قصص كاملة قصيرة

اغنية قصة سيدنا موسى

بالصور اغنية قصة سيدنا موسى

بالصور اغنية قصة سيدنا موسى

كان يوسف (عليه السلام) ملكا في مصر، وقد جمع بين النبوة، والملوكية، فكان ينظم امر
الناس على وفق العدل والحكمة.
وحين حضرته الوفاة جمع ال يعقوب، وهم ثمانون رجلا.. فقال لهم: ان هؤلاء القبط سيظهرون
عليكم ويكون الملك للكافرين ويصبح المؤمن في هذه البلاد ذليلا بايديهم.. ويسومونكم سوء العذاب. وانما
ينجيكم الله من ايديهم، برجل من ولد (لاوي) بن (يعقوب) اسمه: موسى بن عمران.
وبعدما اخبر يوسف بني اسرائيل بهذا الخبر، حزنوا لما يتوقعونه من البلاء، وفرحوا بما ينتظرونه
من الفرج على يد نبي من بني ابيهم.. ومات يوسف (عليه السلام).
فملك بعده رجلا لا يسير سيرة يوسف في كل كبير وصغير.. وكيف يعدل بيوسف غيره:
وهو نبي من عند الله تعالى لا يامر الا بالخير، ولا يفعل الا الخير. ثم
مات الملك..
وملك بعده رجل اخر، وكان عاتيا فاجرا.. وهكذا اقام بنو اسرائيل، بعد وفاة يوسف، وقد
كثروا، وانتشروا، متمسكين بدين ابائهم يوسف، ويعقوب، واسحاق وابراهيم (عليهم السلام).
حتى زمان الملك فرعون.. وهذا الملك الطاغي فتح لمصر صفحة جديدة من الطغيان والارهاب، وخصص
لبني اسرائيل الوانا من العذاب والنكال.
كان بنو اسرائيل ينتظرون مقدم موسى (عليه السلام) لينجيهم من طغيان فرعون وقسوته. وكان كلما
ولد لاحدهم مولود سموه عمرانا.. فاذا كبر عمران، سمى ولده موسى رجاء لان يكون هو
الذي وعد به يوسف (عليه السلام) حين حضرته الوفاة ولكن خابت الظنون، فلم يكن موسى
الموعود احدهم.
واغتنم بعض متطلبي الرئاسة هذا الوعد، فجعل من نفسه موسى النبي! حتى ادعى خمسون من
بني اسرائيل انهم هم الذين وعدهم يوسف، وكلهم يدعي انه ينزل عليه الوحي، وانه هو
مخلص بني اسرائيل، كذبا وافتراء!
ولم يزل فرعون يسمع هذه الاخبار عن بني اسرائيل وكان قد علم ان بني اسرائيل
يرجفون به ويطلبون هذا الغلام. فاستشار كهنته وسحرته في هذا الامر المهم.
قالوا: ان المسموع صحيح، وهلاك دينك وقومك على يدي هذا الغلام.
وحددوا وقت ولادة الغلام بعام مخصوص. وهنا ثار ثائر فرعون، وجعل يخبط خبط العشواء للظفر
بهذا الذي سيولد، مما يكون بيده هلاكه وتقضي ايامه!! اما كيف يصنع؟ وكيف يظفر على
هذا المولود فهو سر مغلق، لا تساعده حيلته على ذلك!!
واخيرا ارتاى ابشع الاراء، وقرر تنفيذه بكل صرامة وقسوة. جعل القوابل على النساء، في ذلك
العام الذي اخبر بولادة موسى فيه وامر بان يذبح كل غلام يولد في ذلك العام،
ليستريح من موسى من اول امره.
وعج بنو اسرائيل من هذا الحكم الاجرامي واجتمع بعضهم الى بعض لحل المشكلة. وكان فيهم
عمران والد النبي موسى (عليه السلام).
فقال بعضهم: اذا ذبح الغلمان واستحيى النساء هلكنا ولم يبق لنا نسب، فمن الراي ان
لا ينكح رجالنا نساءنا حتى لا يولد لنا مولود.. وبذلك ننقرض جميعا، اما ان تبقى
البنات ويذبح الاولاد فمعنى ذلك: ان نقدم بناتنا الى ال فرعون غنيمة باردة. لكن عمران
ابى هذا الراي.. وقال: امر الله واقع ولو كره المشركون.
وقد اصر فرعون في تعذيب بني اسرائيل، وقتل اطفالهم، حتى قتل من اطفال بني اسرائيل
نيفا وعشرين الف مولود. بالاضافة الى ما كان يامر به من تعذيب الرجال والنساء. وقد
كان من صنوف تعذيبه ان امر بتقييد ارجلهم لئلا يفروا.. ثم كان يستعملهم في البناء،
فكانوا ينقلون الطين على السلالم الى السطوح، بارجل مقيدة.. وكثيرا ما كانوا يقعون من السلم
فيموتون او يزمنون، او يصابون بصنوف الرض والكسر والتشويه.
وفي مثل هذا الوقت.. وفي هذا الجو الخانق تعذيبا وارهابا.. حملت ام موسى.. فوكل بها
فرعون قابلة تترقب ولادتها، فان كان الولد ذكرا ذبحه وان كانت انثى استحياها.. والحت القابلة
في حراستها، فاذا قامت الام قامت القابلة في اثرها، واذا جلست جلست القابلة ازاءها لئلا
يفوتها زمن من حالها.
لكن الله تعالى شاء ان تنقلب القابلة عن هذه الصرامة، فاحبت ام موسى حبا كبيرا،
لما رات فيها من الاخلاق الفاضلة والادب الرفيع. اما الام فقد اخذها الخوف، وظهر على
ملامحها فشحب وجهها ومال الى الاصفرار.
قالت القابلة يوما لام موسى: يا بنية، ما لك تصفرين وتذوين؟
فاجابت الام قائلة: لا تلوميني، كيف لا اخاف انه اذا ولدت اخذ الولد وذبح!
لكن القابلة سلتها، وقالت: لا تحزني، فاني سوف اكتم عليك.
اما الام فقد ظلت في شك من هذا الوعد، الى ان ولدت بموسى (عليه السلام)،
وكانت القابلة حاضرة حين الولادة، فالتفتت اليها ام موسى، وملء نظرها استعطاف واستيفاء للوعد.. وفوضت
امرها الى الله قائلة: ما شاء الله، وانتظرت امر القابلة.
ولما ان سمع الناس ولولة الطلق، ذهبوا يخبرون الحرس الملكي، الذين وكلوا بذبح الاطفال، فحضروا
باب البيت، وتحيرت القابلة في الامر، ماذا تجيب الحرس؟ وكيف تنقض عهدا عهدته الى الام
المحببة اليها؟
لكنها اخيرا، توجهت الى الام قائلة: اني سوف اكتم عليك، كما وعدتك فلا تخافي، وحملت
الام والولد فادخلتها المخدع، واصلحت بعض امرها، ثم خرجت الى الحرس قائلة: انصرفوا، فانه خرج
دم منقطع. فانصرف الحرس، واطمانت الام، وجزت القابلة خيرا.
وهكذا شاء الله تعالى ان يخلص نبيه العظيم موسى (عليه السلام) من براثن فرعون المجرم،
وحرسه القساة (واوحينا الى ام موسى ان ارضعيه) فارضعت الام ولدها الحبيب، بكل لهفة وحنان.
لكنها خافت ان يبكي موسى، فيعرف الجيران خبرها، فتقع فيما فرت منه.
فالهمها الله تعالى ان (..اذا خفت عليه فالقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني..) فصنعت
ام موسى تابوتا من خشب، ووضعت ابنها الحبيب فيه، وطبقت التابوت بحيث لا يدخل فيه
الماء وذهبت ليلا الى الماء. ثم طرحت التابوت في النيل، وقلبها ممتلئ كابة وحزنا.
لكن الماء ابى ان يفرق بين الوالدة الحزينة والولد الحبيب، فجعلت الامواج تدفع التابوت الى
الجرف.. والوالدة تدفع التابوت الى الغمر، خوفا وحزنا! الى ان ضربت الريح التابوت نحو مجرى
الماء، فانطلق به.
لكن الام كيف تصبر؟ فهمت ان تصيح لوعة وشجنا، فربط الله على قلبها، وحفظها (واصبح
فؤاد ام موسى فارغا ان كادت لتبدى به لولا ان ربطنا على قلبها). ووعد الله
الام ان يرد الولد اليها، وبشرها بان يجعله من المرسلين (انا رادوه اليك وجاعلوه من
المرسلين).
التابوت ينطلق في الماء، حسب لهب الريح ومجرى الماء.. والولد يكلاه الله بلطفه ورعايته في
جوف الصندوق.. والام اخذت ترجع الى البيت بقلب واله وان لمس شيئا من الهدوء والاطمئنان
تصديقا بوعد الله.
فما هي العاقبة؟
كانت لفرعون امراة صالحة تسمى (اسية) من قبيلة بني اسرائيل، وكانت تخالف زوجها في العقيدة
والراي، لكنها كانت تسر معتقدها، خوفا من سطوة فرعون الجبار الطاغي.
واتت ايام الربيع فقالت اسية لفرعون: هذه ايام الربيع فامر لي بضرب قبة على النيل
لكي اتنزه في هذه الايام الجميلة. فامر فرعون بضرب قبة لها على الشط، وخرجت هي
مع لمة من جواريها.
وبينما الجواري على الماء.. اذ راين الامواج تعلو وتهبط بشيء، ورات اسية الصندوق في وسط
الغمر، فقالت للجواري: ما ترين؟ قلن: يا سيدتنا، انا لنرى شيئا كما ترين.. واتى الماء
بالصندوق الى القرب منهن، فاندفعن في الماء حتى اخذنه، وقد كاد ان ينفلت من ايديهن.

فتحت اسية الصندوق، واذا فيه طفل جميل كفلقة القمر، فاوقع الله في قلبها محبة منه
(القيت عليك محبة مني) ووضعت الولد في حجرها، وتفكرت في ان تتخذه ابنا لها.. فاعلمت
الجواري، وقالت: هذا ابني.. واقرتها الجواري بهذا التبني الميمون.
فقلن: اي والله، اي سيدتنا، ما لك ولد ولا للملك يقصدن فرعون فاتخذيه ولدا.
ولكن.. يا ترى، هل يرضى فرعون بذلك؟
قامت اسية الى فرعون.. فقالت له: اني اصبت غلاما طيبا حلوا، نتخذه ولدا، فيكون قرة
عين لي ولك، فلا تقتله.
قال فرعون: ومن اين هذا الغلام؟
قالت اسية: لا والله ما ادري، الا ان الماء جاء به..
لكن فرعون ابى ان يقبل قولها.. وهم ان يقتله، لما توجس خيفة، من ان يكون
الولد من بني اسرائيل.. فالحت اسية في الاصرار، وشفعت شمائل الولد الحلوة، في قبول فرعون
تبني الولد.. وسماه (موسى) لانه التقط من الماء.
ولما سمع الناس ان الملك قد تبنى ابنا.. ارسل كبراء الناس نساءهم الى اسية لتكون
لموسى عليه السلام ظئرا ومربية.. وكلما تقدمت النساء الى موسى، لتلقمه ثديها، اعرض عن الثدي،
فتحيرت اسية في امره.. ماذا تصنع به؟
ثم امرت جواريها ان يطلبن كل امراة مرضعة او ذات لبن، ولا يحقرن احدا كيف
ما كان شانها ومنزلتها فلعل موسى يقبل احداهن.. اما ام موسى فقد كانت تترقب الاخبار
عن ولدها. اذ انها لم تعلم ما صنع به في النيل! لكنها لم تظفر بخبر
صحيح عن ولدها..
فقالت لابنتها اخت موسى : قصيه وانظري اترين لاخيك من اثر.. فانطلقت البنت تفحص عن
موسى الرضيع هنا وهناك، لكنها لم تقع على خبر؟!
وانتهى بها السير الى باب دار الملك (فرعون) ودخلت الدار فيمن دخل.. واذا بها ترى
موسى اخاها في حضن اسية.. وقد التمست النساء لارضاعه، لكنه يابى عن قبول لبنهن، وذلك
بمشيئة من الله تعالى (وحرمنا عليه المراضع من قبل).
توجهت البنت الزكية الى امراة فرعون قائلة: قد بلغني انكم تطلبون ظئرا.. وهنا امراة صالحة
تاخذ ولدكم، وتكفله لكم.
قالت بعض النساء: يظهر ان هذه البنت تعرف ام الغلام والا فمن اين لها بالظئر!

اجابت البنت الفطنة: اردت نصحكم.. فاني اعرف امراة مرضعة، وان لم تحبوا ان اتي بها
فلا ضير.
لكن اسية امرت بان تاتي بالمرضعة، فلعل موسى يقبل ثديها. فركضت البنت الى امها تبشرها
بالخبر.. وتبعتها الام الى دار فرعون. فلما دخلت الدار..
قالت اسية: ممن انت؟
قالت الام: من بني اسرائيل.
قالت اسية: اذهبي يا بنية، فليس لنا فيك حاجة.
توجهت النساء الى اسية قائلات: انظري يا اسية هل يقبل الطفل الثدي او لا يقبل؟

فقالت امراة فرعون: ارايتم لو قبل.. هل يرضى فرعون ان يكون الغلام من بني اسرائيل
والمراة تعني الظئر من بني اسرائيل؟ ان فرعون لا يرضى بذلك ابدا.
قالت النساء: فانظري يقبل او لا يقبل؟
وقد كانت ام موسى خرجت من عند اسية عندما قالت لها اذهبي يا بنية.. فارسلت
اسية بعض الجواري عليها لترجع. فركضت اخت موسى، الى امها تخبرها بالبشارة قائلة: ان امراة
الملك تدعوك.. فاتت الام فرحة، ودخلت على اسية.
فدفعت اسية الولد اليها، والنسوة ينظرن، اخذت الام ولدها، ووضعته في حجرها، ثم القمته ثديها،
واذا بموسى يقبل على المص اقبالا عظيما واللبن يجري في فمه. فرحت اسية.. وفرحت النسوة..
وفرحت الام فرحا كبيرا. قامت اسية الى فرعون، تخبره الخبر، وتستاذنه في امر الظئر الاسرائيلية.

فقالت: اني قد اصبت لابني ظئرا، وقد قبل منها الرضاع.
قال فرعون: وممن هي؟
قالت اسية: من بني اسرائيل!
قال فرعون: هذا مما لا يكون ابدا: الغلام من بني اسرائيل! والظئر من بني اسرائيل!

فلم تزل اسية تلح عليه، وتستعطفه في امر الغلام وتقول له: وماذا تخاف؟ ان الغلام
ابنك وينشا في حجرك.. فهل تراه يبارزك ويخاصمك؟ هذا مما لا يكون.
حتى قبل فرعون، ورضي بالظئر الاسرائيلي (فرددناه الى امه كي تقر عينها ولا تحزن ولتعلم
ان وعد الله حق ولكن اكثرهم لا يعلمون).
فنشا موسى في حضن فرعون وداره، في عز واحترام، بينما كان فرعون وجلاوزته يقتلون اولاد
بني اسرائيل، خوفا من ان ينشا فيهم من اخبر المنجمون بان زوال ملك فرعون بيده.

وهكذا شاء الله ان يربي نبيه العظيم، في حضن اعدى اعدائه (فالتقطته ال فرعون ليكون
لهم عدوا وحزنا).
وقد كتمت القابلة.. والام.. والاخت.. خبر موسى، ومضى زمان، واتى زمان، واستغنى موسى عن الرضاع،
وماتت الام، وماتت القابلة، وبقي موسى في حجر فرعون، يكلاه الله برعايته ويربيه فرعون ينظر
اليه نظر الاب الى ابنه.
وفي ذات يوم حدث ان موسى وهو غلام صغير يدرج عطس عطسة فقال: الحمد لله
رب العالمين.
فانكر فرعون ذلك عليه، ولطمه موسى على وجهه وقال: ما الذي تقول؟ فوثب على لحية
فرعون وكانت طويلة فقلع بعضها! فهم فرعون بقتله!
قالت اسية متشفعة : انه غلام حدث ما يدري ما يقول..
فقال فرعون: بلى يدري. قالت اسية: فامتحنه: ضع بين يديه تمرا وجمرا، فان ميز بينهما،
فافعل ما تريد.
فامر فرعون بان يوضع ازاء موسى طبقا من تمر وكانونا من جمر.. فمد موسى يده
الى الجمر، ووضعه في فمه.. فاحترق لسانه ويده، وبكى بكاء مرا!
فقالت اسية لفرعون: الم اقل لك: انه لا يعقل. فعفا فرعون عنه..
اما بنو اسرائيل، الذين كانوا تحت اضطهاد فرعون ونكاله، فقد كانوا منتظرين مقدم موسى، ولكنهم
لم يكونوا يعلمون انه قد ولد.. فكانوا يتذاكرون وعد يوسف (عليه السلام)، وينتظرون نبيهم المخلص
لهم من ايدي الجبارين.. وكانوا يسال بعضهم بعضا عن وقت الفرج، لكن.. لم يكونوا يعرفون
ذلك بالضبط.
ولما علم فرعون بالحاحهم في طلب مخلصهم زاد في تعذيبهم، وامر بان يفرق بين رجالهم
ونسائهم، كي لا يولد لهم المولود المنتظر. ومنع عن مذاكرة موسى منعا باتا، ولم يدر
ان موسى في بيته!
وقد اثر الضغط الشديد في بني اسرائيل، فلم يقدروا على ذكر اسم موسى الا في
ظلمات الليل، والخفايا، كي لا يرفع امرهم الى الطاغية فرعون. فخرجوا! ذات ليلة مقمرة الى
كبير لهم، له علم ومعرفة، يسالونه عن موعد الفرج؟
قالوا للشيخ: قد كنا نستريح الى اخبارك من قبل، وكانت بشائرك بالفرج تسري عنا بعض
الهموم. فالى متى نحن في هذا البلاء؟ ان فرعون يقتل رجالنا، ويشق بطون نسائنا الحبالى،
ويذبح اطفالنا. فمتى الفرج؟
قال الشيخ: انكم لا تزالون في البلاء حتى يجيء الله تعالى بغلام من ولد لاوي
بن يعقوب.. اسمه موسى بن عمران، غلام طوال جعد. وعند ذلك يكون الفرج.
وبينما هم في الحديث، بين ياس ورجاء، اذ طلع عليهم موسى من بعيد.. وهو اذ
ذاك حديث السن، وقد خرج من دار فرعون، وهم يزعمون انه يريد النزهة. لكن موسى
كان قاصدا نحو بني اسرائيل، ميمما وجهه شطر ذلك الاجتماع المنعقد في ظلمة الليل، وقف
على القوم، فتوسم الشيخ فيه الملامح الموعودة.
فقال: ما اسمك يرحمك الله؟
قال: موسى..
قال الشيخ: ابن من؟
قال: ابن عمران.. فانكب الشيخ على قدميه يقبلهما.
وعرف بنو اسرائيل نبيهم، فاقبلوا اليه يقبلون يده ورجله، في فرح وغبطة ثم ودعهم موسى
قائلا لهم: ارجو ان يعجل الله فرجكم! وذهب الى دار فرعون. وفي هذا الوقت علم
بنو اسرائيل ان الفرج قد اقترب.. وانه قد شب مخلصهم من فرعون.
خرج موسى ذات يوم يتفرج.. فدخل مدينة لفرعون، وبينما هو يسير، فاذا به يرى رجلين
يقتتلان (هذا من شيعته) من بني اسرائيل (وهذا من عدوه) من القبط، فكان احدهما يقول
بقول موسى، وكان الاخر يقول بقول فرعون (فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه)
قال الاسرائيلي: يا موسى نجني من هذا القبطي. فتقدم موسى الى القبطي (فوكزه) ضربه بيده،
وكانت الوكزة شديدة، لما كان ل(موسى) من قوة وبطش (فقضى عليه) ومات القبطي في مكانه.
قال موسى: هذا الاقتتال من عمل الشيطان.
فانتشر امر موسى في الناس، وقالوا: انه قتل رجلا من القبط (فاصبح في المدينة خائفا
يترقب). وخرج في غد ذلك اليوم يتحسس الاخبار، فاذا به يمر بذلك الرجل الاسرائيلي، وهو
يتقاتل مع رجل قبطي اخر.. ولما ان راى الاسرائيلي موسى استصرخه وطلب منه العون في
انجائه من القبطي. توجه موسى الى الاسرائيلي، وقال له: (انك لغوي مبين) كل يوم تقاتل
رجلا؟!
لكن موسى بعدما قال هذا الكلام للاسرائيلي نحى نحو القبطي ليزجره وينصر الاسرائيلي (ولما اراد
ان يبطش بالذي هو عدو لهما) زعم الاسرائيلي ان موسى يريد الانتقام منه.. فاضطرب وتوجه
الى موسى قائلا: (اتريد ان تقتلني كما قتلت نفسا بالامس ان تريد الا ان تكون
جبارا في الارض وما تريد ان تكون من المصلحين)؟! فخاف موسى ان يتبين امره، ويلقى
القبض عليه فهرب من محل المنازعة، واختفى.
كان خازن فرعون مؤمنا بموسى (عليه السلام) وكان قد كتم ايمانه عن فرعون.. وبعد الواقعة
استشار فرعون اصحابه في امر موسى؟ واخيرا استقر رايه على ان يقتله. لكن الله شاء
ان يحفظ موسى من القتل.
فاخذ الخازن يناقش فرعون في قتل موسى وقال: (اتقتلون رجلا ان يقول ربي الله)؟ لكن
لم تنفع المناقشة، وصدر حكم القتل، فلم ير الخازن حلا للمسالة الا ان يخبر موسى
بالمؤامرة لينجو بنفسه.
(وجاء رجل من اقصا المدينة يسعى قال يا موسى ان الملا ياتمرون بك ليقتلوك فاخرج
اني لك من الناصحين) وسمع موسى كلام الخازن (فخرج منها خائفا يترقب) بغير دابة، ولا
خادم ولا زاد متضرعا الى الله تعالى، قائلا: (رب نجني من القوم الظالمين) وكان يخاف
ان يلحقه الطلب!
لكن الله حفظ نبيه عن اذى فرعون وقومه، فلم يظفروا به، حتى خرج من بلادهم..
وورد الى بلاد اخرين (ولما توجه تلقاء مدين قال عسى ربي ان يهديني سواء السبيل).

سار موسى (عليه السلام).. ترفعه ارض وتخفضه اخرى، حتى اتى الى ارض مدين، فرفعت له
من البعيد شجرة، فقصدها ليستظل بها، ولما اقترب منها راى تحتها بئرا (ولما ورد ماء
مدين وجد عليه امة من الناس يسقون). ونظر في ناحية، فاذا يرى جاريتين معهما غنم
تنتظران صدور القوم، حتى تسقيا غنمهما، من فضل ما بقي في الحوض.
فقال لهما موسى: (ما خطبكما)؟ ولماذا تنتظران؟ (قالتا لا نسقى حتى يصدر الرعاء وابونا شيخ
كبير). فرق موسى لحالهما، ودنا من البئر، وقال لمن على البئر: استقي دلوين دلوا لكم،
ودلوا لي؟ وكان الدلو كبيرا يحتاج مده الى جماعة… فقبل القوم كلامه لما راوا فيه
من المنفعة لانفسهم، فتقدم موسى (عليه السلام) وحده وكان قويا فاستقى وحده دلوا لمن على
البئر ثم استقى دلوا اخر للجاريتين، وسقى اغنامهما.
( ثم تولى الى الظل فقال رب اني لما انزلت الي من خير فقير) وكان
(عليه السلام) حينذاك جائعا لم ياكل منذ ثلاثة ايام شيئا! وكان قد استولى عليه الضعف،
والتعب.. فقد قطع الطريق بين مصر ومدين راجلا خائفا، ولم يعتد ذلك من قبل حيث
انه كان في ظل نعيم في بيت الملك، مهيئا له افضل الاطعمة، واحسن المراكب، واسبغ
الرفاه والامن.
فتضرع الى الله تعالى، في ان يمنحه الراحة والامن والماكل. استجاب الله دعاء موسى (عليه
السلام). فما ان رجعت المراتان الى داريهما وكان ابوهما نبيا من انبياء الله تعالى، واسمه:
شعيب (عليه السلام) حتى اخبرتاه بنبا موسى.
ان شعيب سال ابنتيه، قائلا: اسرعتما الرجوع اليوم؟ وقد كانتا اعتادتا التاخر حتى يصدر الرعاء.

فقالتا: وجدنا رجلا صالحا رحيما، فسقى لنا مع القوم، وهذا سبب مجيئنا قبل كل يوم.

فقال شعيب، لواحدة منهما: اذهبي اليه، فادعيه لنجزيه اجر ما سقى لنا (فجاءته احداهما تمشي
على استحياء) حتى وصلت الى موسى (قالت ان ابي يدعوك ليجزيك اجر ما سقيت لنا)
فقام موسى معها، وارادت الفتاة ان تتقدم على موسى في المشي لتدله على الطريق لكن
موسى ابى، وقال: بل كوني من ورائي، وارشديني الى الطريق بدلالة.
حتى وصل الى دار شعيب فدخل الدار، ورحب به شعيب، واستفسره عن قصته (فلما جاءه
وقص عليه القصص قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين).

السابق
مسلسل هيفاء وهبي
التالي
تحميل اناشيد احمد الزميلي mp3