ان الله يامركم ان تؤدوا الامانات الىٰ اهلها واذا حكمتم بين الناس ان تحكموا بالعدل
ۚ ان الله نعما يعظكم به ۗ ان الله كان سميعا بصيرا
58 النساء
اسباب النزول – ابو الحسن علي بن احمد بن محمد بن علي الواحدي
قوله تعالى: { ان ٱلله يامركم ان تؤدوا ٱلامانات الىۤ اهلها} . [58].
نزلت في عثمان بن طلحة الحجبي، من بني عبد الدار، كان سادن الكعبة، فلما دخل
النبي صلى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح، اغلق عثمان باب البيت وصعد السطح، فطلب
رسول الله صلى الله عليه وسلم المفتاح، فقيل انه مع عثمان، فطلب منه فابى وقال:
لو علمت انه رسول الله لما منعته المفتاح، فلوى علي بن ابي طالب يده واخذ
منه المفتاح وفتح الباب، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم البيت وصلى فيه ركعتين،
فلما خرج ساله العباس انه يعطيه المفتاح ليجمع له بين السقاية والسدانة فانزل الله تعالى
هذه الاية، فامر رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا ان يرد المفتاح الى عثمان
ويعتذر اليه، ففعل ذلك علي، فقال له عثمان: يا علي اكرهت واذيت ثم جئت ترفق!
فقال: لقد انزل الله تعالى في شانك، وقرا عليه هذه الاية فقال عثمان: اشهد ان
محمدا رسول الله؛ واسلم، فجاء جبريل عليه السلام وقال: ما دام هذا البيت فان المفتاح
والسدانة في اولاد عثمان. وهو اليوم في ايديهم.
اخبرنا ابو حسان المزكي، قال: اخبرنا هارون بن محمد الاستراباذي، قال: حدثنا ابو محمد الخزاعي،
قال: حدثنا ابو الوليد الازرقي، قال: حدثنا جدي، عن سفيان، عن سعيد بن سالم، عن
ابن جريج، عن مجاهد في قول الله تعالى: { ان ٱلله يامركم ان تؤدوا ٱلامانات
الىۤ اهلها} قال:
نزلت في [عثمان] بن طلحة، قبض النبي صلى الله عليه وسلم مفتاح الكعبة، فدخل الكعبة
يوم الفتح فخرج وهو يتلو هذه الاية، فدعا عثمان فدفع اليه المفتاح، وقال: خذوها يا
بني ابي طلحة بامانة الله، لا ينزعها منكم الا ظالم.
اخبرنا ابو نصر المهرجاني، قال: اخبرنا عبيد الله بن محمد الزاهد، قال: اخبرنا ابو القاسم
المقري، قال: حدثني احمد بن زهير، قال: اخبرنا مصعب، قال: حدثنا شيبة بن عثمان بن
ابي طلحة، قال:
دفع النبي صلى الله عليه وسلم المفتاح الي والى عثمان، وقال: خذوها يا بني ابي
طلحة خالدة تالدة، لا ياخذها منكم الا ظالم. فبنو ابي طلحة – الذين يلون سدانة
الكعبة – من بني عبد الدار.
تفسير بن كثير
يخبر الله تعالى انه يامر باداء الامانات الى اهلها، وفي الحديث: (اد الامانة الى من
ائتمنك، ولا تخن من خانك) “”رواه احمد واصحاب السنن””وهو يعم جميع الامانات الواجبة على الانسان،
من حقوق الله عز وجل على عباده من الصلاة والزكاة والصيام والكفارات النذور وغير ذلك،
مما هو مؤتمن عليه لا يطلع عليه العباد، ومن حقوق العباد بعضهم على بعض، كالودائع
وغير ذلك مما ياتمون به من غير اطلاع بينة على ذلك فامر الله عز وجل
بادائها، فمن لم يفعل ذلك في الدنيا اخذ منه ذلك يوم القيامة كما ثبت في
الحديث الصحيح ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لتؤدن الحقوق الى اهلها حتى
يقتص للشاة الجماء من القرناء)، وقال ابن ابي حاتم عن عبد الله بن مسعود قال:
ان الشهادة تكفر كل ذنب الا الامانة، يؤتى بالرجل يوم القيامة وان كان قد قتل
في سبيل الله فيقال: اد امانتك، فيقول: فانى اؤديها وقد ذهبت الدنيا؟ فتمثل له الامانة
في قعر جهنم فيهوي اليها فيحملها على عاتقه فتنزل عن عاتقه فيهوي على اثرها ابد
الابدين “”اخرجه ابن ابي حاتم عن ابن مسعود موقوفا””قال ابو العالية: الامانة ما امروا به
ونهوا عنه. وروى ابن ابي حاتم عن مسروق قال، قال ابي بن كعب : من
الامانات ان المراة ائتمنت على فرجها، وقال الربيع بن انس: هي من الامانات فيما بينك
وبين الناس. وقد ذكر كثير من المفسرين ان هذه الاية نزلت في شان عثمان بن
طلحة حاجب الكعبة المعظمة، وهو ابن عم شيبة بن عثمان بن ابي طلحة الذي صارت
الحجابة في نسله الى اليوم، اسلم عثمان هذا في الهدنة بين صلح الحديبية وفتح مكة
هو وخالد بن الوليد وعمرو بن العاص. وسبب نزولها فيه لما اخذ منه رسول الله
صلى الله عليه وسلم مفتاح الكعبة يوم الفتح ثم رده عليه، وقال محمد بن اسحاق:
ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل بمكة واطمان الناس خرج حتى جاء
الى البيت فطاف به سبعا على راحلته يستلم الركن بمحجن في يده، فلما قضى طوافه
دعا عثمان بن طلحة فاخذ منه مفتاح الكعبة ففتحت له فدخلها، فوجد فيها حمامة من
عيدان فكسرها بيده ثم طرحها، ثم وقف على باب الكعبة وقد استكن له الناس في
المسجد فقال:(لا اله الا الله وحده لا شريك له، صدق وعده ونصر عبده وهزم الاحزاب
وحده، الا كل ماثرة او دم او مال يدعى فهو تحت قدمي هاتين، الا سدانة
البيت وسقاية الحاج) وذكر بقية الحديث في خطبة النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ الى
ان قال: ثم جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، فقام اليه علي
بن ابي طالب ومفتاح الكعبة في يده فقال: يا رسول الله اجمع لنا الحجابة مع
السقاية صلى الله عليك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (اين عثمان بن
طلحة) ؟ فدعي له، فقال له: (هاك مفتاحك يا عثمان، اليوم يوم وفاء وبر). قال
ابن جرير: نزلت في عثمان بن طلحة، قبض منه رسول الله صلى الله عليه وسلم
مفتاح الكعبة فدخل في البيت يوم الفتح، فخرج وهو يتلو هذه الاية { ان الله
يامركم ان تؤدوا الامانات الى اهلها} الاية، فدعا عثمان اليه فدفع اليه المفتاح، وقال عمر
بن الخطاب لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكعبة وهو يتلو هذه
الاية { ان الله يامركم ان تؤدوا الامانات الى اهلها} فداه ابي وامي ما سمعته
يتلوها قبل ذلك. وهذا من المشهورات ان هذه الاية نزلت في ذلك، وسواء كانت في
ذلك او لا فحكمها عام، ولهذا قال ابن عباس ومحمد بن الحنفية: هي للبر والفاجر،
اي هي امر لكل احد، وقوله: { واذا حكمتم بين الناس ان تحكموا بالعدل} امر
منه تعالى بالحكم بالعدل بين الناس، ولهذا قال زيد بن اسلم: ان هذه الاية: انما
نزلت في الامراء يعني الحكام بين الناس، وفي الحديث: (ان الله مع الحاكم ما لم
يجر، فاذا جار وكله الى نفسه)، وفي الاثر: (عدل يوم كعبادة اربعين سنة)، وقوله: {
ان الله نعما يعظكم به} اي يامركم به من اداء الامانات، والحكم بالعدل بين الناس
وغير ذلك من اوامره وشرائعه الكاملة العظيمة الشاملة، وقوله تعالى: { ان الله كان سميعا
بصيرا} سميعا لاقوالكم، بصيرا بافعالكم.
تفسير الجلالين
{ ان الله يامركم ان تؤدوا الامانات } اي ما اؤتمن عليه من الحقوق {
الى اهلها } نزلت لما اخذ علي رضي الله عنه مفتاح الكعبة من عثمان بن
طلحة الحجبي سادنها قسرا لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم مكة عام الفتح ومنعه
وقال لو علمت انه رسول الله لم امنعه فامر رسول الله صلى الله عليه وسلم
برده اليه وقال هاك خالدة تالدة فعجب من ذلك فقرا له علي الاية ، فاسلم
واعطاه عند موته لاخيه شيبة فبقي في ولده والاية وان وردت على سبب خاص فعمومها
معتبر بقرينة الجمع { واذا حكمتم بين الناس } يامركم { ان تحكموا بالعدل ان
الله نعما } فيه ادغام ميم نعم في ما النكرة الموصولة اي نعم شيئا {
يعظكم به } تادية الامانة والحكم بالعدل { ان الله كان سميعا } لما يقال
{ بصيرا } بما يفعل .
تفسير الطبري
القول في تاويل قوله تعالى : { ان الله يامركم ان تؤدوا الامانات الى اهلها
واذا حكمتم بين الناس ان تحكموا بالعدل } اختلف اهل التاويل فيمن عني بهذه الاية
, فقال بعضهم : عني بها : ولاة امور المسلمين . ذكر من قال ذلك
: 7776 – حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي , قال : ثنا ابو اسامة
, عن ابي مكين , عن زيد بن اسلم , قال : نزلت هذه الاية
: { ان الله يامركم ان تؤدوا الامانات الى اهلها } في ولاة الامر .
7777 – حدثنا ابو كريب , قال : ثنا ابن ادريس , قال : ثنا
ليث , عن شهر , قال : نزلت في الامراء خاصة { ان الله يامركم
ان تؤدوا الامانات الى اهلها واذا حكمتم بين الناس ان تحكموا بالعدل } 7778 –
حدثنا ابو كريب , قال : ثنا ابن ادريس , قال : ثنا اسماعيل ,
عن مصعب بن سعد , قال : قال علي رضي الله عنه : كلمات اصاب
فيهن حق على الامام ان يحكم بما انزل الله , وان يؤدي الامانة , واذا
فعل ذلك فحق على الناس ان يسمعوا وان يطيعوا وان يجيبوا اذا دعوا . *
– حدثنا ابو كريب , قال : ثنا جابر بن نوح , قال : ثنا
اسماعيل عن مصعب بن سعد , عن علي بنحوه . 7779 – حدثني محمد بن
عبيد المحاربي , قال : ثنا موسى بن عمير , عن مكحول , في قول
الله : { واولي الامر منكم } قال : هم اهل الاية التي قبلها :
{ ان الله يامركم ان تؤدوا الامانات الى اهلها } . .. الى اخر الاية
. 7780 – حدثني يونس , قال : اخبرنا ابن وهب , قال : اخبرنا
ابن زيد , قال : قال ابي : هم الولاة , امرهم ان يؤدوا الامانات
الى اهلها . وقال اخرون : امر السلطان بذلك ان يعطوا الناس . ذكر من
قال ذلك : 7781 – حدثني المثنى , قال : ثنا عبد الله بن صالح
, قال : ثني معاوية , عن علي بن ابي طلحة , عن ابن عباس
, قوله : { ان الله يامركم ان تؤدوا الامانات الى اهلها } قال :
يعني : السلطان يعطون الناس . وقال اخرون : الذي خوطب بذلك النبي صلى الله
عليه وسلم في مفاتيح الكعبة امر بردها على عثمان بن طلحة . ذكر من قال
ذلك : 7782 – حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : ثني
حجاج , عن ابن جريج , قوله : { ان الله يامركم ان تؤدوا الامانات
الى اهلها } قال : نزلت في عثمان بن طلحة بن ابي طلحة , قبض
منه النبي صلى الله عليه وسلم مفاتيح الكعبة , ودخل بها البيت يوم الفتح ,
فخرج وهو يتلو هذه الاية , فدعا عثمان فدفع اليه المفتاح . قال : وقال
عمر بن الخطاب لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتلو هذه الاية
: فداؤه ابي وامي ! ما سمعته يتلوها قبل ذلك . 7783 – حدثنا القاسم
, قال : ثنا الحسين , قال : ثنا الزنجي بن خالد , عن الزهري
, قال : دفعه اليه وقال : اعينوه . واولى هذه الاقوال بالصواب في ذلك
عندي قول من قال : هو خطاب من الله ولاة امور المسلمين باداء الامانة الى
من ولوا في فيئهم وحقوقهم , وما اؤتمنوا عليه من امورهم بالعدل بينهم في القضية
. والقسم بينهم بالسوية , يدل على ذلك ما وعظ به الرعية في : {
اطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الامر منكم } فامرهم بطاعتهم , واوصى الراعي بالرعية ,
واوصى الرعية بالطاعة . كما : 7784 – حدثني يونس , قال : اخبرنا ابن
وهب , قال : قال ابن زيد في قوله : { يا ايها الذين امنوا
اطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الامر منكم } قال : قال ابي : هم السلاطين
. وقرا ابن زيد : { تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء }
3 26 الا ترى انه امر فقال : { ان الله يامركم ان تؤدوا الامانات
الى اهلها } ؟ والامانات : هي الفيء الذي استامنهم على جمعه وقسمه , والصدقات
التي استامنهم على جمعها وقسمها . { واذا حكمتم بين الناس ان تحكموا بالعدل }
. .. الاية كلها فامر بهذا الولاة , ثم اقبل علينا نحن , فقال :
{ يا ايها الذين امنوا اطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الامر منكم } واما الذي
قال ابن جريج من ان هذه الاية نزلت في عثمان بن طلحة فانه جائز ان
تكون نزلت فيه , واريد به كل مؤتمن على امانة فدخل فيه ولاة امور المسلمين
وكل مؤتمن على امانة في دين او دنيا , ولذلك قال من قال : عنى
به قضاء الدين ورد حقوق الناس . كالذي : 7785 – حدثني محمد بن سعد
, قال : ثني ابي , قال : ثني عمي , قال : ثني ابي
, عن ابيه , عن ابن عباس , قوله : { ان الله يامركم ان
تؤدوا الامانات الى اهلها } فانه لم يرخص لموسر ولا معسر ان يمسكها . 7786
– حدثنا بشر بن معاذ , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد
, عن قتادة , قوله : { ان الله يامركم ان تؤدوا الامانات الى اهلها
} عن الحسن : ان نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : ”
اد الامانة الى من ائتمنك , ولا تخن من خانك ” . فتاويل الاية اذا
, اذ كان الامر على ما وصفنا : ان الله يامركم يا معشر ولاة امور
المسلمين ان تؤدوا ما ائتمنتكم عليه رعيتكم من فيئهم وحقوقهم واموالهم وصدقاتهم اليهم على ما
امركم الله , باداء كل شيء من ذلك الى من هو له بعد ان تصير
في ايديكم , لا تظلموها اهلها ولا تستاثروا بشيء منها ولا تضعوا شيئا منها في
غير موضعه , ولا تاخذوها الا ممن اذن الله لكم باخذها منه قبل ان تصير
في ايديكم ; ويامركم اذا حكمتم بين رعيتكم ان تحكموا بينهم بالعدل والانصاف , وذلك
حكم الله الذي انزله في كتابه وبينه على لسان رسوله , لا تعدوا ذلك فتجوروا
عليهم . القول في تاويل قوله تعالى : { ان الله يامركم ان تؤدوا الامانات
الى اهلها واذا حكمتم بين الناس ان تحكموا بالعدل } اختلف اهل التاويل فيمن عني
بهذه الاية , فقال بعضهم : عني بها : ولاة امور المسلمين . ذكر من
قال ذلك : 7776 – حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي , قال : ثنا
ابو اسامة , عن ابي مكين , عن زيد بن اسلم , قال : نزلت
هذه الاية : { ان الله يامركم ان تؤدوا الامانات الى اهلها } في ولاة
الامر . 7777 – حدثنا ابو كريب , قال : ثنا ابن ادريس , قال
: ثنا ليث , عن شهر , قال : نزلت في الامراء خاصة { ان
الله يامركم ان تؤدوا الامانات الى اهلها واذا حكمتم بين الناس ان تحكموا بالعدل }
7778 – حدثنا ابو كريب , قال : ثنا ابن ادريس , قال : ثنا
اسماعيل , عن مصعب بن سعد , قال : قال علي رضي الله عنه :
كلمات اصاب فيهن حق على الامام ان يحكم بما انزل الله , وان يؤدي الامانة
, واذا فعل ذلك فحق على الناس ان يسمعوا وان يطيعوا وان يجيبوا اذا دعوا
. * – حدثنا ابو كريب , قال : ثنا جابر بن نوح , قال
: ثنا اسماعيل عن مصعب بن سعد , عن علي بنحوه . 7779 – حدثني
محمد بن عبيد المحاربي , قال : ثنا موسى بن عمير , عن مكحول ,
في قول الله : { واولي الامر منكم } قال : هم اهل الاية التي
قبلها : { ان الله يامركم ان تؤدوا الامانات الى اهلها } . .. الى
اخر الاية . 7780 – حدثني يونس , قال : اخبرنا ابن وهب , قال
: اخبرنا ابن زيد , قال : قال ابي : هم الولاة , امرهم ان
يؤدوا الامانات الى اهلها . وقال اخرون : امر السلطان بذلك ان يعطوا الناس .
ذكر من قال ذلك : 7781 – حدثني المثنى , قال : ثنا عبد الله
بن صالح , قال : ثني معاوية , عن علي بن ابي طلحة , عن
ابن عباس , قوله : { ان الله يامركم ان تؤدوا الامانات الى اهلها }
قال : يعني : السلطان يعطون الناس . وقال اخرون : الذي خوطب بذلك النبي
صلى الله عليه وسلم في مفاتيح الكعبة امر بردها على عثمان بن طلحة . ذكر
من قال ذلك : 7782 – حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال
: ثني حجاج , عن ابن جريج , قوله : { ان الله يامركم ان
تؤدوا الامانات الى اهلها } قال : نزلت في عثمان بن طلحة بن ابي طلحة
, قبض منه النبي صلى الله عليه وسلم مفاتيح الكعبة , ودخل بها البيت يوم
الفتح , فخرج وهو يتلو هذه الاية , فدعا عثمان فدفع اليه المفتاح . قال
: وقال عمر بن الخطاب لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتلو
هذه الاية : فداؤه ابي وامي ! ما سمعته يتلوها قبل ذلك . 7783 –
حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : ثنا الزنجي بن خالد ,
عن الزهري , قال : دفعه اليه وقال : اعينوه . واولى هذه الاقوال بالصواب
في ذلك عندي قول من قال : هو خطاب من الله ولاة امور المسلمين باداء
الامانة الى من ولوا في فيئهم وحقوقهم , وما اؤتمنوا عليه من امورهم بالعدل بينهم
في القضية . والقسم بينهم بالسوية , يدل على ذلك ما وعظ به الرعية في
: { اطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الامر منكم } فامرهم بطاعتهم , واوصى الراعي
بالرعية , واوصى الرعية بالطاعة . كما : 7784 – حدثني يونس , قال :
اخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد في قوله : { يا ايها
الذين امنوا اطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الامر منكم } قال : قال ابي :
هم السلاطين . وقرا ابن زيد : { تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن
تشاء } 3 26 الا ترى انه امر فقال : { ان الله يامركم ان
تؤدوا الامانات الى اهلها } ؟ والامانات : هي الفيء الذي استامنهم على جمعه وقسمه
, والصدقات التي استامنهم على جمعها وقسمها . { واذا حكمتم بين الناس ان تحكموا
بالعدل } . .. الاية كلها فامر بهذا الولاة , ثم اقبل علينا نحن ,
فقال : { يا ايها الذين امنوا اطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الامر منكم }
واما الذي قال ابن جريج من ان هذه الاية نزلت في عثمان بن طلحة فانه
جائز ان تكون نزلت فيه , واريد به كل مؤتمن على امانة فدخل فيه ولاة
امور المسلمين وكل مؤتمن على امانة في دين او دنيا , ولذلك قال من قال
: عنى به قضاء الدين ورد حقوق الناس . كالذي : 7785 – حدثني محمد
بن سعد , قال : ثني ابي , قال : ثني عمي , قال :
ثني ابي , عن ابيه , عن ابن عباس , قوله : { ان الله
يامركم ان تؤدوا الامانات الى اهلها } فانه لم يرخص لموسر ولا معسر ان يمسكها
. 7786 – حدثنا بشر بن معاذ , قال : ثنا يزيد , قال :
ثنا سعيد , عن قتادة , قوله : { ان الله يامركم ان تؤدوا الامانات
الى اهلها } عن الحسن : ان نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول
: ” اد الامانة الى من ائتمنك , ولا تخن من خانك ” . فتاويل
الاية اذا , اذ كان الامر على ما وصفنا : ان الله يامركم يا معشر
ولاة امور المسلمين ان تؤدوا ما ائتمنتكم عليه رعيتكم من فيئهم وحقوقهم واموالهم وصدقاتهم اليهم
على ما امركم الله , باداء كل شيء من ذلك الى من هو له بعد
ان تصير في ايديكم , لا تظلموها اهلها ولا تستاثروا بشيء منها ولا تضعوا شيئا
منها في غير موضعه , ولا تاخذوها الا ممن اذن الله لكم باخذها منه قبل
ان تصير في ايديكم ; ويامركم اذا حكمتم بين رعيتكم ان تحكموا بينهم بالعدل والانصاف
, وذلك حكم الله الذي انزله في كتابه وبينه على لسان رسوله , لا تعدوا
ذلك فتجوروا عليهم .’ القول في تاويل قوله تعالى : { ان الله نعما يعظكم
به } يعني بذلك جل ثناؤه : يا معشر ولاة امور المسلمين ان الله نعم
الشيء يعظكم به , ونعمت العظة يعظكم بها في امره اياكم , ان تؤدوا الامانات
الى اهلها , وان تحكموا بين الناس بالعدل القول في تاويل قوله تعالى : {
ان الله نعما يعظكم به } يعني بذلك جل ثناؤه : يا معشر ولاة امور
المسلمين ان الله نعم الشيء يعظكم به , ونعمت العظة يعظكم بها في امره اياكم
, ان تؤدوا الامانات الى اهلها , وان تحكموا بين الناس بالعدل’ { ان الله
كان سميعا } يقول : ان الله لم يزل سميعا بما تقولون وتنطقون , وهو
سميع لذلك منكم اذا حكمتم بين الناس ولم تحاوروهم به , { بصيرا } بما
تفعلون فيما ائتمنتكم عليه من حقوق رعيتكم واموالهم , وما تقضون به بينهم من احكامكم
بعدل تحكمون او جور , لا يخفى عليه شيء من ذلك , حافظ ذلك كله
, حتى يجازي محسنكم باحسانه ومسيئكم باساءته , او يعفو بفضله . { ان الله
كان سميعا } يقول : ان الله لم يزل سميعا بما تقولون وتنطقون , وهو
سميع لذلك منكم اذا حكمتم بين الناس ولم تحاوروهم به , { بصيرا } بما
تفعلون فيما ائتمنتكم عليه من حقوق رعيتكم واموالهم , وما تقضون به بينهم من احكامكم
بعدل تحكمون او جور , لا يخفى عليه شيء من ذلك , حافظ ذلك كله
, حتى يجازي محسنكم باحسانه ومسيئكم باساءته , او يعفو بفضله .’
تفسير القرطبي
فيه مسالتان : الاولى: قوله تعالى { ان الله يامركم ان تؤدوا الامانات} هذه الاية
من امهات الاحكام تضمنت جميع الدين والشرع. وقد اختلف من المخاطب بها؛ فقال علي بن
ابى طالب وزيد بن اسلم وشهر بن حوشب وابن زيد : هذا خطاب لولاة المسلمين
خاصة، فهي للنبي صلى الله عليه وسلم وامرائه، ثم تتناول من بعدهم. وقال ابن جريج
وغيره : ذلك خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة في امر مفتاح الكعبة حين
اخذه من عثمان بن ابي طلحة الحجبي العبدري من بني عبدالدار ومن ابن عمه شيبة
بن عثمان بن ابي طلحة وكانا كافرين وقت فتح مكة، فطلبه العباس بن عبدالمطلب لتنضاف
له السدانة الى السقاية؛ فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم الكعبة فكسر ما كان
فيها من الاوثان، واخرج مقام ابراهيم ونزل عليه جبريل بهذه الاية. قال عمر بن الخطاب
: وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقرا هذه الاية، وما كنت سمعتها
قبل منه، فدعا عثمان وشيبة فقال : (خذاها خالدة تالدة لا ينزعها منكم الا ظالم
). وحكى مكي : ان شيبة اراد الا يدفع المفتاح، ثم دفعه، وقال للنبي صلى
الله عليه وسلم : خذه بامانة الله. وقال ابن عباس : الاية في الولاة خاصة
في ان يعظوا النساء في النشوز ونحوه ويردوهن الى الازواج. والاظهر في الاية انها عامة
في جميع الناس فهي تتناول الولاة فيما اليهم من الامانات في قسمة الاموال ورد الظلامات
والعدل في الحكومات. وهذا اختيار الطبري. وتتناول من دونهم من الناس في حفظ الودائع والتحرز
في الشهادات وغير ذلك، كالرجل يحكم في نازلة ما ونحوه؛ والصلاة والزكاة وسائر العبادات امانة
الله تعالى. وروي هذا المعنى مرفوعا من حديث ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه
وسلم قال : (القتل في سبيل الله يكفر الذنوب كلها ) او قال : (كل
شيء الا الامانة – والامانة في الصلاة والامانة في الصوم والامانة في الحديث واشد ذلك
الودائع ). ذكره ابو نعيم الحافظ في الحلية. وممن قال ان الاية عامة في الجميع
البراء بن عازب وابن مسعود وابن عباس وابي بن كعب قالوا : الامانة في كل
شيء في الوضوء والصلاة والزكاة والجنابة والصوم والكيل والوزن والودائع، وقال ابن عباس : لم
يرخص الله لمعسر ولا لموسر ان يمسك الامانة. قلت : وهذا اجماع. واجمعوا على ان
الامانات مردودة الى اربابها الابرار منهم والفجار؛ قاله ابن المنذر. والامانة مصدر بمعنى المفعول فلذلك
جمع. ووجه النظم بما تقدم انه تعالى اخبر عن كتمان اهل الكتاب صفة محمد صلى
الله عليه وسلم، وقولهم : ان المشركين اهدى سبيلا، فكان ذلك خيانة منهم فانجر الكلام
الى ذكر جميع الامانات؛ فالاية شاملة بنظمها لكل امانة وهي اعداد كثيرة كما ذكرنا. وامهاتها
في الاحكام : الوديعة واللقطة والرهن والعارية. وروى ابي بن كعب قال : سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول : (اد الامانة الى من ائتمنك ولا تخن من
خانك ). اخرجه الدارقطني. ورواه انس وابو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد
تقدم في [البقرة ]معناه. وروى ابو امامة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول في خطبته عام حجة الوداع : (العارية مؤداة والمنحة مردودة والدين مقضي والزعيم
غارم ). صحيح اخرجه الترمذي وغيره. وزاد الدارقطني : فقال رجل : فعهد الله ؟
قال : (عهد الله احق ما ادي ). وقال بمقتضى هذه الاية والحديث في رد
الوديعة وانها مضمونة على كل حال كانت مما يغاب عليها او لا يغاب تعدي فيها
او لم يتعد – عطاء والشافعي واحمد واشهب. وروي ان ابن عباس وابا هريرة رضي
الله عنهما ضمنا الوديعة. وروى ابن القاسم عن مالك ان من استعار حيوانا او غيره
مما لا يغاب عليه فتلف عنده فهو مصدق في تلفه ولا يضمنه الا بالتعدي. وهذا
قول الحسن البصري والنخعي، وهو قول الكوفيين والاوزاعي قالوا : ومعنى قول عليه السلام :
(العارية مؤداة) هو كمعنى قوله تعالى { ان الله يامركم ان تؤدوا الامانات الى اهلها}
. فاذا تلفت الامانة لم يلزم المؤتمن غرمها لانه مصدق فكذلك العارية اذا تلفت من
غير تعد؛ لانه لم ياخذها على الضمان، فاذا تلفت بتعديه عليها لزمه قيمتها لجنايته عليها.
وروي عن علي وعمر وابن مسعود انه لا ضمان في العارية. وروى الدارقطني عن، عمرو
بن شعيب، عن ابيه عن جده ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
(لا ضمان على مؤتمن ). واحتج الشافعي فيما استدل به بقول صفوان للنبي صلى الله
عليه وسلم لما استعار منه الادراع : اعارية مضمونة او عارية مؤداة ؟ فقال :
(بل عارية مؤداة ). الثانية: قوله تعالى { واذا حكمتم بين الناس ان تحكموا بالعدل}
قال الضحاك : بالبينة على المدعي واليمين على من انكر. وهذا خطاب للولاة والامراء والحكام،
ويدخل في ذلك بالمعنى جميع الخلق كما ذكرنا في اداء الامانات. قال صلى الله عليه
وسلم : (ان المقسطين يوم القيامة على منابر من نور عن يمين الرحمن وكلتا يديه
يمين الذين يعدلون في حكمهم واهليهم وما ولوا ). وقال : (كلكم راع وكلكم مسؤول
عن رعيته فالامام راع وهو مسؤول عن رعيته والرجل راع على اهله وهو مسؤول عنهم
والمراة راعية على بيت زوجها وهي مسؤولة عنه والعبد راع على مال سيده وهو مسؤول
عنه الا فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ). فجعل في هذه الاحاديث الصحيحة كل
هؤلاء رعاة : وحكاما على مراتبهم، وكذلك العالم الحاكم؛ لانه اذا افتى حكم وقضى وفصل
بين الحلال والحرام، والفرض والندب، والصحة والفساد، فجميع ذلك امانة تؤدى وحكم يرضى. وقد تقدم
في [البقرة] القول في { نعما} . قوله تعالى { ان الله كان سميعا بصيرا}
وصف الله تعالى نفسه بانه سميع بصير يسمع ويرى؛ كما قال تعالى { انني معكما
اسمع وارى} [طه : 46] فهذا طريق السمع. والعقل يدل على ذلك؛ فان انتفاء السمع
والبصر يدل على نقيضهما من العمى والصمم، اذ المحل القابل للضدين لا يخلو من احدهما،
وهو تعالى مقدس عن النقائص ويستحيل صدور الافعال الكاملة من المتصف، بالنقائص؛ كخلق السمع والبصر
ممن ليس له سمع ولا بصر. واجمعت الامة على تنزيهه تعالى عن النقائص وهو ايضا
دليل سمعي يكتفى به مع نص القران في مناظرة من تجمعهم كلمة الاسلام. جل الرب
تبارك وتعالى عما يتوهمه المتوهمون ويختلقه المفترون الكاذبون { سبحان ربك رب العزة عما يصفون
} [الصافات : 180].
- ادو الامانات
- الآية إن الله يحب أن تؤدى الأمانة إلى أهلها