل ما حكم رسول الله صلى الله
عليه وآله، وعلي عليه السلام مما وفر للناس الحرية الكاملة بما أوجب رفاه الناس كاملا،
وانطلاقهم كما أراد الإسلام، لرأى الناس البون الشاسع بين نمط هذا الحكم، وبين الأنماط للحكومات
الغربية التي تدعي الحرية والرفاه، ولرأوا أن البوليس الإجرامي يقل، والدعاية لا تكون إلا صحيحة.

وأسس مثل هذا الحكم:
1 الإيمان بالله واليوم الآخر.
2 الأخلاق الفاضلة.
3 الشورى من القمة إلى القاعدة حتى أن القيادة العليا تتكون من المراجع الذين هم
المقلدون للامة، فإن كان للأمة عشرة مقلدين كانوا كلهم داخلين في المجلس الاستشاري الأعلى وهكذا.

4 إطلاق كافة الحريات الفكرية والعملية في جميع المجالات [إلا مجال المحرمات حيث أن المحرم
ضار بالنفس أو الغير، ولا حرية للضار].
5 تعدد الأحزاب الحرة السليمة والتي هي مدارس لتربية القادة السياسيين.
6 الاقتصاد السليم الذي لا يولد الرأسمالية المنحرفة، ولا الاشتراكية الباطلة.
7 الاجتماع الصحيح الذي يتخذ قوانين الإسلام منهجا في العبادات والمعاملات والأحوال الشخصية، والعقوبات والقضاء
وغيرها.
وحيث قد أزيح حكم السماء عن الأرض ابتلي الناس بالانحراف،وكما قال سبحانه فقد صار للناس:
(معيشة ضنكا) وقد وصف مثل ذلك الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، بأن الشعار الخوف والدثار
السيف، وقد صار للاجتماع البشري بمجموعه الخواص التالية:
ا تمركز رأس المال بيد النخبة الحاكمة في البلاد الشرقية، والرأسماليين في البلاد الغربية، إلى
جانب فقر مدقع ومسكنة لا نظير لهما في التاريخ، شملا الملايين والملايين من الناس.
ب سباق التسلح والخوف المطلق، والحروب والمؤامرات والانقلابات المتتالية، واستيلاء روح الانتقام والتوحش.
ج ضعف الإيمان والأخلاق، والتحاسد والتباغض والفوضى والاضطراب.
د استيلاء الروح المنفعية والمصلحية والانتهازية على السياسة والاقتصاد والاجتماع وغيرها.
ولا علاج لشيء من ذلك إلا برجوع قوانين السماء إلى الأرض (ومن يؤمن بالله يهد
قلبه) و (ألا بذكر الله تطمئن القلوب).

السابق
طرق انقاص الوزن
التالي
تصاميم سقوف مغربية