مواضيع للرجال للنساء

احاديث عن التوكل على الله

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الامين.
ايها الاخوة الكرام، من الزم لوازم المؤمن التوكل على الله، ولكن هذا التوكل على الله
فيه منزلقات كثيرة.
اولا: من الايات الكريمة وما اكثرها التي تحض على التوكل، يقول الله عز وجل:

﴿وعلى الله فتوكلوا ان كنتم مؤمنين (23) ﴾

(سورة المائدة)

علامة الايمان التوكل على الله.

﴿ومن يتوكل على الله فهو حسبه﴾

(سورة الطلاق)

يكفيه مهما كان عدوه جبارا.

﴿وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا (81) ﴾

(سورة الاحزاب)

﴿فاذا عزمت فتوكل على الله ان الله يحب المتوكلين (159) ﴾

(سورة ال عمران)

﴿الذين قال لهم الناس ان الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم ايمانا وقالوا حسبنا الله
ونعم الوكيل (173) ﴾

(سورة ال عمران)

﴿اذا ذكر الله وجلت قلوبهم واذا تليت عليهم اياته زادتهم ايمانا وعلى ربهم يتوكلون (2)

(سورة الانفال)

ايها الاخوة، والسنة ايضا طافحة بالحض على التوكل:
عن ابن عباس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول:

(( اللهم لك اسلمت، وبك امنت، وعليك توكلت، واليك انبت، وبك خاصمت، اللهم اني اعوذ
بعزتك، لا اله الا انت، ان تضلني، انت الحي الذي لا يموت، والجن والانس يموتون
))

(صحيح مسلم)

وفي حديث اخر عن ابن عباس:

﴿ حسبنا الله ونعم الوكيل ﴾

قالها ابراهيم عليه السلام حين القي في النار، وقالها محمد صلى الله عليه وسلم حين
قالوا:

﴿ ان الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم ايمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل ﴾

(صحيح البخاري)

عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(( لو انكم كنتم توكلون على الله حق توكله لرزقتم كما يرزق الطير، تغدو خماصا،
وتروح بطانا ))

(سنن الترمذي)

عن انس بن مالك ان النبي صلى الله عليه وسلم قال:

(( اذا خرج الرجل من بيته فقال: بسم الله، توكلت على الله، لا حول ولا
قوة الا بالله، قال: يقال حينئذ: هديت، وكفيت، ووقيت، فتتنحى له الشياطين، فيقول له شيطان
اخر: كيف لك برجل قد هدي، وكفي، ووقي ؟ ))

(سنن ابي داود)

هذه النصوص من الكتاب والسنة التي تحض على التوكل، فانت مامور بالتوكل، وتوكلك مرتبط بايمانك،
وبالاخذ بالاسباب.
ولكن ادق شيء في هذا الموضوع ان التوكل من عمل القلب، وليس من عمل الجوارح،
ولكن الذي لا يعمل، ولا ياخذ بالاسباب، ولا يتقي الاخطار بدعوة انه متوكل، فهذا ما
فهم التوكل اطلاقا، هذا سماه المعاصرون التواكل، وهو يشل حركة الانسان، لا يعمل، ولا يتحرك،
ولا ياخذ بالاسباب، ويقول: انا متوكل على الله، وحينما راى عمر ابن الخطاب رضي الله
عنه اناسا فقراء في ايام الحج سالهم: ” من انتم ؟ قالوا: نحن المتوكلون !
فقال: كذبتم، المتوكل من القى حبة في الارض، ثم توكل على الله “.
ولما راى عمر اعرابيا ايضا معه جمل اجرب قال: يا اخا العرب، ما تفعل بهذا
الجمل ؟ قال: ادعو الله ان يشفيه، فقال له: هلا جعلت مع الدعاء قطرانا ؟
فالدعاء مرفوض من دون عمل، والتوكل مرفوض من دون عمل، والمشكلة الان ولا ابالغ ان
العالم الاسلامي لا يعمل، ولا ياخذ بالاسباب، لكنه يتوهم انه متوكل على الله، وينتظر تحقيق
معجزة، وهذا لن يكون ابدا.
لذلك اول فكرة في هذا الموضوع: ان التوكل عمل القلب، عمل قلبي محض، ليس قولا
باللسان، ولا كسل في عمل الجوارح، ولا هو من باب العلوم والادراكات، انه عمل القلب،
كيف ان الاخلاص هو عمل القلب، كذلك التوكل من اعمال القلوب.
بعضهم قال: التوكل هو الاسترسال مع الله مع ما يريد، او الرضا بالمقدور، او هجر
العلائق، ومواصلة الحقائق.
ايها الاخوة، اول شيء في الموضوع انه يجب ان تاخذ بالاسباب، وهذا لا يتناقض مع
التوكل ابدا، تاخذ بالاسباب، وكانها كل شي، ثم تتوكل على الله، وكانها ليست بشيء، ولا
اوضح من ان النبي صلى الله عليه وسلم اخذ بكل الاسباب في الهجرة، لكن اراد
الله ان يبين لنا حقيقة توكله صلى الله عليه وسلم، وصلوا الى الغار، لو انه
اخذ بها، واعتمد عليها لانهارت قواه، لكنه اخذ بها، واعتمد على الله، لذلك لم يتاثر،
اخذ بها تعبدا، واعتمد على الله توحيدا.
فاعيد هذه العبارة: ان تاخذ بالاسباب، وكانها كل شيء، ثم تتوكل على الله، وكانها ليست
بشيء، والقضية ليست سهلة، ليس من السهل ان تجري فحصا دقيقا لمركبتك، ان اردت ان
تسافر، وبعدها تشعر بافتقارك الى الله، الى حفظه وتوفيقه، فان تجمع بين ان تقول: يا
رب انا محتاج الى رحمتك، وحفظك، وتوفيقك، وانت بالمقابل اخذت بكل الاسباب، هذا في السفر،
والسعي، وتامين الرزق.
يشتري تاجر صفقة بتسرع دون دراسة، ويقول: توكلت على الله، يا جبار، الصفقة غير مدروسة،
ليس هذا من صفات المؤمن، المؤمن يدرس السوق، والاسعار، والمنافسين، والتكلفة، والنوع المطلوب، يجري دراسة
دقيقة جدا، ثم في ضوء هذه الدراسة يتخذ قرارا بالشراء، وبعدها يقول: يا جبار، انت
الجبار، في الطب تاخذ بكل الاسباب، تتبع تعليمات الطبيب الدقيقة، وبعدها تقول: يا رب، اشفني،
هذا النموذج الذي ياخذ بالاسباب، ويتوكل على الله يكاد يكون مفقودا في هذه الايام، اما
ان تاخذ بالاسباب، وان تنسى الله عز وجل، وتعتمد عليها، واما الا تاخذ بها فقد
عصيت ! وكان الايمان الكامل ان تكون في طريق، وعلى يمينك واد سحيق، وعلى يسارك
واد سحيق، ان تاخذ بالاسباب، وتعتمد عليها تقع في وادي الشرك، والا تاخذ بها تقع
في وادي المعصية، ويمكن ان اقول باختصار: ان الغرب اخذ بالاسباب، والهها، واستغنى عن الله،
وان الشرق لم ياخذ بها، هذه واحدة.
اخواننا الكرام، انا لا اصدق ان تستطيع التوكل على الله قبل ان توحده، ان كان
التوحيد ضعيفا، ان رايت ان الاقوياء يفعلون ما يريدون، ان رايت ان الله اطلق لكل
انسان يده في ان يفعل ما يريد، وان الله خلاق، وليس فعالا، لا يمكن ان
تتوكل على الله.
من لوازم التوكل ان توحد الله، حينما تشعر ان الامر بيده، صغيره وكبيره، جليله وحقيره،
وان كل شيء بيد الله، عندئذ تتجه الى الله عز وجل.
اذا دخلت الى دائرة لتاخذ تاشيرة خروج، والدائرة اربعة طوابق، وفي كل طابق خمسون موظفا،
لكن هذا البلد تحديدا لا يمكن ان تعطى تاشيرته الا من قبل المدير العام، فكل
هؤلاء الموظفين لا يستطيعون ان يمنحوك الموافقة، الا المدير العام، انت اذا اعتقدت ذلك فلا
يمكن ان تتجه الا الى هذا المدير العام، لان الاتجاه الى غيره مضيعة وقت، وبذل
ماء الوجه، وانت حينما تعلم ان طموحك في الحياة، وان طلباتك لا يمكن ان تحقق
الا بتوفيق الله فهذا معنى قوله تعالى:

﴿وما توفيقي الا بالله﴾

(سورة هود)

عندئذ تتوجه الى الله وحده، ولا يتناقض هذا ان علمت ان زيدا او عبيدا يمكن
ان يساعدك في ذلك، انت تتجه اليه، وتعتقد ان الامر بيد الله.
ومرة ثانية اقول لكم: التطرف سهل جدا، وسهل جدا ان تعتمد على الاسباب، وسهل جدا
الا تاخذ بها، الحالتان المتطرفتان من السهل ان تتلبس بهما، لكن ان تجمع بينهما فهذا
يحتاج الى مهارة كبيرة.
ولو اخذنا مثلا اخر: الاب من السهل جدا ان يكون بطاشا باولاده، القضية سهلة، يضربهم
ضربا مبرحا كلما انزعج منهم، وسهل جدا ان يسيبهم، اما ان يحاسبهم، ويرحمهم في وقت
واحد، يعالجهم ويشعرهم انه يحبهم، وحريص على مستقبلهم، الحالات الدقيقة تحتاج الى جهد كبير جدا،
سهل جدا ان تاخذ بالاسباب، وان تنسى الله عز وجل، وهذا حال كل من ياخذ
بالاسباب، وسهل جدا الا تاخذ بها، لكن ان تاخذ بها بدقة بالغة، وتشعر انك مفتقر
الى الله شعور حقيقي يدعوك الى التوكل، هذا شيء يحتاج الى جهد.
التوحيد اساس التوكل، ما لم تكن موحدا فلن تكون متوكلا ، الان يرافق التوكل اللجوء
الى الله، انت حينما تلجا اليه حقيقة يلقي الله في قلبك السكينة، فتجد المتوكل متوازنا
وساكنا وهادئا، المتوكل ليس مضطربا.
الان من علامات التوكل السكينة، اما الغليان والقلق والاضطراب وتوقع الشر والخوف منه، والتذلل للناس،
والخنوع لهم، والتضعضع امامهم فهذا ينفي التوكل، ان كنت موحدا فتوكل، وان كنت مقبلا على
الله فلا تضطرب، من لوازم التوكل ان تقبل على الله.
شيء اخر، انت بحاجة اليه في التوكل، ان تحسن الظن بالله، وحسن الظن بالله ثمن
الجنة.
ينبغي ان تؤمن ان الله يحبك، وخلقك ليسعدك، وقادر على ان ينجيك مما انت فيه،
ويحب لك الخير، فحسن الظن بالله ثمن الجنة، وسبب التوكل ايضا، وهو استسلام لله، يا
رب، انا عبد بين يديك، ماض في حكمك، نافذ في قضائك، لكن اعلى درجة في
التوكل ان تفوض الله في كل اموره، يا رب، افعل بي ما تريد، انا راض
عنك في السراء والضراء، هذه السفرة ان اتيحت لي فانا راض عنك يا رب، وان
لم تتح لي فانا راض لي، وهذه الفتاة ان وافق اهلها على الزواج منها انا
راض، وان لم يوافقوا انا راض يا رب.
اشخاص كثيرون حينما لا تحقق اهدافهم يسخطون، التفويض ان يستوي عندك تحقيق الهدف وعدم تحقيقه،
وهذه اشياء دقيقة جدا.
ايها الاخوة، الله عز وجل اغلى عليك من كل شيء، اذا كان عنك راضيا فقد
تحقق الهدف.
اوضح شيء ما قاله النبي عليه الصلاة والسلام في الطائف:

(( ان لم يكن بك غضب علي فلا ابالي، ولك العتبى حتى ترضى ))

( السيرة النبوية لابن هشام، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: اخرجه الطبراني عن عبد الله
بن جعفر )

يا رب، ان كانت هذه الشدة تعبر عن غضبك فانا متالم اشد الالم، ولك العتبى
حتى ترضى، وان لم يكن لها علاقة بغضبك فلا ابالي، هذه حالة التفويض، لا يبالي
مهما كانت النتائج، يكفي انه في طاعة الله، والبطولة ان تكون حركتك في الحياة في
رضوان الله، فعلت الذي عليك، وعلى الله الباقي، ادي الذي عليك، واطلب من الله الذي
لك.
الان احدى اطيب ثمرات التوكل الرضا، انت راض عن الله في كل الاحوال.

والله وان فتتوا في حبهم كبدي  راض على فعلهم وراض بما فعلوا
***

ومن اوهام التوكل الا تاخذ بالاسباب، وان تعتقد ان الامر بيد زيد او عبيد، من
اوهام التوكل ان تدعي انك متوكل، وانت متمارض، انت لا تستطيع ان تفعل شيئا، لك
ان تستسلم لله عز وجل، والشيء الذي ينبغي ان نؤمن به انه لا ايمان لمن
لا توكل له ، والذي يعين على التوكل ان تقف على حقائق اسماء الله الحسنى،
ان تصل الى طرف من اسماء الله الحسنى وصفاته الفضلى، انك ان علمت ان الله
قدير على كل شيء، ورحيم، وعدل، لن يحابيك، كلما تعمقت في فهم اسماء الله الحسنى
صح توكلك.

﴿فتوكلوا ان كنتم مؤمنين (23) ﴾

وكلمة ( مؤمنين ) لا تعني انك امنت ان الله خلق الكون فقط، تعلم علم
اليقين ان الله قدير، وسميع، وبصير، وغني، وعليم، وحكيم، فكلما تحققت من اسماء الله الحسنى
جاء التوكل مجديا ومثمرا، لكن بالنهاية انت راض عن الله، اية نتيجة كانت انت راض
عن الله.
ايها الاخوة، عن عوف بن مالك

(( انه حدثهم ان النبي صلى الله عليه وسلم قضى بين رجلين، فقال المقضي عليه
لما ادبر: حسبي الله ونعم الوكيل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ان الله يلوم
على العجز، ولكن عليك بالكيس، فاذا غلبك امر فقل: حسبي الله ونعم الوكيل ))

( ابو داود واحمد )

والعجز هو عدم الاخذ بالاسباب.
لي قريب لم ينجح في الشهادة الثانوية، امه اصرت ان يكون طبيبا، اعادها فلم ينجح،
فرفض ان يتابع الدراسة، اصرت عليه فاعادها فلم ينجح، في العام الرابع نجح، وهو الان
طبيب، الاصرار لا يتناقض مع التوكل، فحينما تؤمن ان الله قدير، وسميع، وبصير تتوكل، ويرافق
هذا التوكل اعلى درجات السعي،

(( ان الله يلوم على العجز، ولكن عليك بالكيس، فاذا غلبك امر فقل: حسبي الله
ونعم الوكيل ))

لا تقلها الا عندما يغلبك الامر، ما دام في الامر فسحة، وسعي، وحركة، واخذ بالاسباب
فلا ينبغي ان تقول: حسبي الله ونعم الوكيل .
اوضح مثل: طالب ما درس فرسب، فلما رسب قال: حسبي الله ونعم الوكيل، هذا كلام
فيه دجل ! لكن طالبا درس اعلى دراسة، وجاءه مرض، وحال بينه وبين اداء الامتحان،
يقول عندئذ: حسبي الله ونعم الوكيل، درست القضية دراسة وافية، فلم تنجح في هذه الصفقة،
تقول: حسبي الله ونعم الوكيل، حينما تغلب تقول: حسبي الله ونعم الوكيل، والمشكلة ان المؤمن
في هذا الزمان كلما الم به شيء من فعله، من تقصيره، واهماله وكسله يقول: حسبي
الله ونعم الوكيل، هذا كلام فيه دجل، وفيه جهل كبير، لا تقل: حسبي الله ونعم
الوكيل الا اذا غلبت، وبذلت كل ما بوسعك، ولم تستطع ان تصل الى مبتغاك.

والحمد لله رب العالمين

السابق
ماهو السكرابز
التالي
تعليقات فيس بوك بالصور